المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النحور بالذكر لأن العدو يستقبل بها عند المناهضة للقتال (قوله ونعوذ - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في كم يقرأ القرآن)

- ‌(باب تحزيب القرآن)

- ‌(باب في عدد الآي)

- ‌(باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن)

- ‌(باب من لم ير السجود في المفصل)

- ‌(باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ)

- ‌(باب السجود في ص)

- ‌(باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة)

- ‌(باب ما يقول إذا سجد)

- ‌(باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح)

- ‌(باب استحباب الوتر)

- ‌ وقته

- ‌(باب فيمن لم يوتر)

- ‌(باب كم الوتر)

- ‌(باب ما يقرأ في الوتر)

- ‌(باب القنوت في الوتر)

- ‌(باب في الدعاء بعد الوتر)

- ‌(باب في الوتر قبل النوم)

- ‌(باب في وقت الوتر)

- ‌(باب القنوت في الصلوات)

- ‌(باب فضل التطوع في البيت)

- ‌(باب الحث على قيام الليل)

- ‌(باب في ثواب قراءة القرآن)

- ‌(باب ما جاء في آية الكرسي)

- ‌(باب في سورة الصمد)

- ‌(باب في المعوذتين)

- ‌(باب كيف يستحب الترتيل في القراءة)

- ‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

- ‌(باب الدعاء)

- ‌(باب التسبيح بالحصى)

- ‌(باب في الاستغفار)

- ‌(باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله)

- ‌(باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الدعاء بظهر الغيب)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا)

- ‌(باب الاستخارة)

- ‌(كتاب الجنائز)

- ‌(باب الأمراض المكفرة للذنوب)

- ‌(باب إذا كان الرجل يعمل صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر)

- ‌(باب عيادة النساء)

- ‌(باب في العيادة)

- ‌(باب في عيادة الذمي)

- ‌(باب المشي في العيادة)

- ‌(باب في فضل العيادة)

- ‌(باب في العيادة مرارًا)

- ‌(باب العيادة من الرمد)

- ‌(باب في الخروج من الطاعون)

- ‌(باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة)

- ‌(باب كراهية تمني الموت)

- ‌(باب موت الفجاءة)

- ‌(باب في فضل من مات بالطاعون)

- ‌(باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام)

- ‌(باب في التلقين)

- ‌(باب تغميض الميت)

- ‌(باب في الاسترجاع)

- ‌(باب الميت يسجى)

- ‌(باب الجلوس عند المصيبة)

- ‌(باب التعزية)

- ‌(باب الصبر عند المصيبة)

- ‌(باب في البكاء على الميت)

- ‌(باب في النوح)

- ‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

- ‌(باب في ستر الميت عند غسله)

- ‌(باب كيف غسل الميت)

- ‌(باب في الكفن)

- ‌(باب كراهية المغالاة في الكفن)

- ‌(باب في كفن المرأة)

- ‌(فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها)

- ‌(باب في المسك للميت)

- ‌(باب تعجيل الجنازة)

- ‌(باب في تقبيل الميت)

- ‌(باب في الدفن بالليل)

- ‌(باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض)

- ‌(باب في الصفوف على الجنازة)

- ‌(باب اتباع النساء الجنائز)

- ‌(باب في النار يتبع بها الميت)

الفصل: النحور بالذكر لأن العدو يستقبل بها عند المناهضة للقتال (قوله ونعوذ

النحور بالذكر لأن العدو يستقبل بها عند المناهضة للقتال

(قوله ونعوذ بك من شرورهم) أي نلتجئ إليك لتدفع عنا شرورهم وضررهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم

"فإن قيل" إنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله محفوظ من شر الإنس والجن فكيف يخاف أحدًا من أعداء الله تعالى "أجيب" بأن هذا يحتمل أنه كان منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحسب الطبيعة البشرية التي من خواصها الخوف أو أن خوفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان علي أصحابه أو أن ذلك كان تعليمًا لأمته

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي

(باب الاستخارة)

أي طلب الخير من الله تعالى فيما يقصد من الأمور

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُقَاتِلٍ خَالُ الْقَعْنَبِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - الْمَعْنَى وَاحِدٌ- قَالُوا نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ لَنَا "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ وَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ الَّذِي يُرِيدُ- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرًّا لِي "مِثْلَ الأَوَّلِ" فَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ". أَوْ قَالَ "فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ". قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَابْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ.

(ش)(رجال الحديث)(عبد الرحمن بن مقاتل) أبو سهل التستري. روي عن عبد الرحمن بن أبي الموال وإبراهيم بن سعد وعبد الملك بن قدامة وعلي بن عابس. وعنه أبو داود وعمرو بن علي ومعاذ بن المثني وعمران بن عبد الرحيم وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن

ص: 197

حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. و (عبد الرحمن بن أبي الموال) زيد وقيل أبو الموال جده فهو عبد الرحمن بن زيد بن أبي الموال أبو محمَّد مولى آل علي: روى عن محمَّد بن كعب القرظي والزهري ومحمد بن المنكدر وجماعة. وعنه الثوري وابن وهب والقعنبي وقتيبة وكثيرون وثقه الترمذي والنسائي وأبو داود وقال أبو زرعة وابن خراش صدوق وقال ابن عدي مستقيم الحديث وقال ابن حبان يخطئ ، وقال أحمد كان يروي حديثًا منكرًا عن ابن المنكدر عن جابر في الاستخارة ليس أحد يرويه غيره. ولكن قال ابن عدي هو مستقيم الحديث وقال في التقريب صدوق ربما أخطأ. توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي

(معنى الحديث)

(قوله يعلمنا الاستخارة) أي يعلمنا كيفيتها ودعاءها في الأمور المباحة وفي الواجب والمستحب المخير فيهما، وكذا ما كان زمنه موسعًا منهما بخلاف الواجب والمندوب اللذين لم يكونا كذلك فلا يستخار في فعلهما، وكذا المحرم والمكروه لا يستخار في تركهما لأن الاستخارة طلب الخير من الشيئيين والأحسن منهما. وفي رواية البخاري كان يعلمنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الاستخارة في الأمور كلها. وليس العموم فيها مرادًا بالمراد ما ذكر فهو من قبيل العام المخصوص

(قوله كما يعلمنا السورة من القرآن) المراد أنه كان يهتم بتعليمنا الاستخارة لعموم الحاجة إليها كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة

(قوله إذا همّ أحدكم بالأمر) أي أراده، ثم الوارد علي القلب مراتب: الهاجس وهو ما لاح وذهب بسرعة، والخاطر وهو ما لاح ومكث برهة من الزمن، وحديث النفس وهو تزيينها الأمور وتحسينها وهذه لا تكتب خيرًا كانت أو شرًا، والهم وهو ترجيح الفعل وهو يكتب إن كان خيرًا لا شرًا، وأما العزم وهو التصميم علي الفعل فيكتب خيره وشره.

فقوله إذا هم يشير إلى أنه أول ما يرد في القلب يستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت فيه عزيمته فإنه يصير محبوبًا له فيخشى أن يخفى عليه وجه الصواب بغلبة ميله إليه. ويحتمل أن يراد بالهم العزم لأن الخاطر لا يثبت فلا يستخير إلا على ما صمم على فعله وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به يضيع فيه أوقاته. وفي حديث ابن مسعود إذا أراد أحدكم أمرًا أي عزم علي القدوم على أمر هام كالسفر والتجارة والزواج لا ما يتكرر وقوعه في اليوم مرات كالأكل والشرب

(قوله فليركع ركعتين من غير الفريضة) بنية الاستخارة. ومفهومه أنه لا يزيد علي الركعتين ولا يقتصر علي ركعة خلافًا لمن قال لو صلى أكثر من ركعتين أجزأه. وظاهره إجزاء ركعتين من غير الفريضة لو كانت راتبة، لكن محله إن صحبته نية الاستخارة كما استظهره النووي وقال يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد اهـ

وقيل يقرأ في الأولى قوله تعالى "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالي عما يشركون، وربك

ص: 198

يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" وفي الثانية " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا"

قال في الفتح والأكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والآية: الأوليين في الأولى: والأخريين في الثانية اهـ

(وظاهر الحديث) عدم التقييد بشيء مما ذكر فله أن يقرأ فيهما ما شاء وقال بعضهم لا يجزئ في صلاة الاستخارة النوافل الراتبة ونحوها والحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد من الاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ولا شيء لهذا أنجع من الصلاة لما فيها من تعظيم الله تعالى والثناء عليه وإظهار الافتقار إليه حالًا ومآلًا. هذا ولم يعين لها في الحديث وقت فذهب بعضهم إلى جوازها في كل الأوقات والجمهور علي أنها تؤدى في غير أوقات النهي

(قوله وليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك) أي أطلب منك الإرشاد إلى أصلح الأمرين بسبب أنك تعلم ما فيه المصلحة وأنا أجهله، فالباء فيه للسببية، ويحتمل أنها للاستعطاف أي أسألك بحق علمك الشامل، ونظيره قوله تعالى "رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرًا للمجرمين "وفي رواية البخاري والنسائي ثم يقول وفيه إشارة إلى أن الدعاء بعد الصلاة فلو دعا في أثناء الصلاة لا يجزئ ويحتمل الإجزاء علي رواية المصنف

(قوله وأستقدرك بقدرتك) أي أطلب منك القدرة على ما هو الأحسن حال كوني مستعينًا بقدرتك فالسين والتاء للطلب والباء للاستعانة ويحتمل أن يكون المعنى أطلب منك أن تقدره وتيسره لي بسبب أنك قادر عليه، فيكون أستقدرك من التقدير، والباء في قوله بقدرتك للسببية

(قوله وأسألك من فضلك العظيم) فيه إشارة إلى أن إعطاء الله بفضله وليس لأحد حق عليه

(قوله فإنك تقدر الخ) أي على كل شيء من الممكنات تعلقت به إرادتك ولا أقدر على شيء منها إلا ما أقدرتني عليه، وتعلم جميع الأشياء خيرها وشرها بعلمك المحيط ولا أعلم شيئًا إلا ما أعلمتني به. وفي هذا إشارة إلى أن العلم والقدرة الكاملين لله وحده وليس للعبد شيء إلا ما قدره الله له

(قوله وأنت علام الغيوب) أي كثير العلم بما يغيب عن سواك فإنك تعلم السر وأخفى، وذكر هذه الجملة بعد ما تقدم من باب المبالغة في الثناء وفي الكلام اكتفاء أي وأنت علام الغيوب وأنت على كل شيء قدير، وقدم العلم أولًا للإشارة إلى عمومه لجميع الأشياء. وقدم القدرة ثانيًا إشارة أنها الأنسب بالمطلوب الذي هو الإقدار علي خير الأمرين

