الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن نصر وابن حبان وصححه الترمذي وقال حسن غريب.
(باب القنوت في الصلوات)
(ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ نَا مُعَاذٌ -يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ- حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ وَاللَّهِ لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكَافِرِينَ.
(ش)(هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي تقدم بالأول ص 114
(قوله لأقربن بكم صلاة رسول الله) وفي نسخة لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني لأبينها لكم بيانًا فعليًا فأصلي شبه صلاته. وفي رواية الإسماعيلي إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية الطحاوي لأرينكم
(قوله يقنت في الركعة الآخرة) هومحتمل لأن يكون قبل الركوع أو بعده. وفي رواية البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقنت بعد الركوع
(قوله وصلاة العشاء الآخرة) وفي رواية لأحمد وصلاة العصر مكان صلاة العشاء الآخرة
(قوله ويدعو للمؤمنين) يعني المستضعفين والمأسورين منهم. وبين لهم بالفعل دون القول لأن البيان الفعلي أثبت من البيان القولي.
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي والدارقطني.
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ ح وَنَا ابْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالُوا كُلُّهُمْ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ زَادَ ابْنُ مُعَاذٍ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ.
(ش)(أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي تقدم بالأول صفحة 319.
و(ابن معاذ) عبيد الله تقدم بالثاني صفحة 115،
وكذا (أبوه) معاذ بن معاذ التيمي صفحة 116
(قوله قالوا كلهم) أي قال أبو الوليد ومسلم وحفص ومعاذ حدثنا شعبة بن الحجاج.
و(ابن أبي ليلى) عبد الرحمن تقدم بالثاني ص 34
(قوله زاد ابن معاذ وصلاة المغرب) أي زاد عبد الله بن معاذ في روايته قوله وصلاة المغرب أي كان يقنت أيضًا في صلاة المغرب. وفي
هذا دلالة على مشروعية القنوت في هاتين الصلاتين ويأتي تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطحاوي والبيهقي.
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا الْوَلِيدُ نَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في صَلَاةِ الْعَتَمَةِ شَهْرًا يَقُولُ في قُنُوتِهِ "اللهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". قَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ "وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا".
(ش)(الوليد) بن مسلم تقدم بالثاني صفحة 51 وما قيل إن الصواب أو الوليد كما في رواية ابن داسة وابن الأعرابي خطأ فقد أخرج البيهقي الحديث في السنن الكبرى من طريق ابن داسة قال أخبرنا أبو على الروذباري أنبأ محمَّد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا الوليد وابن مسلم ثنا الأوزاعي فذكره بإسناده قال قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة العتمة شهرًا الحديث فقد صرح بأنه الوليد بن مسلم، وكذا في سند الطحاوي
و(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تقدّم بالثاني صفحة 290
(قوله في صلاة العتمة) يعني صلاة العشاء الآخرة. وفي رواية مسلم من طريق الوليد بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت في صلاته شهرًا ولم يقيدها بالعشاء لكن المطلق يحمل على المقيد حيث إن الراوي واحد
(قوله يقول في قنوته الخ) بيان لما قنت به. وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم نجّ الوليد الخ
(قوله اللهم نج الوليد) وفي نسخة أنج الوليد بقطع الهمزة وهي رواية مسلم أي خلصه يقال نجا من الهلاك ينجو نجاة خلص ونجاه وأنجاه الله خلصه.
