المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في النوح) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في كم يقرأ القرآن)

- ‌(باب تحزيب القرآن)

- ‌(باب في عدد الآي)

- ‌(باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن)

- ‌(باب من لم ير السجود في المفصل)

- ‌(باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ)

- ‌(باب السجود في ص)

- ‌(باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة)

- ‌(باب ما يقول إذا سجد)

- ‌(باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح)

- ‌(باب استحباب الوتر)

- ‌ وقته

- ‌(باب فيمن لم يوتر)

- ‌(باب كم الوتر)

- ‌(باب ما يقرأ في الوتر)

- ‌(باب القنوت في الوتر)

- ‌(باب في الدعاء بعد الوتر)

- ‌(باب في الوتر قبل النوم)

- ‌(باب في وقت الوتر)

- ‌(باب القنوت في الصلوات)

- ‌(باب فضل التطوع في البيت)

- ‌(باب الحث على قيام الليل)

- ‌(باب في ثواب قراءة القرآن)

- ‌(باب ما جاء في آية الكرسي)

- ‌(باب في سورة الصمد)

- ‌(باب في المعوذتين)

- ‌(باب كيف يستحب الترتيل في القراءة)

- ‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

- ‌(باب الدعاء)

- ‌(باب التسبيح بالحصى)

- ‌(باب في الاستغفار)

- ‌(باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله)

- ‌(باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الدعاء بظهر الغيب)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا)

- ‌(باب الاستخارة)

- ‌(كتاب الجنائز)

- ‌(باب الأمراض المكفرة للذنوب)

- ‌(باب إذا كان الرجل يعمل صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر)

- ‌(باب عيادة النساء)

- ‌(باب في العيادة)

- ‌(باب في عيادة الذمي)

- ‌(باب المشي في العيادة)

- ‌(باب في فضل العيادة)

- ‌(باب في العيادة مرارًا)

- ‌(باب العيادة من الرمد)

- ‌(باب في الخروج من الطاعون)

- ‌(باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة)

- ‌(باب كراهية تمني الموت)

- ‌(باب موت الفجاءة)

- ‌(باب في فضل من مات بالطاعون)

- ‌(باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام)

- ‌(باب في التلقين)

- ‌(باب تغميض الميت)

- ‌(باب في الاسترجاع)

- ‌(باب الميت يسجى)

- ‌(باب الجلوس عند المصيبة)

- ‌(باب التعزية)

- ‌(باب الصبر عند المصيبة)

- ‌(باب في البكاء على الميت)

- ‌(باب في النوح)

- ‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

- ‌(باب في ستر الميت عند غسله)

- ‌(باب كيف غسل الميت)

- ‌(باب في الكفن)

- ‌(باب كراهية المغالاة في الكفن)

- ‌(باب في كفن المرأة)

- ‌(فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها)

- ‌(باب في المسك للميت)

- ‌(باب تعجيل الجنازة)

- ‌(باب في تقبيل الميت)

- ‌(باب في الدفن بالليل)

- ‌(باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض)

- ‌(باب في الصفوف على الجنازة)

- ‌(باب اتباع النساء الجنائز)

- ‌(باب في النار يتبع بها الميت)

الفصل: ‌(باب في النوح)

وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال يابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا بفراقك يا إبراهيم محزونون

(باب في النوح)

أي في النهي عنه والتنفير منه. والنوح بفتح فسكون رفع الصوت بالبكاء

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ.

(ش)(عبد الوارث) بن سعيد. و (أيوب) السختياني. و (حفصة) بنت سيرين

(قوله نهانا عن النياحة) أي عن رفع الصوت بالبكاء. والنياحة اسم من ناحت المرأة تنوح نوحًا إذا بكت على الميت وعددت محاسنه. أو على ما فاتها من متاع الدنيا

(والحديث) يدل على حرمه النياحة على الميت وعلى ما يفوت من متاع الدنيا، أما النياحة على المعصية فمن العبادة. وقد جاء في التحذير من النياحة أحاديث. منها ما أخرجه الإمام أحمد عن أنس قال أخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النساء حين بايعهن أن لا ينحن فقلن يا رسول الله إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنسعدهن في الإِسلام؟ فقال لا إسعاد في الإِسلام.

