المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في كم يقرأ القرآن)

- ‌(باب تحزيب القرآن)

- ‌(باب في عدد الآي)

- ‌(باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن)

- ‌(باب من لم ير السجود في المفصل)

- ‌(باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ)

- ‌(باب السجود في ص)

- ‌(باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة)

- ‌(باب ما يقول إذا سجد)

- ‌(باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح)

- ‌(باب استحباب الوتر)

- ‌ وقته

- ‌(باب فيمن لم يوتر)

- ‌(باب كم الوتر)

- ‌(باب ما يقرأ في الوتر)

- ‌(باب القنوت في الوتر)

- ‌(باب في الدعاء بعد الوتر)

- ‌(باب في الوتر قبل النوم)

- ‌(باب في وقت الوتر)

- ‌(باب القنوت في الصلوات)

- ‌(باب فضل التطوع في البيت)

- ‌(باب الحث على قيام الليل)

- ‌(باب في ثواب قراءة القرآن)

- ‌(باب ما جاء في آية الكرسي)

- ‌(باب في سورة الصمد)

- ‌(باب في المعوذتين)

- ‌(باب كيف يستحب الترتيل في القراءة)

- ‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

- ‌(باب الدعاء)

- ‌(باب التسبيح بالحصى)

- ‌(باب في الاستغفار)

- ‌(باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله)

- ‌(باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الدعاء بظهر الغيب)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا)

- ‌(باب الاستخارة)

- ‌(كتاب الجنائز)

- ‌(باب الأمراض المكفرة للذنوب)

- ‌(باب إذا كان الرجل يعمل صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر)

- ‌(باب عيادة النساء)

- ‌(باب في العيادة)

- ‌(باب في عيادة الذمي)

- ‌(باب المشي في العيادة)

- ‌(باب في فضل العيادة)

- ‌(باب في العيادة مرارًا)

- ‌(باب العيادة من الرمد)

- ‌(باب في الخروج من الطاعون)

- ‌(باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة)

- ‌(باب كراهية تمني الموت)

- ‌(باب موت الفجاءة)

- ‌(باب في فضل من مات بالطاعون)

- ‌(باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام)

- ‌(باب في التلقين)

- ‌(باب تغميض الميت)

- ‌(باب في الاسترجاع)

- ‌(باب الميت يسجى)

- ‌(باب الجلوس عند المصيبة)

- ‌(باب التعزية)

- ‌(باب الصبر عند المصيبة)

- ‌(باب في البكاء على الميت)

- ‌(باب في النوح)

- ‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

- ‌(باب في ستر الميت عند غسله)

- ‌(باب كيف غسل الميت)

- ‌(باب في الكفن)

- ‌(باب كراهية المغالاة في الكفن)

- ‌(باب في كفن المرأة)

- ‌(فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها)

- ‌(باب في المسك للميت)

- ‌(باب تعجيل الجنازة)

- ‌(باب في تقبيل الميت)

- ‌(باب في الدفن بالليل)

- ‌(باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض)

- ‌(باب في الصفوف على الجنازة)

- ‌(باب اتباع النساء الجنائز)

- ‌(باب في النار يتبع بها الميت)

الفصل: ‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

(فقه الحديث) دل الحديث على تحريم هذه الأشياء المذكورة في الحديث.

وقد ورد التحذير منها في عده روايات سوى ما ذكره المصنف، منها ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية.

ومنها ما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعن الخامشة ووجها والشاقة ثوبها والداعية بالويل والثبور.

ومنها ما أخرجه مسلم عن عبيد بن عمير عن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي ارض غريبه لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهأيت للبكاء عليه إذا أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال أتريدين أن يدخل الشيطان بيتًا أخرجه الله منه مرتين فكففت عن البكاء فلم أبك

(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي

(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ".