و(الوليد) أخو خالد بن الوليد ابن المغيرة كان ممن شهد بدرًا مع المشركين وأسر وفدى نفسه بأربعة آلاف درهم ثم أسلم فقيل له هلا أسلمت قبل الفداء قال كرهت أن تظنوا بي أنى جزعت من الأسر فحبسه المشركون بمكة ثم تواعد هو وسلمه بن هشام وكان معهم عياش بن أبي ربيعة كما في رواية البخاري وهربوا من
المشركين فعلم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمخرجهم فدعا لهم: وكان مبدأ دعائه لهم في الخامس عشر من رمضان، فقد روى أبو بكر بن زياد النيسابوري بسنده عن جابر قال رفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأسه في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال اللهم أنج الوليد الخ، وقد شهد الوليد مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمرة القضاء سنة سبع وقال يا رسول الله إذا أنا مت فكفني في فضل ثوبك مما يلي جلدك. فلما مات كفنه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في قميصه
(قوله ونج سلمة بن هشام) ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: هو أخو أبي جهل وابن عم خالد بن الوليد كان من السابقين إلى الإِسلام وهاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكة فحبسه أبو جهل ومنعه من الهجرة إلى المدينة وعذب في الله تعالى فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعوله في صلاته في القنوت، ولم يتمكن من حضور بدر ثم هاجر وشهد غزوة مؤتة ولم يزل بالمدينة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم خرج مع المسلمين إلى الشام حين بعث أبو بكر الجيوش لجهاد الروم فقتل في المرحم سنة أربع عشرة في خلافة عمر كما ذكره الحاكم في المستدرك
(قوله المستضعفين من المؤمنين) يعني ضعفاء المؤمنين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم فكانوا يعذبونهم بأنواع العذاب. كانوا يأخذون عمار ابن ياسر وأباه وأمه وأخته فيقلبونهم في الرمضاء ظهرًا لبطن فيمر عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم يعذبون فيقول صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وماتت سمية أم عمار بذلك فكانت أول قتيل في الإِسلام في ذات الله، ومات ياسر وابنته بعدها. وكان أمية بن خلف يخرج بلالًا فيضع الصخور على صدره ويتركها كذلك حتى يخشى أن يموت فيرفعها وبلال يقول أحد أحد. وما زال أمية يفعل به ذلك حتى اشتراه أبو بكر منه فأعتقه وأعتق آخرين منهم عامر بن فهيرة فقال له أبوه يا بني لو أعتقت رجالًا جلداء يمنعونك، فقال يا أبت إنما أريد ما أريد وفيه نزلت هذه الآية (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) إلى قوله (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم، قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوى جالسًا من الضرب حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم، وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له أكفر بمحمد فأعطاهم ذلك، فأخبر رسول الله صلى الله تعالى
عليه وعلى آله وسلم فأخبره فقال كيف وجدت قلبك قال مطمئنًا بالإيمان فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح دمعه، وقال إن عادوا لك فعد لهم بما قلت. ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى. (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)
(قوله اللهم أشدد وطأتك على مضر) أي اجعل بأسك وعذابك عليهم. والوطأة والوطء في الأصل الدوس بالقدم والمراد به هنا الإهلاك والعذاب الشديد لأن من يطأ الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه وإهانته. ومضر اسم قبيلة سميت باسم مضر بن نزار بن معد بن عدنان
(قوله اللهم اجعلها عليهم الخ) بأن تسلط عليهم قحطًا عظيمًا سبع سنين أو أكثر كسني يوسف عليه الصلاة والسلام. وسنين يوسف هي السبعة الأعوام الشداد التي عمهم فيها القحط المشار إليها بقوله تعالى. (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ) وجمع سنة جمع مذكر سالمًا شاذ لأنه ليس علمًا لمذكر عاقل ولتغير مفرده بكسر أوله
(قوله وأصبح رسول الله الخ) كان ذلك اليوم يوم عيد الفطر كما جاء في فوائد الزيادات من حديث أبي بكر بن زياد النيسابوري عن جابر قال رفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسه من الركعة الأخيرة في صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال اللهم أنج الوليد بن الوليد (الحديث) وفيه فدعا بذلك خمسة عشر يومًا حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء فسأله عمر فقال أو ما علمت أنهم قدموا قال بينما هويذكرهم انفتح عليهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد قد نكت أصبعه بالحرة "أي طوحه بها" وساق بهم ثلاثًا على قدميه
(قوله فذكرت ذلك له). يعني سألته عن سبب ترك الدعاء لهم. وكون السائل في رواية المصنف أبا هريرة لا ينافي ما ذكر في رواية النيسابوري من أن السائل عمر لاحتمال أن يكون كل منهما سأل عن ذلك
(قوله وما تراهم قد قدموا) أي أتسأل عن ذلك وما تعلم أن الوليد ومن معه قد قدموا إلى المدينة ونجاهم الله تعالى من عدوهم
(والحديث) يدل على مشروعية القنوت في العشاء للحاجة وأنه يترك عنوإنتائها. وعلى أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يفسد الصلاة. وكذا الدعاء على الكفار والظلمة فيها لا يفسدها (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والبيهقي.