(قوله اللهم فإن كنت تعلم الخ) هكذا بالفاء في رواية للبخاري وفي رواية له أخري وللنسائي باسقاطها وهي للتفريغ علي ما تقدم، فكأنه قال أطلب منك الإرشاد إلى أحسن الأمرين لإحاطة علمك بجميع الأشياء ولتعلق قدرتك بجميع الممكنات فإن كنت تعلم الخ. ويحتمل أنه مفرع على محذوف أي يا الله قد أشكل عليّ هذا الأمر فإن كنت تعلم الخ أي إن كان في علمك أن هذا الأمر الذي أريده خير لي الخ ، فالشك في متعلق العلم لا في أصل

ص: 199

العلم، فسقط ما قيل إن الإتيان بصيغة الشك يؤدي إلى الشك في علم الله

(قوله يسميه) أي يسمي المستخير ذلك الأمر الذي قصده بعينه

(قوله خير لي في ديني) يعني يرجع إليّ في ديني، وخير بالرفع خبر أن، وفي نسخة خيرًا بالنصب خبر يكون المحذوفة أي إن كنت تعلم أن هذا الأمر يكون خيرًا لي الخ

(قوله ومعاشي) أي حياتي. ويحتمل أن يراد بالمعاش المعيشة التي يعيش بها الإنسان من نحو تجارة، ويؤيده ما في رواية ابن مسعود في بعض طرقه عند الطبراني في الأوسط في ديني ودنياي. وفي حديث أبي أيوب في دنياي وآخرتي

(قوله ومعادي) أي ما يعود إليه يوم القيامة من جزاء الأعمال

(قوله وعاقبة أمري) المراد به الآخرة فهو تأكيد لما قبله

(قوله فاقدره لي الخ) يروى بضم الدال وكسرها أي اقض لي به أو اجعله مقدورًا لي وهيئه له وأكثر الخير والبركة فيما أقدرتني عليه ويسرته لي

(قوله وإن كنت تعلمه شرًا لي الخ) ذكره وإن كان معلومًا مما قبله لأن الدعاء مقام إطناب

(قوله مثل الأول) أي قال فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل قوله الأول، وقد صرح به في رواية البخاري والنسائي، ففيهما "وإن كنت تعلم أن هذا خاطري عنه ولا تجعلني مشغولًا به وحل يبني وبينه ولا تيسره لي

(قوله ثم رضي به) أي اجعلني راضيًا به، وفي بعض النسخ ثم ارضني به. وفي رواية الطبراني من حديث ابن مسعود ورضني بقضائك

(قوله أو قال في عاجل أمري وآجله) شك من الراوي أي قالها بدل قوله في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري وقيل أو في الموضعين للتخيير، أي إن شئت قلت معاشي وعاقبة أمري أو قلت عاجل أمري وآجله وعاجل الأمر يشمل الديني والدنيوي والآجل يشملهما والعاقبة ولم يذكر في الحديث ما يفعله المستخير بعد الصلاة والدعاء

(قال النووي) ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره بها فلا يعتمد علي انشراح كان له قبل الاستخارة بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا وإلا فلا يكون مستخير الله بل يكون مستخيرًا لهواه اهـ

فإن لم ينشرح لشيء فقيل يكرر ذلك ثلاثًا أخذًا من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال "إذا هممت بأمر فاستخر ربك في سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه" وهو ضعيف لأن في سنده إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك: قد ضعفه ابن عدي والأزدي والعقيلي وقال: كان يحدث عن الثقات بالأحاديث الباطلة. وقال ابن حبان كان يحدث عن الثقات بالموضوعات لا يجوز ذكره إلا علي سبيل القدح فيه

(قوله قال ابن مسلمة الخ) غرضه بهذا أن عبد الله مسلمة ومحمد بن عيسي قالا في روايتهما عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بالعنعنة بخلاف عبد الرحمن ابن مقاتل فإنه قال في روايته حدثني محمَّد بن المنكدر أنه سمع جابرًا

ص: 200

(فقة الحديث) دل الحديث علي شفقته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي أمته وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. وعلي مشروعية الاستخارة في الأمور العظيمة. وقد روى الحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا "من سعادة ابن آدم كثرة استخارة الله ورضاه بما قضي الله، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله وسخطه بما قضى الله " قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمَّد ابن أبي حميد، وليس بالقوي عند أهل الحديث اهـ.

ودل الحديث علي أن العبد ينبغي له أن يفوض إلى الله جميع أموره ويبرأ من حوله وقوته

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي والببيهقي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح غريب لا يرفع إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الموال وهو شيخ مدني ثقة روى عنه غير واحد من الأئمة اهـ

وكذا صححه أبو حاتم، وضعفه أحمد لأن فيه عبد الرحمن بن أبي الموال وحديثه منكر في الاستخارة. لكن قد علمت أن غير واحد وثقه ولذا صحح الترمذي وأبو حاتم الحديث وقال ابن أبي عدي روي حديث الاستخارة غير واحد من الصحابة كما رواه ابن أبي الموال وقد جاء في رواية أبي أيوب وأبي سعيد وأبي هريرة وابن مسود وغيرهم وليس في حديث واحد منهم ذكر الصلاة إلا في حديث أبي أيوب ولم يقيد بركعتين ولا بقوله من غير الفريضة اهـ

(باب في الاستعاذة)

أي التحصن مما يضر في الدنيا والآخرة

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ خَمْسٍ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَسُوءِ الْعُمْرِ وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ.

