الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشين والعين
1186 - الملك الأشرف شعبان بن حسين
754 - 778 هـ - 1353 - 1377 م
شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الأشرف أبو المفاخر ابن الملك الأمجد بن السلطان الملك الناصر بن السلطان الملك المنصور.
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وجلس على تخت الملك بعد خلع ابن عمه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد. وسبب خلع المنصور المذكور، أن الأتابك يلبغا العمري بلغه عنه أمور قبيحة، منها: أنه يدخل بين نساء الأمراء، وأنه باع في زنبيل كعكاً وأخذ ثمنه منهن على سبيل المداعبة. وأنه يعمل مكاري للجواري، وأنه يفسق بالحرم، ويترك الصلاة، وأنه يقعد على كرسي الملك جنباً. فخلعه يلبغا وسلطن الأشرف هذا، في يوم الثلاثاء خامس عشر
شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة، وعمره عشر سنين، وتم أمره، وملك الديار المصرية. وصار يلبغا أتابكه على عادته، وطيبغا الطويل أمير سلاح على عادته. وطلب أمير علي المارديني نائب دمشق إلى الديار المصرية، وتولى نيابة دمشق الأمير منكلى بغا الشمسي نائب حلب، وتولى عوض الشمسي بحلب أشقتمر المارديني، واستقر أرغون الأحمدي الخازندار لالا الملك الأشرف المذكور، واستقر في الخازندارية من بعده يعقوب شاه.
كل ذلك بترتيب يلبغا وطيبغا، فإنهما كانا صاحبا العقد والحل، والأشرف ليس له من الأمر سوى الاسم فقط.
واستمر الحال على ذلك، حتى أراد يلبغا أن يستبد بالأمر وحده، ويبعد طيبغا الطويل. ولا زال يرتقب الفرصة، إلى أن خرج الطويل إلى العباسة يتصيد، في سنة سبع وستين وسبعمائة، فلما وصل طيبغا الطويل إلى نواحي العباسة
جهز له يلبغا تشريفاً بنيابة دمشق، على يد جماعة من الأمراء، وبلغ طيبغا ذلك فخرج عن الطاعة، ووقع من أمره ما سنحكيه في ترجمته من إمساكه وحبسه. وصفا الوقت ليلبغا، إلى أن توجه الملك الأشرف شعبان هذا إلى الطرانة، يتصيد على عادة الملوك، في ليلة الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وسبعمائة. وكان يلبغا قد زاد ظلمه وعسفه في مماليكه وغيرهم، وقبل تاريخه بمدة يسيرة، كان يلبغا ضرب الأمير سابق الدين مثقال الأنوكي، مقدم المماليك السلطانية داخل القصر ستمائة عصاة، ونفاه إلى أسوان، وولي مكانه مختار الدمنهوري المعروف بشاذروان، مقدم الأوجاقية بباب السلسلة. وفعل يلبغا مثل هذه الفعلة مع عدة أناس أخر، وكان سيىء الخلق إلى الغاية، فأضمروا مماليكه له السوء، واتفقوا على قتله، حسبما نذكره في ترجمته مفصلاً، من تسحبه إلى القاهرة هارباً، وسلطنته لأنوك بن حسن بالجزيرة الوسطى، ثم انهزم وانتصر الأشرف بمماليك يلبغا على يلبغا وقتلوه.
وأصبح الأشرف بكرة قتل يلبغا، انتبز إليه جماعة من الأمراء، وصاروا هم أصحاب الأمر والنهي في المملكة كما كان يلبغا، وهم: طغيتمر النظامي، وأقبغا
الأحمدي جلب، وقجماس الطازي، وأسندمر الناصري. وأخذوا وأعطوا وأمروا ونهوا، ولا زالوا على ذلك حتى أراد أسندمر أن يستبد بالأمر وحده كما كان يلبغا، فوقع بينهم وقعة هائلة، انتصر فيها أسندمر على الثلاثة المذكورين، وأمسكهم وحبسهم بثغر الإسكندرية، وخلع عليه الملك الأشرف بالأتابكية، وسكن بالكبش في بيت يلبغا، ثم ما قنع أسندمر ذلك، حتى وافق مماليك يلبغا على خلع الأشرف، وركب بمماليك يلبغا على السلطان الملك الأشرف صاحب الترجمة، فنزل إليه الأشرف بنحو مائتي مملوك وبعض أعيان الأمراء، وكانت مماليك يلبغا الذين مع أسندمر أكثر من ألف وخمسمائة مملوك، فانتصر الأشرف، وقبض على أسندمر، فشفع فيه من حضر من أكابر الأمراء، فأطلقه وأخلع عليه على جاري عادته، وجعل خليل بن قوصون شريكاً له في الأتابكية، ونزل معه خليل كالترسيم. فلما وصلا إلى الكبش، اتفقا على الملك الأشرف وعصيا عليه، من الغد، ثم الأشرف ظفر بهما ثانيا وحبسهما بثغر الإسكندرية، وصفا له الوقت بعض شيء.
وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين بن العطار:
هلال شعبان جهراً لاح في صفر
…
بالنصر حتى أرى عيداً بشعبان
وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا
…
رجماً وما انتطحت في الكبش شاتان
ثم أفرج الأشرف عن طغيتمر النظامي وألجاي اليوسفي وعن جماعة أخر، ثم أخلع على يلبغا آص المنصوري باستقراره أتابك العساكر هو وتلكتمر المحمدي الخازندار، وأنعم على كل منهما بتقدمة ألف، وأجلسهما بالإيوان في سادس عشر صفر، ثم أمسكهما من الغد لأنهما أردا أن يخرجا مماليك يلبغا المحبوسين، ثم شرع الأشرف في الإنفاق على سائر المماليك السلطانية أرباب الوظائف، لكل نفر مائة دينار، وأرباب الوظائف البرانية، لكل نفر خمسين ديناراً. ثم رسم الأشرف بطلب الأمير منكلى بغا الشمسي إلى الديار المصرية، فحضر إليها، فأراد الأشرف أن يخلع عليه خلعة النيابة فأبى، فأمر له السلطان بتقدمة ألف، وأن يكون أتابك العساكر. ثم رسم له أن يتزوج بكريمة الملك الأشرف، فتزوجها ودخل بها في شهر رجب من السنة، قلت: واستولدها منكلى بغا الشمسي المذكور، خوند هاجر زوجة الملك الظاهر برقوق، المعروفة بخوند الكعكيين، توفيت هاجر المذكورة بالطاعون في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
ثم أن الأشرف أخلع على ألجاي اليوسفي، زوج أمه خوند بركة، بإمرة سلاح كل ذلك في سنة تسع وستين وسبعمائة.
واستمر الملك الأشرف من حينئذ، أمره ينمو وحرمته تتزايد. ثم ولي أمير على
المارديني نيابة السلطنة بالديار المصرية في سنة سبعين، واستقر بالأمير منجك اليوسفي في نيابة دمشق قبل تاريخه، عوضاً عن منكلى بغا الشمسي.
ثم حجت والدته في السنة المذكورة بتجمل عظيم زائد خارج عن الحد، وفي خدمتها من الأمراء، مقدمان: بشتاك العمري، وبهادر الجمالي، ومائة مملوك، ومعها أشياء خارجة عن الوصف. من ذلك: جمال محملة بقولاً وخضراً، وقس على ذلك، إلى أن حجت وعادت إلى القاهرة.
وفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، رسم الملك الأشرف المذكور بأن الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية، كلهم يسون عمائمهم بعلامة خضراء بارزة للخاصة والعامة، نظراً في حقهم وتعظيماً لقدرتهم، ليقابلوا بالتعظيم ويمتازوا من غيرهم.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي رحمه الله:
جعلوا لأبناء الرسول علامة
…
إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم
…
يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم المزين الدمشقي:
أطراف تيجان أتت من سندس
…
خضر كأعلام على الأشراف
والأشرف السلطان خصصهم بها
…
شرفا ليعرفهم من الأطراف
وفي هذا المعنى يقول بدر الدين طاهر بن حسن بن حبيب الحلبي:
عمائم الأشراف قد تميزت
…
بخضرة وقت وراقت منظرا
وهذه إشارة أن لهم
…
في جنة الخلد لباساً أخضرا
وله أيضاً:
ألا قل لمن يبغي ظهور سيادة
…
تملكها الزهر الكرام بنو الزهرا
لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة
…
فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا
وفي هذا المعنى يقول شهاب الدين بن أبي حجلة المغربي الحنفي:
لآل رسول الله جاه ورفعة
…
بها رفعت عنا جميع النوائب
وقد أصبحوا مثل ملوك برنكهم
…
إذا ما بدوا للناس تحت العصائب
وقلت: وهذا مما يدل على حسن اعتقاد الملك الأشرف هذا رحمه الله وآل بيت النبوة وتعظيمه لهم.