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا مُتَتَابِعًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ "سَمِعَ
الله لِمَنْ حَمِدَهُ". مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ.
(ش)(رجال الحديث)(عبد الله بن معاوية) بن موسى بن أبي غليط بن نشيط أبو جعفر المصري. روى عن الحمادين وعبد العزيز بن مسلم ومهدى بن ميمون وثابت بن يزيد وجماعة. وعنه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وأبو بكر البزار، وثقه عباس العنبري ومسلمة بن قاسم وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين، والجمحي بضم الجيم وفتح الميمنسبة إلى بني جمح قبيلة
و(ثابت بن يزيد) الأحوال أبو زيد البصري. روى عن هلال بن خباب وعاصم الأحول وسليمان التيمي ومحمد ابن عمرو وغيرهم. وعنه عبد الله بن معاوية ومعاوية بن عمرو ومحمد بن الصلت وجماعة، وثقة ابن معين وأبو حاتم وأبو داود، وقال النسائي وأبو زرعة لا بأس به، وقال في التقريب ثقة ثبت من السابعة. مات سنة تسع وستين ومائة. روى له الجماعة.
و(هلال بن خباب) العبدي أبو العلاء البصري مولى زيد بن صوحان. روى عن عكرمة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن الأسود ومجاهد وكثيرين. وعنه الثوري ومسعر وثابت بن يزيد وأبو عوانة وآخرون، وثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وقال يحيى القطان تغير قبل أن يموت واختلط وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويخالف وذكره أيضًا في الضعفاء وقال اختلط في آخر عمره وكان يحدث بالشيء على التوهم: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
(معنى الحديث)
(قوله قنت رسول الله شهرًا متتابعًا الخ) يعني مكث شهرًا متواليًا يقنت في الصلوات الخمس في الركعة الأخيرة في كل ركعة منها بعد الرفع من الركوع
(قوله يدعو على أحياء الخ) بيان للقنوت، والأحياء جمع حي وهو الجماعة، ورعل وذكوان وعصية بيان للأحياء. ورعل بكسر الراء وسكون العين المهملة بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن خالد ابن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، وذكوان بالذال المعجمة بطن من بني سليم أيضًا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم. وعصية تصغير عصا اسم لقبيلة من بني سليم ينسبون إلى عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو عليهم لما ذكره البخاري من حديث عبد الأعلى بن حماد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن رعلًا وذكران وعصية وبنى لحيان استمدوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا
يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، قال أنس فقرأنا فيهم قرآنًا ثم إن ذلك رفع "أي نسخ القرآن الذي نزل فيهم" بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. وكان ذلك سببًا لبدء القنوت. فقد روى البخاري أيضًا عن أنس قال بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعين رجلًا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر معونة، فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهرًا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت
(وفي حديث الباب) دلالة على مشروعية القنوت في الصلوات المكتوبات كلها عند النوازل وعليه أكثر أهل العلم.
أما عند عدم النوازل فاتفقوا أيضًا على عدم القنوت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء واختلفوا في الصبح. فقال جماعة إنه مشروع فيها، وممن قال به من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب، ومن غيرهم ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو عثمان النهدي وأبو رافع وأبو إسحاق الفزاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحابه وعبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز ومحمد بن جرير وأبو حاتم وأبو زرعة.
وذهب جماعة إلى عدم مشروعيته فيها إذا لم تكن نازلة منهم ابن المبارك وابن عباس وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو إسحاق وأصحابه وسفيان الثوري. واستدل الأولون بحديث الباب وبالحديث الثاني في الباب عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب.
وبما رواه الحاكم وصححه والدراقطني عن أنس من عدة طرق أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا.
