الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما بلغ الناصري الخبر احترز لنفسه، ثم خرج من حلب حتى لقي ملكتمر على العادة، وأخذ منه مثاله، وحضر به إلى دار السعادة، وقد اجتمع الأمراء والقضاة لسماع المثال السلطاني. وتأخر سودون المظفري هذا عن الحضور لما يعلم من عصيان الناصري، فأرسل الناصري يستعجله حتى حضر وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه. فعندما دخل سودون المظفري الدهليز جس قازان البرقشي أمير آخور الناصري كتفه فوجد السلاح، فقال: يا أمير سودون الذي يريد الصلح يدخل السلاح؟ فسبه سودون المظفري، فسل قازان عليه السيف وضربه، ثم أخذته السيوف من كل جهة من الذين رتبهم الناصري من مماليكه حتى قتل. ثم جرد مماليك سودون المظفري سيوفهم وقاتلوا مماليك الناصري، فقتل بينهم أربعة. وثارت الفتنة ساعة ثم سكنت. وحمل سودون ميتاً، رحمه الله، وذلك في صفر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وكان أميراً معظماً، عارفاً ديناً، متواضعاً، محباً للفقراه منفعلاً للخير، كثير البر والمعروف والصدقات، رحمه الله تعالى.
1128 - الشيخوني النائب
…
-
798 هـ -
…
- 1396 م
سودون بن عبد الله الشيخوني الفخري، الأمير سيف الدين، نائب السلطنة
بالديار المصرية.
ولما تسلطن الملك الظاهر برقوق في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة، خلع على الأمير سودون هذا باستقراره في نيابة السلطنة بالديار المصرية، واستقر عوضه في الحجوبية الأمير قطلوبغا الكوكاي أمير سلاح، واستقر عوضاً عن الكوكاي في إمرة سلاح الأمير ألطنبغا المعلم.
قلت: وهذا دليل على أن وظيفة إمرة سلاح كانت قديماً هينة، بخلاف زماننا هذا، فإنها الآن أعظم الوظائف بعد الأمير الكبير، انتهى.
وذلك في يوم الإثنين رابع عشرين شهر رمضان من السنة المذكورة.
واستمر الأمير سودون هذا في النيابة سنين كثيرة معظماً في الدولة، مهاباً، وافر الحرمة، قدوة للملك الظاهر برقوق في أموره، لا يخرج الظاهر عن رأيه ولا عن مايشير إليه ألبتة. ودام على ذلك إلى أن انتكب الملك الظاهر برقوق، وقبض عليه الأمير يلبغا الناصري ومنطاش، وخلعاه من الملك بالملك المنصور حاجي،
وحبساه بحبس الكرك في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فلم يحصل على سودون هذا شر، بل لزم داره، حسبما نذكره إن شاء الله تعالى. وهو أن الناصري ومنطاش لما نزلا بقية النصر خارج القاهرة بمن معهما من العساكر، وأخذ أمر أمراء الملك الظاهر برقوق في انحطاط، وانفل عنه غالب مماليكه وأعيان دولته، ولم يبق عنده سوى الأمير سودون النائب هذا، وابن عمه الأمير قجماس، وسيدي أبي بكر بن سنقر. فلما رأى سودون المذكور أمر الملك الظاهر برقوق في إدبار، أشار عليه بأن يطلب من الناصري أماناً. فأرسل الملك الظاهر أبا بكر بن سنقر إلى الناصري وصحبته الأمير بيدمر المنجكي شاد القصر بنمجة الملك، وسألاه في خلوة الأمان للملك الظاهر برقوق. فأمنه الناصري، وأمره أن يختفي حتى يدبر له أمرا، وقال: الكلمة غير متفقة الآن. فعاد أبو بكر بن سنقر إلى الملك الظاهر بالجواب، فلما صلى الملك الظاهر برقوق العشاء، وقام الخليفة إلى منزله بالقلعة، وتكلم الظاهر مع سودون النائب فيما يفعله، ثم أذن له بالنزول
إلى حال سبيله، فنزل سودون النائب إلى داره، ثم نزل برقوق بعده واختفى بالقاهرة، حسبما ذكرنا في ترجمته.