(ش)(رجال الحديث)(سفيان) بن عيينة. و (جعفر بن خالد) بن سارة بتخفيف الراء أو شدها القرشي المخزومي. روى عن أبيه. وعنه ابن جريج وابن عيينة، وثقه أحمد وابن معين والترمذي والنسائي وابن حبان وابن حزم والبيهقي، وفي التقريب ثقة من السابعة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

و(أبوه) خالد بن سارة، ويقال ابن عبيد بن سارة المكي. روى عن ابن عمرو وعبد الله بن جعفر. وعنه ابنه جعفر وعطاء بن أبي رباح ، ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب صدوق من الثالثة، روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله اصنعوا لآل جعفر طعامًا) قال ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نعى جعفر بن أبي طالب حين قتل مع عبد الله بن رواحة وزيده بن حارثه في غزوة مؤته سنه ثمان من الهجرة

(وفي الحديث) دلالة على طلب صنع الطعام لأهل الميت لاشتغالهم بما نزل عن صنع طعامهم. قال ابن الهمام في فتح القدير يستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد أتاهم ما يشغلهم" ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه مشروع في

ص: 287

السرور لا في الشرور بدعة مستقبحة اهـ.

ويدل له ما رواه ابن ماجه وأحمد واللفظ له من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. وما رواه سعيد بن منصور أن جريرًا وفد على عمر بن الخطاب فقال هل يناح على ميتكم؟ قال لا قال: فهل تجتمعون عند أهل الميت وتجعلون الطعام؟ قال نعم، قال ذلك النوح.

وقالت المالكية وندب إهداء طعام لأهل الميت لكونهم نزل بهم ما شغلهم عن صنع طعام لأنفسهم ما لم يجتمعوا على البكاء برفع صوت أو قول قبيح فيحرم حينئذ الإهداء لهم لأنه يعينهم على الحرام. وقالت الحنابلة يسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث إليهم ثلاث ليال مدة التعزية لحديث الباب ولا يصلح الطعام لمن يجتمع عند أهل الميت بل يكره لأنه إعانة على مكروه وهو الاجتماع عندهم. قال أحمد هو من فعل الجاهلية وأنكره شديدًا.

وكذا يكره فعل أهل الميت الطعام للناس يجتمعون عندهم. وقالت الشافعية يستحب لجيران أهل الميت ولو أجانب وأقاربه ان يصنعوا لأهل الميت طعامًا يكفيهم يومهم وليلتهم ويلحون عليهم في الأكل، ويحرم صنع الطعام لمن ينوح لأنه إعانة على معصية، ويكره لأهل الميت صنع طعام يجتمعون عليه الناس. واستدلوا على الكراهة بحديث جرير بن عبد الله البجلي المتقدم، قال الشيخ زكريا الأنصاري وهو ظاهر في الحرمة فضلًا عن الكراهة والبدعة الصادقة بكل منهما اهـ

ومحل عدم جواز صنع أهل الميت طعامًا أتى يعزيهم ما لم تدع الحاجه إليه كأن قدم من مكان بعيد واحتاج إلى المبيت عندهم، وإلا جاز بشرط أن لا يكون من مال الأيتام، فإن كان مال أهل الميت لأيتام كانت ضيافة أولئك المعزين على أهل القرية

(فقه الحديث) دل الحديث على طلب مزيد من الرأفة على أهل الميت وصنع الطعام لهم

(والحديث) أخرجه أيضًا الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وحسنه وصححه ابن السكن، وأخرجه أيضًا أحمد والطبراني من حديث أسماء بنت عميس

(باب في الشهيد يغسل)

أي أيغسل أم لا، والشهيد فعيل بمعنى فاعل لأنه يشهد رحمه الله تعالى، أو بمعنى مفعول لأنه مشهود له بالجنة ولسان الملائكة يشهدون موته إكرامًا له كما تقدم، واختلف العلماء في الشهيد عرفًا فقالت الشافعية هو من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال سواء أقتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه السلاح نفسه أو سقط عن فرسه أو "ضربته برجلها" دابة فمات أو وطئته دواب المسلمين أو غيرهم أو أصابه سهم لا يعرف هل رمى به مسلم أم كافر؟ أو وجد قتيلًا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته سواء اكان عليه أثر دم أم لا وسواء مات في الحال أم بقي