واستدل القائلون بعدم القنوت في الصبح عند عدم النازلة. بما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا بالكوفة قريبًا من خمس سنين أكانوا يقنتون؟ قال أي بني محدث: ورواه النسائي بلفظ صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة. ويدل لهم أيضًا ما أخرجه ابن حبان عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقنت في
صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم. وما أخرجه الخطيب في كتابه القنوت من حديث محمَّد بن عبد الله الأنصاري ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ورواه ابن خزيمة أيضًا وصححه.
وبما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي والحاكم في كتاب القنوت عن ابن مسعود ما قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شيء من صلاته.
زاد الطبراني إلا في الوتر وأنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين ولا قنت أبو بكر ولا عمر حتى ماتوا ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام وكان يقنت في الصلوات كلهن قال البيهقي كذا رواه محمَّد بن جابر السحيمى وهو متروك، وما رواه البيهقي وابن ماجه والدارقطني عن أم سلمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن القنوت في الصبح وفي سنده ضعيف.
وما رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس أنه قال القنوت في الصبح بدعة، قال البيهقي لا يصح. وأجابوا عن حديث البراء بأنه ليس مختصًا بالصبح بل هو وارد في الصبح والمغرب.
وأصحاب القول الأول لا يقولون بالقنوت في المغرب دائمًا وإنما هو عند النوازل فكذلك الصبح إذ لا فارق بينهما لورود الحديث فيهما على السواء.
وعن حديث أنس بأنه ضعيف لا تقوم به حجة لأنه من طريق أبي جعفر الرازي وهو وإن وثقه جماعة فيه مقال. قال فيه عبد الله بن أحمد ليس بالقوي. وقال ابن المديني إنه يخلط. وقال أبو زرعة يهم كثيرًا وقال عمرو بن علي الفلاس صدوق سيئ الحفظ. وقال ابن معين ثقة لكنه يخطئ. وحكى الساجي أنه صدوق ليس بالمتقن.
ويقوي ضعف الحديث ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قال قلنا لأنس بن مالك إن قومًا يزعمون أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما زال يقنت بالفجر قال كذبوا وإنما قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهرًا واحدًا يدعو على حي من أحياء العرب. قال في الهدى قيس بن الربيع وإن كان يحيى ضعفه فقد وثقه غيره وليس بدون أبي جعفر الرازي فكيف يكون أبو جعفر حجة في قوله لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا وقيس ليس بحجة في هذا الحديث وهو أوثق منه أو مثله. والذين ضعفوا أبا جعفر أكثر من الذين ضعفوا قيسًا فإنما يعرف تضعيف قيس عن يحيى، قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم سألت يحيى عن قيس بن الربيع فقال ضعيف لا يكتب حديثه كان يحدث بالحديث عن عبيدة وهو عنده عن منصور ومثل هذا لا يوجب رد حديث الراوي لأن غاية ذلك أن يكون غلط ووهم في ذكر عبيدة بدل منصور ومن الذي سلم من هذا من المحدثين؟ اهـ
إذا علمت هذا علمت أن الراجح أن القنوت خاص بالنوازل في الصبح وغيرها فإن أنسًا أخبر كما تقدم
أنهم لم يكونوا يقنتون وأن بدء القنوت هو قنوت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو على رعل وذكوان فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت دائمًا لأن قوله في الحديث ذلك بدء القنوت مع قوله قنت شهرًا ثم تركه دليل على أنه إنما أراد بما أثبته من القنوت قنوت النوازل وهو الذي وقته بشهر، وعلى هذا يحمل ما تقدم من حديث أبي مالك الأشجعي وكذا الأحاديث التي فيها نفى القنوت مطلقًا.
قال في الهدى كان هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها ولم يكن يخصه بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من الطول ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة وللتنزل الإلهي ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته أو ملائكة الليل والنهار كما روى هذا في تفسير قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودًا.
وأما حديث ابن أبي فديك عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه فيها فيدعو بهذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت.
فما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحًا أو حسنًا، ولكن لا يحتج بعبد الله هذا وإن كان الحاكم صحح حديثه في القنوت عن أحمد بن عبد الله المزني، نعم يصح عن أبي هريرة أنه قال والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان أبوهريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار، ولا ريب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك ثم تركه، فأحب أبوهريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا عند النوازل وغيرها ويقولون هو منسوخ وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها وهم أشعر بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه ويقولون فعله سنة وتركه سنة ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفًا للسنة كما لا ينكرون على من تركه عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفًا للسنة بل من قنت فقد أحسن ومن تركه فقد أحسن.
وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه. وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه.
وكالخلاف في أنواع التشهدات وأنواع الأذان والإقامة وأنواع
النسك من الإفراد والقران والتمتع. وليس مقصودًا إلا ذكر هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان يفعله هو فإنه قبلة القصد وإليه التوجه وعليه مدار التفتيش والطلب وهذا شيء والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء فنحن لم نتعرض لما يجوز ولما لا يجوز وإنما مقصودنا فيه هدى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان يختاره لنفسه فإنه أكمل الهدي وأفضله فإذا قلنا لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ولا الجهر بالبسملة لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا أنه بدعة ولكن هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكمل الهدي وأفضله اهـ
وأطال الكلام في هذا المقام. إذا تقرر هذا علمت أنه لا وجه لمن خصص القنوت بالوتر أو الصبح وأنه إذا تركه في الصبح سجد للسهو مستدلًا بما في حديث أنس المتقدم من قوله فلم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا وقد علمت ما فيه. وأيضًا فقد قال الحافظ في التلخيص اختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة اهـ
قال الشوكاني الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة ألا تختص به صلاة دون صلاة، وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحة ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد. وقد حاول جماعة من الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل اهـ
ويؤخذ من حديث ابن عباس "حديث الباب" مشروعية تأمين المأمومين على دعاء الإِمام في القنوت. قال ابن نصر قيل للحسن إنهم يضجون في القنوت فقال أخطأوا السنة كان عمر يقنت ويؤمن من خلفه.
وقال أبو داود سمعت أحمد سئل عن القنوت فقال الذي يعجبنا أن يقنت الإِمام ويؤمن من خلفه. ويؤخذ من هذا كله أن القنوت يكون جهرًا لأن المأمومين إذا لم يسمعوا لم يؤمنوا. وروى محمَّد بن نصر عن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة حتى يسمع صوته من وراء المسجد. وعن الحسن أن أبيّ بن كعب أم الناس في رمضان فكان يقنت في النصف الأخير حتى يسمعهم الدعاء. وقالت المالكية يسر به. وبه قال الأوزاعي ولا وجه لهم إذا المذكور من الروايات يرد عليهم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم.
(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ مُسَدَّدٌ بِيَسِيرٍ.
(ش)(أيوب) السختياني. و (محمَّد) بن سيرين
(قوله قال مسدد بيسير) أي قال مسدد في روايته قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركوع يسيرًا من الزمن فالباء زائدة وفي بعض النسخ إسقاطها. وقد بين هذا اليسير في رواية للبخاري من طريق عاصم قال سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال قد كان القنوت قلت قبل الركوع أبو بعده؟ قال قبله قال فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع فقال كذب إنما قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركوع شهرًا.
وقد جاء عن أنس في عدة طرق أن القنوت بعد الركوع كان شهرًا في النوازل وورد أيضًا في أحاديث أخر منها حديث ابن عباس المتقدم. ومنها ما أخرجه أحمد والبخاري عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلانًا وفلانًا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون. ومنها ما أخرجاه أيضًا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع: قال إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد اللهم أنج الوليد (الحديث).
وبظاهر هذه الأحاديث أخذ جماعة فقالوا إن القنوت بعد الرفع من الركوع منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو قلابة وأبو المتوكل والشافعي وابن حبيب من المالكية. وذهب جماعة إلى أنه قبل الركوع: منهم مالك وإسحاق وهو مروي عن ابن عباس والبراء وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وابن أبي ليلى. يدل لهم ما تقدم عن أنس عند البخاري من طريق عاصم. وما رواه ابن نصر عن الأسود أن عمر بن الخطاب قنت في الوتر قبل الركوع، وفي رواية بعد القراءة قبل الركوع.