وفي سنة سبع وسبعين، ختن الملك الأشرف فيها أولاده، وأقام لهم سبعة أيام، صرف فيها من الأموال، ما يستحي من ذكره، ضربنا عن ذكرها خوف الإطالة.
وفيها أخلع الأشرف على الأمير آقتمر الصاحبي، باستقراره في نيابة السلطنة بالديار المصرية، بعد موت الأمير منجك اليوسفي، يأتي ذكر منجك في محله إن شاء الله تعالى.
وفيها في العشر الأوسط من صفر ابتدأ الملك الأشرف بعمارة مدرسته التي أنشأها بالصوة. قلت: هي الآن بيمارستان للملك المؤيد شيخ، وهو أن الأشرف اشترى بيت سنقر وشرع في هدمه، وجعل مكانه المدرسة المذكورة، وأمر الاجتهاد والاهتمام في عملها.
وفي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، غرقت الحسينية خارج القاهرة، خرب بها ألف بيت أو أكثر، وسبب ذلك، أن أحمد بن قايماز، أستادار محمد بن آقبغا آص، استأجر مكاناً وجعله بركة وفتح له مجرى من الخليج فتحرك الماء، وغفلوا عنه إلى أن وقع منه ما حكيناه.
وأرسل الأشرف في يوم الإثنين ثاني عشر جمادى الأولى من السنة، قبض على الناصري محمد بن آقبغا آص المذكور أستادار العالية، ونفاه إلى القدس بطالاً، ونفى بعده بيوم ولده محمد شاه، وعد من ذنوبه خراب الحسينية.
وفيها رسم الأشراف بإبطال ضمان المغاني بجميع أعمال الديار المصرية.
ثم ضعف الأشرف مدة ثم تعافى ودقت البشائر لذلك.
وفي السنة المذكورة، أعني سنة ثمان وسبعين، وقع الاهتمام لسفر السلطان إلى الحجاز، واجتهد كل واحد من أرباب الدولة فيما يتعلق به، إلى أن انتهى جميع ما أمر به السلطان. فلما كان يوم السبت الثاني عشر من شوال، خرجت أطلاب الأمراء المتوجهين إلى الحجاز الشريف، وفي يوم الأحد ثالث عشرة، خرج طلب الملك الأشرف في ترتيب عظيم، وتجمل زائد، وفي جملة الطلب عشرون قطاراً من الهجن بقماش ذهب، وخمس عشرة قطاراً بقماش حرير، وقطار واحد بخليفتي، وقطار آخر بلبس أبيض لأجل الإحرام، ومائة فرس ملبسة، وكجاوتان بغشا زركش، وتسع محفات غشا خمسة منهن زركش، وستة وأربعون زوجاً من المحائر، والخزانة عشرون جملاً، وقطاران من الجمال محملة من الخضر المزروعة. ثم في يوم الإثنين رابع عشرة، خرج السلطان بأبهة عظيمة فتوجه إلى سرياقوس وأقام بها يوماً، وخلع على الشيخ ضياء الدين القرمي واستقر في مشيخة خانقاته، أعني المدرسة التي أنشأها الملك الأشرف بالصوة، ثم رحل السلطان من سرياقوس ونزل ببركة الحاج فأقام بها إلى يوم الثلاثاء ثاني عشرين شوال، ركب منها بمن كان معه من الأمراء وغيرهم متوجهاً إلى الحجاز.
وكان معه من مقدمي الألوف تسعة، وهم: أرغون شاه الأشرفي. وبيبغا الساقي الأشرفي. وصرغتمش الأشرفي، وبهادر الجمالي. وصراي تمر المحمدي. وطشتمر العلائي. ومبارك الطازي. وقطلقتمر العلائي الطويل. وبشتاك من عبد الكريم.
ومن الطبلخانات خمسة وعشرون نفراً، وهم: عبد الله بن بكتمر الحاجب، وأيدمر الخطاي الصديقي، وبدري الأحمدي، وبلوط الصرغتمشي، وأروس المحمدي، وأرغون العزي الأفرم، وطغى تمر الأشرفي، ويلبغا المنجكي، ويلبغا الناصري، وكزك الأرغوني، وقطلوبغا الشعباني، وعلي بن منجك اليوسفي، وأمير حاج بن مغلطاي، ومحمد بن تنكزبغا، وتمر باي الحسني، وأسندمر العثماني، وقرابغا الأحمدي، وأينال اليوسفي، وأحمد بن يلبغا العمري، وموسى ابن دندار بن قرمان. وبدي قرطغا بن سوسون. ومغلطاي البدري، وبكتمر العلمي.
