الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصدده. وقد ورد في فضل هاتين السورتين أحاديث أخر.
منها ما أخرجه مسلم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
ومنها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عقبة قال قلت يا رسول الله اقرئني آيا من سورة هود وآيا من سورة يوسف فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "يا عقبة بن عامر إنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله ولا أبلغ عنده من أن تقرا قل أعوذ برب الفلق فإن استطعت أن لا تفوتك في الصلاة فافعل"
ومنها ما أخرجه النسائي وابن حبان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرأ يا جابر فقلت بأبي أنت وأمي وما أقرأ قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فقرأتها فقال اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما
(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي
(باب كيف يستحب الترتيل في القراءة)
أي التأني في القراءة وإتقانها: يقال رتل في القراءة إذا تأنى فيها وتمهل وبين حروفها وحركاتها وفي بعض النسخ "باب استحباب الترسل في القراءة" وفي بعضها "باب في ترتيل القرآن"
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا".
(ش)(يحيى) القطان. و (سفيان) الثوري. و (زر) بن حبيش تقدم بالثاني ص 32
(قوله يقال لصاحب القرآن الخ) يعني حافظه كله أو بعضه العامل به المتأدب بآدابه. ويقال له ذلك عند دخول الجنة وتوجه العاملين إلى مراتبهم فيها على حسب أعمالهم
(قوله وارتق) أي اصعد في درجات الجنة أو مراتب القرب بقدر ما حفظته من عدد آيات القرآن. فقد روى البيهقي في الشعب عن عائشه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عدد درج الجنة عدد أي القرآن ومن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجه، قال مشاهير القراء إن عدد آيات القرآن سته آلاف آية ومائتان وست وثلاثون آية، وقيل سته آلاف وستمائه وست وستون آية، وقيل درج الجنة على عدد حروف القرآن. وحروفه ألف ألف وخمسه وعشرون ألفًا كما قاله بعض المفسرين
(قوله ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) أي رتل في قراءتك في الجنة كترتيلك في
الدنيا، وقراءه أهل الجنة كتسبيح الملائكة لا تشغلهم عن مستلذاتهم بل هي من أعظم مستلذاتهم ويؤخذ منه أنه لا ينال هذا الثواب العظيم إلا من حفظه القرآن واتقن قراءته
(قوله فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) وفي نسخه فإن منزلتك، وهي رواية الترمذي أي أن منزلتك في الجنة تكون عند آخر آية تقرؤها فإن قرأت كل القرآن ذلك أعلى الدرجات، وإلا على قدر قراءتك وقيل هو كناية عن دوام الترقي: فكما أن قراءته في الدنيا حال الختام تستدعي الافتتاح الذي لا انقطاع له كذلك تكون هذه القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى
(وفي الحديث) دلالة على الترغيب في حفظ القرآن أحاديث.
منها ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (يجيء يوم القيامة القرآن كالرجل الشاب فيقول لصاحبه أنا الذي اسهرت ليلك واظمأت نهارك)
ومنها ما رواه البخاري (من قرأ القرآن ثم مات قبل أن يستظهره (يحفظه) أتاه ملك يعلمه في قبره ويلقى الله وقد استظهره)
ومنها ما أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (تعلموا القرآن واقرءوه ولا ترقدوا، فإن مثل القرآن ومن تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكًا يفوح ريحه في كل مكان، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك) والمراد من حديث الباب وأشباهه أن نيل هذه الدرجات يكون لمن يحفظ القرآن ويرتله ويتدبر معانيه ويعمل على مقتضاه، واستكمال ذلك إنما يكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم الملائكة بعده على حسب مراتبهم ومنازلهم في الدين ومعرفة اليقين، فكل منهم يقرأ في الجنة ما كان يقرؤه في الدنيا ويتدبره ويعمل على مقتضاه. أما من قرأ القرآن ولم يعمل به فكأنه لم يقرأه وإن قرأه دائمًا، بل يكون القرآن حجه عليه قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وتقدم في (باب ثواب قراءة القرآن) أحاديث أخر تدل على الترغيب في حفظ القرآن وتلاوته
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه.
(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ كَانَ يَمُدُّ مَدًّا.