وما رواه أيضًا عن ابن مسعود أنه قنت في الوتر قبل الركوع. وما روى أيضًا عن عبد الله بن شداد قال صليت خلف عمر وعلي وأبي موسى فقنتوا في صلاة الصبح قبل الركوع، وأول من قنت قبل الركوع عثمان كما رواه ابن نصر من طريق حميد عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان قنت قبل الركعة ليدرك الناس، وروى ابن ماجه والطحاوي وابن نصر عن حميد قال سألت أنسًا عن القنوت قبل الركوع وبعد الركوع فقال كنا نفعله قبل وبعد. وبه قال أحمد وأيوب السختياني. وقال مالك في المدونة في القنوت في الصبح كل ذلك واسع قبل الركوع وبعد الركوع والذي أخذ به في خاصة نفسي قبل الركوع اهـ.
والراجح أن القنوت يكون بعد الركوع لثبوته بالأحاديث الكثيرة المرفوعة عن أنس وغيره كما تقدم. قال البيهقي رواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء الراشدون اهـ.
وروى الحاكم أبو أحمد عن الحسن البصري قال صليت خلف ثمانية
وعشرين بدريًا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع. قال الحافظ إسناده ضعيف اهـ.
وحديث عاصم الذي استدلوا به تفرد به عن أنس، وسائر الرواة عن أنس خالفوه.
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أيقول أحد في حديث أنس إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ فقال ما علمت أحدًا يقوله غيره وخالفهم عاصم كلهم: هشام عن قتادة والتيمى عن أبي مجلز وأيوب عن محمَّد وحنظلة السدوسي كلهم عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قنت بعد الركوع.
وقال في الهدى أحاديث أنس كلها صحاح يصدق بعضها بعضًا ولا تتناقض. والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير الذي ذكره بعده والذي وقته غير الذي أطلقه. فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة الذي قال فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضل الصلاة طول القنوت. والذي ذكره بعده هو إطالة القيام للدعاء ففعله شهرًا يدعو على قوم ويدعو لقوم ثم استمر يطيل هذا الركن للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا كما في الصحيحين عن ثابت عن أنس قال إني لا أزال أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بنا، قال وكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه: كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة يمكث حتى يقول القائل قد نسي. فهذا هو القنوت الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا. ومعلوم أنه لم يكن يسكت في مثل هذا الوقوف الطويل بل كان يثني على ربه ويمجده ويدعوه. وهذا غير القنوت الموقت بشهر فإن ذلك دعاء على رعل وذكران وعصية وبني لحيان ودعاء للمستضعفين الذين كانوا بمكة. وأما تخصيص هذا بالفجر فبحسب سؤال السائل فإنما سأله عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه. وأيضًا فإنه كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات ويقرأ فيها بالستين إلى المائة، وكان كما قال البراء بن عازب ركوعه واعتداله وسجوده وقيامه متقاربة، وكان يظهر من تطويله بعد الركوع في صلاة الفجر ما لا يظهر في سائر الصلوات بذلك، ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذا الاعتدال كما تقدمت الأحاديث بذلك. وهذا قنوت منه لا ريب. فنحن لم نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف: اللهم أهدني فيمن هديت الخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وكذا الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم، ونشأ من لا يعرف غير ذلك فلم يشك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه كانوا مداومين عليه كل غداة. وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن هذا من فعله الراتب بل ولا يثبت عنه أن فعله، وغاية ما روي عنه في هذا القنوت أنه علمه
الحسن بن عليّ كما في المسند والسنن الأربع عنه قال علمني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر "اللهم أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت" قال الترمذي حديث حسن. ولا نعرف في القنوت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئًا أحسن من هذا. وزاد البيهقي بعد ولا يذل من واليت ولا يعز من عاديت.