(ش)(وكيع) بن الجراح. و (إسراءيل) بن يونس و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي تقدم بالثاني صفحة 34

(وقوله يتعوذ من خمس) اسم العدد لا مفهوم له فلا ينافي أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتعوذ من أشياء أخر كما سيأتي في الأحاديث

(قوله من الجبن والبخل) الجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضعف القلب ومهابة الأشياء وهو مصدر جبن من باب قرب. والبخل بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة مصدر بخل من باب قرب، ويكون أيضًا بفتح الباء قرب. والبخل بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة مصدر بخل من باب قرب، ويكون أيضًا بفتح الباء والخاء مصدر بخل من باب تعب، وهو في العرف منع الواجب من الأموال وعند العرب منع السائل

ص: 201

مما يفضل عنده. واستعاذ صلي الله عليه وآله وسلم من الجبن والبخل لما فيهما من التقصير عن القيام بحقوق الله وإزالة المنكر والإغلاظ علي العصاة، فإن الجبان لا يقدم علي فريضة القيام بالحقوق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبشجاعة النفس وقوتها تتم العبادات وينصر المظلوم، وبالسلامة من البخل يقوم الإنسان بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ومكارم الأخلاق ولا يطمع فيما ليس له

(وقوله وسوء العمر) كناية عن الهرم والضعف إلى حد يكون الإنسان معه كالطفل في قلة الفهم وضعف القوة

(قوله وفتنة الصدر) يعني القلب: والمراد بفتنته ما يحصل فيه من الوساوس الشيطانية والهم إلى المعاصي واكتساب الآثام وما ينطوي عليه من القساوة والحقد والحسد والعقائد الباطلة والأخلاق السيئة. وقال ابن الجوزي فتنة الصدر موت صاحبه غير تائب. وقال الطيبي هو الضيق المشار إليه بقوله (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا) وسببه التعلق بحطام الدنيا. والإعراض عن عمل الآخرة، واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فتنة القلب لأن بفساده يفسد الجسد كله كما أنه بصلاحه يصلح الجسد كله ومن ثم قيل: إن القلب كالملك والجسد والأعضاء كالرعية، والرعية تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده، وأيضًا هو كالأرض وحركات الجسد كالنبات، فإذا طابت الأرض طاب نباتها وإذا خبثت خبث نباتها قال الله تعالى "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا"

(قوله وعذاب القبر) تقدم الكلام عليه مستوفى في "باب الدعاء في الصلاة"

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".

(ش) المعتمر بن سليمان. و (أبوه) سليمان بن طرخان التيمي

(قوله من العجز والكسل عدم انبعاث النفس إلى الخير وقلة الرغبة فيه. والجبن عد الإقدام على مخالفة النفس والشيطان والتقاعس عن قتال الأعداء. والهرم بفتح الهاء والراء مصدر هرم من باب تعب كبر السنّ والضعف حتى لا يقدر على فعل الخير

(قوله وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت. وهو من ذكر العام بعد الخاص. وفتنة الممات قيل هي فتنة القبر وقيل الفتنة عند الاحتضار وتقدم الكلام عليهما في "باب الدعاء في الصلاة" من الجزء الخامس

ص: 202

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي

(ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -قَالَ سَعِيدٌ الزُّهْرِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَضَلْعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". وَذَكَرَ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ التَّيْمِيُّ.

(ش)(قوله قال سعيد الزهري) أي قال سعيد بن منصور في روايته حدثنا يعقوب ابن عبد الرحمن الزهري بزيادة لفظ الزهري

(قوله من الهم والحزن) الهم الخوف مما يتوقع حصوله في المستقبل، والحزن بفتح الحاء والزاي أو بضم الحاء وسكون الزاي الأسف على ما فات من خيري الدنيا والآخرة

(قوله وضلع الدين) يعني ثقله، والضلع بفتحتين مصدر ضلع من باب تعب الاعوجاج ، ويكون أيضًا بفتح الضاد ويكون اللام مصدر ضلع من باب نفع والمراد به ثقل الدين وشدته. وفي بعض النسخ وظلع بالظاء المعجمة وسكون اللام وهو في الأصل العرج. وسمي ثقل الدين ضلعًا لأنه يميل بصاحبه عن طريق الاستواء، وهذا يكون عند العجز عن الوفاة وإلحاح رب الدين في الطلب

(قوله وغلبة الرجال) يعني الأعداء وهو من الإضافة إلى الفاعل أو المفعول، ففيه الإشارة إلى التعوذ من أن يكون ظالمًا أو مظلومًا والتعوذ من الجاه المفرط والذل المهين، قال الكرماني هذا الدعاء من جوامع الكلم لأن أنواع الرذائل نفسية وبدنية وخارجية بحسب القوى العقلية والغضبية والشهوية، فالهم والحزن متعلقان بالعقلية، والجبن بالغضبية، والبخل بالشهوية، والعجز والكسل بالبدنية، والضلع والغلبة بالخارجية، فالأول مالي والثاني جاهي. وفي رواية للنسائي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء"

(قوله وذكر بعض ما ذكره التيمي) يعني ذكر يعقوب بن عبد الرحمن في حديثه هذا بعض ما ذكره سليمان بن طرخان التيمي في حديثه السابق

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي والترمذي

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ

ص: 203

السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".

(ش) هذا الحديث تقدم في "باب ما يقول بعد التشهد " بالسادس. و (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم بن تدرس

(قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) أي من امتحانه واختباره، وسمي مسيحًا لأنه ممسوح العين، والدجال مبالغة من الدجل، وهو الخلط والتغطية، واستعاذ صلى الله عليه وسلم منه لينشر خبره فيحذره الناس وتقدم تمام الكلام علي مثل هذا الدعاء بالخامس في "باب الدعاء في الصلاة"

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا عِيسَى نَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ الْغِنَى وَالْفَقْرِ".