ومن العشرات خمسة عشر أميراً وهم: آقبغا بوري، وأحمد بن محمد بن لاجين، وأبو بكر بن سنقر، وأسنبغا، وتلكي شيخون، ومحمد بن بكتمر الشمسي، ومحمد بن قطلوبغا البزلاري، وتكتمر العيسوي، وطوغان العمري الظهير، ومحمد بن سنقر، ومنجك الأشرفي، وخضر بن عمر بن بكتمر الساقي.
وجعل الأشرف نائب الغيبة بالديار المصرية آقتمر عبد الغني عن السلطنة،
وجعل نائب الغيبة بقلعة الجبل أيدمر الشمسي. وسافر الملك الأشرف وهو ضعيف، بعد أن أشار عليه جماعة من الصلحاء والأعيان بتأخير السفر في هذه السنة، فأبى وسافر.
فلما كان يوم السبت ثاني ذي القعدة، اتفق طشتمر اللفاف، وقرطاي الطازي، وأسندمر الصرغتمشي، وأينبك البدري، وجماعة أخر من المماليك السلطانية، وجماعة من مماليك الأسياد، ومماليك الأمراء المسافرين في صحبة السلطان، ولبسوا آلة الحرب في ذلك اليوم، فنزل الذين بالأطباق وطلع الذين بالمدينة، واتفقوا ومضوا إلى باب الستارة من القلعة، فقفل سابق الدين مثقال الزمام باب الساعات، ووقف داخل الباب هو والأمير جلبان لالا أولاد السلطان، وآقبغا جاركس اللالا أيضاً، وألحوا الأمراء في دق الباب، وقالوا: إعطونا سيدي أمير علي بن السلطان الملك الأشرف. فسألهم الأمير جلبان اللالا: من هو منكم المتحدث
في هذا الأمر؛ حتى نسلم أمير علي. وكثر الكلام بين الطائفتين، وآخر الأمر كسروا شباك الزمام المطل على باب الساعات، وطلعوا منه، ونهبوا بيت الزمام، ونزلوا إلى رحبة باب الستارة، ومسكوا مثقال الزمام وجلبان اللالا، وفتحوا الباب فدخلت البقية، وقالوا: أخرجوا سيدي أمير علي حتى نسلطنه فإن أباه الملك الأشرف مات، فدخل الزمام وأخرج لهم سيدي علي، فأقعدوه بباب الستارة، ثم أحضروا أيدمر الشمسي فبوسوه الأرض بين يديه، ثم أركبوا أمير على بعض خيولهم، وتوجهوا به إلى الإيوان الكبير، ثم أرسلوا خلف الأمراء الذين بالمدينة فطلعوا إلى سوق الخيل، وأبوا أن يطلعوا إلى القلعة، فأنزلوا أمير علي إلى الأسطبل السلطاني، وطلع إليه سائر الأمراء، وباسوا له الأرض وحلفوا له وكان السيفي ألجاي المعروف بالكبير، وطشتمر الصالحي، وحطط رأس نوبة لم يوافقوا الجماعة، فمسكوهم وجعلوهم بالقصر، ولقبوا أمير علي بالملك المنصور، ونادوا بالأمان والاطمئنان بعد أن أخذوا خطوط الأمراء الكبار.
وتابوا تلك الليلة، وأصبحوا يوم الأحد وهم لابسون بسوق الخيل، فينما هم كذلك، إذ ورد عليهم الخبر بأن شخصاً يقال قازان البرقشي، وهو ممن سافر صحبة الملك الأشرف إلى الحجاز، وجدوه بالقاهرة متنكراً، فمسكوه وأتوا به إلى
الأمراء، فسألوه عن خبر قدومه، وعن خبر السلطان، فأبى أن يخبرهم بشيء، فهددوه بالتوسط، فأخبر بأن قال لهم: لما نزل السلطان إلى العقبة أقام بها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فطلب المماليك منه العليق، فقال لهم اصبروا إلى الأزلم، فأبوا وتأخروا عن أكل السماط عصر يوم الأربعاء، وركبوا على السلطان الملك الأشرف ليلة الخميس، ورؤوسهم: طشتمر العلائي، وصراي تمر المحمدي، مبارك الطازي، وطقتمر العلائي الطويل، وسائر مماليك الأسياد. ثم ركب السلطان وتواقعوا، فانكسر السلطان وهرب، وصحبته من الأمراء: صرغتمش، وبشتاك، وأرغون شاه، ويلبغا الناصري، وأرغون كبك، وأن الأشرف بمنزلة عجرود.
