الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من قصد التطويل في الصلاة يطلب منه العدول عنه لحاجة تطرأ عليه، وعلى كمال شفقته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (واستدلّ الخطابي) بهذا الحديث على أن الإمام إذا أحس برجل يريد معه الصلاة وهو راكع جاز له أن ينتظر راكعا ليدرك الركعة لأنه لما جاز أن يقتصر لحاجة إنسان في أمر دنيوى كان له أن يزيد في أمر أخروي (وكرهه بعضهم) وقال أخاف أن يكون شركا اهـ (قال) القارى وفي استدلاله نظر إذ فرق بين تخفيف الطاعة وترك الإطالة لغرض وبين إطالة العبادة بسبب شخص فإنه من الرياء المتعارف (ثم قال) والمذهب عندنا أن الإمام لو أطال الركوع لإدراك الجائى لا تقرّبا لله تعالى فهو مكروه كراهة تحريم ويخشى عليه منه أمر عظيم ولكن لا يكفر بسبب ذلك لأنه لم ينو به عبادة غير الله تعالى "وأما ما روى" أبو داود من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم "فضعيف" ولو صح فتأويله أنه كان يتوف في إقامة صلاته أو تحمل الكراهة على أنه ما كان يعرف الجائى. ويدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطيل الأولى من الظهر كي يدرك الناس اهـ ببعض تصرف
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والبيهقي
(باب ما جاء في نقصان الصلاة)
أي في نقصان ثوابها
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمَةَ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا»
(ش)(رجال الحديث)(عمر بن الحكم) بن ثوبان الحجازى (المزني) أبي حفص. روى عن أسامة بن زيد وقدامة مولى أسامة وسعد بن أبي وقاص وكعب بن مالك. وعنه سعيد بن أبي سعيد المقبرى ويحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو. وذكره ابن حبان في الثقاث ووثقه ابن سعد وقال له أحاديث صالحة وقال في التقريب صدوق من الثالثة. توفي سنة سبع عشرة ومائة. روى له مسلم، وأبو داود والنسائى وابن ماجه والبخارى في التاريخ. و (عبد الله بن عنمة) بفتح العين المهملة والنون ويقال بسكون النون ويقال عثمة بالمثلثة الساكنة. روى عن العباس بن عبد المطلب وعمار
ابن ياسر. وعنه جعفر بن عبد الله وعمر بن الحكم. قال ابن يونس صحابى شهد فتح الإسكندرية وقال ابن منده له صحبة ولا يعرف له رواية وقال في التقريب يقال له صحبة. روى له أبو داود
(معنى الحديث)
(قوله إن الرجل لينصرف الخ) أى يفرغ من صلاته وما كتب له إلا عشر ثوابها. والمراد أن الناس في صلاتهم مختلفون في حصول الثواب على حسب أحوالهم في الخشوع "فمنهم" من يحصل له عشر ثواب صلاته "ومنهم" من يحصل له تسعه وهكذا "ومنهم" من يحصل له الثواب كاملا (لما رواه) النسائى عن كعب بن عمرو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال منكم من يصلى الصلاة كاملة ومنكم من يصلى النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر (فينبغى للمصلى) أن يدخل في الصلاة بإقبال عليها مع تدبر القراءة والأذكار ويراقب الله تعالى فيها ولا يتفكر في غير ما هو فيه (والخشوع) ظاهرى وباطنى (فالظاهرى) كون المصلى ساكنا ناظرا إلى موضع سجوده غير ملتفت يمينا ولا شمالا ولا واضعا يده على خاصرته متباعدا عن العبث وسبق الإمام ومساواته (والباطني) استحضار عظمة الله تعالى والتذلل له والتفكر في معاني الآيات والتسابيح والأذكار وعدم التفات الخاطر إلى سوى ما ذكر (والجمهور) على أن الخشوع من مكملات الصلاة (وقال بعضهم) إنه من أركانها والحق أنه شرط في حصول الثواب لا في الصحة والإجزاء (وقد جاء) في الترغيب في الخشوع في الصلاة أحاديث (منها) ما رواه مسلم عن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ما من امرئ مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله (ومنها) ما رواه الحاكم عن عقبة ابن عامر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه (ومنها) ما رواه البيهقي عن ابن عباس مرفوعا مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان فمن أوفى استوفى (وقد جاء) أن الحشوع أول ما يفقد من الدين "فقد" روى الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلا خاشعا "وروى" ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم عن حذيفة قال أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنقض عرى الإسلام عروة عروة "وروى" الطبراني بإسناد حسن عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن حبان في صحيحه وفي بعض النسخ إسقاط ترجمة هذا الحديث وذكره في الباب الذى قبله. وفى بعضها إسقاط الترجمة وذكر الحديث في آخر الباب الآتى
(باب تخيف الصلاة)
وفي نسخة باب في تخفيف الصلاة
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، وَسَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا -قَالَ مَرَّةً: ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ- فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَيْلَةً الصَّلَاةَ -وَقَالَ مَرَّةً: الْعِشَاءَ- فَصَلَّى مُعَاذٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَصَلَّى، فَقِيلَ: نَافَقْتَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ: مَا نَافَقْتُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي مَعَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ وَنَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَإِنَّهُ جَاءَ يَؤُمُّنَا فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ:" يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا، اقْرَأْ بِكَذَا -قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى-"، فَذَكَرْنَا لِعَمْرٍو، فَقَالَ: أُرَاهُ قَدْ ذَكَرَهُ.
(ش)(سفيان) بن عيينة. تقدّم في الجزء الأول صفحة 47. و (عمرو) هو ابن دينار
(قوله ثم يرجع فيؤمنا) وفي رواية للبخارى ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم. ولا منافاة بينهما لأن قومه من بني سلمة وجابر منهم كما تدل عليه رواية الشافعى عن جابر ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة
(قوله وقال مرة العشاء) أى قال جابر بن عبد الله في رواية أخرى لهذا الحديث أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء وهي المرادة من الصلاة في قوله أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الصلاة
(قوله ثم جاء يؤم قومه) أى في الصلاة التي صلاها مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تدل عليه رواية المصنف المتقدّمة في "باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة" وفيها ثم يأتى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة (وفيه) ردّ على من زعم أن الصلاة التي كان يصليها مع قومه غير الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تقدّم
(قوله فقرأ البقرة الخ) وفي رواية البخارى فقرأ بالبقرة. وفي رواية مسلم فافتتح سورة البقرة فاعتزل
رجل من القوم فصلى. واختلف في اسم ذلك الرجل فقيل حزم بن أبى كعب. وقيل حرام ابن ملحان وقيل سليم. واعتزاله محتمل لأن يكون قطع الصلاة واستأنفها وحده ولأن يكون قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا (وإلى) هذا ذهبت الشافعية مستدلين بهذا الحديث لكن قال النووى هذا الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبني على صلاته بل في رواية مسلم التي فيها أنه انحرف وسلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها اهـ (ومنه) يؤخذ أن الاحتمال الأول أقرب ويؤيده ما جاء في رواية البخارى بلفظ فانصرف الرجل
(قوله فقيل نافقت الخ) وفي رواية مسلم أنافقت يا فلان. والمراد فعلت ما يفعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة في الصلاة فقال ما عملت ذلك نفاقا وإنما هو للعذر ورواية مسلم لا والله ما نافقت
(قوله نحن أصحاب نواضح الخ) يعنى أصحاب عمل وليس لنا خدم يقومون بأعمالنا فلا نستطيع تطويل الصلاة. والنواضح جمع ناضح وهو في الأصل البعير الذى يستقي عليه الماء ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء
(قوله فقال يا معاذ أفتان أنت الخ) أى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا معاذ أفتان أنت قالها مرتين. وفي رواية البخارى "قال فتان فتان فتان ثلاث مرار" أى أمنفر الناس عن دينهم وصادّ لهم عنه بتطويلك القراءة في الصلاة. والاستفهام فيه للتوبيخ. وروى البيهقى في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه
(قوله اقرأ بكذا اقرأ بكذا الخ) كناية عن سورتين قصيرتين. وفي رواية البخارى وأمره بسورتين من أوسط المفصل قال عمرو لا أحفظهما. وبينهما أبو الزبير بقوله بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى. وفي بعض النسخ قال أبو الزبير سبح اسم ربك الخ وقوله قال أبو الزبير قائله سفيان بن عيينة لما في صحيح مسلم قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ والشمس وضحاها والضحى والليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى وفي رواية للبخارى عن الحميدى عن ابن عيينة زيادة والسماء ذات البروج والسماء والطارق و (أبو الزبير) هو محمد بن مسلم بن تدرس تقدمت ترجمته في الجزء الأول صفحة 24 وأخرج مسلم رواية أبى الزبير عن جابر أيضا انه قال صلى معاذ بن جبل الأنصارى لأصحابه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى فأخبر معاذ عنه فقال إنه منافق فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره ما قال معاذ فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتريد أن تكون فتانا يا معاذ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى واقرأ باسم ربك والليل إذا يغشى
(قوله فذكرنا لعمرو الخ) أى قال سفيان بن عيينة ذكرنا لعمرو بن دينار ما حدّث به أبو الزبير عن جابر فقال عمرو أظن أن جابرا قد حدّث به
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام، وعلى مشروعية الإنكار على من يفعل ما فيه تفرق الجماعة، وعلى أنه ينبغى للإمام أن يراعي حال المأمومين في الصلاة، وعلى جواز الصلاة جماعة مرتين. وتقدم بيانه، وعلى صحة اقتداء المفترض بالمتنفل وتقدم أيضا بيان ما فيه من المذاهب في "باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة".
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وأحمد وابن ماجه والترمذى وابن حبان والطبراني والطحاوى والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا طَالِبُ بْنُ حَبِيبٍ، سمعت عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِر، يُحَدِّثُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالْمُسَافِرُ»
(ش)(رجال الحديث)(طالب بن حبيب) بن عمرو بن سهل بن قيس المدني. روى عن محمد وعبد الرحمن ابني جابر. وعنه يونس بن محمد وأبو داود الطيالسى وأبو سلمة. قال ابن عدى لا بأس به. وقال البخارى فيه نظر. وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة. روى له أبو داود. و (عبد الرحمن بن جابر) بن عبد الله بن عمرو أبا عتيق السلمى الأنصارى. روى عن أبيه وأبي بردة وحزم بن أبي كعب. وعنه عاصم بن عمر وسليمان بن يسار ومسلم بن أبي مريم وعبد الله بن محمد وآخرون. وثقه النسائى والعجلى وقال ابن سعد ضعيف لا يحتج به وقال في التقريب ثقة من الثالثة ولم يصب ابن سعد في تضعيفه. روى له الجماعة. و (حزم ابن أبى كعب) الأنصارى السلمى الصحابي. روى عنه عبد الرحمن بن جابر. روى له أبو داود هذا الحديث وقال في التقريب صحابي قليل الحديث وذكره ابن حبان في الصحابة ثم غفل عن قصة معاذ فذكره في التابعين. وفي بعض النسخ حزم بن أبي بن كعب بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتانية وهو تصحيف من الناسخ. والصواب حزم بن أبي كعب
(معنى الحديث)
(قوله وهو يصلى بقوم صلاة المغرب) قد صرح في هذه الرواية بأن الصلاة كانت المغرب وفي رواية الطحاوى وأبي داود الطيالسى التصريح بأنها صلاة المغرب أيضا. ولعله سهو (والظاهر) أنها العشاء كما صرح به في الروايات الصحيحة الكثيرة ورجحه البيهقي. وعلى تقدير أنها المغرب فلا تنافي بينها وبين الروايات المصرحة بأنها العشاء لاحتمال تعدد الواقعة. ويؤيده الاختلاف
في السورة أهي البقرة كما في هذه الرواية ورواية للبخارى ومسلم وغيرهما أم سورة اقتربت الساعة كما في رواية أحمد عن بريدة الأسلمى أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها اقتربت الساعة فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال معاذ قولا شديدا فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعتذر إليه فقال إني كنت أعمل في نخل فخفت على الماء فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور. ويؤيد تعدد القصة أيضا الاختلاف في عذر الرجل هل هو التطويل في القراءة فقط وهو كان يعمل على ناضحه كما في الرواية السابقة أو كونه يسقى النخل وخاف عليه كثرة الماء كما في رواية أحمد المتقدمة أو كونه أراد أن يسقى نخله كما في رواية أحمد عن أنس قال كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقى نخله فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقى نخله قال فجاء حرام إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعاذ عنده فقال يا نبي الله إني أردت أن أسقى نخلا لى فدخلت المسجد لأصلى مع القوم فلما طوّل تجوّزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق فأقبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على معاذ فقال أفتان أنت أفتان أنت لا تطول بهم اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما ويؤيد تعدد القصة أيضا الاختلاف في اسم ذلك الرجل الذى ترك الجماعة وصلى وحده هل هو حزم بن أبى كعب كما في رواية المصنف أو حرام كما في رواية أحمد أو سليم كما في رواية البزار (واستشكل) الجمع بتعدد القصة بأنه لا يظن بمعاذ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأن يعود إلى التطويل بعد أن أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتخفيف "وأجيب" بأن النهى عن التطويل وقع أولا لما يخشى من تنفير من يدخل في الإسلام. ولما اطمأنت نفوس القوم بالإسلام ظن أن المانع قد زال فقرأ باقتربت الساعة فكانت تطويلا عليهم أيضا
(قوله في هذا الخبر) أى المروى عن عمرو بن دينار وهو متعلق بقوله يحدث
(قوله قال) أى حزم بن أبى كعب
(قوله فإنه يصلى وراءك الخ) تعليل للنهى المذكور. والكبير من كان طاعنا في السن والضعيف ضدّ القوى أعم من أن يكون سقيما في بدنه كله أو في عضو من أعضائه. وذو الحاجة أى الضرورة وجمعها حاجات وحاج وحوج بوزن عنب وتجمع على حوائج على غير قياس. وقوله والمسافر من ذكر الخاص بعد العام لأنه داخل في ذى الحاجة وذكره بعده للاهتمام به
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: «كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ» ، قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ»
(ش)(زائدة) بن قدامة تقدم في الجزء الأول صفحة 243. وكذا (سليمان) الأعمش صفحة 36. وكذا (أبو صالح) السمان صفحة 44.
(قوله قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لرجل) قيل هو سليم الأنصارى
(قوله كيف تقول في الصلاة الخ) أي أيّ شيء تقوله في صلاتك قال أتشهد أى أقرأ التحيات. وسمى تشهدا لما فيه من ذكر الشهادتين
(قوله أما إنى لا أحسن دندنتك الخ) هو من كلام الرجل. وأما بفتح الهمزة وتخفيف الميم تذكر لتحقيق الكلام الذى يتلوها. والدندنة أن تسمع من الرجل نغمة ولا تفهم ما يقول. والمعنى لا أعرف ما تقوله أنت يا رسول الله ولا ما يقوله معاذ في الصلاة. وخص معاذا بالذكر لأنه كان من قومه وكان يصلى خلفه
(قوله حولهما ندندن) أى حول الجنة والنار ندندن أى ندعو بالحصول على الجنة والبعد عن النار. وفي أكثر النسخ حولها ندندن أى حول دعوتك هذه (ولعل) مناسبة هذا الحديث وما بعده للترجمة ما فيهما من التخفيف في الدعاء في الصلاة
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ -ذَكَرَ قِصَّةَ مُعَاذٍ- قَالَ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لِلْفَتَى: «كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟ » قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا دَنْدَنَتُكَ وَلَا دَنْدَنَةُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنِّي وَمُعَاذًا حَوْلَ هَاتَيْنِ» أَوْ نَحْوَ هَذَا
(ش)(قوله ذكر قصة معاذ قال وقال يعني الخ) أى ذكر جابر قصة تطويل معاذ القراءة في الصلاة وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الرجل كيف تصنع يا ابن أخى الخ فالظاهر
أن الفتى في هذه الرواية هو الرجل المذكور في الرواية السابقة. ولا ينافيه ذكر الفاتحة هنا بدل التشهد في الرواية السابقة لاحتمال أنه كان يقتصر على الفاتحة في القيام وعلى التشهد في الجلوس واقتصر أبو صالح السمان على ذكر التشهد وعبيد الله بن مقسم على قراءة الفاتحة. والعناية من عبيد الله بن مقسم. وفي بعض النسخ وقال يعنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا ابن أخى كيف تصنع في صلاتك بإسقاط قوله للفتى
(قوله إني ومعاذا حول هاتين) أى حول الجنة والنار ندندن. ومعاذا بالنصب عطف على اسم إن
(قوله أو نحو هذا) شك من الراوى أي أو قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قولا نحو قوله حول هاتين. والغرض منه التحرّى في الصدق (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة والبيهقي ولفظه عن جابر قال فذكر قصة معاذ وتلك القصة قال كان معاذ يصلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم يرجع فيصلى بأصحابه فرجع ذات ليلة فصلى بهم وصلى خلفه فتى من قومه فلما طال على الفتى صلى وخرج وأخذ بخطام بعيره وانطلق فلما صلى معاذ ذكر ذلك له فقال إن هذا به لنفاق لأخبرن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالذى صنع وقال الفتى وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالذى صنع فغدوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإخبره معاذ بالذى صنع الفتى فقال الفتى يا رسول الله يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفتان أنت يا معاذ وقال للفتى كيف تصنع أنت يا ابن أخى إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وإني لا أدرى ما دندنتك ودندنة معاذ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إني ومعاذا حول هاتين أو نحو ذا قال فقال الفتى ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا قال فقدموا فاستشهد الفتى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك لمعاذ ما فعل خصمى وخصمك قال يا رسول الله صدق الله وكذبت. استشهد اهـ
(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ»
(ش)(القعنبي) تقدم في الجزء الأول صفحة 22. وكذا (أبو الزناد) و (الأعرج) صفحة 168
(قوله إذا صلى أحد الناس الخ) أى إذا صلى إماما بهم فاللام فيه بمعنى الباء فليخفف أى في القراءة والأذكار بحيث لا يخل بأركان الصلاة وسننها وآدابها لأن رسول الله صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم قد نهى عن نقرة الغراب. ولحديث المسيء صلاته (وقد جاء) بيان التخفيف في صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه كما سيذكره المصنف مفصلا
(قوله فإن فيهم الضعيف الخ) تعليل للأمر بالتخفيف وهو منظور فيه للشأن والغالب (قال) اليعمرى الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغى للإمام التخفيف مطلقا وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر. وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملا بالغالب لأنه لا يدرى ما يطرأ عليه وهنا كذلك اهـ لكن محله إذا كان الإمام يصلى بجماعة غير محصورة فإذا كان يصلى بجماعة محصورة ويرغبون في التطويل طوّل بهم. والمراد بالضعيف ضعيف الخلقة أو من به مرض أو كبير السن. وبالسقيم من به مرض. وذكر السقيم والكبر بعد الضعيف من ذكر الخاص بعد العام لمزيد الاهتمام
(قوله وإذا صلى لنفسه الخ) أى إذا صلى منفردا فليطول ما شاء من التطويل. وفي رواية لمسلم فليطل كيف شاء، وفي رواية عبد الرزاق وإذا قام وحدة فليطل صلاته. وفى مسند السراج وإذا صلى وحده فليطل إن شاء. لكن لا ينبغى التطويل حتى يخرج الوقت أو يدخل في وقت الكراهة. وقال بعضهم يجوز تطويل القراءة ولو إلى خروج الوقت. لكن يعارضه ما تقدم للمصنف في باب فيمن نام عن الصلاة أو نسيها من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى. وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى
(فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تخفيف الأئمة الصلاة وترك التطويل للعلل المذكورة مع مراعاة الطمأنينة في أركان الصلاة، ويلحق بها ما في معناها كخشية افتتان أم الصبى عند بكائه كما تقدم، وعلى أن الإنسان إذا صلى منفردا جاز له أن يطول الأركان ما شاء أن يطول حتى في الاعتدال والجلوس بين السجدتين خلافا لمن خص التطويل بغير الاعتدال والجلوس بين السجدتين
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والبيهقي والترمذى وكذا ابن ماجه من حديث عثمان بن أبى العاص
(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ»
(ش) تقدم شرحه في الذى قبله. وأخرجه البيهقي