(ش)(جرير) بن حازم
(قوله سألت أنسًا عن قراءة النبي الخ) أي سألته عن كيفية قراءته
صلى الله عليه وسلم، فقال كان يطيل الحروف الصالحة للإطاله، وهي كل حرف بعده ألف أو واو أو ياء: كما في قوله تعالى، نوحيها. والمد المصطلح عليه عند القراء على ضربين أصلي وهو إشباع الحرف الذي بعده الف أو واو أو ياء وليس بعد كل منها همز أوسكون وهو المسمى بالمد الطبيعى. والفرعي ما زيد فيه بعد الأف والواو والياء همزه أوسكون كلفظ جاء ونستعين وتفاصيل ذلك تعلم من كتب القراءات. والحكمه في المدل في القراءة الاستعانه على تدبر المعاني والتفكر فيها وتذكر من يتذكر
(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي والبخاري والترمذي بلفظ المصنف وأخرجه البخاري وابن نصر من طريق همام عن قتاده قال سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كانت مد ثم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم أي يمد اللام التي قبل الهاء من الجلالة، والميم التي قبل النون من الرحمن والحاء من الرحيم.
(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ نَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَاتِهِ فَقَالَتْ وَمَا لَكُمْ وَصَلَاتَهُ كَانَ يُصَلِّي وَيَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ وَنَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا.
(ش)(رجال الحديث)(ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الله تقدم بالأول صفحه 153. و (يعلي بن مملك) بفتح الميم الأولى وسكون الثانية الحجازي. روى عن أم سلمة وأم الدرداء وعنه ابن أبي مليكة ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثه. روى له أبو داود والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب
(معنى الحديث)
(قوله فقالت وما لكم وصلاته) أي أي شيء يحصل لكم من معرفتكم كيفية صلاته. والمراد من هذا تعجيب السائل من كيفية صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلًا واستبعادها قدرتهم على مثل ما كان يفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة أو أنها ذكرت ذلك تحسرًا أو تلهفًا على ما تذكر من أحوال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا أنها أنكرت السؤال على السائل. والواو الأولى زائدة وفي بعض النسخ إسقاطها. وقال الطيبي هي عطف على مقدر أي ما لكم وقراءته وما لكم وصلاته والواو الثانية للمعية فتكون صلاته منصوبة وفي رواية أحمد ما لكم ولصلاته
(قوله كان يصلي وينام قدر
ما صلى الخ) أي كانت صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونومة متساويين، وروى محمَّد بن نصر عن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه رمق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض أسفاره ينظر كيف يصلي: فنام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ساعة من الليل ثم ذهب فقعد ونظر في السماء ثم تلا هذه الآيات من سورة آل عمران "إن في خلق السموات والأرض" حتى انتهى إلى خمس آيات منها ثم استاك وتوضأ ثم صلى ساعة من الليل ثم نام ساعة من الليل، ثم ذهب مرة أخرى فنظر في السماء ثم تلا تلك الآيات ثم استاك ثم توضأ ثم صلى فعل ذلك ثلاث مرات. وهذه الكيفية كانت تقع في بعض الاحيان، فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقع منه كيفيات أخر. فقد روى ابن نصر عن يعلي بن مملك أنه سأل أم سلمة عن صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل فقالت كان يصلي العشاء الآخرة ثم يسبح ثم يصلي بعد ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما يصلي ثم يستيقظ من نومته تلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح، ففي هذه الرواية أنه نام مرة واحده وصلى مرتين بخلاف حديث الباب ففيه أنه تكرر منه النوم والصلاة مرتين، وتقدم تمام الكلام على ذلك في (باب في صلاة الليل) بالسابع
(قوله ونعتت قراءته) أي وصفتها والنعت وصف الشيء بما فيه من الحسن، ولا يقال في القبح إلا بتكلف بخلاف الوصف فيقال في الحسن والقبيح
(قوله فإذا هي تنعت قرائته حرفًا حرفًا) أي تبين أنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان يقرأ القرآن بالتأني والترتيل بحيث يتمكن السامع من عد الحروف حرفًا حرفًا، وفي رواية النسائي قراءة مفسرة حرفًا حرفًا أي مرتلة ومميزة تمييزًا تامًا، أو المراد بالحرف الجملة أي أنه كان يراعي الوقوف بعد تبيين الحروف، ويؤيده ما رواه ابن نصر عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم إذا قرأ يقطع قراءتة آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد الله رب العالمين، ويحتمل أن أم سلمة قرأت للسائل قراءة تحكي بها قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.