فلم يأخذوا كلامه بالقبول، وكذبوه، وأرادوا توسيطه. فقال لهم: خلوني أدلكم عليه. فأخذهم وذهب بهم إلى قبة النصر، فوجدوا فيها صرغتمش، وأرغون شاه، وبشتك، وأرغون كبك، ويلبغا. وقيل إن الذين توجهوا معه من الأمراء المصريين هو: أسندمر الصرغتمشي، وطولو الصرغتمشي، ومعهما جماعة من المماليك، فقتلوا الأمراء المماليك المذكورين وأتوا برؤوسهم إلى سوق الخيل.
وأما الملك الأشرف، فإنه لما وصل إلى قبة النصر، وسمع ما وقع في الديار المصرية، توجه هو ويلبغا الناصري واختفيا عند أستادار يلبغا الناصري، فلم
يأمن الأشرف على نفسه في هذا المكان، فتوجه منه في الليل واختفى عند امرأة تسمى آمنة زوجة المشتولى، فاختفى عندها، فنَّمت عليه امرأة أخرى إلى الأمراء وقالت لهم: السلطان مختفي عند فلانة في الجودرية، فتوجه معها ألطنبغا السلطاني ومعه جماعة وكبسوا بيت آمنة المذكورة. فهرب الملك الأشرف، واختفى بالباذهنج، فطلعوا إليه فوجدوه هناك وعليه قماش النساء، فمسكوه وألبسوه عدة الحرب، وأحضروه إلى القلعة، فتسلمه أينبك البدري وقرره على الذخائر، فأخبره بذلك بعد أن ضربه أينبك تحت رجليه بالعصى، ثم خنقوه. والذي تولى خنقه جاركس شاد عمائر ألجاي اليوسفي، فأعطي جاركس المذكور إمرة عشرة وجعل شاد العمائر السلطانية. ثم وضعوا الأشرف في قفة وخيطوا عليه بلاساً، وأرمى في بئر، فأقام بها أياماً إلى أن ظهرت رائحته، فأخرجوه من البئر، وأخذه بعض خدامه ودفنه عند كيمان السيدة نفيسة، ثم نقل إلى تربة والدته خوند بركة، بعد أن غسل وكفن وصلي عليه، ودفن بقبة وحده، وقيل في موته غير ذلك، والصحيح ما حكيناه.
وكانت موتته في ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وتسلطن من بعده ابنه الملك المنصور علي، المتقدم ذكره.
وكان الملك الأشرف ملكاً جليلاً، شجاعاً، مهاباً، كريماً، ليناً هيناً، محبباً للرعية. قيل إنه لم يل الملك في الدولة التركية أحلم منه، ولا أحسن منه خُلُقاً وخَلْقاً. وكان محباً للعلماء والفقهاء وأهل الخير، مقتدياً بالأمور الشرعية، أبطل عدة مكوس في سلطنته، وكان محسناً لأخوته وأقاربه وأولاد عمه، أنعم عليهم بالإقطاعات الهائلة، وجعل بعضهم أميراً، وهذا شيء لم يعهد بمثله من ملك. وكان يفرق في كل سنة على الأمراء، أقبية بطرز زركش، والخيول المسومة بالسروج الذهب والكنابيش الزركش والسلاسل الذهب، وكذلك على جميع أرباب الوظائف. ولم يكن فيه ما يعاب غير أنه كان محباً لجمع المال، ولكنه كان يصرف غالبه في وجوه البر والصدقة، وكان له محاسن كثيرة، وكانت أيامه بهجة، وأحوال الناس في أيامه هادئة مطمئنة، والخيرات كثيرة، ومشي شوق أرباب الكمالات في زمانه من كل علم وفن، وافتتحت سيس في أيامه وبلادها، وزالت دولة الكفر الأرمن.
وممن وقع في أيامه من الغرائب: وهو أن في سنة ست وتسعين وسبعمائة كان للأمير شرف الدين عيسى بن بابجك وإلى الأشمونين بنت راهقت، فلما