ومنها ما أخرجه مسلم عن أبي مالك الأشعري أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.

ومنها ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: النياحة على الميت من أمر الجاهلية، فان النائحة لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يغلي عليها بدرع من لهب النار. وفي إسناده عمر بن راشد: ضعفه جماعة

(الحديث) أخرجه أيضًا البخاري من طريق أيوب عن محمَّد عن أم عطية قالت: أخذ علينا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند البيعة أن لا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة: أم سليم وأم العلاء وابنه أبي سبره امرأة معاذ وامرأتين: وأخرجه مسلم والنسائي والبيهقي بنحوه: ولمسلم في رواية أخرى عن أم عطية أيضًا قالت: لما نزلت هذه الآية "يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يعصينك في معروف" قالت: كان منه النياحة، قالت فقلت يا رسول الله

ص: 280

إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا آل فلان. قال النووي في شرح مسلم هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة ولا تحل النياحة لها ولا لغيرها في غير آل فلان كما هو ظاهر الحديث. وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ.

(ش)(رجال الحديث)(محمَّد بن ربيعة) الكلابي الرؤاسي الكوفي أبو عبد الله روى عن هشام بن عروة والأعمش وابن جريج وكثيرين. وعنه أحمد بن حنبل وابن معين وبشر بن الحكم وعبد الرحمن بن الأسود وجماعة. وثقه ابن معين وأبو داود والدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث. وفي التقريب صدوق من التاسعة، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.

و(محمَّد بن الحسن) العوفي أبو سعد الكوفي. روى عن أبيه ومحمد بن عبد الرحمن. وعنه محمَّد بن ربيعة وعبد الله بن داود، قال أبو حاتم ضعيف، وقال البخاري لم يصح حديثه، وقال العقيلي مضطرب الحفظ وقال الذهبي ضعفوه ولم يترك ووثقه ابن معين وقال أبو زرعة لين الحديث وفي التقريب صدوق يخطئ روى له أبو داود. و (أبوه) الحسن بن عطية بن سعد العوفي بفتح فسكون. روى عن أبيه وجده وعنه أخواه عبد الله وعمرو وابناه محمَّد والحسين وسفيان الثوري وغيرهم. قال أبو حاتم ضعيف الحديث وقال ابن حبان في الثقات أحاديثه ليست بنقيه وفي الضعفاء منكر الحديث وقال البخاري ليس بذاك، وفي التقريب ضعيف من السادسة، روى له أبو داود هذا الحديث فقط، مات سنه إحدى وثمانين ومائة. و (جده) عطية بن سعد بن جناده العوفي تقدم بالرابع صفحه 52

(معنى الحديث)

(قوله لعن رسول الله النائحة والمستمعة) أي دعا عليهما باللعن والطرد عن رحمه الله عز وجل. والنائحة المرأة التي تندب الميت وتعدد محاسنه يقال: ناحت المرأة على الميت إذا بكت عليه وعددت محاسنه أو هي التي ترفع صوتها بالبكاء والمراد بالمستمعة التي تقصد السماع وترغب فيه فهي شريكة النائحة في الإثم كما أن المغتاب والمستمع شريكان في الوزر، وخص المرأة بالذكر لأن النوح والإصغاء إليه يكون من النساء غالبًا وإلا فالرجل

ص: 281

كالمرأة في ذلك: ويحتمل أن تكون التاء للمبالغة فيكون المراد من يكثر منه ذلك ولو ذكرًا أما وقوع ذلك أحيانًا فلا يكون من الكبائر ولا من يقع منه ملعونًا، ويحمل اللعن في الحديث على التغليظ والزجر

(فقه الحديث) دل الحديث على أن النياحة والاستماع لها من الكبائر لما يترتب عليهما من الطرد من رحمه الله عز وجل

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي، وفي إسناده محمَّد ابن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده والثلاثه ضعفاء

(ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدَةَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ -الْمَعْنَى- عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ وَهِلَ -تَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- إِنَّمَا مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ "إِنَّ صَاحِبَ هَذَا لَيُعَذَّبُ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ". ثُمَّ قَرَأَتْ "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" قَالَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَلَى قَبْرِ يَهُودِيٍّ.

(ش)(عبده) بن سليمان الكلابي تقدم بالثالث صفحه 102 و (أبو معاوية) محمَّد خازم الضرير

(قوله إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) ظاهره أنه يعذب بالبكاء مطلقًا وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف منهم عمر وابنه.

وذهب جمهور العلماء إلى تأويل حديث الباب ونحوه. واختلفوا في التأويل: فحمله إبراهيم الحربي والمزني وغيرهما من الشافعية على ما إذا أوصى الميت أهله بذلك فنفذت وصيته، قال أبو الليث السمرقندي أنه قول عامة أهل العلم، وحكاه النووي في شرح مسلم عن الجمهور وقال هو الصحيح قالوا لأن ذلك بسببه ومكسوب إليه.

أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية فلا يعذب لقوله تعالى ولا تزر وازره وزر أخرى: وحمله داود طائفة من العلماء على ما إذا أهمل نهى أهله عن ذلك، قال في النيل قال ابن المرابط إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده اهـ

وحمله ابن حزم وجماعة على أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكيه أهله بها ويندبونه لها كرياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها في معصية الله تعالى وجوده الذي لم يضعه في موضعه فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنعه. واستدل له بما رواه البخاري عن ابن عمر مرفوعًا فيه "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار

ص: 282

إلى لسانه أو يرحم" قال الإسماعيلي ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغيرون ويسبون ويقتلون وكان أحدهم إذا مات بكته باكية بتلك الأفعال المحرمة فمعنى الخبر إن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به لأن الميت يندب بأحسن أفعاله وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر وهي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق العذاب عليها اهـ

وقال بعضهم إن المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة الميت بما يندبه أهله به. ويؤيده ما رواه أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا الميت يعذب ببكاء الحي: إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسياه جبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها؟ " وما رواه الترمذي مرفوعًا "ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول واجبلاه واسنداه أو شبه ذلك من القول إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت؟ "ويلهزانه أي يدفعانه ويضربانه، فاللهز الضرب بجمع الكف في الصدر: يقال لهزة بالرمح من باب قنع إذا طعنه به. وما رواه البخاري في المغازي عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فقال حين أفاق ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه. واختار أبو جعفر الطبري من المتقدمين وعياض ومن تبعه ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين: إن التعذيب محمول على تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة. واستدلوا بما أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث قيلة بنت مخرمة وفيه قلت يا رسول الله: قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات ونزل عليّ البكاء فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا وإذا مات استرجع؟ فوالذي نفس محمَّد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم" وقوله فيستعبر إليه صويحبه يعني يتألم من بكائه. وبما رواه الطبري بإسناد صحيح عن أبي هريرة: إن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم. قال في الفتح ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلًا: من كانت طريقته النوح فمشى على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالمًا فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط

فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفتهم

أمره وإقدامهم على معصية ربهم اهـ

(قوله فذكر ذلك الخ) أي ذكر قول ابن عمر لعائشة

فقالت وهل ابن عمر أي ذهب وهمه إلى قوله ذلك. يقال وهل إلى الشيء بالفتح يهل بالكسر وهلًا بالسكون إذا ذهب وهمه إليه. ويجوز أن يكون بالكسر في الماضي من باب تعب بمعنى غلط: يقال وهل بالكسر يوهل وهلًا بالتحريك إذا غلط. وفي رواية مالك ومسلم والبيهقي "ذكر