(وفي الحديث) دلالة على استجاب التأني في القراءة وعدم الإسراع فيها لأن ذلك زينة القرآن الذي يتمكن القارئ من التدبر في معاينة، فقد روى ابن منصور أن علقمة قرأ على ابن مسعود فكان حسن الصوت فكأنه عجل قال رتل فداك أبي وأمي فإنه زين القرآن
(والحديث) أخرجه أيضًا ابن نصر والبيهقي والنسائي والترمذي وقال حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلي بن مملك
(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِةِ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ يُرَجِّعُ.
(ش)(قوله وهو يرجع) أي يردد في قراءته فالترجيع الترديد. وقيل هو تقارب ضروب الحركات في القراءة. وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رواية البخاري من طريق شعبه عن معاوية بن قرة المزني عن عبد الله بن مغفل المزني قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح أو من سورة الفتح قال فرجع فيها قال ثم قرأ معاوية يحكي قراءاة ابن مغفل وقال لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه قال آء آء آء ثلاث مرات بهمزة مفتوحة ثم الف ساكنه ثم همزة. قال في الفتح الترجيح في الحديث يحتمل أمرين أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق فإن في بعض طرقه لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن أي النغم. وقال الشيخ محمَّد بن أبي جمرة معنى الترجيح تحسين التلاوة باختصار. ويؤيد ما جنح إليه الحافظ ما وراه ابن نصر عن أم هانئ قالت كنت أسمع قراءة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا نائمة على عريشي يرجع بالقرآن وقال ابن بطال في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت "وقول" معاوية لولا أن يجتمع الناس "يشير" إلى أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الرتجيع المشوب بلذة الحكمة المهيمنة اهـ
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ".
(ش)(جرير) بن حازم. و (طلحة) بن مصرف
(قوله زينوا القرآن بأصواتكم) أي زينوا القرآن بتحسين أصواتكم عند القراءة فإن الكلام الحسن يزداد حسنًا وزينة بالصوت الحسن، ويؤيده ما رواه ابن نصر والحاكم عن البراء أيضًا مرفوعًا حسنوا القرآن
بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا، وروى أيضًا من طريق علقمة قال كنت رجلًا قد أعطاني الله حسن صوت بالقران، فكان عبد الله بن مسعود يستقرئني ويقول لي أقرأ فداك أبي وأمي، فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن حسن الصوت تزيين للقران.
ورأى قوم أن الحديث مقلوب والأصل زينوا أصواتكم بالقران، وقالوا إن القرآن أعظم من أن يحسن بالصوت، بل الصوت أحق أن يحسن بالقران قال الخطابي هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا عرضت الناقة على الحوض أي عرضت الحوض على الناقه إلى أن قال، وأخبرنا ابن الأعرابي ثنا عباس الدوري ثنا يحي بن معين ثنا أبو فطر عن شعبه قال نهاني أيوب ان أحدث زينوا القرآن بأصواتكم. قال ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الاصوات على القرآن وهذا هو الصحيح: أخبرناه محمَّد بن هشام قال حدثنا الدوري عن عبد الرازق ثنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال زينوا أصواتكم بالقران اهـ
والأولى إبقاء الحديث على ظاهرة لما ذكر من أن تحسين الصوت بالقراءة تزين للقرآن. ولما جاء من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مدح القراءة بالصوت الحسن. فقد روى النسائي وابن نصر عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمع قراءة أبي موسى فقال لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود.
وروى ابن ماجة وابن نصر عن عائشة قالت أبطأت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة بعد العشاء ثم جئته فقال أين كنت أتسمع قراءة رجل من أصحابك في المسجد ولم أسمع مثل صوته وقراءته من أحد من أصحابك قالت فقام وقمت معه حتى استمع له ثم التفت إليّ فقال هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد الله الذي جعل في أمتى مثل هذا.
