الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عزم على عدم السجود في المرة الثانية. لكن يقال إن عزمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على عدم السجود في المرة الثانية يدل على أنها ليست متأكدة فقط لا على أنها ليست سجدة تلاوة، قال في بدائع الصنائع وما تعلق به الشافعي فهو دليلنا فإنا نقول نحن نسجد ذلك شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله وأناب بل عقيب مآب وهذه نعمة عظيمة في حقنا فإنه يطمعنا في إقالة عثراتنا وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة لوجود سببها وهو تلاوة هذه الآية وكذا سجدة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الجمعة الأولى أثناء الخطبة تدل على أنها سجدة تلاوة وتركه في الجمعة الثانية لا يدل على أنها ليست سجدة تلاوة بل كان يريد التأخير وهي عندنا لا تجب على الفور اهـ بتصرف
(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وابن خزيمة والبيهقي والدارقطني
(باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة)
أيسجد على الدابة أم ينزل للسجود وفي بعض النسخ إسقاط قوله أو في غير صلاة
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْجُمَاهِرِ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُمُ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الأَرْضِ حَتَّى إِنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ.
(ش)(عبد العزيز) بن محمَّد الدراوردي تقدم بالأول صفحة 23
(قوله قرأ عام الفتح سجدة) أي سورى فيها آية سجدة. ووقع في رواية الطبراني عن مصعب بن نافع أن التي قرأها سورة النجم، ويحتمل أنه اقتصر على قراءة آية السجدة لبيان الجواز لأن الاقتصار عليها خلاف الأولى لما فيه من إيهام تفضيل آية السجدة على غيرها فيستحب أن يقرأ معها آيات ليكون أدل على المعنى وعلى أن قصده القراءة لا لمجرد السجود
(قوله منهم الراكب والساجد في الأرض الخ) وفي رواية الحاكم والساجد على الأرض والمراد سجد الراكب والماشي فالماشي يسجد على الأرض والراكب على يديه، ولعل ذلك فيمن لم يتمكن من السجود على السرج
(وفيه) دليل على جواز سجود التلاوة على اليد لمن كان راكبًا على دابته. ومثله من كان به عذر كزحام فسجد على فخذه أو على غيره ولو وضع كفه على الأرض وسجد عليها جاز عند الحنفية على الصحيح
ولو بلا عذر إلا أنه يكره. قال ابن الهمام إذا تلا راكب أو مريض لا يقدر على السجود أجزأه الإيماء اهـ
وقال في البدائع ما وجب من السجدة على الأرض لا يجوز على الدابة وما وجب على الدابة يجوز على الأرض، وقد روى عن علي رضي الله عنه أنه تلا سجدة وهو راكب فأومأ إليها إيماء اهـ.
وإلى جواز سجود التلاوة على الدابة ذهبت الشافعية والحنفية والحنابلة وقالوا يؤمئُ بالسجود. ولا يقال إن كلامهم مخالف للحديث لأن وضع الجبهة على اليد فيه إيماء وزيادة. وكذا قالت المالكية إلا أنهم قالوا إذا كان السفر دون مسافة القصر ينزل الراكب ويسجد على الأرض ولا يجزئه الإيماء على دابته
(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي، وفي سنده مصعب بن ثابت وقد ضعفه غير واحد من الأئمة
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ -الْمَعْنَى- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ -قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ثُمَّ اتَّفَقَا- فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى لَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ.
(ش) هذا الحديث مناسب لقوله في الترجمة أو في غير صلاة
(قوله قال ابن نمير في غير الصلاة) أي قال عبد الله بن نمير في روايته كان يقرأ السورة في غير الصلاة. أما رواية يحيى بن سعيد فليس فيها قوله في غير الصلاة. وأل في السورة للعهد، والمعهود السورة التي فيها آية سجدة كما في رواية البخاري عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة
(قوله حتى لا يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته) يعني من الزحام كما في رواية الطبراني عن المسور بن مخرمة عن أبيه قال أظهر أهل مكة الإِسلام حتى إنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام. وفي رواية له عن نافع نحوه، وزاد فيه حتى سجد الرجل على ظهر الرجل. وفي رواية لمسلم عن ابن عمر ربما قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا حتى ازدحمنا عنده حتى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه في غير صلاة. وهذا كله مبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والطبراني
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا.