(ش)(عيسي) بن يونس. و (هشام) بن عروة

(قوله من فتنة النار) يعني من الأعمال السيئة التي تكون سبب الدخول للنار

(قوله ومن شر الغنى) كإنفاق المال في غير وجهه والبخل به ومنع الحقوق الواجبة فيه والتفاخر به

(قوله والفقر) أي ومن شر فتنة الفقر كالسخط وعدم الرضا به وقلة الصبر والوقع في الحرام. وللفقر معان قلة المال وهو المعني بقوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء" وفقر النفس وهو شرهها وطمعها وهو المعني بقولهم "من عدم القناعة لم يفده المال غنى" وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن المال "ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع" رواه البخاري عن حكيم بن حزام وهما المرادان في الحديث. والثالث الفقر إلى الله تعالى وهذا عام في جميع الخلق وهو المشار إليه بقوله تعالى (يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) الآية

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه مطولًا بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهم فإني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر ومن شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم فإني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ

ص: 204

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ".

(ش)(حماد) بن سلمة

(قوله أعوذ بك من الفقر) أي من قلة المال يقال فقر من باب تعب إذا قل ماله، ويحتمل أن يراد به فقر النفس وهو عدم القناعة

(قوله والقلة) تفسير للفقر إن أريد به فقر المال، وإن أريد به فقر النفس كان مغايرًا له، وإنما يستعاذ من الفقر إذا لم يصحبه رضا به أما إن صحبه رضا فممدوح. وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة، وهو ما كانت الأنبياء عليه الصلاة والسلام تفتخر به ثم من بعدهم من الصالحين

(قوله والذلة) بكسر الذال أي المذلة والمسكنة لغير الله تعالى

(قوله وأعوذ بك من أن أظلم أو اُظلم) أي من أن أظلم غيري أو يظلمني أحد. فالفعل الأول مبني للفاعل والثاني مبني للمفعول. والظلم لغة وضع الشيء في غير موضعه. وشرعًا مجاوزة الحد أو التصرف في ملك الغير بدون حق

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي من طريق حماد. وأخرجه أيضًا هو وابن ماجه من طريق جعفر بن عياض عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم قال: تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تظلم أو تظلم

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْفٍ نَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحْوِيلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".

(ش)(رجال الحديث)(ابن عوف) محمَّد الطائي تقدم بالأول صفحة 173 و (عبد الغفار بن داود) بن مهران بن زياد بن رواد البكري أبو صالح الحراني. روي عن يعقوب بن عبد الرحمن وعيسي بن يونس ونوح بن قيس وإسماعيل بن عياش وغيرهم. وعنه البخاري وأبو زرعة وحرملة بن يحيى وعثمان الدارمي وابن معين وآخرون، قال أبو حاتم صدوق لا بأس به ووثقه ابن حبان وقال ابن يونس كان ثقة ثبتًا حسن الحديث. مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله من زوال نعمتك) أي الدينية والدنيوية النافعة في الأمور

ص: 205

الأخروية

(قوله وتحويل عافيتك) وفي نسخة وتحول بتشديد الواو المضمومة أي تبدل ما رزقتني من الصحة إلى الأمراض والأسقام. والفرق بين الزوال والتحول أن الزوال يقال في شيء قائم بغيره ثم فارقه من غير بدل. والتحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره مع البدل فزوال النعمة ذهابها من غير بدل، وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض

(قوله وفجأة نقمتك) أي بغتتها وفجأة بفتح الفاء وسكون الجيم، وروي فجاءة بضم الفاء والمد يقال فاجأة مفاجأة إذا بغته من غير تقدم سبب. والنقمة بكسر النون وفتحها مع سكون القاف فيهما العقوبة، ومنه قوله تعالى "فينتقم الله منه" أي يعاقبه. واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فجأة النقمة لا من النقمة مطلقًا لأن فجأتها أشد من نزولها تدريجيًا

(قوله وجميع سخطك) أي وجميع أسباب غضبك. والسخط بفتحتين مصدر سخط من باب تعب، والسخط بالضم اسم منه الغضب وهو من ذكر العام بعد الخاص

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نَا بَقِيَّةُ نَا ضُبَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّلِيكِ عَنْ دُوَيْدِ بْنِ نَافِعٍ نَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأَخْلَاقِ".

(ش)(رجال الحديث)(بقية) بن الوليد تقدم بالثاني صفحة 173. و (ضبارة) بضم ففتح (ابن عبد الله) بن مالك (بن أبي السليك) بفتح السين وبالكاف. وفي بعض النسخ السليل باللام الحضرمي أبو شريح الحمصي. روى عن دويد بن نافع وأبي الصلت. وعنه ابنه محمَّد وبقية بن الوليد وإسماعيل بن عياش. قال ابن القطان مجهول وقال ابن حبان يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه. روي له النسائي وابن ماجه وأبو داود والبخاري في الأدب و (دويد بن نافع) الأموي مولاهم أبو عيسي الدمشقي. روى عن أبي صالح السمان وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والزهري. وعنه ابنه عبد الله وضبارة بن عبد الله والليث وثقه الذهلي والعجلي وقال ابن حبان مستقيم الحديث إذا كان دونه ثقة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله أعوذ بك من الشقاق والنفاق) أي من الخلاف والعداوة ومجانبة طريق الحق ومن أن أضمر الكفر وأظهر الإِسلام ومن أن أرائي في أعمالي. فالنفاق يعم الاعتقاديّ والعملي

(قوله وسوء الأخلاق) عطف عام علي خاص من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأخلاق السيئة. والأخلاق جمع خلق وهو ملكة راسخة في النفس

ص: 206

تصدر عنها الأفعال بسهولة، فإن صدر عنها المحمود عقلًا وشرعًا فهي الخلق الحسن والإ فالخلق السيئ

(وفي الحديث) دليل على أن الشقاق والنفاق أقبح الأخلاق السيئة لأن ضررهما يتعدي إلى الغير

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ".