ص: 283

لعائشة أن ابن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على يهودية يبكي عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها

(قوله إنما مر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على قبر الخ) أي مر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه الحادثة على قبر يعذب صاحبه حال بكاء أهله عليه. وهذا لفظ هناد عن عبده. أما روايته عن أبي معاوية فقال مر على قبر يهودي كما ذكر بعد

(قوله ثم قرأت ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل نفس مذنبة ذنوب نفس أخرى، وكذا غير المذنبة لا تحمل ذنب أخرى فلا مفهوم لقوله وازرة. وذكرت عائشة هذه الآية إنكارًا منها على ما قاله ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه نظرًا لهذه الآية. ومقتضى هذا أنها تنكر تعذيب الميت ببكاء أهله عليه.

وممن أنكره أيضًا أبو هريرة وأبو حامد وجماعة من الشافعية. وإنكار عائشة هذا وحكمها على ابن عمر بالتخطئة أو النسيان غير مسلم، لأنه روى نحو حديث الباب عن غير ابن عمر من الصحابة وهم جازمون به فلا وجه للنفي مع إمكان تأويله تاويلًا صحيحًا كما تقدم.

فقد روى البخاري عن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" وروى البخاري أيضًا عن أبي بردة عن أبيه قال: لما أصيب عمر جعل صهيب يقول: واأخاه، فقال عمر أما علمت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟ " قال ابن القيم إنكار عائشة رضي الله تعالى عنها لذلك بعد رواية الثقات لا يعوّل عليه، فإنهم قد يحضرون ما لا تحضره ويشهدون ما تغيب عنه واحتمال السهو والغلط بعيد جدًا اهـ

ومن الثقات الذين أشار إليهم: عمر بن الخطاب وأبو موسى الأشعري والمغيره بن شعبة فقد ثبت عنهم الحديث كما ثبت عن ابن عمرو تقدم حديث المغيرة وعمر عند البخاري وكذا أخرج حديث أبي موسى

(فقه الحديث) دل الحديث على تحريم رفع الصوت بالبكاء على الميت، وعلى أن الميت يعذب بسببه وقد علمت بيانه

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ ثَقِيلٌ فَذَهَبَتِ امْرَأَتُهُ لِتَبْكِي أَوْ تَهُمَّ بِهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو مُوسَى أَمَا سَمِعْتِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ بَلَى. قَالَ

ص: 284

فَسَكَتَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو مُوسَى -قَالَ يَزِيدُ- لَقِيتُ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ لَهَا مَا قَوْلُ أَبِي مُوسَى لَكِ أَمَا سَمِعْتِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ سَكَتِّ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ".

(ش)(رجال الحديث)(جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر. و (إبراهيم) النخعي. و (يزيد بن أوس) الكوفي. روى عن أبي موسى الأشعري وامرأته وثابت بن قيس وعلقمه. وعنه إبراهيم النخعي. قال ابن المديني مجهول لا نعلم أحدًا روى عنه غير إبراهيم النخعي وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من الرابعة. روى له أبو داود والنسائي

(قوله وهو ثقيل) يعني اشتد به المرض أشرف على الموت

(قوله فذهبت امرأته الخ) أي شرعت في البكاء أو عزمت عليه شك يزيد. و (وهي) أم عبد الله بنت أبي دومة. روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها عياض الأشعري وقرثع الضبي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وثابت بن قيس وعبد الأعلى النخعي. روى لها مسلم وأبو داود النسائي

(معنى الحديث)

(قوله فقلت ما قول أبي موسى الخ) أي أخبريني عن قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي أشار إليه أبو موسى عند النزع وسكت، فقالت: أذكرني قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "ليس منا من حلق الخ" وفي بعض النسخ. و" فقلت لها قول أبي موسى" بالرفع خبر لمحذوف أي ما قول أبي موسى الخ أو بالنصب على نزع الخافض