(ش)(قوله أنا عبد الله بن عمر عن نافع) وفي نسخة عبيد الله بن عمر بدل عبد الله كما في الرواية السابقة وهو الأظهر كما يفهم من التقريب والخلاصة
(قوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ علينا القرآن) أي ليعلمنا الأحكام والوعد والوعيد وأخبار السابقين وكيفية تلاوته
(قوله فإذا مر في قراءته بآية سجدة كبر) يعني للهوى لسجود التلاوة، وهذا متفق عليه واتفقوا أيضًا على التكبير عند الرفع من السجود. هذا إذا كان في الصلاة. أما إذا كان في غير الصلاة فجمهور الفقهاء يقولون بهذا التكبير. واختلف قول مالك فيه. ولم يذكر في الأحاديث ما يدل صريحًا على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر للإحرام في سجود التلاوة ولا تشهد فيها ولا سلم منها. وإلى ذلك ذهبت المالكية والحنفية وأكثر العلماء. وذهب الشافعية في المشهور عنهم إلى أنه إذا كان خارج الصلاة يكبر للإحرام ويرفع يديه ويسلم. وزاد بعضهم التشهد فيها
(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي. وفي إسناده العمري عبد الله المكبر وهو ضعيف وأخرجه الحاكم من رواية العمري عبيد الله المصغر وهوثقة ولهذا قال على شرط الشيخين
(ص) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ يُعْجِبُهُ لأَنَّهُ كَبَّرَ.
(ش) أي إنما أعجبه لأنه ذكر فيه التكبير لسجود التلاوة دون غيره من أحاديث الباب
(فوائد) _ (الأولى) يستفاد من أحاديث الباب أن السامع لآية السجدة يسجد إذا
سجد القارئ. قال ابن بطال أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد اهـ.
وقد اختلف في اشتراط قصد السماع لآية السجدة. فذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط قصد الاستماع بل المدار على السماع لآية السجدة. وذهب مالك وأحمد إلى أنه يشترط قصد الاستماع.
ويشهد لهم ظاهر أحاديث الباب فإن الظاهر أن القوم قصدوا الاستماع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويدل لهم أيضًا ما رواه البخاري تعليقًا من قول عثمان إنما السجدة على من استمعها. ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان مرّ بقاصّ فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فقال عثمان إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد.
ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب مختصرًا بلفظ إنما السجدة على من سمعها.
ورواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال قال عثمان إنما السجدة على من جلس لها واستمع. وذكر البخاري أن السائب كان لا يسجد لسجود القاصّ أي الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ. والمشهور عند الشافعي أنه لا يشترط قصد الاستماع وإن كان في حق المستمع آكد.
أما إذا لم يسجد القارئ ففي سجود المستمع خلاف فقالت الحنفية والشافعية يسجد ولو لم يسجد القارئ لتحقق السبب الذي هو سماع آية السجدة فلو سمعها ممن لا تجب عليه الصلاة لصغر أو جنون غير مطبق أو حيض أو نفاس يسجد على الصحيح عند الشافعية. وروى ابن القاسم عن مالك أن المستمع يسجد ولو تركه القارئُ وهو مشهور المذهب لأن السجود يطلب من القارئ والمستمع فإذا ترك القارئُ، ما ندبه إليه الشارع فعلى المستمع أن يأتي به. وروى مطرت وابن الماجشون أنه لا يسجد المستمع لأن القارئ إمام له فلا تصح مخالفته. وبهذا قالت الحنابلة. وهذا هوالذي يشهد له ما تقدم عن الشافعي عن عطاء مرسلًا أن رجلًا قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد فقال النبي صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم كنت أمامنا فلو سجدت سجدت.