وروى بن نصر أن أبا موسى كان يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم ويرفع صوته وهو يقرأ القرآن، فقال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب ألا تنهى هذا عن أن يغني بالقران في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمهل عمر حتى إذا كان الليل خرج فاستمع لأبي موسى وهو يقرأ فلما سمع قراءته رق لها حتى بكى ثم انصرف فلما أصبح واجتمع إليه أصحابه قال لهم من استطاع منكم أن يغني غناء أبي موسى فليفعل
(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والدرامي وابن نصر والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ بِمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -وَقَالَ يَزِيدُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ قُتَيْبَةُ هُوَ فِي كِتَابِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ".
(ش)(رجال الحديث)
(قوله بمعناه) أي إن كل واحد من شيوخ المصنف روى الحديث بمعنى حديث الآخر وإن اختلف لفظه. و (عبيد الله) هكذا في أكثر النسخ بالتصغير وفي بعضها عبد الله بالتكبير
(بن أبي نهيك) بفتح أوله القاسم بن محمَّد المخزومي الحجازي. روى عن سعد بن أبي وقاص. وعنه ابن أبي مليكة. وثقه النسائي والعجلي وابن حبان
(قوله وقال يزيد الخ) أي قال بن يزيد بن خالد في روايته عن ابن أبي مليكة "بلا ذكر اسمه" عن سعيد بن أبي سعيد بدل سعد بن أبي الوقاص كما في الإصابة
(قوله وقال قتيبه الخ) أي قال قتيبة الذي أحفظه عن سعد ابن أبي وقاص وفي كتابي عن سعيد بن أبي سعيد كما ذكر يزيد بن خالد والحاصل أن أبا الوليد الطيالسي حدث عن ابن أبي مليكة عن سعد بن أبي وقاص، وقتيبة ويزيد بن خالد حدثا عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وصوب الحافظ في الإصابة رواية الطيالسي وقال الذهبي في التجريد سعيد بن أبي سعيد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التغني بالقرآن من رواية عبد الله بن أبي نهيك عنه، والصواب عن ابن أبي نهيك عن سعد اهـ
وعلى تقدير ثبوت رواية قتيبه ويزيد يكون فيها إرسال وانقطاع: فإن سعيد بن أبي سعيد لم يدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وابن أبي مليكة روى الحديث عن ابن أبي نهيك عن سعيد كما في رواية الطحاوي في مشكل الآثار: قال حدثنا فهد بن سليمان حدثنا عبد الله بن صالح الليث بن سعد أنبأ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك عن سعيد بن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وساق الحديث، وأخرجه أيضًا من طريق شعيب ابن الليث: حدثنا الليث عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك عن سعيد أو سعد عن رسول الله صلى الله تعالى وعليه وعلى آله وسلم
(معنى الحديث)(وقوله ليس منا الخ) أي ليس من أهل طريقتنا الكاملة من لم يحسن صوته بالقران، بأن يزينه بالترتيل والترقيق. وقيل المراد بالتغني الإفصاح بألفاظه بأن تكون محكمة مرتله تنطبق على قوانين القراءة، وقيل المراد بالتغني به طلب غنى النفس أو اليد. وقيل المراد بالتغني الجهر بالقرآن والإعلان به. وقيل المراد به طلب غنى النفس أو اليد. وقيل المراد بالتغني الجهر بالقران والإعلان به. وقيل المراد به قراءته على خشية من الله تعالى ورقة من فؤاده. وقيل كشف الهم بتلاوته لأن الإنسان إذا أصابه هم ربما يتغنى بالشعر ليدفع ما نزل
به. وهمه المؤمن الإقبال على الدار الآخرة فإذا عرض له ما يشغله عن الله تعالى اشتد همه فيلجأ عند ذلك لقراءة القرآن فينفرج عنه ما نزل به. ونقل ابن الجوزي عن الشافعي أن المراد بالتغني التحزن في القراءة. قال في الفتح والذي نقله عن الشافعي لم أره صريحًا عنه في تفسير الخبر وإنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرًا وتحزينًا اهـ
وقال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمططها، وقرأ فلان تحزينًا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها مثل الرثى. وأخرجه أبو عوانه عن الليث ابن سعد قال: يتغنى به يتحزن به ويرقق به قلبه اهـ كلام الفتح.