ص: 288

زمنًا ثم مات بذلك السبب قبل انقضاء الحرب، وسواء أكل وشرب ووصى أم لم يفعل شيئًا من ذلك، وسواء في ذلك الرجل والمرأه والعبد والصبي والصالح والفاسق، فإذا انقضت الحرب وليس فيه إلا حركه مذبوح فهو شهيد بلا خلاف، وإن انقضت وهو متوقع الحياة فليس بشهيد بلا خلاف، وبنحوه قالت المالكية. وكذا الحنابلة غير أنهم قالوا: إن من مات في دار الحرب حتف أنفه أو عاد إليه سيفه أو وجد ميتًا ولا أثر به أو حمل بعد جرحه فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عرفًا، غسل وصلي عليه وجوبًا، ومن قتل مظلومًا حتى من قتله الكفار صبرًا في غير الحرب الحق بشهيد المعركة فلا يغسل ولا يصلي عليه.

وقالت الحنفية الشهيد هو مسلم مكلف طاهر قتله أهل الحرب مباشرة أو تسببًا أو قتله البغاة أو قطاع الطريق ولو بغير آله جارحة أو وجد ميتًا في المعركة وبه أثر جراحة ولو باطنًا كخروج الدم من موضع غير معتاد كالعين والأذن لا من الأنف أو الدبر ولم يرتفق بشيء من مرافق الحياة بعد الجرح كأكل وشرب ونوم وعلاج ونقله حيًا من المعركة لغير خوف عليه من وطء الأقدام أو قتل ظلمًا ولم يجب بقتله دية

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ح وَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ -قَالَ- وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

(ش)(أبو الزبير) محمَّد بن مسلم

(قوله رمي رجل) لم نقف على اسمه ولا على أن ذلك كان في أي غزوة

(قوله فأدرج في ثيابه كما هو) أي دفن مدرجًا في ثيابه التي مات فيها ولم يغسل

(قوله ونحن مع رسول الله) أشار به إلى أن الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ.

(ش)(رجال الحديث)(علي بن عاصم) بن صهيب أبو الحسن الواسطي التيمي

ص: 289

مولاهم. روى عن عطاء بن السائب وسليمان التيمي وخالد الحذاء وحميد الطويل وغيرهم. وعنه يزيد بن زريع وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وعبد بن حميد، قال وكيع ما زلنا نعرفه بالخير وقال أحمد كان يغلط ويخطئ ولم يكن متهمًا بالكذب وقال ابن المديني كان كثير الغلط وكان إذا غلط فرد عليه لم يرجع وقال صالح بن محمَّد ليس هو عندي ممن يكذب ولكن يهم وهو سيئ الحفظ كثير الوهم يغلط كثيرًا في أحاديث يرفعها ويقلبها وسائر حديثه صحيح مستقيم.

وقال يعقوب ابن شيبة عن يحيى ليس بشيء ولا يحتج به فقيل له ما أنكرت منه؟ قال الخطأ والغلط ليس ممن يكتب حديثه وقال العجلي كان ثقة معروفًا بالحديث وقال البخاري ليس بالقوي عندهم. مات سنه إحدى ومائتين، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتلى أحد الخ) قتلى جمع قتيل فعيل بمعنى مفعول مثل جرحى وجريح. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يدفنوا بدمائهم إبقاء لأثر الشهادة. ولما رواه أحمد عن جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في قتلى أحد (لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكًا يوم القيامة)

(وفي الحديث) دلالة على أن الشهيد لا يغسل ولا ينزع عنه ثيابه بل ينزع عنه ما هومن غير جنس الكفن كالحديد والجلود (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي وفيه علي بن عاصم وقد تكلم فيه غير واحد كما علمت، وعطاء بن السائب وفيه مقال

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ ح وَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ.

(ش)(ابن وهب) عبد الله. و (ابن شهاب) محمَّد بن مسلم الزهري

(قوله حدثهم) أي حدث أنس ابن شهاب ومن كان معه

(قوله لم يغسلوا الخ) فيه دلالة على أن شهيد المعركة لا يغسل ولوكان جنبًا ولا يصلي عليه، وإلى ذلك ذهبت المالكية وبه قال بعض الشافعية وعطاء والنخعي وسليمان بن موسى والليث ويحيى الأنصاري وابن المنذر وأبو ثور أخذًا بحديث الباب. وبما تقدم عند أحمد. وبما رواه البخاري عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. وقالت الحنابلة لا يغسل الشهيد إلا إن كان جنبًا، وبه قال بعض الشافعية لما رواه ابن إسحاق في المغازي أن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شأن حنظلة؟

ص: 290

فإني رأيت الملائكة تغسله، قالوا إنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال. ولأنه غسل واجب لغير الموت فلا يسقط بالموت كغسل النجاسة، ولا يصلي عليه في أصح الروايتين عن أحمد. وفي رواية عنه يصلي عليه. واختارها الخلال.

قال في المغني إلا أن كلام أحمد في هذه الرواية بشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة. وقد صرح بذلك في رواية المروزي فقال الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأه اهـ

وقال ابن المسيب والحسن البصري يصلي علي الشعيد ويغسل لأن الغسل كرامة لبني آدم والشهيد مستحق للكرامة. لكن هذا معارض للنص فلا يعول عليه

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني والحسن البصري وابن المسيب يصلي عليه ولا يغسل إلا إذا كان جنبًا أو صبيًا أو مجنونًا فيغسل عند أبي حنيفة. واستدل لهم بحديث أبي مالك الغفاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على قتلي أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة. أخرجه البيهقي وقال: هذا أصح ما في هذا الباب وهو مرسل أخرجه أبو داود في المراسيل بمعناه اهـ

وقال في الخلافيات وأعله الشافعي بأنه متدافع لأن الشهداء كانوا سبعين؟ فإذا أتي بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات فكيف تكون سبعين قال وإن أراد التكبير فيكون ثمانية وعشرين تكبيرة (ورده في الجوهر النقي) بأن الذي في مراسيل أبي داود عن أبي مالك أمر عليه السلام بحمزة فوضع وجيئ بتسعة صلى عليهم فرفعوا وترك حمزة ثم جيئ بتسعة فوضعوا فصلى عليهم سبع صلوات حتى صلى على سبعين وفيهم حمزة في كل صلاة "فصرح بأنه صلى سبع صلوات على سبعين رجلًا فزال بذلك ما استنكره الشافعي وظهر أن ما رواه أبو داود ليس بمعنى ما رواه البيهقي اهـ

واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال كان النساء يوم أحد خلف المسلمين بجهزن علي جرحى المشركين (الحديث) وفيه فوضع صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حمزة وجيئ برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة، ثم جيئ بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة فصلى عليه يومئذ سبعين صلاة. وعطاء متكلم فيه ووثقه غير واحد وقد تغير في آخر حياته.

وبحديث ابن عباس قال لما انصرف المشركون عن قتلى أحد قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حمزة فكبر عليه عشرًا ثم يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى يومئذ سبعين رواه الدارقطني والبيهقي من طريق يزيد بن أبي يزيد عن مقسم عن ابن عباس مثله وأتم منه، ويزيد فيه ضعف يسير اهـ

وبحديث أبي سلام عن رجل من أصحابي النبي صلي الله عليه تعالى وعلى آله وسلم قال أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من

ص: 291

المسلمين رجلًا منهم فأخطأه وأصاب نفسه، فقال رسول الله صلي الله عليه تعالى وعلى آله وسلم: أخوكم يا معشر المسلمين، فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال نعم وأنا له شهيد، أخرجه المصنف في "باب الرجل يموت بسلاحه" من "كتاب الجهاد" وسكت عليه هو والمنذري

وبما رواه النسائي عن شداد بن الهاد أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فآمن به واتبعه وذكر الحديث، وفيه أنه استشهد فصلى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فحفظ من دعائه: اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقتل في سبيلك. وحمله البيهقي على أنه لم يمت في المعركة على أن الحديث مرسل لأن شدادًا تابعي وعلى فرض اتصاله فيمكن حمل الصلاة فيه على الدعاء.

وبما أخرجه البخاري من حديث عقبة بن عامر وفيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت. قال النووي إنه محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعا لهم كدعائه للموتى لا سيما وأنه قد صرح في الحديث نفسه في رواية ذكرها البخاري في المغازي من طريق حيوة بن شريح أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت بعد ثمان، وهذا التأويل لا بد منه وليس المراد صلاة الجنازة المعروفة بالإجماع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله عند موته بعد دفنهم بثمان سنين، ولوكانت صلاة الجنازة المعروفة لما أخرها ثمان سنين. ودليل آخر وهو أنه لا يجوز أن يكون المراد صلاة الجنازة بالإجماع لأنه عندنا لا يصلي على الشهيد.

وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصلى على القبر بعد ثلاثة أيام فوجب تأويل الحديث. ولأن أبا حنيفة لا يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى وهذا منها قال الشافعي في الأم جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل على قتلى أحد.

وما روي من أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح قد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحيي على نفسه. وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين والمخالف يقول لا يصلي على القبر إذا طالت المدة. وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعًا لهم بذلك ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت اهـ

ويعنى بالحكم الثاب ترك الصلاة على الشهيد والأحاديث التي احتج بها القائلون بالصلاة علي شهداء أحد اتفق أهل الحديث على ضعفها كلها والضعف فيها بين. اهـ من شرح المهذب.

لكن قال الشوكاني في النيل أحاديث الصلاة قد شد من عضدها كونها مثبتة والإثبات مقدم على النفي وهذا مرجح معتبر ومن مرجحات الإثبات الخاصة بهذا المقام أنه لم يرو النفي إلا أنس

ص: 292

وجابر، وأنس عند تلك الواقعة كان من صغار الصبيان وجابر قد روى أنه صلى الله تعالى عليه وعليه آله وسلم صلى على حمزة وكذلك أنس فقد وافقا غيرهما في وقوع مطلق الصلاة علي الشهيد في تلك الواقعة ويبعد كل البعد أن يخص النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصلاته حمزة لمزية القرابة ويدع بقية الشهداء اهـ بحذف

(وفيه) أن محل كون المثبت مقدم علي النافي إذا تساويا وما هنا ليس كذلك بل روايات النفي أرجح "وما قاله" من أن أنسًا عند تلك الواقعة كان من صغار الصبيان "ينافيه" ما في تهذيب التهذيب من رواية الزهري عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين اهـ فيكون سنه في تلك الواقعة ثلاث عشرة سنة.

وعلى فرض أنه كان من صغار الصبيان كما قال، فلا يستلزم أنه حدث بهذا حال صغره بل الظاهر أنه حدث به حال كبره وتيقنه ما يحدث به، وبعيد أن يحدث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على حمزة "فيه أن" حديث أنس الذي أشار إليه هو الآتي للمصنف بعد حديث، وقد أعله البخاري والترمذي والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد، ورجحوا رواية الحديث من طريق الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر وليس فيه ذكر الصلاة، وأن حديث جابر الذي أشار إليه هو ما رواه الحاكم من أن جابرًا قال: فقد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال (الحديث) وفيه ثم جيئ بحمزة فصلى عليه ثم بالشهداء فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليهم ثم يرفعون ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم. وفي إسناده أبو حماد الحنفي مفضل بن صدقة، وقد وثقه قوم وضعفه آخرون فلا يصلح للاحتجاج به

(وقال) في الروضة الندية: وقد اختلفت الروايات في الصلاة علي الشهيد، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل على شهداء أحد، وأخرجه أيضًا أهل السنن، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث أنس: أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل عليهم

(أقول) لا يشك من له أدنى إلمام بفن الحديث أن أحاديث الترك أصح إسنادًا وأقوى متنًا حتى قال بعض الأئمة إنه كان ينبغي لمن عارض أحاديث النفي بأحاديث الإثبات أن يستحي على نفسه، لكن الجهة التي جعلها المجوزون وجه ترجيح وهي الإثبات لا ريب أنها من المرجحات الأصولية، إنما الشأن في صلاحية أحاديث الإثبات لمعارضة أحاديث النفي فإن أحاديث النفي أرجح" لأن الترجيح فرع المعارضة.