وما تقدم عند أبي شيبة عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم أن غلامًا ما قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود قال بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا
(ومن هذا) أخذت المالكية أن يكون القارئ مستكملًا لشروط الإمامة بأن يكون ذكرًا مسلمًا بالغًا عاقلًا فلا يسجد المستمع لقراءة امرأة ولا كافر ولا صبيّ ولا مجنون. قال في الموطأ سئل مالك عن امرأة قرأت السجدة ورجل معها يسمع عليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها، إنما تجب السجدة على القوم يكون معهم الرجل يأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة اهـ
وقوله ليس بإمام أي ليس صالحًا لأن يكون إمامًا له.
وبمثله قالت الحنابلة إلا أنهم قالوا يسجد لتلاوة صلى لأنه يصلح أن يكون إمامًا في النافلة
(الثانية) اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة فذهب الجمهور إلى أنه سنة منهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود واستدلوا بالأحاديث الصحيحة. منها ما تقدم للمصنف في باب من
لم ير السجود في المفصل عن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النجم فلم يسجد فيها.
ومنها ما رواه البخاري ومالك في الموطأ والبيهقي وأبو نعيم وابن أبي شيبة عن عمر أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه.
وفي لفظ إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وقال أبو حنيفة يجب سجود التلاوة ويأثم بتركه محتجًا بقوله تعالى فاسجدوا لله واعبدوا وقوله فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون. لكن الآيتان لا تدلان على الوجوب لأن الأمر في الآية الأولى محمول على الندب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك السجدة عند سماع هذه الآية.
ودعوى أنه لم يسجد على الفور غير مسلمة لأنه لم يثبت أنه في تلك المرة سجد بعد. ويؤيده ما تقدم من أنه لم يسجد لما سمع القارئ وقال لو سجدت لسجدنا ولو كان واجبًا لأمره بالسجود. أما الآية الثانية فلا تصلح للاحتجاج أيضًا على الوجوب لاحتمال أن يراد بالسجود سجود التلاوة وأن يراد به الخضوع كما هو المتبادر منها فإنها وردت في ذم الكفار وتركهم لخضوع للقرآن والإيمان به استكبارًا وجحودًا. وقال أبو المعالي إن احتجاج أبي حنيفة بالأوامر الوادرة بالسجود في ذلك لا معنى له فإن إيجاب السجود مطلقًا لا يقتضي وجوبه مقيدًا عند قراءة آية السجدة ولو كان الأمر كما قال لكانت الصلاة تجب عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالصلاة، وإذا لم يجد ذلك فليس سجود التلاوة واجبًا عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالسجود اهـ.
(الثالثة) لم يذكر في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اشتراط كون الساجد متطهرًا لكن جمهور الفقهاء على اشتراط الطهارة لأن سجود التلاوة صلاة فكان من شرطه الطهارة كسائر الصلوات. قال مالك في الموطأ لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران. واشترطوا أيضًا أن يكون مسلمًا عاقلًا ساترًا للعورة مستقبل القبلة، وقال ابن عمرو الشعبي لا تشترط الطهارة.
وبه قال أبو طالب والمنصور من أهل البيت. وروى ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئُ إيماء. ومال إلى عدم اشتراط الطهارة صاحب سبل السلام حيث قال الأصل أنه لا تشترط الطهارة إلا بدليل وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة والسجدة لا تسمى صلاة فالدليل على من اشترط ذلك اهـ.
ومال إلى ذلك أيضًا الشوكاني وقال قد كان يسجد معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء ويبعد أن يكونوا جميعًا متوضئين وقد كان
يسجد معه المشركون وهم أنجاس لا يصح وضوءهم وقد روى البخاري أن ابن عمر كان يسجد