الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم كثيرًا
(قوله إذا كان العبد يعمل صالحًا الخ) أي كان في حال صحته يعمل أعمالًا صالحة كصلاة وصيام فمنعه عن ذلك مرض أوسفر مباح كتب له مثل ثواب العمل الذي كان يعمله صحيحًا مقيمًا
(وفيه دلالة) علي أن المريض والمسافر إذا شغلا بذلك عن الطاعة كتب لها أجر ما كان يعملانه صحيحين مقيمين
(وقد ورد في ذلك روايات) منها ما رواه النسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعًا "ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليه نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة"
ومنها ما رواه أحمد عن أنس مرفوعًا "إذا ابتلي الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله فإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه"
ومنها ما رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط البزار عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (عجب للمؤمن وجزعه من السقم ولوكان يعلم ما له من السقم أحب أن يكون سقيمًا الدهر، ثم إن رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم رفع رأسه إلى السماء فضحك فقيل يا رسول الله مم رفعت رأسك إلى السماء فضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم عجبت للملكين كانا يلتمسان عبدًا في مصلى كان يصلي فلم يجداه فرجعا فقالا: يا ربنا عبدك فلان كنا نكتب له في يومه وليلته عمله الذي كان يعمل فوجدناه حبسته في حبالك (أمرضته وأقعدته عن العمل) قال الله تبارك وتعالي اكبتوا لعبدي عمله الذي كان يعمل في يومه وليلته ولا تنقصوا منه شيئًا وعلي أجره ما حبسته وله أجر ما كان يعمل)
ومنها ما رواه الحاكم وصححه وأحمد واللفظ له عن عبد الله بن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر عز وجل الملائكة الذين يحفظونه قال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان يعمل في وثاقي"
(وفي حديث الباب ونحوه) دلالة على أن من تأخر عن الجماعة والجهاد ونحوهما من مجامع الخير لعذر من الأعذار المرخصة لذلك يحصل له من الأجر مثل ما يحصل لمن حضرها وفيها أيضًا رد على من زعم أن تلك الأعذار مسقطة للكراهة والإثم من غير أن تكون محصلة للفضيلة
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والبيهقي من طريق يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب
(باب عيادة النساء)
أي بيان حكم عيادة الرجال النساء في مرضهن وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة
(ص) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ
قَالَتْ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَرِيضَةٌ فَقَالَ "أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلَاءِ فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ".
(رجال الحديث)(سهل بن بكار) بن بشر الدارمي البصري أبو بشر. روي عن جرير بن حازم ووهيب بن خالد وحماد بن سلمة وأبان بن يزيد وغيرهم. وعنه البخاري وأبو داود ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان. وثقه الدارقطني وأبو حاتم وقال صدوق وقال ابن نمير كان ثقة ثبتًا وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما وهم وأخطأ وقال العجلي تفسير حفظه قبل موته وقال أحمد مضطرب الحديث جدًا مع قلته. وعن ابن معين مخلط. مات سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائتين.
و(أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي تقدم بالأول صفحة 91 و (أم العلاء) الأنصارية روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث فقط وعنها ابن أخيها حكيم بن حزام الأنصاري وعبد الملك بن عمير
(معنى الحديث)
(قوله خبث الذهب والفضة) أي ما تلقيه النار من وسخ الذهب والفضة
(وفي الحديث) دلالة علي مشروعية عيادة الرجل للمرأة المريضة، لكن محله إذا لم تؤد إلى خلوة بأجنبية. وعلي أنه ينبغي للعائد أن يبشر المريض بتكفير ذنوبه فإن في ذلك تسلية لقلبه. وعلى طلب التسليم للقدر. وعلى أن الأمراض تكفر الخطايا وتنقي صاحبها منها.
وقد ورد في فضل المرض والصبر عليه أحاديث أخر. منها ما رواه أحمد عن شداد بن أوس والصنابحي أنهما دخلا على مريض يعودانه فقالا له كيف أصبحت؟ قال أصبحت بنعمة الله قال شداد، أبشر بكفارات السيئات وحط الخطايا، فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن الله عز وجل يقول: أنا إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه مبرأ من الخطايا، ويقول الرب تبارك وتعالي: أنا قيدت عبدي وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له وهو صحيح.
ومنها ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسبها رجل فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسبها فإنها تنقي الذنوب كما تنقي النار خبث الحديد.