والحاصل أن أحاديث الإثبات مروية من طريق متعددة لكنها جميعًا متكلم فيها اهـ ببعض تصرف، فتحصل أن الأحاديث الدالة على عدم الصلاة على الشهيد أرجح

ص: 293

من الأحاديث الدالة علي إثباتها وإن كان فيها قوة لكثرتها، فالظاهر القول بعدم الصلاة على الشهيد، وقال ابن حزم إن صلى عليه فحسن وإن لم يصل عليه فحسن اهـ

(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا زَيْدٌ -يَعْنِي ابْنَ الْحُبَابِ- ح وَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو صَفْوَانَ -يَعْنِي الْمَرْوَانِيَّ- عَنْ أُسَامَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -الْمَعْنَى- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ "لَوْلَا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِهَا". وَقَلَّتِ الثِّيَابُ وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى فَكَانَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ يُكَفَّنُونَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ -زَادَ قُتَيْبَةُ- ثُمَّ يُدْفَنُونَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ "أَيُّهُمْ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا". فَيُقَدِّمُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ.

(ش)(رجال الحديث)(أبو صفوان) عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي روى عن أبيه وابن جريج ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد الليثي وغيرهم. وعنه أحمد والشافعي والحميدي وعلي بن المديني وقتيبة بن سعيد وجماعة. وثقه ابن معين والدارقطني وابن المديني وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، وقال أبو زرعة لا بأس بيع صدوق وذكره ابن حبان في الثقات روى له الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه

(قوله عن أنس ابن مالك المعنى) كان الأنسب ذكر لفظ المعنى قبل قوله عن أسامة فإن المراد أن زيد بن الحباب يروي عن أسامة معنى ما رواه أبو صفوان عنه،

(معنى الحديث)

(قوله مر علي حمزة) بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخيه من الرضاع ، أسلم في السنة الثالثة من البعثة ولازم نصر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وهاجر وشهد بدرًا وقتل طعيمة بن عدي وعقد له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لواء وأرسله في سرية فكان ذلك أول لواء عقد في الإِسلام واستشهد بأحد قتله وحشيّ سنة ثلاث من الهجرة. وحديث قتله أخرجه البخاري من طريق سليمان ابن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية قال: خرجت مع عبيد بن عدي بن الخيار فلما قدمنا حمص

ص: 294

قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت نعم وكان وحشيّ يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت "بحاء مهملة علي وزن رغيف زق كبير وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءًا" قال فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير فسلمنا فرد السلام قال وعبيد الله معتجر بعمامته ما يري وحشيّ إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي أتعرفني؟ قال فنظر إليه ثم قال لا والله: إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلام بمكة فكنت أسترضع له فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميك قال فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر قال فلما أن خرج الناس عام عينين (جبل بجبال أحد) بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز؟ قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم؟ قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب قال وكنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته (أي عانته) بضم فنون مشدة مفتوحة حتى خرجت من بين وركيه قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإِسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رسلًا فقيل لي إنه لا يهيج الرسل قال فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فلما رآني قال آنت وحشي؟ قلت نعم قال أنت قتلت حمزة؟ قلت قد كان من الأمر ما قد بلغك، قال فهل تستطيع أن تعيب وجهك عني؟ قال فخرجت فلما قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج مسليمة الكذاب قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال فرميته بحربتي فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته، قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت واأمير المؤمنين قتله العبد الأسود

(قوله وقد مثل به) بضم فكسر مخففًا أي قطعت أطرافه وشوه به. يقال: مثلت بالقتيل مثلًا من بابي قتل وضرب إذا قطعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئًا من أطرافه تنكيلًا به، والاسم المثلة وزان غرفة. ويقال مثل بالتشديد مبالغة. ومثلوا بحمزة فقطعوا أنفه وأذنيه وذكره وأنثييه وفجروا بطنه. وروي البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى حمزة قد مثل به قال: رحمة الله عليك لقد كنت وصولًا للرحم فعولًا للخير، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى ثم حلف

ص: 295

وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم، قال فما برح حتى نزلت "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل نصبر، وكفر عن يمينه قال ابن عبد البر وقال كثير بن زيد بن عبد المطلب بن حنطب: لما كان يوم أحد جعلت من هند بنت عتبة والنساء معها يجدعن أنف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة فإن أباه كان مع المشركين، وبقرت هند عن بطن حمزة فأخرجت كبده وجعلت تلوك كبده ثم لفظتها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لو دخل بطنها لم تدخل النار" قال ولم يمثل بأحد ما مثل بحمزة اهـ

