الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظاهر برقوق رحب بهم، ثم التفت إلى الناصري وقال له: أنا ما أؤاخذك بما وقع منك ولا ما وقع من غيرك ونحن أولاد اليوم. فقبلوا الجميع الأرض ثانيا، ثم قال برقوق للناصري: وهذا غريمك بالبلاد الشامية يعني منطاش. فإن برقوق لما قبض عليه الناصري وحبسه بالكرك، وثب منطاش على الناصري بعد مدة، وقبض عليه وحبسه بالإسكندرية، حتى أخرجه برقوق الآن.
ثم إن الملك الظاهر أنعم على سودون باق هذا بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، وتوجه إلى دمشق صحبة الأمراء المجردين لقتال منطاش، واستمر بها إلى أن خرج الملك الظاهر بعد مدة إلى البلاد الشامية، قبض عليه وقتله في أواخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة لممالأته إلى منطاش على ما قيل، رحمه الله. وقتل معه جماعة من الأمراء مقدمي الألوف والطبلخانات وهم: الأمير ألابغا العثماني الدوادار كان، وغريب الأشرفي، وأحمد بن بيدمر الخوارزمي، ومحمد بن أمير علي المارديني، ويلبغا العلائي، وكمشبغا المنجكي، وبغاحق اليفي، وملكتمر المارديني، وقرابغا العمري.
1137 - سودون طاز
…
-
806 هـ -
…
- 1404 م
سودون بن عبد الله بن علي باك الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف بسودون
طاز.
هو أيضاً من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن خواصه، وممن أمره إمرة عشرة، وجعله معلماً للرمح، وكان رأسا في لعب الرمح وغيره من أنواع الفروسية، يضرب بقوة طعنه وشدة مقابلته المثل، وأما سرعة حركته وحسن تسريحه لجواده فإليه المنتهى في ذلك. ولما مات أستاذه الملك الظاهر برقوق، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج، صار سودون طاز هذا في دولته أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة استقر أمير آخورا كبيراً، عوضاً عن الأمير سودون الطيار بحكم غيبته في البلاد الشامية، ولما ولي الأمير آخورية زادت عظمته في الدولة، وصار من أعيان المتكلمين في المملكة، وإليه مرجع غالب أمور الرعية. وضخم أمره وسار على قاعدة من تقدمه من عظماء الملوك، حتى أنه جعل راتب سماطه في اليوم ألف رطل من اللحم الضأن خارجاً عن الدجاج والأوز والمرمسان من الضأن. وكان واسع النفس على الطعام إلى الغاية، كريماً، كثير الإنعام على المماليك السلطانية وغيرهم، حتى لقد أخبرني جماعة من أصحاب سودون طاز المذكور قالوا: لا نعلم أحداً من المماليك السلطانية إلا ووصل إليه
رفد الأمير سودون طاز هذا غير مرة. قلت: وهذا مشهور عنه عند كل أحد، ولولا كرمه الزائد ما كان لما أراد الخروج إلى البلاد الشامية خرج معه من المماليك السلطانية نحو الألف مملوك، وصاروا له طوعاً فيما يريده ويأمر به، وأقاموا عنده بسرياقوس خارج القاهرة نحو الشهر إلى أن انتهى أمره على ما نحكيه.
قلت: واستمر سودون طاز هذا على ما هو عليه من الحرمة والعظمة إلى أن وقع بينه وبين الأمير يشبك الشعباني الدوادار. وهو أن يشبك أراد القبض عليه ففطن هو لذلك، فأخذ خيول السلطان من الإسطبل السلطاني وتوجه إلى عند جكم من عوض ببركة الحبش، فعظم أمر جكم به، واتفقا على قتال يشبك، ومشى الناس بين الفريقين بالصلح، فامتنع كل من الفريقين إلا القتال، فانتصر جكم وسودون طاز هذا على يشبك وأصحابه، وقبضا عليهم، وحبسوا بثغر الإسكندرية، وتولى جكم الدوادارية من بعد يشبك، كل ذلك بسفارة سودون طاز هذا وحاشيته.