فلما طلع الناصري إلى قلعة الجبل، وتسلطن الملك المنصور حاجي، وصار يلبغا الناصري مدبر مملكته، طلع إليه سودون المذكور فأمنه على نفسه، ولم يقبض عليه، بل أمره الناصري بلزوم داره، فنزل ولزم بيته، إلى يوم ثامن جمادى الآخرة من السنة، قبض عليه وعلى ثمانية أمراء أخر من مقدمي الألوف والطبلخانات، من حواشي برقوق وهم: سودون باق، وسودون الطرنطاي، وشيخ الصفوي، وقجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق، وسيدي أبو بكر بن سنقر، وأقبغا المارديني حاجب الحجاب، وبجاس النوروزي، ومحمود بن علي الأستادار، وعلى جماعة من الطبلخانات وغيرها، وحبسوا الجميع في حبس الإسكندرية.
فأقام سودون الشيخوني هذا في حبس الإسكندرية إلى شعبان من السنة، أطلقه الأمير منطاش، لما صار أمر المملكة إليه، بعد القبض على الناصري. فقدم القاهرة في ثامن عشرينه بطالا، وأقام على ذلك إلى ثاني شهر رمضان من السنة،
أمسكه منطاش وألزمه بمال يحمله إلى الخزانة الشريفة، فحمل إليه جملة مستكثرة، وأفرج عنه. ولزم داره إلى أن ظهر أمر الملك الظاهر برقوق وخرج من حبس الكرك، وتتبع منطاش حواشي برقوق، قبض على الأمير سودون هذا ثانياً، وحبسه بقاعة الفضة في شهر ذي الحجة. ثم اشتغل منطاش بما هو أهم من ذلك من أمر الملك الظاهر برقوق. ووقع أمور وحروب ذكرناها في غير موضع إلى أن عاد الملك الظاهر برقوق إلى ملكه، أطلق سودون المذكور، وأخلع عليه بنيابة السلطنة بالديار المصرية على عادته أولاً، وزادت رتبته عند برقوق إلى الغاية.
واستمر عظيم الدولة الظاهرية من سلطنة برقوق الثانية سنة إثنتين وتسعين وسبعمائة إلى أن كبر وشاخ. وأخذ يتبرم من الوظيفة والإمرة، ويستعفى إلى أن أعفاه الملك الظاهر برقوق، بعد مجيئه من سفرته إلى البلاد الشامية في صفر سنة سبع وتسعين وسبعمائة. فلزم داره إلى أن توفي بالقاهرة في يوم الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
وكان أميراً جليلاً وقوراً وافر الحرمة، ديناً خيراً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، يضرب بجوده المثل.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله: وكان خيراً ديناً، ومنذ مات تجاهر الملك الظاهر برقوق بمنكرات لم تكن قبل تعرف عنه، انتهى.
وقال العيني: كان رجلاً ديناً عفيفاً، طاهر الذيل، وكان يحب العلماء والفقراء، ويعتقد فيهم. وكان يدور في القاهرة ومصر، وينزل في بيوت الفقراء ويسألهم الدعاء، وكان حصل له شيء من التغفل والتساهي، انتهى كلام العيني.
قلت: وكان عنده سلامة باطن، حتى صار يحكي عنه كما يحكي عن قراقوش في أحكامه. وعمل فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس كتاباً في أحكامه سماه دون الدون في أحكام سودون، وأظن ذلك تهكماً عليه. ولقد حدثني جماعة من مماليكه، ممن كان خدم عند والدي من بعده، عن دينه وخيره وعقله ما يطول الشرح في ذكره، رحمه الله تعالى، فلقد كان من محاسن الدهر.