(قوله لولا أن تجد صفية الخ) أي لولا أن تحزن صفية عليه لتركته بلا دفن حتى تأكله السباع والطير فيحشر من بطونها يقال: وجد بالكسر وجدًا إذا حزن

(وصفية) أخت حمزة بنت عبد المطلب أسلمت وهاجرت وهي أم الزبير بن العوام توفيت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما، والعافية السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها، وفي رواية الحاكم والبيهقي لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، وهذا مشكل بما تقرر في الشريعة من وجوب دفن الميت وندب التعجيل بمواراته. إلا أن يقال إن هذا خصوصية لحمزة رضي الله عنه لمزية علمها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد) إما يجمعهم فيه أو تقطيعه بينهم لضرورة قلة الثياب وكثرت الموتى، ولا يلزم من جمعهم في ثوب واحد تلاقي بشرتهم لاحتمال أنه كان يفصل بينهم بنحو إذخر

(قوله زاد قتيبة إلخ) أي زاد قتيبة في روايته أنهم كانوا يدفنون في قبر واحد وذلك للضرورة أيضًا، وأما في حالة السعة فلا يجوز تكفين الرجلين في ثوب واحد ولا دفنهما في قبر واحد وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقدم في اللحد إلى جهة القبلة أكثرهم حفظًا للقرآن إكرامًا له

(فقه الحديث) دل الحديث علي جواز تكفين الجماعة في الثوب الواحد للضرورة وكذا دفن الجماعة في القبر الواحد وعلى مزيد شرف حامل القرآن

(والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حمزة يوم أحد فوقف عليه فرآه قد مثل به فقال: لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية حتى يحشر يوم القيامة من بطونها ثم دعا بنمرة (أي كساء خلق) فكفنه فيها فكانت إذا مدت على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدت على رجليه بدًا رأسه، فكثر القتلى وقلت الثياب، فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، ثم يدفنون في قبر واحد، فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأل عنهم أيهم أكثر قرآنًا؟ فيقدمه إلى القبلة فدفنهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يصل عليهم. قال الترمذي حديث

ص: 296

أنس حسن غريب: لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه اهـ

(ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ نَا أُسَامَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِحَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ.

(ش)(قوله ولم يصل علي أحد من الشهداء غيره) قد علمت مما تقدم أن هذا الحديث قد أعله البخاري والترمذي بأن أسامة غلط فيه. وقال الدارقطني قوله "ولم يصل علي أحد غيره" غير محفوظة (يعني عن أسامة) وعلى فرض صحته فتكون الصلاة خصوصية لحمزة، والحاصل أن المصنف ذكر لأسامة بن زيد عن الزهري ثلاث روايات: الأولى فيها نفي الصلاة عن الشهداء من غير استثناء. والثانية لم يتعرض لذكر الصلاة فيها. والثالثة فيها إثبات الصلاة على حمزة ونفيها عن غيره. وصوب في الفتح الرواية التي لم يتعرض فيها لذكر الصلاة، وهي الموافقة لرواية الليث الآتيه عن ابن شهاب

(والحديث) أخرجه أيضًا الشافعي والحاكم والبيهقي من طريق روح بن عبادة قال: ثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد جدع ومثل به فقال: لولا أن تجد صفية تكرته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع فكفنه في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه وإذا خمر رجلاه بدًا رأسه، فخمر رأسه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره، ثم قال: أنا شهيد عليكم اليوم، وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر واحد ويسأل أيهم أكثر قرآنًا؟ فيقدمه في اللحد، وكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد "قال البيهقي" أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنبأ علي ابن عمر الحافظ "يعني الدارقطني" قال هذه اللفظة ولم يصل علي أحد من الشهداء غيره ليست محفوظة: قال أبو عيسى الترمذي في كتاب العلل: سألت محمدًا "يعني البخاري" عن هذا الحديث "يعني عن إسناده" فقال: حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله هو حديث حسن وحديث أسامة بن زيد هو غير محفوظ غلط فيه أسامة بن زيد اهـ

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى

ص: 297