وصارا هما أصحاب العقد والحل في المملكة إلى سنة أربع وثمانمائة، وقع الكلام بين سودون طاز وبين جكم من عوض المذكور وبين نوروز الحافظي
بمن معهم، وآل الأمراء إلى الحرب والقتال. فلما كان يوم ثاني شوال من السنة نزل الملك الناصر فرج عند الأمير سودون طاز هذا إلى الأسطبل السلطاني لقتال جكم ونوروز بمن معهم، وركب جكم ونوروز وقرقماس الرماح وقاني باي وغيرهم، ووقعت الحروب بينهم من بكرة النهار إلى العصر، فعند ذلك بعث السلطان بالخليفة المتوكل على الله والقضاة إلى الأمير نوروز في طلب الصلح، فلم يجد نوروز بداً من الصلح، فأذعن وترك القتال وخلع عنه آلة القتال، فكف الأمير جكم أيضاً عن القتال، كل ذلك مكيدة من الأمير سودون طاز هذا، وطلع نوروز إلى القلعة فأخلع السلطان عليه ونزل جكم بغير خلعة، فحنق جكم من ذلك وثارت الفتنة أيضاً بعد أيام، وخرج جكم إلى بركة الحبش بمن كان معه أولاً، ونزل سودون طاز بالسلطان إليهم وقاتلهم فكسرهم، وأمسك من أصحاب جكم، الأمير تمربغا المشطوب، وسودون من زاده، وعلي بن إينال، وأرغز، وفرجكم ونوروز وجماعة أخر يريدون بلاد الصعيد، ثم انحل برمحهم وعادوا إلى الجيزة.
ثم اصطلح نوروز مع سودون طاز، وقبض سودون طاز على جكم وأرسله
إلى الإسكندرية، فسجن به حيث كان يشبك مسجوناً، وأفرج عن يشبك وأصحابه وقدموا إلى القاهرة.
وصفا الوقت لسودون طاز هذا، حتى أنه لو أراد أن يتسلطن لكان يمشي له ذلك من غير منازع، هكذا حكى لي جماعة من أعيان المماليك الظاهرية ممن كان من أصحاب جكم وغيره، وكان هذا في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى من سنة أربع وثمانمائة. وقدم يشبك وأصحابه من ثغر الإسكندرية في يوم الإثنين تاسع عشر جمادى الأولى المذكور، وكان رفقة يشبك الأمير قطلوبغا الكركي، وآقباي الكركي الخازندار، وجاركس القاسمي المصارع، وعدة أخر، فقبلوا الجميع الأرض بين يدي الملك الناصر فرج، ونزلوا وقد استقر يشبك على إقطاعه ووظيفته الدوادارية، وأنعم على رفقته بإقطاعاتهم، واستمر سودون طاز هذا هو المشار إليه في المملكة.
ولم يسع يشبك إلا الموافقة له في الظاهر، فإنه أمسكه لما أراد مسكه، وأطلقه لما أراد إطلاقه، واحتمل يشبك منه ذلك إلى سنة خمس وثمانمائة وهو يتكلم في حقه عند الملك الناصر في الباطن، ويخوفه عاقبة أمره، إلى سابع المحرم من السنة المذكورة، فر سودون طاز من الإسطبل السلطاني إلى داره وعزل نفسه عن الأمير أخورية، من غير أن يرسم له السلطان بذلك، لما بلغه من كلام يشبك في حقه.
وصار من جملة الأمراء إلى ليلة الإثنين ثالث عشر صفر، خرج سودون طاز بمماليكه وحواشيه من المماليك السلطانية في زيادة على ألف نفر، وطمع أن يأتيه غالب المماليك السلطانية لما له عليهم من الأيادي، وتوجه إلى جهة سرياقوس، وأقام هناك حتى يأتيه من بقي من المماليك السلطانية، فلم يأته أحد.
وترددت الرسل بينه وبين يشبك والملك الناصر وهو يروم أن أمره سيقوى ويظفر بيشبك كما قبض عليه أولا، فجاء حساب الدهر غير حسابه، وعزله الملك الناصر وولي الأمير آخورية عوضه الأمير إينال باي بن قجماس، ثم بعث إليه الملك الناصر بالأمير قطلوبغا الكركي يأمره بالعودة إلى القاهرة على إقطاعه من غير وظيفة، وإن أراد البلاد الشامية فله ما يختار، فامتنع من ذلك، وقال: لا بد من إخراج آقباي الكركي أولاً. فلم يوافق الملك الناصر على ذلك، وبعث إليه بالأمير بشباي ثانياً فلم يوافق، وبعث إليه ثالثاً فلم يوافق.