(ش)(ابن إدريس) عبد الله. و (ابن عجلان) محمَّد. و (المقبري) سعيد بن أبي سعيد تقدم بالثالث ص 25

(قوله أعوذ بك من الجوع) أي من ألم الجوع الحاصل من منع الطعام وخلو المعدة من الغذاء. واستعاذ صلى الله عليه وعلى آله وسلم منه لظهور أثره في قوى الإنسان الظاهرة والباطنة ومنعه الطاعات

(قوله فإنه بئس الضجيع) أي المضاجع ، والضجيع ما يلازم صاحبه في المضجع. وأطلق علي الجوع ضجيعًا للزومه للإنسان ليلًا ونهارًا في النوم واليقظة وفي ذمه إشارة إلى أن المراد الجوع الذي يضر الإنسان ويضعفه عن العبادة

(قوله وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) وفي نسخة بئس البطانة، والخيانة ضد الأمانة. وقال الطيبي هي مخالفة الحق بنقض العهد في السر، والعهد شامل لجميع التكاليف الشرعية، والبطانة في الأصل ضد الظهارة في الثوب. والمراد بها هنا ما يبطنه الإنسان من الشر، وتطلق أيضًا على صاحب سر الرجل وداخله أمره الذي يشاوره في أحواله، ويصح إرادته هنا ويكون المعنى أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست الصاحب

(والحديث) أخرجه النسائي. وأخرجه الحاكم ضمن حديث ابن مسعود

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ".

(ش)(رجال الحديث)(عباد بن أبي سعيد) المقبري. روى عن أبيه وأبي هريرة. وعنه أخوه سعيد. روي له أبو داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث فقط. وثقه محمَّد بن عبد الرحيم

ص: 207

وذكره ابن خلفون في الثقات

(معنى الحديث)

(قوله من علم لا ينفع) أي لا ينفع صاحبه لا في الدنيا بالعمل به ولا في الآخرة بالثواب عليه. واستعاذ صلى الله عليه وآله وسلم منه لأنه يكون حسرة على صاحبه ويلقى به في النار فقد روى الشيخان أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه "أمعاؤه" فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون يا فلان ما شأنك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه.

ورويا أيضًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون.

وروى الطبراني بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضئ للناس ويحرق نفسه.

وروى الطبراني في الصغير والأوسط من رواية الحارث الأعور عن علي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إني لا أتخوف على أمتي مؤمنًا ولا مشركًا: فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره، ولكن أتخوف عليكم منافقًا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.

ويدخل في قوله تعالى. كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وقوله " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" الآية وأيضًا فإن مقصود من يأمر غيره بالخير إرشاده إلى ما فيه فلاحه شفقة عليه وليس من الحزم أن يشفق الإنسان علي غيره ويدع نفسه. وأيضًا كل واعظ يرغب في أن يكون وعظه نافعًا في القلوب مؤثرًا فيها وبإقدامه على المعصية تنفر القلوب عن قبول وعظه ففعله يقلب عليه غرضه.

وأيضًا فإن من وعظ الناس ولم يتعظ يكون سببًا لرغبة الناس في المعصية لأنهم يقولون إنه مع علمه فعل كذا فلولا أنه مطلع على رخصة فيه لما أقدم عليه بعد نهيه عنه، فيصير بذلك داعيًا إلى التهاون بالدين والجرأة علي المعصية وعدم المبالاة بها. قال علي رضي الله تعالى عنه "قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك" أي لأن كلا من هذين فتنة في الدين، فالعالم المتهتك الذي لا يعمل بعلمه يفتن الناس بفعله لأن اقتداءهم بفعل العالم ربما يكون أكثر من اقتدائهم بقوله. والجاهل المتنسك المنقطع للعبادة علي جهل يفتن الناس بجهله فإنه لتنسكه تميل الناس إليه ويقتدون به فيعم جهله كل من اقتدى به.

وروى ابن مردويه أن رجلًا قال يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقال أبلغت ذلك؟ قال أرجو ، قال إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل، قال وما هن قال قوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" أحكمت هذه؟ فقال لا، قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أحكمت هذه؟ قال لا، قال

ص: 208

فالحرف الثالث، قال قول العبد الصالح شعيب عليه السلام "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد الإ الإصلاح ما استطعت" أحكمت هذه؟ قال لا قال فابدأ بنفسك

(قوله ومن قلب لا يخشع) أي وأعوذ بك من قلب لا يخضع عند ذكر الله ولا ينقاد للأحكام الشرعية وقد حذر الله تعالى من قساوة القلوب وعدم خشوعها بنحو قوله تعالى "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين"

(قوله ومن نفس لا تشبع) أي نفس حريصة على الدنيا لا تشبع منها ولا ترضى بما قسم الله لها

(قوله ومن دعاء لا يسمع) يعني لا يستجاب فكأنه لعدم إجابته غير مسموح حيث لم يترتب عليه الفائدة المقصودة منه

(وفي الحديث) جواز السجع في الدعاء، وما قيل من أنه مذموم فيه فمحمول على ما إذا كان بتكلف لأنه يذهب الخشوع ويلهي عن الإخلاص وفراغ القلب بخلاف ما إذا كان بلا تكلف ولا إعمال فكر

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه، وأخرج مسلم من حديث زيد بن أرقم أتم منه وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وقال حديث صحيح غريب من هذا الوجه

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ أُرَى أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ نَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ صَلَاةٍ لَا تَنْفَعُ". وَذَكَرَ دُعَاءً آخَرَ.