(قوله ليس منا الخ) أي ليس من أهل سنتنا وطريقتنا الكاملة من فعل ذلك. فالمراد به المبالغة في الردع والزجر عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني يعني ما أنت على طريقتي وليس المراد إخراجه عن الدين، ولكن محله ما لم يستحله مع العم بتحريمه أو يفعله سخطًا على ما وقع من القضاء وإلا كان مخرجًا عن الدين:

وقال ابن المنير المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبًا له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإِسلام اهـ

وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول: ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر قال في الفتح ويظهر لي أن النفي يفسره التبري في حديث أبي موسى وأصل البراءة الانفصال من الشيء وكأنه توعده بان لا يدخله في شفاعته مثلًا اهـ. وحديث أبي موسى الذي أشار إليه رواه البخاري ومسلم من طريق أبي بردة بن أبي موسى قال: وجع أبو موسى وجعًا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا فلما أفاق قال: إني برئ ممن برئ منه محمَّد صى الله تعالى عليه وعلى آله

ص: 285

وسلم: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة،

(قوله من حلق) أي حلق شعره عند المصيبة، و (سلق) باسين المهملة، ويروى بالصاد المهملة من باب ضرب أي رفع صوته بالبكاء (وخرق) أي شق ثوبه وكان ذلك من صنيع الجاهلية

(فقه الحديث) دل الحديث على تحريم هذه الأشياء والتنفير منها للوعيد المذكور ولما تضمنه من عدم الرضا بقضاء الله تعالى وقدره

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ نَا الْحَجَّاجُ- عَامِلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الرَّبَذَةِ حَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ قَالَتْ كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لَا نَخْمِشَ وَجْهًا وَلَا نَدْعُوَ وَيْلًا وَلَا نَشُقَّ جَيْبًا وَأَنْ لَا نَنْشُرَ شَعْرًا.

(ش)(رجال الحديث)(الحجاج) بن صفوان بن أبي يزيد المدني، روى عن أبيه وأسيد بن أبي اسيد وإبراهيم بن عبد الله. وعنه القعنبي وأبو ضمرة، وثقه أحمد وأبو حاتم وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وأثنى عليه القعنبي. وفي التقريب صدوق من السابعة وضعفه الأزدي. روى له أبو داود

و(الربذة) بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة قرية من قرى المدينة.

و(أسيد بن أبي أسيد) بفتح فكسر. روى عن امرأة من المبايعات. وعنه حجاج ابن صفوان، قال المزي أظنه غير البراد فان البراد ليس له شيء عن الصحابة. روى له أبو داود.

و(امرأة من المبايعات) لم نقف على اسمها وجهالتها لا تضر لأنها صحابية.

(معنى الحديث)

(قوله كان فيما أخذ علينا الخ) أي كان في العهد الذي أخذه علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أننا لا نعصيه فيما عرف شرعًا فعل الطاعات وترك المخالفات، ومن هذا المعروف ما ذكر في الحديث

(قوله أن لا نخمش وجهًا) أي لا نخدش وجوهنا بأظفارنا يقال خمشت المرأة وجهها بظفرها خمشًا من باب ضرب جرحت ظاهر البشرة

(قوله ولا ندعو ويلًا) أي ولا ندعو بالويل والحزن والهلاك والمشقة. والدعاء به كأن يقول الشخص يا ويلى ويا هلاكي ويا عذابي لما حل من المصيبة والأمر المحزن

(قوله ولا نشق جيبًا) الجيب ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس والمراد بشقه إكمال فتحه إلى الذيل أو نحو ذلك، وهومن علامات السخط وعدم الرضا

(قوله ولا ننشر شعرًا) أي لا نفرقه، ونهاهن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك عند المصيبة لأنه كان من عادات الجاهلية

ص: 286