الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الطاء والطاء
1248 - الملك الظاهر أبو الفتح
…
-
824 هـ -
…
- 1421 م
ططر بن عبد الله الظاهري، السلطان الملك الظاهر أبو الفتح سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية.
كان من جملة مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن انضم على الأمير ونوروز في الدولة الناصرية فرج، بعد موت الأمير جكم من عوض. فإنه كان أولا توجه إلى جكم وأقام عنده، فلما قتل جكم انضم على شيخ ونوروز ودام معهما، إلى أن قتل الملك الناصر فرج، ودخل الأمير شيخ المحمودي صحبة السلطان والخليفة المستعين بالله العباسي إلى الديار المصرية، قدم معه ططر المذكور وتأمر بعد سلطنة الملك المؤيد. ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة. ومقدم ألف بالديار
المصرية. ولما توجه الملك المؤيد لقتال قاني باي المحمدي نائب الشام، في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، جعل ططر هذا نائب الغيبة بالديار المصرية، وسكن باب السلسلة إلى أن عاد الملك المؤيد إلى القاهرة، وأخلع عليه بعد مدة، في يوم الخميس العشرين من شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة، باستقراره رأس نوبة النوب، عوضاً عن بردبك قصقا بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس.
واستمر ططر على ذلك إلى سنة إحدى وعشرين، استقر في إمرة مجلس، واستقر عوضه رأس نوبة النوب الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير. فدام ططر على ذلك إلى أن مرض الملك المؤيد ومات، بعد أن أوصى إليه بالتكلم على ابنه الملك المظفر أحمد بن شيخ، هو والأتابك ألطنبغا القرمشي والأمير قجقار القردمي، وأن يكون التحدث في أمور الدولة للأمير الكبير ألطنبغا القرمشي، وكان القرمشي في التجريدة بالبلاد الشامية.
فلما مات الملك المؤيد، قبض ططر على قجقار القردمي، وصار هو المتكلم في المملكة. وأنعم على جماعة الملك المؤيد بإقطاعات الأمراء الذين في التجريدة، حتى تم له الأمرو التكلم، وأخذ وأعطى، حتى ورد عليه الخبر بعصيان الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار نائب الشام، وأنه بعث يستميل
الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي بمن معه، وأنه مال إليه، وقدم دمشق بعد ما قتل يشبك نائب حلب، ووقع بينهما فتنة آلت الحرب، وانكسر جقمق.
وكان ططر قد عزم على خروج الملك المظفر إلى البلاد الشامية، فعند ذلك أنفق في المماليك السلطانية لكل مملوك مائة دينار. وخرج بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر المصرية على العادة، في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثمانمائة. فعندما قارب ططر دمشق، خرج منها الأتابك ألطنبغا القرمشي لتلقيه، والتقيا، فأكرمه ططر، ومشى القرمشي على يمين السلطان الملك المظفر وططر عن يساره، حتى دخلوا الجميع إلى دمشق، في يوم الأحد خامس عشر جمادى الأولى. وطلعوا إلى قلعة دمشق، في ساعة استقرارهم بالقلعة، قبض الأمير ططر على الأتابك ألطنبغا القرمشي، وعلى الأمير ألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب، وعلي الأمير جرباش، وعلي الأمير أردبغا أحد الألوف بدمشق، وعلي الأمير بد الدين حسن بن محب الدين الأستادار كان. ثم أصبح من الغد يوم الإثنين، أخلع على الأمير تنبك العلائي الظاهري المعروف بميق باستقراره في نيابة دمشق، عوضاً
عن جقمق الأرغون شاوي، وعلي الأمير إينال الجكمي رأس نوبة النوب باستقراره في نيابة حلب، عوضاً عن ألطنبغا الصغير الذي ولاه القرمشي بعد قتل يشبك المؤيدي، وعلي الأمير يونس الركني أتابك دمشق باستقراره في نيابة غزة، عوضاً عن أركماس الجلباني بحكم استقرار الجلباني في نيابة طرابلس، عوضاً عن شاهين الزردكاش، ثم أرسل الأمير ططر بجماعة من الأمراء إلى قلعة صرخد في طلب جقمق نائب الشام.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة، فيه قدم جماعة من الأمراء، الذين كانوا تسحبوا بعد وقعة قاني باي نائب الشام إلى قرا يوسف، خوفاً من الملك المؤيد شيخ وهم: الأمير طرباي نائب غزة كان، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس كان، والأمير تنبك البجاسي نائب حماة كان، والأمير يشبك الجكمي الدوادار الثاني كان، والأمير جانبك الحمزاوي نائب طرسوس كان. فرحب بهم الأمير ططر وأخلع عليهم، ثم توجه ططر بالسلطان إلى حلب ودخلها
وأقام بها نيفاً وأربعين يوماً، وعزل نائبها الأمير إينال الجكمي بالأمير تغرى بردى الأقبغاوي المؤيدي المعروف بأخي قصروه، ثم خرج ططر من حلب عائداً إلى دمشق في يوم الإثنين ثاني عشر شعبان، فدخل دمشق في يوم السبت عشرين شعبان في خدمة الملك المظفر أحمد بن شيخ.