(ش)(المعتمر) بن سليمان. و (أبو المعتمر) سليمان بن طرخان

(قوله أرى أن أنس ابن مالك) أي أظن أن أنس بن مالك الخ فأرى بضم الهمزة مبني للمفعول

(قوله أعوذ بك من صلاة لا تنفع) أي لا تقبل ولا يكون لي فيها ثواب

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهِ قَالَتْ كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ".

(ش)(رجال الحديث)(جرير) بن عبد الحميد. و (فروة ابن نوفل) الأشجعي الكوفي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا

ص: 209

وعن أبيه وعائشة وعلي بن أبي طالب. وعنه هلال بن يساف وأبو إسحاق السبيعي ونصر بن عاصم وشريك بن طارق. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. روى له مسلم وأبو داود النسائي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله من شر ما عملت) أي من شر ما اكتسبته مما يقتضي العقوبة في الدنيا والآخرة

(قوله ومن شر ما لم أعمل) أي أتحصن بك من أن أعمل في المستقبل ما لا يرضاه الله تعالى. واستعاذ من هذا تعليمًا للأمة ولبيان أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. وقيل استعاذ من أن يصيبه شر عمل غيره قال تعالى. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم وابن ماجه والنسائي

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ح وَنَا أَحْمَدُ نَا وَكِيعٌ -الْمَعْنَى- عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ بِلَالٍ الْعَبْسِيِّ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ - قَالَ- قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً قَالَ "قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي".

(ش)(رجال الحديث)

(قوله المعنى) أي معنى حديث محمَّد بن عبد الله ووكيع واحد

و(سعد بن أوس) أبو محمَّد العبسي الكوفي. روى عن الشعبي وبلال بن يحيى وعنه محمَّد ابن عبد الله بن الزبير ووكيع وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى. ضعفه الأزدي وقال ابن معين لا بأس به ووثقه العجلي وقال في التقريب ثقة لم يصب الأزدي في تضعيفه. روى له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه.

و(بلال العبسي) بن يحيى الكوفي. روى عن علي وحذيفة وأبي بكر بن حفص وشتير بن شكل، وعنه سعد بن أوس والليث بن أبي سليم وحبيب بن سليم قال ابن معين لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب صدوق الثالثة. روى له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه.

و(شتير) بالتصغير (بن شكل) بفتحتين ابن حميد العبسي أبو عيسي الكوفي. روى عن أبيه وأمه وعلي وابن مسعود وحفصة وعنه بلال بن يحيى والشعبي وأبو الضحى وعبد الله بن قيس. وثقه النسائي والعجلي وابن سعد وقال قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روي له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه

و(أبوه) شكل بن حميد العبسي. روي عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه شتير لا غير. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب

(قوله قال في حديث أبي أحمد إلخ) أي قال أحمد بن حنبل في روايته عن أبي أحمد "محمَّد بن عبد الله"

ص: 210

عن أبيه "شكل بن حميد" بزيادة شكل بن حميد بعد لفظ أبيه ولم يذكره وكيع في حديثه

(معنى الحديث)

(قوله من شر سمعي) أي بأن لا أسمع حقًا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبأن أسمع الزور والبهتان وسائر أسباب العصيان

(قوله ومن شر بصري) أي بأن انظر إلى ما لا يحل النظر إليه، ومن النظر علي وجه الاحتقار لا أحد، أو أهمل النظر فيما يطلب النظر إليه

(قوله ومن شر لساني) أي بأن أتكلم فيما لا يجوز أو فيما لا يعنيني

(قوله ومن شر قلبي) بأن أشغله بغير الله أو بما نهى عنه من حقد وحسد وعجب ونحو ذلك من الآفات

(قوله ومن شر منيي) أي بأن أوقعه في غير محله المشروع له أو يوقعني في مقدمات الزنا من النظر واللمس ويحتمل أن يراد بالمني الفرج الذي هو محله

(والحديث) أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا".

(ش)(رجال الحديث)(صيفي) بن زياد الأنصاري (مولي أفلح) ويقال مولى أبي السائب. روى عن أبي السائب وأبي سعيد الخدري وأبي اليسر. وعنه ابن عجلان وسعيد المقبري ومالك وسعيد بن أبي هلال وابن أبي ذئب. وثقه النسائي وقال في التقريب ثقة من الرابعة روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وفرق النسائي بين مولى أفلح ومولي أبي السائب فجعل أحدهما كبيرًا والآخر صغيرًا فالكبير روي عن أبي اليسر. وعنه محمَّد بن عجلان فهو المراد هنا والصغير روى عن أبي السائب. وعنه مالك وصوب الذهبي هذه التفرقة.