وهناك تفاسير أخر للتغني وأقربها أن المراد به تحسين الصوت من غير إخلال بشيء من الحروف لما تقدم، ورجح التوربشتي معنى الاستغناء وقال المعنى ليس من أهل سنتنا وممن تبعنا في أمرنا وهو وعيد، ولا خلاف بين الأمه أن قارئ القرآن مثاب على قراءته مأجور وإن لم يحسن صوته فكيف يحمل على كونه مستحقًا للوعيد وهو مثاب مأجور اهـ
وكذلك رجحه الطحاوي. قال في الفتح أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك والذي يتحصل من الأدله أن حسن الصوت بالقراءة مطلوب فإن لم يكن حسنًا فليحسنه ما استطاع اهـ
(وفي الحديث) دلالة على مشروعية تحسين الصوت بالقراءة وهذا متفق عليه كما ذكره الحافظ. أما القراءة بالألحان والتطريب فكرهها مالك والأكثر لأنها خارجة عما وضع القرآن له من الخشوع والتحزن والتدبر، وأجازها أبو حنيفه وجمع من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقه وإثارة الخشية إقبال النفوس على استماعه. قال في الفتح وكان بين السلف خلاف في جواز القراءة بالألحان: فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهه، وحكاه أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة. وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنيفه، وقال الفوراني من الشافعية يجوز بل يستحب. ومحل هذا الاختلاف إذا لم يخل بشئ من الحروف بإخراجه عن مخرجه، فلو أخل بشيء منها فقد أجمعوا على تحريمه كما قال النووي في التبيان: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقران ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا أو أخفاه حرم. قال وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضوع على كراهته وقال في موضع آخر لا بأس به، فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين، فإن لم يخرج بالألحان عن المنهج القويم جاز وإلا حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة
بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم، وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعايه. وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب وإلا فلا. واغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط مطلقًا. وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة، وهذا شذوذ لا يعرج عليه اهـ.
فعلم من هذا كله أن القراءة الخارجة عن قوانين القراءة كقراءه أكثر أهل زماننا متفق على عدم جوازها. وقد جاء التحذير عن القراءة المحرفة وسماعها. فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجئ بعدم قوم يرجعون بالقران ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلبوهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم" قال بن كثير المطلوب شرعًا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثه المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزّه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب ثم ساق حديث البيهقي وغيره من الأحاديث الدالة على النهي عن تحريف القرآن
(والحديث) أخرجه أيضًا الطحطاوى في مشكل الآثار
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
(ش)(عمرو) بن دينار تقدم بالخامس صفحه 208 و (سعد) بن أبي وقاص
(قوله مثله) أي مثل الحديث السابق
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ نَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ مَرَّ بِنَا أَبُو لُبَابَةَ فَاتَّبَعْنَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا رَجُلٌ رَثُّ الْبَيْتِ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ". قَالَ فَقُلْتُ لاِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ.
(ش)(رجال الحديث)(عبد الأعلى بن حماد) بن نصر البصري الباهلي مولاهم أبو يحيى. روى عن مالك والحمادين ووهيب بن خالد وعبد الجابر بن الورد وجماعة. وعنه الشيخان وأبو داود وأبو زرعة وموسى بن هارون وآخرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والدارقطني والخليلي ومسلمة بن قاسم وابن قانع ، وقال في التقريب لا بأس به من كبار العاشرة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي. توفي سنه ست أوسبع وثلاثين ومائتين.
و(عبد الجبار بن الورد) بن أغر بن الورد المكي المخزومي مولاهم أبو هاشم، روى عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وعمرو بن شعيب وأبي الزبير وآخرين. وعنه عبد الأعلى بن حماد والحسن بن الربيع وسليمان بن منصور ووكيع وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويعقوب بن سفيان والعجلي وقال البخاري يخالف في بعض حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة. روى له أبو داود والنسائي.
و(عبيد الله بن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي لبابة والحسين ابن علي وطائفة. وعنه ابن المنكدر وابن جريج وحماد بن زيد وسفيان بن عيينه وآخرون، وثقه ابن المديني وابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي وابن سعد وقال كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب ثقه كثير الحديث من الرابعة، مات سنه ست وعشرين ومائتين روى له الجماعة.