ومما يدل على أن مراد أنس بالقنوت بعد الركوع هوالقيام للدعاء والثناء ما رواه سليمان بن حرب حدثنا أبوهلال حدثنا حنظلة إمام مسجد قتادة قلت هو السدوسي قال اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلاة الصبح فقال قتادة قبل الركوع وقلت أنا بعد الركوع فأتينا أنس بن مالك فذكرنا له ذلك فقال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الفجر فكبر وركع ورفع رأسه ثم سجد ثم قام في الثانية فكبر وركع ثم رفع رأسه فقام ساعة ثم وقع ساجدًا.
وهذا مثل حديث ثابت عنه سواء وهو يبين مراد أنس بالقنوت فإنه ذكره دليلًا لمن قال إنه قنت بعد الركوع، فهذا القيام والتطويل هو كان مراد أنس فاتفقت أحاديثه كلها وبالله التوفيق:
وأما المروى عن الصحابة فنوعان. أحدهما قنوت عند النوازل كقنوت الصديق رضي الله تعالى عنه في محاربة الصحابة لمسليمة وعند محاربة أهل الكتاب وكذلك قنوت عمر وقنوت على عند محاربته لمعاوية وأهل الشام. الثاني مطلق ومراد من حكاه عنهم به تطويل هذا الركن للدعاء والثناء اهـ.
وجاء في القنوت أدعية. منها ما تقدم عن الحسن وعن عمر في الوتر. ومنها ما ذكره ابن نصر عن أبي رافع قال صليت خلف عمر الصبح فقنت بعد الركوع فسمعته يقول اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق،
اللهم عذب الكفرة وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمهم وأنزل عليهم رجسك وعذابك،
اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم: وذكر ابن نصر في دعاء عمر هذا روايات كثيرة، وأخرج من طريق محمَّد بن النضر الحارثي عن الأوزاعي قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اللهم أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك. وعن الحسين بن علي أنه كان يدعو في وتره اللهم
إنك ترى ولا ترى وأنت في المنظر الأعلى وإن لك الآخرة والأولى، وإن إليك الرجعى وإنا نعوذ بك أن نذل ونخزى. وليس في القنوت دعاء مؤقت معين كما قاله إبراهيم النخعي. وروى محمَّد بن نصر عن هشام بن عروة عن أبيه مرفوعًا إنما أقنت بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم. وقال مالك وليس في القنوت دعاء معروف. ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة حوائج دنياه وآخرته في القيام والجلوس والسجود.
واختلف في رفع اليدين في القنوت. فذهب أحمد وأصحاب الرأى وإسحاق إلى أنه يرفع يديه. قال النووي وهو الصحيح عند الشافعية. واحتجوا بما رواه البيهقي بإسناد صحيح أو حسن عن أنس في قصة القراء الذين قتلوا: قال لقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما صلى الغداة يرفع يديه يدعو عليهم "يعني على الذين قتلوهم".
قال الحافظ في التلخيص فيه علي بن الصقر، وقد قال فيه الدارقطني ليس بالقوي. واحتجوا أيضًا بما رواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في الركعة الثانية رفع يديه فيدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت
(الحديث) قال الحاكم صحيح. لكن قال الحافظ في التلخيص وليس كما قال فهو ضعيف لأجل عبد الله اهـ
وروى محمَّد بن نصر عن الأسود أن عبد الله بن مسعود كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره. وروى أيضًا عن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة ويرفع يديه حتى يخرج ضبعية اهـ وهو تثنية ضبع بسكون الموحدة وهو العضد. وذهب جماعة إلى عدم رفع اليدين في القنوت منهم مالك والأوزاعي كما رواه عنه ابن نصر عن الوليد قال سألت الأوزاعي عن رفع اليدين في قنوت الوتر فقال لا ترفع يديك وإن شئت فأشر بأصبعك.
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والطحاوي ومحمد بن نصر
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ.
(ش)(قوله قنت شهرًا ثم تركه) استدل به الحنفية على نسخ القنوت في الصلوات المكتوبة.
لكنه لا يصلح دليلًا على النسخ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يدعو على أحياء من العرب في هذا الشهر ثم ترك الدعاء عليهم، فالمراد ترك الدعاء على هؤلاء الكفار فقط لا أنه تركه أصلًا حتى عند النوازل. فقد روى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أنس أن النبي