المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في كم يقرأ القرآن)

- ‌(باب تحزيب القرآن)

- ‌(باب في عدد الآي)

- ‌(باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن)

- ‌(باب من لم ير السجود في المفصل)

- ‌(باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ)

- ‌(باب السجود في ص)

- ‌(باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة)

- ‌(باب ما يقول إذا سجد)

- ‌(باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح)

- ‌(باب استحباب الوتر)

- ‌ وقته

- ‌(باب فيمن لم يوتر)

- ‌(باب كم الوتر)

- ‌(باب ما يقرأ في الوتر)

- ‌(باب القنوت في الوتر)

- ‌(باب في الدعاء بعد الوتر)

- ‌(باب في الوتر قبل النوم)

- ‌(باب في وقت الوتر)

- ‌(باب القنوت في الصلوات)

- ‌(باب فضل التطوع في البيت)

- ‌(باب الحث على قيام الليل)

- ‌(باب في ثواب قراءة القرآن)

- ‌(باب ما جاء في آية الكرسي)

- ‌(باب في سورة الصمد)

- ‌(باب في المعوذتين)

- ‌(باب كيف يستحب الترتيل في القراءة)

- ‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

- ‌(باب الدعاء)

- ‌(باب التسبيح بالحصى)

- ‌(باب في الاستغفار)

- ‌(باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله)

- ‌(باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الدعاء بظهر الغيب)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا)

- ‌(باب الاستخارة)

- ‌(كتاب الجنائز)

- ‌(باب الأمراض المكفرة للذنوب)

- ‌(باب إذا كان الرجل يعمل صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر)

- ‌(باب عيادة النساء)

- ‌(باب في العيادة)

- ‌(باب في عيادة الذمي)

- ‌(باب المشي في العيادة)

- ‌(باب في فضل العيادة)

- ‌(باب في العيادة مرارًا)

- ‌(باب العيادة من الرمد)

- ‌(باب في الخروج من الطاعون)

- ‌(باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة)

- ‌(باب كراهية تمني الموت)

- ‌(باب موت الفجاءة)

- ‌(باب في فضل من مات بالطاعون)

- ‌(باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام)

- ‌(باب في التلقين)

- ‌(باب تغميض الميت)

- ‌(باب في الاسترجاع)

- ‌(باب الميت يسجى)

- ‌(باب الجلوس عند المصيبة)

- ‌(باب التعزية)

- ‌(باب الصبر عند المصيبة)

- ‌(باب في البكاء على الميت)

- ‌(باب في النوح)

- ‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

- ‌(باب في ستر الميت عند غسله)

- ‌(باب كيف غسل الميت)

- ‌(باب في الكفن)

- ‌(باب كراهية المغالاة في الكفن)

- ‌(باب في كفن المرأة)

- ‌(فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها)

- ‌(باب في المسك للميت)

- ‌(باب تعجيل الجنازة)

- ‌(باب في تقبيل الميت)

- ‌(باب في الدفن بالليل)

- ‌(باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض)

- ‌(باب في الصفوف على الجنازة)

- ‌(باب اتباع النساء الجنائز)

- ‌(باب في النار يتبع بها الميت)

الفصل: ‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

إبقاء النسيان على ظاهره من حفظ القرآن ثم نسيه له الوعيد المذكور، ويكون حجه للشافعيه القائلين إن نسيان القرآن كبيرة تكفر بالتوبة والرجوع لحفظه من عير تفرقة بين القليل والكثير وقالت المالكية القدر الواجب الذي تصح به الصلاة نسيانه حرام وما زاد فنسيانه مكروه

(قوله إلا لقي الله يوم القيامة أجذم) أي مقطوع اليد. وقيل المراد يلقى الله خاليًا عن الخير. وقال ابن الأنباري لقي الله لا حجه له وقيل مقطوع الأعضاء. وقيل غير ذلك

(وفي الحديث) دلالة على التحذير من نسيان القرآن وترك العمل بما فيه

(والحديث) أخرجه أيضًا الدرامي وهو ضعيف لأن في سنده يزيد بن أبي زياد وفيه مقال. وفيه أيضًا عيسى بن فائد اختلف في سماعه من سعد بن عبادة وهو مجهول كما تقدم. وأخرجه الإمام أحمد من طريق خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة قال سمعته غير مرة ولا مرتين يقول قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "ما من أمير عشيرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولًا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم" وتقدم تمام الكلام على ذلك في باب كنس المسجد من الجزء الرابع

(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اقْرَأْ". فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ لِي "اقْرَأْ". فَقَرَأْتُ فَقَالَ "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ".