وكان ططر قد تزوج بوالدة الملك المظفر خوند سعادات، بعد خروجه من الديار المصرية، فاستمر ططر بدمشق إلى يوم الأربعاء ثامن عشرين شعبان المذكور، وطلع الأمراء إلى الخدمة على العادة، فلما تكامل حضور الأمراء أمر الأتابك ططر بالقبض على من يذكر من الأمراء المؤيدية، فقبض عليهم وهم: الأمير علي باي المؤيدي الداودار الكبير، وعلي مغلباي الساقي المؤيدي أحد أمراء الطبلخاناة، ثم علي الأمير إينال الأزعري حاجب الحجاب بالديار المصرية، ثم علي إينال الجكمي نائب حلب، وقد استقر أمير سلاح، وعلي سودون اللكاشي أحد مقدمي الألوف بالقاهرة، وعلي جلبان أمير آخور أحد مقدمي الألوف بالقاهرة أيضاً، وهما ممن كانا في التجريدة صحبة ألطنبغا القرمشي، وعلي الأمير يشبك أنالي المؤيدي رأس نوبة النوب، وأنالي يعني له أم باللغة التركية، وعلي الأمير أزدمر الناصري أحد المقدمين بالقاهرة أيضاً.
ثم عزم الأتابك ططر على خلع الملك المظفر فخلعه في تاسع عشرين شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فكانت مدة ملكه سبعة أشهر وعشرين يوماً.
وتسلطن ططر، ولقب بالملك الظاهر أبي الفتح، وجلس على تخت الملك بالخلعة الخليفية في يوم الجمعة تاسع عشرين شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، الموافق له يوم نوروز القبط، وخطب له في يومه، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستمر إلى يوم الإثنين ثالث شهر رمضان خلع علي الأمير برسباي الدقمامي، أعني الأشرف، واستقر دوادار كبيراً، عوضاً عن علي باي المؤيدي، وعلي الأمير طرباي باستقراره حاجب الحجاب، عوضاً عن إينال الأزعري، وعلي يشبك الجكمي الدوادار كان باستقراره أمير أخورا كبيرا، عوضاً عن تغرى بردى الأقبغاوي المؤيدي المعروف بأخي قصروه.
ثم في يوم الإثنين سابع عشر شهر رمضان، وقيل يوم الجمعة رابع عشرة، برز الملك الظاهر ططر من دمشق عائداً إلى الديار المصرية فوصلها في يوم الخميس رابع شوال، وطلع القلعة من يومه، وأصبح من الغد أخلع على مرجان الطواشي الهندي الخازندار، واستقر به زمام دار بعد عزل كافور الصرغتمشي، وفي يوم الإثنين خامس عشرة أخلع على الشيخ ولي الدين أحمد العراقي، واستقر به قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، بعد موت قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني.
واستمر إلى يوم الإثنين ثاني عشرين شوال مرض ولزم الفراش إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة، فصل، ودخل الحمام، وتباشر الناش بعافبة السلطان، ثم في ثالثه خلع على مملوكه ودواداره الأمير فارس باستقراره في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير قشتم المؤيدي بعد القبض عليه، وعلي الأمير قاني باي الحمزاوي، وحملهما إلى الإسكندرية.
في يوم الإثنين سابعة خلع علي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي، واستقر به ناظر الجيش بعد عزل كمال الدين محمد بن البارزي، فمن حينئذ أعطى القوس لغير راميه، ثم في سادس عشرينه رسم بالإفراج عن أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس بن المتوكل على الله محمد من سجنه بالإسكندرية، وأن يسكن بها حيث ما شاء، وأرسل له بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وبقشة قماش، ورتب له على الثغر في كل يوم ثمانمائة درهم برسم نفقته.
ثم اخذ مرض السلطان يتزايد إلى ثاني ذي الحجة، جمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصوفي متكلماً في الأمور، ويكون الأمير برسباي الدقماقي الدوادار الكبير لالا، وحلف الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرة لابن الملك المؤيد شيخ.
واستمر الملك الظاهر ططر أمره في انحطاط إلى أن توفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجة من سنة أربع وعشرين وثمانمائة وله نحو خمسين سنة، ودفن من يومه بالقرافة بجوار الإمام الليث بن سعد، ونزل معه نحو الثلاثين رجلاً، وأنزل من باب السلسلة، فكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوماً.
قلت: وفي هذه المدة اليسيرة لا تستقل بما فعله من الإنتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب نفسه ومهد لغيره، فانظر إلى هذه الدنيا وما تفعل بمحبيها.
وكان، عفا الله عنه، ملكاً عارفاً، فطناً، عفيفاً عن المنكرات، مائلاً إلى العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم ويجلهم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم وذوق في البحث، وكان بارعاً في حفظ الشعر باللغة التركية، عارفاً بمعانيه ودقائقه، وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط، مع طبش وخفة، وكان يميل إلى أبناء جنسه الجراكسة في الباطن دون غيرهم من الأجناس.
وكان قصيراً جداً، كبير اللحية أسودها، مليح الشكل، يتكلم بأعلى حسه، وفي صوته بحة بشعة.
قال الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي: وكان يميل إلى تدين، وفيه لين واعطاء وكرم مع طيش وخفة، وكان كثير التعصب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع أحداً من الفقهاء غير الحنفية، وأتلف في مدته مع قلتها أموالاً عظيمة، وحمل الدولة كلفاً كثيرة، أتعب بها من بعده، ولم تطل أيامه حتى تشكر أفعاله أو تذم، انتهى كلام المقريزي.
وقال القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية: وكان رحمه الله مائلاً للعدل، وأهل العلم، يحبهم ويكرمهم، ويتكلم في مسائل من الفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان صاحبي حين كان أميراً، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية.