المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من ترك القراءة في صلاته) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٥

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب الإمام يتطوّع في مكانه)

- ‌(باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة)

- ‌(باب في تحريم الصلاة وتحليلها)

- ‌(باب ما جاء في التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله)

- ‌(باب جماع أبواب ما يصلى فيه)

- ‌(باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلى)

- ‌(باب الرجل يصلى في ثوب بعضه على غيره)

- ‌(باب الإسبال في الصلاة)

- ‌(باب من قال يتزر به إذا كان ضيقا)

- ‌(باب في كم تصلى المرأة)

- ‌(باب السدل في الصلاة)

- ‌(باب الصلاة في شعر النساء)

- ‌(باب الرجل يصلى عاقصا شعره)

- ‌(باب الصلاة في النعل)

- ‌(باب المصلى إذا خلع نعليه أين يضعهما)

- ‌(باب الصلاة على الخمرة)

- ‌(باب الصلاة على الحصير)

- ‌(باب الرجل يسجد على ثوبه)

- ‌(باب تسوية الصفوف)

- ‌(باب الصفوف بين السوارى)

- ‌(باب مقام الصبيان من الصف)

- ‌(باب صفّ النساء وكراهة التأخر عن الصفّ الأول)

- ‌(باب مقام الإمام من الصفّ)

- ‌(باب الرجل يصلى وحده خلف الصف)

- ‌(باب الرجل يركع دون الصف)

- ‌(باب الخط إذا لم يجد عصا)

- ‌(باب الصلاة إلى الراحلة)

- ‌(باب الصلاة إلى المتحدّثين والنيام)

- ‌(باب الدنوّ من السترة)

- ‌(باب ما يؤمر المصلى أن يدرأ عن الممر بين يديه)

- ‌(باب ما يقطع الصلاة)

- ‌(باب سترة الإمام سترة لمن خلفه)

- ‌(باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة)

- ‌(باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة)

- ‌(باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة)

- ‌(باب من قال لا يقطع الصلاة شيء)

- ‌أبواب تفريع استفتاح الصلاة

- ‌(باب رفع اليدين)

- ‌(باب افتتاح الصلاة)

- ‌ باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

- ‌(باب من لم يذكر الرفع عند الركوع)

- ‌(باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة)

- ‌(باب ما تستفتح به الصلاة من الدعاء)

- ‌(باب من رأى الاستفتاح بسبحانك)

- ‌(باب السكتة عند الافتتاح)

- ‌(باب من لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

- ‌ قصة الإفك

- ‌(باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث)

- ‌(باب ما جاء في نقصان الصلاة)

- ‌(باب القراءة في الظهر)

- ‌(باب تخفيف الأخريين)

- ‌(باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر)

- ‌(باب قدر القراءة في المغرب)

- ‌(باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين)

- ‌(باب من ترك القراءة في صلاته)

- ‌(باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام)

- ‌(باب من رأى القراءة إذا لم يجهر)

- ‌(باب تمام التكبير)

- ‌باب في وضع ركبتيه قبل يديه

- ‌(باب النهوض في الفرد)

- ‌(باب الإقعاء بين السجدتين)

- ‌(باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع)

- ‌(باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين)

- ‌(باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود)

- ‌(باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوّعه)

- ‌(باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده)

- ‌(باب الدعاء في الركوع والسجود)

- ‌(باب الدعاء في الصلاة)

- ‌(باب مقدار الركوع والسجود)

- ‌(باب الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع)

- ‌(باب أعضاء السجود)

- ‌(باب السجود على الأنف والجبهة)

- ‌(باب صفة السجود)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)أى في عدم تفريج اليدين عن الجنبين حال السجود

- ‌(باب التخصر والإقعاء)

- ‌(باب البكاء في الصلاة)

- ‌(باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة)

الفصل: ‌(باب من ترك القراءة في صلاته)

السجدة. فعلم مما ذكر أن الصبح يقرأ فيها بالسور الطوال وبطوال المفصل وقصاره وأوساطه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأخرجه مسلم من طريق الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس وأخرجه النسائى من هذا الطريق أيضا بلفظ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الفجر إذا الشمس كورت. هذا وقد وقع في رواية الرملى واللؤلؤى ذكر حديث في هذا الباب قبل الحديث المذكور وهو "حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن أبى المنهال عن أبى برزة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الفجر ويعرف أحدنا جليسه الذى كان يعرفه ويقرأ فيها من الستين إلى المائة" وقوله ويعرف أحدنا جليسه الخ مراده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطيل القراءة في صلاة الصبح حتى إذا ما فرغ منها عرف كل المصلين من بجواره لانتشار الضوء

(باب من ترك القراءة في صلاته)

أى في بيان فساد صلاة من ترك القراءة فيها. وفي نسخة باب ما جاء فيمن ترك القراءة في صلاته

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ:«أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ»

(ش)(همام) هو ابن يحيى تقدم في الجزء الأول صفحة 74. وكذا (قتادة) صفحة 34 و (أبو نضرة) في الثالث صفحة 272. و (أبو سعيد الخدرى) في الأول صفحة 62

(قوله أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب) أى أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في الصلاة ففيه دلالة على وجوب قراءة الفاتحة فيها

(قوله وما تيسر) أى وأمرنا أن نقرأ ما تيسر من القرآن يعنى بعد الفاتحة وذلك في صلاة الصبح وفى الأوليين من بقية الصلوات وأما الأخيرتان من الرباعية وثالثة المغرب فيقتصر فيها على أم القرآن عند الجمهور (وعند الشافعى) يقرأ في المذكورات بما تيسر من القرآن بعد الفاتحة كما تقدم (والأمر) بقراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة محمول على السنية عند الجمهور لما سيأتى من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فظاهره الاكتفاء بها ونفى صحة صلاة من لم يقرأ بها دون غيرها. ولما تقدم في باب القراءة في الظهر عن البخارى عن عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت وإن زدت فهو خير (وذهب) إلى إيجاب قرآن مع الفاتحة عمر وابنه

ص: 242

عبد الله وعثمان بن أبى العاص والهادى والقاسم والمؤيد بالله والحنفية وبعض أصحاب مالك وقدّر الهادى ما زاد على الفاتحة ثلاث آيات. وقدّره المؤيد بالله بآية طويلة. لكن لا دليل على على هذا التقدير لأن القرآن يصدق على الآية القصيرة وعلى ما زاد عليها

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَنَا عِيسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ الْبَصْرِيِّ، نَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْرُجْ فَنَادِ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَمَا زَادَ

(ش)(رجال الحديث)(عيسى) بن يونس تقدم في الجزء الأول صفحة 24. و (جعفر بن ميمون) أبى على التيمى الأنماطي. روى عن خليفة بن كعب وعبد الرحمن بن أبى بكر وأبى العالية وأبي عثمان النهدى عبد الرحمن بن ملّ. وعنه السفيانان ويحيى بن سعيد وابن أبى عروبة. قال أبو حاتم صالح الحديث وقال الدارقطنى يعتبر به وقال ابن عدي أحاديثه منكرة وأرجو أنه لا بأس به وقال النسائي وأحمد وابن معين ليس بالقوى وقال في التقريب صدوق يخطئ من السادسة روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى. و (النهدى) نسبة إلى نهد قبيلة باليمن

(معنى الحديث)

(قوله لا صلاة إلا بقرآن) أى لا تصح صلاة إلا بقراءة شيء من القرآن فلا يجزئ عن القرآن غيره من الإنكار إلا إذا كان الشخص غير مستطيع قراءة شيء منه يجزئه ذلك لما في رواية النسائى والدارقطنى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمنى ما يجزئني في صلاتى فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولما سيأتى للمصنف في بعض روايات حديث المسيء صلاته وفيها فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره

(قوله ولو بفاتحة الكتاب) أى فهى أقل ما يجزئ من القراءة في الصلاة

(قوله فما زاد) أى عليها فهو خير كما تفيده الرواية السابقة. وعلى هذا فالمصلى له أن يقرأ الفاتحة وغيرها ولا تتعين عليه (وإلى هذا) ذهبت الحنفية. مستدلين بهذا الحديث (وأجاب) الجمهور عنه بأنه ضعيف لأن فيه جعفر بن ميمون وفيه مقال كما عرفت. ولأنه معارض بالأحاديث الصحيحة الآتية. وعلى تقدير صحته فقوله ولو بفاتحة الكتاب بيان لأقل ما يجزئ لأنه غاية للتعميم بقرينة رواية أبى هريرة الآتية بعد فهو نظير قوله صم ولو ثلاثة أيام من الشهر فإن معناه أكثر من الصوم فإن نقصت فلا تنقص عن ثلاثة أيام

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطبرانى

ص: 243

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى، نَا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ: «أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَمَا زَادَ

(ش)(ابن بشار) تقدم في الجزء الأول صفحة 56. وكذا (يحيى) القطان صفحة 248 و (جعفر) هو ابن ميمون. و (أبو عثمان) النهدى في الجزء الرابع صفحة 249

(قوله لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب) فيه دلالة على تعين قراءة الفاتحة في الصلاة فلا يجزئُ غيرها إلا عند العجز عنها كما تقدم (وإلى تعين) قراءة الفاتحة في الصلاة وأنها ركن منها ذهب مالك والشافعى وأحمد والعترة وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقد حكاه ابن المنذر عن عمر وعثمان بن أبي العاص وابن عباس وأبي هريرة وأبى سعيد الخدرى. قالوا والنفي في الحديث يتوجه إلى ذات الصلاة لا إلى الصحة أو الكمال لأن المراد بالصلاة هنا معناها الشرعي لا اللغوى كما تقرر من أن ألفاظ الشارع تحمل على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا اللغويات. وإذا كان المنفى الصلاة الشرعية صح نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفى بانتفاء بعضها (وعلى هذا) فلا يحتاج إلى إضمار الصحة أو الإجزاء والكمال لأنه إنما يحتاج إلى إضمارها عند عدم إمكان انتفاء الذات ولو سلم عدم إمكان انتفائها لكان المتعين توجه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال لأنهما أقرب المجازات إلى الحقيقة. والكمال أبعدها. ولأن نفيهما يستلزم نفي الكمال من غير عكس. ويدل على تعين الفاتحة أيضا ما رواه الدارقطني عن عبادة بن الصامت أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب قال الدارقطني إسناده صحيح. وما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بقاتحة الكتاب (وذهبت الحنفية) إلى أن الفاتحة ليست ركنا من أركان الصلاة بل الركن عندهم مطلق القراءة قالوا لأن الذى لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض لا يثبت بخبر الآحاد وتعين الفاتحة إنما ثبت بخبر الآحاد فتكون واجبة يأثم من يتركها وتجزئ الصلاة بدونها (واحتجوا) بقوله تعالى "فاقرءوا ما تيسر من القرآن" قالوا إن الآية مصرحة بما تيسر وهو تخيير فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين ناسخا للتخيير. والقطعى لا ينسخ بالظني. واستدلوا بما رواه الشيخان عن أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للمسيئ صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وبأن سور القرآن في الحرمة سواء بدليل تحريم قراءة الجميع على الجنب وتحريم مس المحدث

ص: 244

المصحف (وقالوا) في حديث الباب إنه محمول على نفى الكمال والفضيلة لا الصحة والإجزاء (وأجاب) الجمهور عن الآية بأنها وردت في قيام الليل لا في قدر القراءة في الصلاة المكتوبة "وقولهم" فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين ناسخا للتخيير والقطعى لا ينسخ بالظنى "مردود" لأنه ليس من باب النسخ بل من باب الإطلاق والتقييد لأن الآية مطلقة والحديث مقيد لها. أو من باب الإبهام والتفسير (وعن قوله) في حديث المسيء صلاته اقرأ ما تيسر معك من القرآن بأنه مجمل بين بالأحاديث المصرحة بالفاتحة: على أنه قد ورد في بعض رواياته عند أحمد وابن حبان والمصنف ثم اقرأ بأم القرآن (وعن قولهم) إن سور القرآن في الحرمة سواء بأنه لا يلزم من استوائها في الحرمة استواؤها في الإجزاء في الصلاة لا سيما وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بتعيين الفاتحة "وقولهم" في حديث الباب إن النفى فيه محمول على نفى الفضيلة والكمال "مردود" بما تقدّم من أن النفي متوجه إلى نفى الذات أو إلى ما هو قريب منها وهى نفى الصحة (إذا) علمت هذا تعلم أن الراجح أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة وأنها لا تصح بدونها (واختلف) أهي ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة أم لا (فذهبت) الشافعية وأحمد والأوزاعي وأبو ثور وعلى وجابر إلى أنها ركن في كل الركعات في حق الإمام والمنفرد (وهو الصحيح) عند المالكية وفي المأموم خلاف ستقف عليه إن شاء الله تعالى (واستدلوا) بما جاء عند البخارى في حديث المسيء صلاته من قوله ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. وفي رواية لأحمد والبيهقي ثم افعل ذلك في كل ركعة. وبما رواه البخارى وأحمد عن مالك بن الحويرث أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال صلوا كما رأيتموني أصلى. ومعلوم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة. وبما رواه مسلم عن أبى قتادة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب. وبما أخرجه مالك في الموطأ والترمذى وصححه عن جابر أنه قال من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فلم يصلّ إلا أن يكون وراء الإمام (وذهب) الحسن البصرى والهادى والمؤيد بالله وداود وإسحاق إلى أن الواجب قراءة الفاتحة وقرآن معها مرة واحدة في أي ركعة أو مفرقة (واحتجوا) بما رواه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وسيأتي للمصنف عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. قالوا وهذا لا يقتضى قراءتها أكثر من مرة لأن بقراءتها مرة يحصل مسمى القراءة في تلك الصلاة. والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة فليس في الحديث إلا أن الواجب في الصلاة التي هي اسم لجميع الركعات قراءة الفاتحة مرة واحدة فإن دلّ دليل خارجى على وجوبها في كل ركعة وجب المصير إليه اهـ كلامهم (وفيه أنه) قد ثبت ما يدل على لزوم قراءة

ص: 245

الفاتحة في كل ركعة كما عرفت (وقال) زيد بن على والناصر الواجب قراءة الفاتحة في الأوليين وكذا قال أبو حنيفة لكن من غير تخصيص للقراءة بالفاتحة. وأما الأخيرتان فلا تتعين القراءة فيهما عندهم بل إن شاء قرأ وأن شاء سبح (واحتجوا) بما روى عن على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قرأ في الأوليين وسبح في الأخريين. لكنه ضعيف لأنه من رواية الحارث الأعور وهو كذاب مشهور بالضعف عند الحفاظ. واستدلوا أيضا بقوله تعالى "فاقرءوا ما تيسر من القرآن" قالوا والأمر لا يقتضى التكرار فتتعين القراءة في الركعة الأولى منها وإنما أوجبناها في الثانية قياسا على الأولى لأنهما تتشابهان من كل وجه، لكن تقدّم أن الآية واردة في قيام الليل لا في قدر القراءة في المكتوبة.

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والدارقطني

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زَهْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ» قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: حَمِدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وهذه الآية بيني بين عبدي يَقُولُ الْعَبْدُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، فهَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ "

ص: 246

(ش)(رجال الحديث)(القعنبى) عبد الله بن مسلمة. و (أبو السائب) يقال اسمه عبد الله ابن السائب. روى عن المغيرة بن شعبة وأبى سعيد الخدرى. وعنه أسماء بن عبيد وبكير بن عبد الله بن الأشج والعلاء بن عبد الرحمن. قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة مقبول النقل وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذى

(معنى الحديث)

(قوله من صلى صلاة) عام يشمل الفرض والنفل كما تؤيده رواية الدارقطنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعا فليقرأ فيها بأم الكتاب "الحديث"

(قوله لم يقرأ فيها بأم القرآن) أى الفاتحة. وسميت بأم القرآن لاشتمالها على مقاصده من الثناء على الله تعالى بما هو أهله، والتعبد بالأمر والنهى والوعد والوعيد، ولاشتمالها على أحوال المعاش والمعاد، وعلى مدح المهتدين وذم ضدهم وغير ذلك

(قوله فهى خداج الخ) أى ذات خداج أو هو وصف بالمصدر للمبالغة والتكرار فيه للتأكيد. والخداج النقصان كما قال الخليل والأصمعى والسجستانى وغيرهم. يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلقة وأخدجته إذا ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة. وخدج الصلاة نقصها (وقال) السرقسطى أخدج الرجل صلاته إخداجا إذا نقصها. ومعناه أتى بها غير كاملة

(قوله غير تمام) أى غير كاملة أجزاؤها وهو من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكره بيانا للخداج أو تأكيدا له ويحتمل أنه كلام الراوى مدرج في الحديث (وفي هذا) حجة للجمهور القائلين بفرضية قراءة الفاتحة في الصلاة (وما قيل) من أن النقص لا يستلزم البطلان محله ما لم تقم قرينة على أن المراد به النقصان المؤدى إلى البطلان كما هنا فقد تقدم عن الدارقطنى بإسناد صحيح لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (قال) الباجى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج يعني ناقصة عما يجب فيها وكذلك قال عيسى بن دينار وابن نافع إن الخداج الناقص الذى لا يتم وذلك يقتضى أن لا تكون مجزئة. وقد تعلق بعض من تكلم في ذلك بهذا اللفظ وجعله دليلا على الإجزاء لأنه سماها صلاة ووصفها بالنقصان وذلك يقتضى أن يثبت لها حكم الصلاة وإن نقصت فضيلتها أو صفة من صفاتها لا تخرج بعدمها عن كونها صلاة (وليس) هذا بصحيح لأن اسم الصلاة ينطلق على المجزئ منها وغير المجزئ يقال صلاة فاسدة وصلاة غير مجزئة كما يقال صلاة صحيحة وصلاة مجزئة وإطلاق اسم النقصان عليها يقتضى نقصان أجزائها والصلاة لا تتبعض فإذا بطل بعضها بطل جميعها. ولا يجوز أن يطلق اسم النقصان على عدم الفضيلة لمن كملت أجزاؤه اهـ (وقال) ابن عبد البر زعم من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة أن قوله خداج يدل على جوازها لأن الصلاة الناقصة جائزة. وهذا

ص: 247

تحكم فاسد لأن الناقص لم يتم ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل اهـ

(قوله قال) أى أبو السائب

(قوله إني أكون أحيانا وراء الإمام الخ) أى أأقرأ أم لا فغمز ذراعي. وغمزه تنبيها له وحثا على جمع ذهنه ليفهم مراده وجوابه

(قوله اقرأ بها يا فارسى الخ) وفي نسخة اقرأ بها في نفسك يا فارسى يعني اقرأ بأم الكتاب سرا (وفيه حجة) لما ذهب إليه الشافعية من أن المأموم يقرأ الفاتحة خلف الإمام مطلقا سرية كانت الصلاة أو جهرية (وسيأتي) تحقيق المقام بعد

(قوله فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) احتجاج من أبى هريرة على ما قاله من القراءة سرا وأنه لا يترك قراءة الفاتحة من كان وراء الإمام لما أخبر به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فضيلة القراءة بأم القرآن

(قوله قسمت الصلاة الخ) المراد بها الفاتحة كما يدل عليه تمام الحديث. وسميت صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها. ففيه إطلاق اسم الكل على الجزء. ونظيره قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحج عرفة. والمراد قسمتها من جهة المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء يزيد على نصف الثناء ونصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد له وثناء عليه ونصفها الثانى سؤال وتضرع وافتقار. ويحتمل أن تكون القسمة باعتبار اللفظ لأنها سبع آيات ثلاث ثناء وثلاث دعاء والآية المتوسطة نصفها ثناء ونصفها دعاء

(قوله فنصفها لى) أى خاص بي وهو الثلاث الآيات الأول الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين

(قوله ونصفها لعبدى) أى خاص به وهو من اهدنا الصراط المستقيم الخ

(قوله إياك نعبد وإياك نستعين) بين الله وبين العبد كما صرح به الحديث. وإضافة العبد إلى ربه لتحققه بصفات العبودية وقيامه بحق الربوبية وشهوده لآثارهما وأسرارهما في صلاته التي هي معراج الأرواح وروح الأشباح وغرس تجليات الأسرار التي يتخلى بها الأحرار عن الأغيار. ولما كان وصف العبودية غاية الكمال إذ به ينصرف الإنسان من الخلق إلى الحق وصف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في مقام الكرامة فقال "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا" وقال عز وجل "تبارك الذى نزل الفرقان على عبده"وقال "فأوحى إلى عبده ما أوحى"

(قوله ولعبدى ما سأل) وعد الله تعالى بإجابة دعاء العبد

(قوله اقرءوا) أى الفاتحة

(قوله يقول العبد الحمد لله رب العالمين) بيان للصلاة التي قسمها الله تعالى بينه وبين العبد. وبيان لمعنى القسمة لها فذكر صلى الله عليه وآله وسلم ما يقوله الله تعالى عند قراءة العبد كل آية منها وأعلم العبد أنه يسمع قراءته وحمده وثناءه عليه وتمجيده إياه ودعاءه ورغبته إليه حضا للعبد على الخشوع عند قراءة هذه السورة المختصة بهذه المعاني الجليلة التي لا تكاد تجتمع في غيرها من السور (وفيه حجة) لمن قال إن البسملة ليست آية من الفاتحة ولو كانت منها لبدأ بها وذكر فضلها كما ذكر فضل كل آية منها وتقدّم بيانه وافيا في باب من لم ير الجهر

ص: 248

ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(قوله حمدني عبدى) أى أثنى عليّ بما أنا أهله

(قوله الرحمن الرحيم) أى المحسن بجميع النعم جليلها وصغيرها أو مريد الإحسان بها لمستحقها. وفي الإتيان بالرحمن الرحيم عقب اتصافه برب العالمين ترغيب بعد ترهيب وهو أعون للعبد على الطاعة وأمنع من المعصية

(قوله أثنى علي عبدي) حيث اعترف لي بعموم الإنعام على خلقي

(قوله مالك يوم الدين) أى يوم الجزاء بالثواب للطائعين والعقاب للعاصين وهو يوم القيامة. ومالك اسم فاعل صفة لله تعالى "ولا يقال" إن اسم الفاعل إضافته لفظية فلا تفيده التعريف فكيف توصف المعرفة بالنكرة "لأن" محلّ كون إضافته لفظية إذا كان للحال أو الاستقال فإن قصد به المضى أو الدوام كما هنا فإضافته حقيقية فتوصف به المعرفة. وقرئَ ملك من الملك بضم الميم وهو السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكل بالأمر والنهى. واختلف في أيّ القراءتين أبلغ فقيل ملك أعمّ وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك ولا عكس. ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكة حتى لا يتصرّف المالك إلا عن تدبير الملك. وقيل مالك أبلغ لما فيه من زيادة الثناء الناشئ عن زيادة البناء فتدل على أكثرية الثواب. وخص يوم الدين بالذكر لأنه لا ملك ظاهر فيه لأحد إلا لله تعالى

(قوله مجدني عبدى) أى عظمنى وأثني على بصفات الجلال

(قوله إياك نعبد وإياك نستعين) أى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام، وهذا ترق من البرهان إلى العيان ومن الغيبة إلى الحضور وهو تعليم من الله تعالى لعباده كيفية الترقى فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد من نفسه محركا للإقبال عليه وكلما أجرى على قلبه ولسانه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرّك إلى أن يؤول الأمر لخاتمة تلك الصفات فحيدئذ يوجب إقبال ذلك العبد على ربه وخالقه المتصف بتلك الصفات. فأول الكلام مبنيّ على حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه العظام والنظر في آلائه والاستدلال بصنعه على عظيم شأنه وباهر سلطانه ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه وهو الخطاب والحضور المشعر بكونه في نهاية المراقبة والشهود وهو مقام الإحسان المشار له بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الصحيحين حين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه. والضمير المستكن في نعبد ونستعين للقارئ. ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة. أو له ولسائر الموحدين أدرج عبادته في عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم وحاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم. وكرّر الضمير للدلالة على تخصيصه تعالى بكل من العبادة والاستعانة والتلذذ بالمناجاة والخطاب وقدّم العبادة على الاستعانة لأنها وصلة لقضاء الحاجة فإذا أفرد العبد ربه بعبادته أعانه. وحذف المعمول من كلّ يؤذن بالعموم

(قوله فهذه بينى وبين عبدى) وفي رواية مالك فهذه الآية بينى وبين عبدى. وفي رواية مسلم هذا بيني وبين عبدى. وكانت بين الله عزّ وجلّ

ص: 249

وبين عبده لأن بعضها تعظيم لله وهو إياك نعبد وبعضها استعانة للعبد على أمر دينه ودنياه وهو إياك نستعين

(قوله اهدنا الصراط المستقيم) أى دلنا على الدين الحق الذى لا اعوجاج فيه وأصل الصراط الطريق الحسى ثم أريد به هنا دين الإسلام

(قوله صراط الذين أنعمت عليهم) أى بالهداية وهم جميع المؤمنين. وقيل هم المذكورون في قوله تعالى "فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين" وقيل هم الأنبياء خاصة وأنعم من الإنعام وهو إيصال الإحسان إلى الغير بشرط أن يكون ذلك الغير عاقلا فلا يقال أنعم فلان على فرسه ولا على حماره. وحذف متعلق أنعمت ليؤذن بالعموم فيشمل كل نعمة. ونعم الله لا تحصى باعتبار أفرادها كما قال تعالى "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" وأما باعتبار جملتها فتحصى لأنها قسمان دنيوية وأخروية والأول إما وهبي أو كسبي. والوهبي إما روحاني كنفخ الروح والتزيين بالعقل والفهم والنطق أو جسمانى كخلق البدن والقوى الحالة فيه والصحة وكمال الأعضاء. والكسبى كتزكية النفس وتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل والأخلاق السنية. والثاني الأخروى غفران الله تعالى للعبد وإنزاله في جنان النعيم مع النبيين والصديقين والملائكة المقربين أبد الآبدين

(قوله غير المغضوب عليهم) أتى باسم المفعول ولم يقل غير الذين غضب عليهم تعليما لعباده الأدب حيث أسند لنفسه الخير وأبهم في الشر. وأصل الغضب ثوران دم القلب لإرادة الانتقام ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم الم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه. وإذا وصف الله به فالمراد به الانتقام أو إرادة الانتقام فهو صفة فعل أو صفة ذات

(قوله ولا الضالين) أى وغير العادلين عن الصراط المستقيم. والمراد بالمغضوب عليها اليهود وبالضالين النصارى كما جاء مفسرا بذلك في رواية أحمد وابن حبان عن ابني عباس ومسعود وإن كان اللفظ عاما يشمل الفساق وكل من أخطأ في الاعتقاد. وقدّم المغضوب عليهم على الضالين مع أن الضلال في بادئ النظر سبب للغضب لتقدّم زمن المغضوب عليهم الذين هم اليهود على زمن الضالين الذين هم النصارى أو لأن اليهود أشدّ في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد وأشدّ عداوة للذين آمنوا وأيضا فإن اليهود كفروا بنبينا محمد وعيسى عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام بخلاف النصارى فإنهم كفروا بمحمد وآمنوا بعيسى

(قوله فهؤلاء لعبدى الخ) أى أن هذه الآيات مختصة بالعبد لأنها دعاء بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليها والعصمة من صراط الضالين المخالفين. وقد وعد الله العبد بأن له ما سأله والله لا يخلف الميعاد

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد ومسلم والنسائى والترمذى

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ السَّرْحِ، قَالَا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ

ص: 250

ابْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قال «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَصَاعِدًا» ، قَالَ سُفْيَانُ: لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ

(ش)(رجال الحديث)(ابن السرح) أحمد بن عمرو تقدم في الجزء الأول صفحة 324 وكذا (سفيان) بن عيينة صفحة 47. و (محمود بن الربيع) هو ابن سراقة بن عمرو الخزرجى الأنصارى أبو محمد اختلف في صحبته قال في التقريب صحابى صغير وجلّ روايته عن الصحابة ويؤيد صحبته ما رواه البغوى من طريق الأوزاعي عن الزهرى عنه قال ما أنسى مجة مجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بئر في دارنا في وجهى. وقال ابن أبى حاتم ليست له صحبة وقال العجلى ثقة من كبار التابعين. روى عن عتبان بن مالك وعبادة بن الصامت وأبى أيوب. وعنه الزهرى ومكحول ورجاء بن حيوة وهانئ بن كلثوم. مات سنة تسع وتسعين روى له الجماعة

(قوله يبلغ به الخ) أى يرفع الحديث إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(معنى الحديث)

(قوله لا صلاة لمن لم يقرأ الخ) وفي نسخة لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب. وتقدم شرحه

(قوله فصاعدا) أى زائدا على الفاتحة فهو حال من فاعل يقرأ أى لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فزاد القراءة صاعدا على الفاتحة فهو على حدّ قولهم اشتريته بدرهم فصاعدا أى فزاد الثمن صاعدا على الدرهم (وقال في الفتح) قال البخارى في جزء القراءة هو نظير قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا اهـ (واستدل به) من قال بوجوب قراءة زائدة على الفاتحة في الصلاة (وأجاب) عنه غيرهم بأن الغرض منه دفع توهم قصر القراءة في الصلاة على الفاتحة (وفي الفتح)"وادّعى" ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد على الفاتحة "وفيه نظر" لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره. ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك اهـ من الفتح

(قوله قال سفيان لمن يصلى وحده) يعني هذا الحديث محمول على من يصلى منفردا. لكن هذا تخصيص للعام بلا دليل. ويؤيد بقاءه على عمومه الحديث الآتي

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح وابن ماجه والدارقطنى وليس في حديث بعضهم فصاعدا

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

ص: 251

وَسَلَّمَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:«لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ» قُلْنَا: نَعَمْ هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا»

(ش)(مكحول) تقدّم في الجزء الثالث صفحة 77.

(قوله فثقلت عليه القراءة الخ) أى شقت والتبست عليه لكثرة أصوات من خلفه فخلطوا عليه فقال لعلكم تقرءون خلف إمامكم يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم. وقال خلف إمامكم ولم يقل خلفي مع أنه الظاهر ليؤذن. بأن تلك الفعلة غير مناسبة لمن يقتدى بالإمام. وأتى بلعلّ لعدم تحققه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قراءتهم. وفي رواية للدارقطني إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم. وفي رواية له كأنكم تقرءون خلفي

(قوله قلنا نعم هذا الخ) وفي رواية الدارقطني قلنا أجل والله يا رسول الله هذا. والهذّ سرعة القراءة يقال هذّ قراءته هذّا من باب قتل أسرع فيها

(قوله لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) أى لا تقرءوا خلف الإمام شيئا إلا فاتحة الكتاب. وهو محمول على الصلاة الجهرية. لما رواه أحمد والدارقطني عن عبادة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن. وما رواه النسائي وسيأتي للمصنف من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تقرءوا بشئ من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن. ويؤخذ مما ذكر أن الصلاة السرية يقرأ المأموم فيها بأم القرآن والسورة

(قوله فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) تعليل لاستثناء الفاتحة من النهى المذكور. وهو يدل على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم وغيره في كل ركعة من الصلاة السرية والجهرية وبه قال الأوزاعي ومكحول وأبو ثور والناصر وكذا الشافعية وقالوا إلا المسبوق الذى أدرك الإمام راكعا فإنها تسقط عنه (وقال) الترمذى القراءة خلف الإمام هي قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وبه يقول مالك والشافعى وأحمد وإسحاق اهـ (واستدلوا) بحديث الباب وأشباهه "وقالوا" هو عام في كل مصل ولم يثبت تخصيصه بغير المأموم بمخصص صريح فبقى على عمومه "ولا يقال" هذا الحديث من رواية محمد بن إسحاق عن مكحول وابن إسحاق مدلس والمدلس إذا قال في روايته عن لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين لأن الدارقطني والبيهقي رويا الحديث بإسنادهما عن ابن إسحاق بالتحديث (وقد) علم من قاعدة المحدّثين أن المدلس إذا روى حديثه من طريق فقال في إحداهما "عن" وفي الأخرى "حدثني أو أخبرني" كان الطريقان صحيحين وحكم باتصال الحديث (وقال) أبو حنيفة والثورى وابن عيينة وابن وهب من المالكية وجماعة بعدم قراءة المأموم في الجهرية والسرية (واستدلوا) بما رواه الدارقطني عن عبد الله بن شداد أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من كان له إمام فقراءة الإمام له

ص: 252

قراءة (قال في الهدى) وقد روى هذا الحديث مسندا من عدة طرق كلها ضعاف والصحيح أنه مرسل اهـ (وقال) الدارقطنى روى هذا الحديث سفيان الثورى وشعبة وإسراءيل وشريك وأبو خالد الدالانى وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الصواب اهـ لكن قال ابن الهمام المرسل حجة عند أكثر أهل العلم. وعلى تقدير التنزل عن حجيته فقد رفعه أبو حنيفة بسند صحيح روى محمد بن الحسن في موطئه أخبرنا أبو حنيفة حدثنا أبو الحسن موسى بن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من صلى خلف إمام فإن قراءته له قراءة "وقولهم" إن الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه "غير صحيح" قال أحمد بن منيع في مسنده أخبرنا إسحاق بن الأزرق قال حدثنا سفيان وشريك عن موسى ابن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة. ورواه عبد بن حميد قال حدثنا أبو نعيم حدثنا الحسن بن صالح عن أبى الزهير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فذكره وإسناد حديث جابر الأول صحح على شرط مسلم فهؤلاء سفيان وشريك وأبو الزهير رفعوه بالطرق الصحيحة فبطل عدهم فيمن لم يرفعه. ولو تفرد الثقة بزيادة وجب قبولها لأن الرفع زيادة وزيادة الثقة مقبولة فكيف والحال أنه لم ينفرد. والثقة قد يسند الحديث تارة ويرسله أخرى اهـ ملخصا واستدلوا أيضا بما رواه الحاكم من طريق عبد الصمد بن الفضل قال حدثنا مكي بن إبراهيم عن أبى حنيفة عن موسى بن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهادى عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ورجل خلفه يقرأ فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة فلما انصرف أقبل عليه الرجل وقال أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتنازعا حتى ذكرا ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة. وفي رواية لأبى حنيفة أن رجلا قرأ خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الظهر أو العصر فأومأ إليه رجل فنهاه فلما انصرف قال أتنهانى الخ. واستدلوا أيضا بما رواه الطحاوى من طريق منصور بن المعتمر عن أبى وائل عن ابن مسعود قال أنصت للقراءة فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذلك الإمام. وبما رواه أيضا عن علقمة عن ابن مسعود قال ليت الذى يقرأ خلف الإمام ملئَ فوه ترابا. وبما رواه أيضا عن عبد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله ابن عمر وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله فقال لا تقرءوا خلف الإمام في شئ من الصلوات وبما رواه عن ابن عمر أنه كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام يقول إذا صلى أحدكم

ص: 253

خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام (وذهب) مالك وابن المبارك وإسحاق والزهرى إلى أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية فإنه ينصت للإمام فيها لأنه إذا لم يشغل نفسه بالتفكر في قراءة الإمام إذا جهر أو لم يقرأ هو إذا أسر الإمام تسلط عليه الوسواس وحديث النفس فيشغله عن الحضور في الصلاة. واستدلوا بقوله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" وجمع بين الاستماع والإنصات للتأكيد والاهتمام بأمر القرآن (قال) ابن عبد البر لا خلاف في أنه نزل في هذا المعنى دون غيره ومعلوم أنه في صلاة الجهر لأن السر لا يسمع فدل على أنه أراد الجهر خاصة. وأجمعوا على أنه لم يرد كل موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة ويشهد له قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الإمام وإذا قرأ فأنصتوا فأين المذهب "أى الفرار" عن السنة وظاهر القرآن اهـ ويؤيد أن الآية في الصلاة ما رواه البيهقي عن مجاهد قال قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة فنزلت وإذا قرئَ القرآن الخ. وما أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه صلى بأصحابه فسمع ناسا يقرءون خلفه فلما انصرف قال أما آن لكم أن تفهموا أما آن لكم أن تعقلوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله. واستدلوا أيضا بما رواه مسلم عن أبى موسى الأشعرى مرفوعا وفيه وإذا قرأ فأنصتوا. والإنصات السكوت لاستماع الحديث كما قاله الأزهرى. وبما سيأتى للمصنف عن أبى هريرة وفيه ما لي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقراءة (وبقراءة المأموم) في السرية وعدمها في الجهرية قالت الحنابلة. قالوا ويقرأ في الجهرية إذا لم يسمع قراءة الإمام (والظاهر) ما ذهب إليه الفريق الأول من وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام مطلقا في السرية والجهرية لأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب الخ دليل على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم خصوصا وأن قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب دليل عليه بعمومه. وقول من قال إنه محمول على الإمام والفذ تخصيص بلا مخصص يعوّل عليه. وحديث من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة عام في الفاتحة وغيرها يخص بحديث الباب فتكون قراءة الإمام قراءة للمأموم في غير الفاتحة. وقوله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" عام في استماع الفاتحة وغيرها فيخص أيضا بحديث الباب فيسمع المأموم قراءة الإمام في غير الفاتحة: على أن بعضهم حمل القرآن في الآية على الخطبة قالوا وسميت قرآنا لاشتمالها عليه. وبعضهم حملها على ترك الكلام في الصلاة كما يدل عليه ما رواه البيهقي عن أبي هريرة ومعاوية قالا كان الناس يتكلمون

ص: 254

في الصلاة فنزلت هذة الآية (واختلف) القائلون بوجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام في محل قراءتها. فقيل في محل سكتاته بين الآيات. وقيل في سكوته بعد قراءة الفاتحة (قال في النيل) ظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام. وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط ويكون فاعل ذلك آخذا بالإجماع. وأما اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط أو حال قراءته للسورة فقط فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة. نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذى هو بعد التوجه أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أولا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام السورة ومن جهة الاكتفاء بالتأمين مرة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام من قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق في التمام بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام السورة (وقد بالغ) بعض الشافعية فصرح بأنه إذا اتفقت قراءة الإمام والمأموم في آية خاصة من آى الفاتحة بطلت صلاته روى ذلك صاحب البيان من الشافعية عن بعض أهل الوجوه منهم وهو من الفساد بمكان يغنى عن ردّه اهـ ببعض تصرف

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والدارقطنى وابن حبان والطحاوى

(ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ نَافِعٌ: أَبْطَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَأَقَامَ أَبُو نُعَيْمٍ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ فَصَلَّى أَبُو نُعَيْمٍ بِالنَّاسِ، وَأَقْبَلَ عُبَادَةُ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى صَفَفْنَا خَلْفَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَجَعَلَ عُبَادَةُ يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ لِعُبَادَةَ: سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ، قَالَ: أَجَلْ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ قَالَ: فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:«هَلْ تَقْرَءُونَ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ؟ » ، فَقَالَ بَعْضُنَا: إِنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ، قَالَ:" فَلَا، وَأَنَا أَقُولُ: مَا لِي يُنَازِعُنِي الْقُرْآنُ، فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ".

ص: 255

(ش)(رجال الحديث)(الربيع بن سليمان الأزدى) أبو محمد الجيزى الأعرج روى عن الشافعى وابن وهب والنضر بن عبد الحميد وعبد الله بن يوسف وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى والطحاوى وأبو بكر الباغندى. وثقه الخطيب وابن يونس وقال النسائى لا بأس به وقال مسلمة بن قاسم كان رجلا صالحا كثير الحديث مأمونا ثقة وقال أبو عمر الكندى كان فقيها دينا وقال في التقريب ثقة من الحادية عشرة. روى له أبو داود والنسائى. توفي سنة ست وخمسين ومائتين. و (عبد الله بن يوسف) أبو محمد الكلاعي. روى عن مالك والليث بن سعد ويحيى بن حمزة وعيسى بن يونس والوليد بن مسلم وجماعة. وعنه البخارى والجوزجاني وابن معين وأبو حاتم وكثيرون. وثقه العجلى وأبو حاتم وقال ابن عدى صدوق لا بأس به وقال الخليلي ثقة متفق عليه وقال ابن يونس كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب ثقة متقن من كبار العاشرة توفي سنة ثماني عشرة ومائتين. روى له البخارى وأبو داود والنسائى والترمذى. و (زيد ابن واقد) القرشى الدمشقى أبو عمر ويقال أبو عمرو. روى عن مكحول وجبير بن نفير وقزعة ابن يحيى وكثير بن مرة وغيرهم. وعنه الوليد بن مسلم وصدقة بن خالد ويحيى بن حمزة والهيثم ابن حميد وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والعجلى والدارقطني وقال أبو حاتم لا بأس به محله الصدق وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له أبو داود والنسائى والبخارى وابن ماجه و (نافع بن محمود بن الربيع) ويقال ابن ربيعة الأنصارى. روى عن عبادة بن الصامت. وعنه مكحول وحزام بن حكيم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البر مجهول وقال في التقريب مستور من الثالثة. روى له أبو داود والنسائى. و (عبادة بن الصامت) تقدم في الجزء الرابع صفحة 3

(معنى الحديث)

(قوله فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة) وفي رواية الدارقطني فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة وكان أول من أذن في بيت المقدس. وأبو نعيم هو محمود بن الربيع

(قوله فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن الخ) أى شرع يقرأ فيها فلما فرغ أبو نعيم من الصلاة قال نافع لعبادة سمعتك تقرأ الخ. وفي رواية الدارقطني قد صنعت شيئا فلا أدرى أسنة هي أم سهو كانت منك قال وما ذاك قال سمعتك تقرأ الخ

(قوله أجل) أى نعم قرأت

(قوله فالتبست عليه القراءة) أى اشتبهت واختلطت بسبب قراءة المأمومين

(قوله إنا نصنع ذلك) وفي رواية الدارقطني إنا لنصنع ذلك أى القراءة

(قوله فلا) أى لا تقرءوا إذا جهرت بالقراءة. وفي رواية الدارقطني فلا تفعلوا

(قوله مالى ينازعني القرآن) بضم أوله مبنيا للمفعول والقرآن نائب فاعل أى مالى يجاذبني من المجاذبة وهي المنازعة في الأعيان والمعانى. وكأنهم لما جهروا خلفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شغلوه. وفي رواية الدارقطني مالى أنازع القرآن (ويحتمل) أن يكون مبنيا للفاعل والقرآن فاعل. والمراد بالمنازعة الاشتباه

ص: 256

والثقل

(قوله فلا تقرءوا بشئ الخ) وفي رواية الدارقطني لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقرآن إلا بأم القرآن. وهذا تفصيل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الإجمال بقوله فلا (وفيه) دليل لمن قال إن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية. ويؤخذ منه أنه يقرأ في السرية بأم القرآن وغيرها. وليس في حديث الباب ما يدل صراحة على أن قراءة المأموم الفاتحة تكون سرا أو جهرا لكن جاءت أحاديث أخر تدل على أنه يقرؤها سرّا. فقد روى الدارقطني عن مكحول عن عبادة بن الصامت قال سألنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل تقرءون معى وأنا أصلى قلنا إنا نقرأ نهذّه هذّا وندرسه درسا قال فلا تقرءوا إلا بأم القرآن سرا في أنفسكم قال الدارقطني هذا مرسل. وروى البيهقي والطبراني وابن حبان عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتقرءون في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم في نفسه. وتقدم قول أبي هريرة لأبي السائب اقرأ بها يا فارسى في نفسك

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني مطولا وأخرجه النسائى مختصرا

(ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُبَادَةَ، نَحْوَ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالُوا: فَكَانَ مَكْحُولٌ، يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا، قَالَ مَكْحُولٌ: اقْرَأْ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسَكَتَ سِرًّا فَإِنْ لَمْ يَسْكُتِ اقْرَأْ بِهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ

(ش)(رجال الأثر)(الوليد) بن مسلم تقدم في الجزء الثاني صفحة 51. و (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أبو عتبة الشامي الأزدى الداراني. روى عن الزهرى وسعيد المقبرى ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن وكثيرين. وعنه بشر بن بكر وعيسى بن يونس ويحيى بن حمزة وغيرهم. وثقه ابن معين والعجلى والنسائى وابن سعد وأبو داود وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به ثقة وقال ابن أبى داود ثقة مأمون وقال ابن المديني يعد في الطبقة الثانية من فقهاء أهل الشام بعد الصحابة. مات سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة روى له الجماعة

ص: 257