ص: 136

(ش)(القاري) بتشديد الياء نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة

(قوله سمعت هشام بن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أسلم هو وأبوه عام الفتح وكان فاضلًا مهيبًا

(قوله على غير ما أقرؤها) أي يقرؤها على كيفية غير الكيفيه التي أقرأ بها، وفي رواية البخاري فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، قال في الفتح لم أقف في شيء من طرق حديث عمر على تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وذكر ما للقراء في هذه السورة من القراءات المختلفة في كلماتها فليراجع

(قوله اقرأنيها) أي علمني كيفية قراءتها

(قوله فكدت أن أعجل عليه الخ) يعني قربت أن أسرع إليه وأقطع صلاته وقراءته ثم أخرته حتى فرغ من الصلاة. وفي رواية البخاري سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكدت أساوره "أي آخذ برأسه" في الصلاة فتبصرت حتى سلم

(قوله ثم لببته بردائي) بفتح اللام وموحدتين الأولى منهما مشددة أي جعلت ثوبي عند لبته. وفي نسخه ثم لببته بردائه، وفعل ذلك باجتهاد منه لظنه أن هشامًا خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل قال له أرسله ففي رواية البخاري فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال أقرأنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت كذبت، فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسله

(قوله هكذا أنزلت الخ) أقر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلا من القراءتين إشارة إلى أنهما منزلتان

(قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) قاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تطمينًا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين. وقد أخرج الطبري من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال الرجل ألم تقرئني يا رسول الله قال بلى فوقع في صدر عمر شيء عرفه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وجهه فضرب في صدره وقال أبعد شيطانًا قالها ثلاثًا، ثم قال يا عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابًا أو عذابًا رحمة.

واختلف في المراد بالسبعة أحرف قال القاضي هو سعة وتسهيل ولم يقصد به الحصر، وذلك أن لفظ السبعة يطلق ويراد منه الكثير في الآحاد كما يطلق لفظ السبعين ويراد به الكثره في العشرات. وقال الأكثرون هو حصر للعدد في سبعة احرف. ثم قيل المراد بها سبع لغات وهو

ص: 137

اختيار ابن عطية والزهري وأبي عبيد وآخرين. والمراد أفصح لغات العرب لا جميعها فان لغات العرب تزيد على ذلك. فقد جاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغه العجز من هوازن. والعجز سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف، ويقال لهم عليا هوزان ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم، والثنتان كعب قريش وكعب خزاعه. فقد أخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة. وليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات، قال ابن عبد البر هذا مجمع عليه بل هو غير ممكن بل لا يوجد في القرآن كلمه تقرأ على سبع أوجه إلا الشيء القليل مثل عبد الطاغوت اهـ

بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغه قريش وبعضه بلغه هذيل وبعضه بلغه هوزان وبعضه بلغه اليمن وغيرهم، وبعض اللغات أسعد بها من بعض وأكثر نصيبًا. وجعل بعضهم السبع لغات من مضر وقال إنهم هذيل وكنانة وقيس وضبه وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش. قال في الفتح. ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال أنزل القرآن أولًا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالهم على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد كل ذلك مع اتفاق المعنى. وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة وتصويب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلا منهم ومراده ان الاباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي أنه ليس لكل واحدٍ أن يغير الكلمة بمرادفها في لغته، بل المراعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في الحديث الباب أقرأني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقيل المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقه بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وأسرع وعجل وهلم، وبذلك قال سفيان بن عيينة وابن وهب ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء وقال الحافظ في الفتح أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل منها وليس المراد أن كل كلمة أو جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما ينتهي إليه عدد القراءت في الكلمة الواحدة سبعة