و(أبو لبابة) الأنصاري المدني اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر ابن زبير بن أمية بن زيد بن مالك، شهد بدرًا، وقيل رده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خرج إلى بدر من الروحاء واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه، ثم شهد أحدًا وما بعدها، وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزوة الفتح، وكان أحد النقباء شهد العقبة. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن عمر بن الخطاب. وعنه ابناه السائب وعبد الرحمن وابن عمر وسالم بن عبد الله ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. قيل مات في خلافه علي. روى له الشيخان وأبو داود وابن ماجه
(معنى الحديث)
(قوله فإذا رجل رث البيت الخ) أي فإذا أبو لبابة رجل رث البيت رث الهيئة أي بيته خلق بال وفي هيئته ضعف وبذاذة: يقال رث الشيء يرث من باب قرب رثوثة ورثاثة خلق ورثت هيئة الشخص وأرثت ضعفت وهانت
(قوله فسمعته يقول الخ) ظاهره أن أبا لبابة اختار رثاثة الحال لأنه حمل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس منا لم يتغن بالقران على معنى الاستغناء
(قوله قال إذا لم يكن حسن الصوت الخ) أي قال عبد الجبار بن الورد لابن أبي مليكة أي إذا لم يكن القارئُ حسن الصوت فماذا يصنع؟ فقال يحسنه ما استطاع فقد حمل ابن أبي مليكة التغني على تحسين الصوت
(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وكذا الطحاوي من طريق إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي يزيد، ثم
قال هكذا قال: وإنما هو ابن أبي نهيك، ثم قواه بحديث فهذا قال: ثنا فهد ثنا يسره بن صفوان بن جميل اللخمي ثنا عبد الجابر بن ورد عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك هكذا قال لنا فهد: وإنما هو عبيد الله قال دخلنا على أبي لبابة (الحديث) فهو يصوب أن الحديث عن عبيد الله ابن أبي نهيك لا عن عبيد الله ابن أبي يزيد. أقول ليس في كتب الرجال ما يدل على ما صوبه فقد ذكروا أن ابن أبي يزيد من شيوخه أبو لبابة، فلا مانع من أن يكون الحديث مرويًا من طريق ابن أبي يزيد وابن أبي نهيك.
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ قَالَ قَالَ وَكِيعٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ يَعْنِي يَسْتَغْنِي بِهِ.
(ش) أي قال وكيع بن الجراح وسفيان بن عيينة يقصد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتغني بالقران الاستغناء أي يستغنى به عن الناس والإكثار من الدنيا. والمراد الغنى المعنوي وهو غنى النفس لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر، لأن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة إلا إذا كان ذلك إكرامًا من الله تعالى لبعض عباده ولأن سياق الحديث يأبى هذا المحمل إذ يكون معناه حينئذ ليس منا من يتطلب الدنيا بملازمة تلاوه القرآن، ولا يخفى بعده، أو المراد يستغني بالقران عما سواه من الكتب السماوية. وارتضى أبو عبيد تفسير وكيع وابن عيينة وقال إنه جائز في كلام العرب واستدل بقول الأعشى
وكنت امرأ زمنًا بالعراق
…
خفيف المناخ طويل التغني
أي كثير الاستغناء، وبقول المغيرة بن حيناء
كلانا غني عن أخيه حياته
…
ونحن إذا متنا اشتد تغانيا
أي استغناء. وبقول ابن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غني. وأنكر بعضهم تفسير التغني بالاستغناء. قال في الفتح ذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرتضه قال: لو أراد الاستغناء لقال لم يستغن، وإنما أراد تحسين الصوت. قال ابن بطال وبذلك فسره ابن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل. ويؤيده رواية عبد الأعلى عن معمر عن ابن شهاب في حديث (ما أذن الله لنبي ما أذن لنبي في الترنم في القرآن) أخرجه الطبري. وعنده من رواية عبد الرازق عن معمر ما أذن لنبي حسن الصوت. وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمَّد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعند ابن أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة حسن الترنم بالقران قال الطبري والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القارئ وطرب به، قال ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى. وأخرج ابن ماجه والكجي وصححه ابن
حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعًا (الله اشتد أذنا "أي استماعا" للرجل الحسن الصوت بالقران من صاحب القينه إلى قينته) والقينه المغنية. وروى ابن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر رفعه (تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه) كذا وقع عنده. والمشهور عند غيره في الحديث وتغنوا به. والمعروف في كلام العرب أن التغني الترجيح. بالصوت كما قال حسان