فلما تحقق السلطان منه ذلك، ركب بالعساكر من قلعة الجبل في يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الأول من سنة خمس وثمانمائة ونزل إليه، فلم يثبت من معه من المماليك السلطانية، وبقي في نحو الخمسمائة نفر والأمير قاني باي،
وكان إنضاف إليه قبل ذلك بعشرة أيام، فسار سودون طاز بمن معه نحو القاهرة من على الخليج، وسار السلطان خلفه إلى جهة بلبيس ظناً منه أن سودون توجه إلى البلاد الشامية، واستمر سودون طاز غارة إلى أن دخل القاهرة من المقس إلى الميدان، وهجم قاني باي بمن معه إلى الرميلة من تحت القلعة ليأخذ باب السلسلة فلم يقدر على ذلك.
وبلغ السلطان خبرهم فعاد نحو القاهرة بعد مشقة زائدة، وطلع إلى القلعة وقعد بالمقعد من الإسطبل المطل على الرميلة، وندب الأمراء والمماليك لقتال سودون طاز، فقاتلوه في الأزقة، فلم يثبت وانهزم، وقد جرح من الفريقين عالم كبير، وحال الليل بينهم، وتفرق من كان مع سودون طاز، وبات السلطان على تخوف، وأصبح يوم الخميس لم يظهر لسودون طاز ولا لرفيقه خبر ألبتة إلى الليل.
فلما كان بعد عشاء الآخرة، لم يشعر يشبك بسودون طاز إلا وقد دخل عليه بداره في ثلاثة أنفس وترامى عليه، فقبله وبالغ في إكرامه، وأصبح يشبك يوم الجمعة كلم الملك الناصر في أمره، فرسم بتوجهه إلى ثغر دمياط بطالاً، فأقام
سودون في عمل مصالحه إلى ليلة الأحد عاشره، أنزل في حراقة بغير قيد وحمل إلى دمياط، ورتب له بها ما يكفيه، وأنعم عليه يشبك بألف دينار مكافأة له على ما كان من إطلاق سودون طاز من حبس الإسكندرية، وأما رفيقه قاني باي فإنه اختفى ولم يعرف له خبر.
واستمر سودون طاز بدمياط إلى جمادى الآخرة، ركب من دمياط وقدم إلى الشرقية، وخرج إليه جماعة من المماليك السلطانية وأقاموا الفتنة هناك، وقوي أمرهم، وكان قبل تاريخه قبض على قاني باي المذكور من دار بالقاهرة وحبس بثغر الإسكندرية.
ولما بلغ السلطان خروج سودون طاز من دمياط، ندب إليه جماعة من الأمراء ومقدمهم والدي رحمه الله وهم: أمير تمراز الناصري أمير سلاح، ويلبغا الناصري، وسودون الحمزاوي، وعدة من أمراء الطبلخانات والعشرات، فبلغهم أنه نزل عند سليمان بن بقر بالشرقية ليساعده على غرضه، وأن سليمان المذكور ركب تعويقه حتى يدركه العسكر السلطاني، فحرك والدي رحمه الله حتى كبس عليه في منزل سليمان، وقبض عليه، وعاد به إلى القاهرة في يوم الأربعاء
سلخ جمادى الآخرة من السنة مقيدا، ومعه عدة أيضاً من المماليك السلطانية، فأصبح الملك الناصر من الغد يوم الخميس مستهل شهر رجب سمر خمسة من المماليك السلطانية ممن كان مع سودون طاز هذا، أحدهم سودون الجلب. فاجتمع المماليك السلطانية لإقامة فتنة بسبب تسمير هؤلاء حتى أطلقوهم إلى حال سبيلهم. قلت: لو كانت هذه الكائنة في زماننا هذا، وأراد بعض من سمر أن يوصي بشيء قبل موته لما أتاه أحد وتبرأ منه أعز أصحابه، انتهى.
ولما نزلوا المماليك المسمرين حبسوهم بخزانة شمائل، ونفي سودون الجلب إلى قبرص من بلاد الفرنج، ثم حمل سودون طاز في يوم السبت ثالث شهر رجب مقيداً إلى الإسكندرية، فحبس بها إلى يوم الثلاثاء سابع عشرينه، ندب السلطان آقبردي وتنبك كلاهما أمير عشرة ومعهم ثلاثون نفراً من المماليك السلطانية، فقدموا الإسكندرية في تاسع شعبان وأخرجوا الأمير نوروز الحافظي، وجكم من عوض، وقاني باي رفيق سودون طاز، وسودون طاز المذكور، وأنزلوهم في البحر المالح مقيدين. وساروا بهم إلى البلاد الشامية، فحبس نوروز وقاني باي بالصبيبة، وحبس جكم بحصن الأكراد من عمل طرابلس، وحبس سودون طاز في قلعة المرقب، ولم يبق بالإسكندرية غير سودون من زاده وتمربغا المشطوب.