(فان قيل) فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه

(فالجواب) أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما اهـ

فالمراد بالسبعة القراءات السبع: قال بعض المفسرين وهو الصحيح الموافق للحديث لأن هذه السبعة ظهرت واستفاضت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضبطه عنه الصحابة وأثبتها عثمان والجماعة في المصاحف وأخبروا بصحتها وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تاره وألفاظها أخرى وليست متضادة ولا متباينة، وقيل المراد بالسبعة الأحرف الإمالة والترقيق والتفخيم

ص: 138

والإظهار والإدغام والمد والقصر لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله عليهم ليقرأ كل بما يسهل عليه. وقال أبو شامة اختلف السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس اليوم أو ليس فيه إلا حرف واحد منها مال ابن الباقلاني إلى الأول، وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد.

والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجرى من تحتها الأنهار في آخر براءة وفي غيره بحذف من. وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابته في بعضها دون بعض وعده هاءات وعده لامات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معًا وأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شخصين بكتابته أو أعلم بذلك شخصًا واحدًا وأمره بإثباتهما على الوجهين، وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلًا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان بن عفان وكفر بعضهم بعضًا اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابه وتركوا الباقي.

وقال البغوي في شرح السنة: المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعًا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم اهـ

وقال ابن أبي هاشم إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعًا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط امتثالًا لأمر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن. فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الأمصار مع متمسكين بحرف واحد من السبعة اهـ:

وقال مكي بن أبي طالب هذه القراءات التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ثم ساق نحو ما تقدم. قال وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطًا عظيمًا ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة السبعة مما ثبت عن الأئمة غيرهم ووافق خط المصحف ألا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم: فإن الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل بن إسحاق والقاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء اهـ من الفتح

(قوله فاقرءوا ما تيسر منه) أي من المنزل من هذه الأحرف ، لكن لا بد أن

ص: 139

يكون موافقًا لخط المصحف وموافقًا للعربية وأن يصح سنده كما ذكره الأئمة، وهذه شروط لا بد من اعتبارها فمتى اختل شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة. وقد قرر ذلك أبو شامة تقريرًا بليغًا وقال: لا يقطع بالقراءة بأنها منزله من عند الله إلا إذا اتفقت الطرق عن ذلك الإمام الذي قام بإمامه المصر بالقراءة وأجمع أهل عصره ومن بعدهم على إمامته في ذلك، أما إذا اختلفت الطرق عنه فلا. فلو اشتملت الآية الواحدة على قراءات مختلفة مع وجود الشرط المذكور جازت.

وقد وقع نحو قصه عمر هذه لأبيّ بن كعب مع آخر من الصحابة كما رواه النسائي من طريق معقل بن عبيد الله عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ ابن كعب قال: أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبينا أنا في المسجد جالس إذ سمعت رجلًا يقرؤها تخالف قراءتي فقلت له من علمك هذه السورة فقال رسول الله فقلت لا تفارقني حتى نأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيته فقلت يا رسول الله: ان هذا خالف قراءتي في السورة التي علمتني، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرأ يا أبيّ فقرأتها، فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسنت، ثم قال للرجل أقرأ فقرأ فخالف قراءتي فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسنت، ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبيّ إنه أنزل القرآن على سبعة أحرف كلهن شاف كاف، قال النسائي: معقل بن عبيد الله ليس بذلك القوي.

ووقع نحوها أيضًا لعمرو ابن العاص كما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أن رجلًا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو إنما هي كذا كذا. فذكرا ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه.

ووقع مثله لابن مسعود كما رواه ابن حبان والحاكم عنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آل حم فرحت إلى المسجد فقلت لرجل اقرأها فإذا هو يقرأ حروفًا ما أقرأها فقال أقرأنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فانطلقا إلى رسول الله فأخبرناه فتغير وجهه وقال: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى عليّ شيئًا فقال علي: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم، قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفًا لا يقرؤها صاحبه

(والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي والترمذي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا هَذِهِ الأَحْرُفُ فِي الأَمْرِ الْوَاحِدِ لَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ.