ومنها ما رواه أحمد والبيهقي وابن ماجه عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عاد مريضًا فقال أبشر فإن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار يوم القيامة
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى ح وَنَا ابْنُ بَشَّارٍ نَا عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو -قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا
لَفْظُه- عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ الله عز وجل قَالَ "أَيَّةُ آيَةٍ يَا عَائِشَةُ". قَالَتْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) قَالَ "أَمَا عَلِمْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ تُصِيبُهُ النَّكْبَةُ أَوِ الشَّوْكَةُ فَيُكَافَأُ بِأَسْوَإِ عَمَلِهِ وَمَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ". قَالَتْ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قَالَ "ذَاكُمُ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ بَشَّارٍ قَالَ أَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
(ش) هذا الحديث غير مناسب لباب عيادة النساء بل له مناسبة بباب الأمراض المكفرة للذنوب باعتبار قوله إن المسلم تصيبه النكبة الخ
(رجال الحديث)(يحيي) القطان. و (عثمان ابن عمرو) بن ساج القرشي أبو ساج. روى عن الزهري مرسلًا ومحمد بن إسحاق وعمرو بن ثابت وإسماعيل بن أمية وجماعة. وعنه سعيد بن سالم والمعتمر بن سليمان ومحمد بن يزيد وغيرهم ذكره أبو عروبة في الطبقة الثالثة من التابعين، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال في التقريب فيه ضعف. روى له أبو داود والنسائي و (أبو عامر) صالح بن رستم تقدم بالخامس صفحة 44 و (ابن أبي مليكة) عبد الله ابن عبيد الله تقدم بالأول صفحة 153
(المعنى)
(قوله إني لأعلم أشد آية الخ) أي أخوف آية في كتاب الله تعالى وردت في الوعيد: ولعلها علمت أنها أشد آية لأن من في الآية من صيغ العموم تعم المخالف مطلقًا مؤمنًا كان أو كافرًا. وسوءًا نكرة في سياق الشرط فتعم كل مخالفة صغيرة كانت أو كبيرة. وعلمت أن ما يصيب المؤمن في الدنيا من الأمراض والبلايا لا يكفر به شيء من ذنوبه
(قوله أما علمت يا عائشة الخ) قاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ردًا لما فهمته من أن الآية أشد آية في الوعيد. والنكبة ما يصيب الإنسان من البلايا وجمعها نكبات كسجدة وسجدات وقوله أو الشوكة معطوف على النكبة من عطف الخاص على العام. ونكتته التنبيه على أن أقل شيء من البلاء يصيب المؤمن فيصبر عليه يكفر به من ذنوبه
(قوله فيكافأ بأسوء عمله) يعني فيكون ما أصابه من ابلاء مكافئًا ومقابلًا لأسوء عمله فلا يحاسب ولا يعاقب المسئ على إساءته في الآخرة فليست الآية كما فهمت عائشة من أن كل واحد يجازى على ما ارتكبه من السيئات بل تكفر ذنوبه بما يصيبه من المحن والأمراض. ويؤيد هذا ما رواه مسلم عن أبي هريرة قالت لما نزلت (من يعمل سوءًا يجز به) بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب
به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها. وما رواه الترمذي عن أبي بكر قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنزلت هذه الآية (من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا) فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت عليّ؟ قلت بلى يا رسول الله قال فأقرأنيها فلا أعلم إلا أني قد كنت وجدت انقصامًا في ظهري فتمطأت لها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شأنك يا أبا بكر؟ قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأينا لم يعمل سوءًا وإنا لمجزيون بما عملنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا بكر أما أنت والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا (أي بما يصيبكم من النكبات والبلايا) حتى تلقوا الله وليس عليكم ذنوب، وأما الآخرون فيجتمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة. قال الترمذي حديث غريب في إسناده مقال.
وما رواه مسلم عن أنس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته.
وفي رواية له أيضًا إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها. ولذا قال الحسن في تفسير الآية المذكورة هذا في حق الكفار خاصة لانهم يجازون بالعقاب على الصغير والكبير ولا يجزى المؤمن بسيء عمله يوم القيامة ولكن جزي بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته اهـ
ويدل لهذا بقية الآية (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا) وهذا ظاهر في الكافر أما المؤمن فله ولي ونصير. وقال بعضهم هذه الآية عامة في حق كل من عمل سوءًا من مؤمن وكافر كما روى عن ابن عباس قال، لما نزلت هذه الآية شقت عى المسلمين مشقة شديدة وقالوا يا رسول وأينا لم يعمل سوءًا غيرك فكيف الجزاء؟ قال منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنه فله عشر حسنات ومن جوزي بالسيئه نقصت واحدة من عشر حسناته وبقيت له تسع حسنات، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره وأما من كان جزاؤه في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنه وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتى كل ذى فضل فضله
(قوله ومن حوسب عذب) أي من حوسب حساب استقصاء على وجه التدقيق عذاب في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه وقال عياض قوله عذب له معنيان: أحدهما أن نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب.
والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد إلا من عند الله لإقداره عليها وتفضله عليه بها وهدايته لها ولأن الخالص لوجهه قليل اهـ
قال النووي التأويل الثاني هو الصحيح لأن التقصير غالب على الناس فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك اهـ