تغن بالشعر أما أنت قائله *** إن الغناء بهذا الشعر مضمار
قال ولا نعلم في كلام العرب تغنى بمعنى استغنى ولا في أشعارهم. وإنكار الطبري ورود تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب مردود بما تقدم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وفي الجهاد في حديث الخيل، ورجل ربطها تعففًا وتغنيًا، وهذا من الاستغناء بلا ريب، لأن المراد بقوله تغنيًا فيه أنه يطلب بها الاستغناء عن الناس بقرينه قوله تعففًا وبالجمله تفسير ابن عيينة التغني بالاستغناء ليس بمدفوع. وإن كان ظواهر الأخبار ترجح أن المراد به تحسين الصوت. ويؤيده قوله يجهر به "أي المذكور في بعض الروايات" فإن كانت مرفوعة قامت الحجة، وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقيهًا. وجزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانًا يتغنى بكذا أي يجهر به والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن مستغنيًا به عن غيره من الأخبار طالبًا به غنى النفس راجيًا به غنى اليد اهـ بتصرف ومما يرجح كون التغني بمعنى تحسين الصوت ما ذكره المصنف بقوله
(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مَالِكٍ وَحَيْوَةُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ".
(ش)(حيوة) بن شريح تقدم بالأول ص 101
و(ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة تقدم بالثالث ص 174
(قوله ما أذن الله لشيء الخ) أي ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يحسن صوته بالقراءة: يقال أذن يأذن اذنًا بفتح الهمزه والذال استمع ، وهو كناية عن رضا الله تعالى عنه وقبول عمله ومضاعفة الثواب له. وأما الاستماع الحقيقي الذي هو الإصغاء بالأذن فمحال عليه تعالى لأنه شأن من يختلف سماعه بكثره التوجه وقلته، وسماعه تعالى لا يختلف ولا يشغله
شأن عن شأن
(قوله يتغنى بالقرآن) أي يحسن صوته بتلاوته، أو هو مصدر بمعنى القراءة أو اسم مفعول بمعنى المقروء. والمراد به الكتب المنزله بدليل تنكير نبي
(قوله يجهر به) أي في صلاته أو في تلاوته أو حين تبليغ رسالته وهو مرادف للتغني. وهو يرد تفسير التغني بالاستغناء لأنه لا مناسبة بين الاستغناء بالقرآن وبين الجهر به، وظاهر سياق المصنف يدل على أن لفظ يجهر به من الحديث ، وليس كذلك بل هو مدرج فيه من كلام أبي سلمة أو غيره لما أخرجه ابن أبي داود عن محمَّد بن يحيى الذهلي من طريق ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بلفظ "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن" قال ابن شهاب وأخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجهر به. وأخرج البخاري من طريق ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "لم يأذن الله لنبي ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن" وقال صاحب له يريد يجهر به: قال الحافظ الضمير في له لأبي سلمة والصاحب عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد
(وفي الحديث) دلالة على الترغيب في تحسين الصوت بالقراءة وهو وإن كان وارد في الأنبياء إلا أن غيرهم ممن يعمل بذلك مثلهم فيه.
(والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي وابن نصر والبيهقي
(باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه)
أي في بيان الوعيد الشديد الوارد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه. وفي بعض النسخ "باب فيمن حفظ القرآن ثم نسيه" بدون لفظ التشديد وفي بعضها "التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه" بدون لفظ باب
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا مِنِ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلَاّ لَقِيَ اللَّهَ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ".
(ش)(رجال الحديث)(ابن إدريس) هو عبد الله تقدم بالثاني صفحه 253. و (عيسى بن فائد) روى عن سعد بن عبادة أو عن رجل عن سعد أو عن عبادة بن الصامت. وعنه يزيد بن أبي زياد. قال ابن المديني مجهول لم يرو عنه غير يزيد بن أبي زياد، وقال ابن عبد البر عيسى بن فائد لم يسمع من سعد بن عبادة ولا أدركه
(معنى الحديث)
(قوله ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه) يعني يتركه ولا يعمل بما فيه، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه. وهذا محمل قوله تعالى "كذلك أتتك آياتنا فنسيتها" ويحتمل