(ش)(عبد الرازق) تقدم بالأول صفحه 106. وكذا (معمر) صفحه 107

ص: 140

و (الزهري) محمَّد بن شهاب صفحه 48

(قوله إنما هذه الأحرف الخ) يعني أن الأحرف السبعة التي نزلت بها القرآن لا يختلف الحكم المأخوذ من القرآن باختلافها فلا يصير على بعض القراءات حلالًا وعلى الآخر حرامًا، بل الحكم واحد وإن اختلفت القراءة، وهذا لا ينافي أن القراءات قد تختلف وجه آخر كما قرأ الجمهور قوله تعالى "باعد بين أسفارنا" بصيغه الطلب والدعاء، وقرأ يعقوب باعد بصيغه الماضي، وكما في قوله تعالى "كيف ننشزها" بالزاى المعجمه "نحركها ونرفعها" وبالراء المهمله "نحييها" وهما قراءتان سبعيتان

(وهذا الأثر) أخرجه أيضًا البيهقي والشيخان ضمن حديث عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده فيزيد حتى انتهى إلى سبعة أحرف، قال ابن شهاب بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحد لا يختلف في حلال ولا في حرام

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَا أُبَيُّ إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ. قُلْتُ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِي عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى ثَلَاثَةٍ. قُلْتُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنْهَا إِلَاّ شَافٍ كَافٍ إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ".

(ش)(قوله أقرئت القرآن) بالبناء المجهول أي أقرأني جبريل القرآن

(قوله فقيل لي حرف) لعل القائل هو الله تعالى أو ملك أي أتحب أن تقرأه على لغه أو لغتين؟ فهو تخير له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك

(قوله فقال الملك الذي معى) هو ميكائيل ففي رواية للنسائي قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف

(قوله ليس منها إلا شاف كاف) أي ليس حرف منها إلا وهو شاف لصدور المؤمنين في معرفه أحكام الدين، وكاف في الحجة

ص: 141

على صدق الرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإبطال شبه المعاندين، أو شاف في إثبات المطلوب للمؤمنين. كاف في الحجة على الكافرين. أو شاف لأمراض الجهل. كاف في الصلوات

(قوله إن قلت سميعًا عليمًا الخ) يعني إن قلت سميعًا عليمًا موضع عزيز حكيم أو بالعكس جاز لما في رواية أحمد إن قلت غفورًا رحيمًا أو قلت سميعًا عليمًا أو عليمًا سميعًا فالله كذلك والمعنى أنك إن أبدلت صفة بصفة أخرى فلا مانع منه ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب بأن تكون آية رحمة فتختمها بقوله شديد العقاب، أو تكون آية عذاب فتختمها بقوله غفور رحيم. فلا يجوز، لأن ذلك يخل بنظم القرآن الكريم ويغير المعنى

(قال العيني) هذا إنما كان قبل الإجماع على ترتيب القرآن في المصحف العثماني، أما بعد أن وقع الإجماع على ذلك فلم يجز لأحد أن يجعل موضع سميع عليم مثلًا عزيز حكيم قصدًا وعمدًا، ولكن إذا جرى على لسانه من غير قصد إلى التغيير فلا بأس بذلك حتى لو كان في الصلاة لم تبطل صلاته اهـ ببعض تصرف

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد، وكذا البيهقي من طريق عفان عن همام بسنده إلى أبيّ بن كعب قال: قرأت آية وقرأ ابن مسعود قراءة خلافها فأتينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال بلى، قال ابن مسعود ألم تقرئنيها كذا وكذا؟ قال بلى قال كلاكما محسن مجمل، قلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب في صدري وقال يا أبيّ أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أم على حرفين؟ فقال الملك الذي معي حرفين، فقلت على حرفين فقيل لي على حرفين أم ثلاثه؟ فقال الملك الذي معي على ثلاثه، فقلت ثلاثه حتى بلغ سبعة أحرف قال ليس فيها إلا شاف كاف، قلت غفور رحيم عليم حكيم سميع عليم عزيز حكيم نحو هذا ما لم يختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ "أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمَّ أَتَاهُ ثَانِيَةً فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا.

ص: 142