و(أبو اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة كعب بن عمرو بن عباد عن عمرو بن غزية الأنصاري السلمي. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابن عمار وموسى بن طلحة وعبادة بن الوليد وحنظلة بن قيس شهد العقبة وبدرًا. توفي سنة خمس وخمسين. قيل إنه آخر من مات من أهل بدر. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب

ص: 211

(معنى الحديث)

(قوله من الهدم) أي من أن يسقط عليّ بناء وهو بفتح الهاء وسكون الدال المهملة مصدر هدم من باب ضرب يقال: هدمت البناء أسقطته، والهدم بفتحتين ما تعدم

(قوله ومن التردي) أي السقوط من مكان مرتفع نحو جبل أو السقوط في نحو بئر

(قوله ومن الحرق) بفتحتين وقد تسكن الراء من الإحراق يطلق علي النار أو لهبها

(قوله وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان الخ) أي يفسد عليّ ديني وعقلي عند الموت بأن يستولي عليه الشيطان عند مفارقة الدنيا فيضله ويحول بينه وبين التوبة ويعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله أو يؤيسه من رحمة الله تعالى أو يكره الموت ويتأسف علي حياة الدنيا فلا يرضى بما قضاه الله عليه من الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة فيختم له بالسوء ويلقى الله وهو ساخط عليه. قال الخطابي قد روي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن آدم منه في حال الموت: يقول لإخوانه دونكم هذا فإنه إن فاتكم اليوم اليوم لم تلحقوه اهـ

(قوله وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرًا) أي فارًّا من صف القتال غير محتال على العدو أو غير متحيز إلى جماعة من المسلمين، أو مدبرًا عن ذكرك ومقبلًا علي غيرك

(قوله وأعوذ بك من أن أموت لديغًا) أي ملدوغًا، فلديغ فعيل بمعني مفعول وهو ما لدغه عقرب أو حية أو غيرهما من ذوات السموم. واستعاذته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أن يموت لديغًا لا تنافي حصول لدغ لا يموت به. فقد روى ابن أبي شيبة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لدغته عقرب وهو يصلي فقال لعن الله العقرب لا تدع نبيًا ولا غيره ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها "أي على موضع لدغها" ويقرأ قل يأيها الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وبه عرف ما يداوى به لدغ العقرب. وأن من لدغ يتسلى به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الهدم والتردي والغرق والحرق واللدغ وإن كان من مات بها يموت شهيدًا لأنها لقوة وقعها لا يكاد الإنسان يصبر عليها فربما ينتهز الشيطان هذه الفرصة فيضره في دينه

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي مَوْلًى لأَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ زَادَ فِيهِ "وَالْغَمِّ".

(ش)(عيسى) بن يونس. و (مولى أبي أيوب) هو صيفي مولى أفلح. وأفلح مولى لأبي أيوب كما تقدم فوصف صيفي بأنه مولى لأبي أيوب باعتبار كونه مولى لمولاه

(قوله وزاد الخ) أي زاد الرازي في روايته على عبيد الله بن عمر قوله وأعوذ بك من الغم

ص: 212

أي الكرب يقال غمه فاغتم إذا أحزنه

(ولم نقف) على من أخرج هذا الحديث من هذا الطريق وأخرجه أحمد من طريق أبي ضمرة قال حدثني عبد الله بن سعيد عن جده أبي هند صيفي عن أبي اليسر: فزاد عن جده أبي هند

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ".

(ش)(حماد) بن سلمة و (قتادة) بن دعامة

(قوله من البرص) بالتحريك مصدر برص من باب فرح، وهو بياض يظهر في ظاهر البدن يكون من فساد المزاج

(قوله والجنون) أي زوال العقل الذي هو منشأ الخيرات العلمية والعملية

(قوله والجذام) بوزن غراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها، وربما انتهي إلى سقوط الأعضاء

(قوله ومن سيئ الأسقام) أي الأسقام السيئة التي تكون سببًا لخلل في عقل الإنسان وبدنه كالسل والاستسقاء والأمراض المزمنة. فهو من ذكر العام بعد الخاص: واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأشياء لأنها عاهات يظهر بها الشين وتنتهي بصاحبها إلى حد يفر منه الصديق ويقل معه المؤانس والمداوي فليست كسائر الأمراض والعاهات. قال الطيبي وإنما لم يتعوذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأسقام مطلقًا لأن بعضها تخف مؤنته وتكثر مثوبته عند الصبر عليها مع عدم إزمانها كالحمى والصداع والرمد

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ أَنَا غَسَّانُ بْنُ عَوْفٍ أَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ "يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ". قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ". قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "قُلْ إِذَا

ص: 213

أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ". قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.

(ش)(رجال الحديث)(أحمد بن عبيد الله) ويقال عبد الله مكبرًا ابن سهيل ابن صخر أبو عبد الله البصري. روى عن أبيه وأبي أسامة والوليد بن مسلم وأبو بحر البكراوي وغيرهم. وعنه البخاري وأبو داود وأبو زرعة ويعقوب ابن شيبة وأبو حاتم وقال صدوق. قيل مات سنة أربع أو سبع وعشرين ومائتين

و(الغداني) بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال نسبة إلى غدانة حي من يربوع.

و(غسان بن عوف) المازني البصري. روى عن سعيد الجريري. وعنه أحمد بن عبيد الله الغداني ومحمد بن جامع العطار. روى له أبو داود وقال هو شيخ بصري وضعفه الساجي والأزدي وقال العقيلي لا يتابع على كثير من حديثه وفي التقريب لين الحديث من الثالثة

و(الجريري) سعيد بن إياس تقدم بأول ص 313 و (أبو نضرة) المنذر بن مالك تقدم بالثالث ص 272

و(أبو أمامة) إياس بن ثعلبة البلوي ويقال عبد الله بن ثعلبة بن عبد الله حليف بني حارثة. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بدر من أجل أمه، فلما رجع وجدعا ماتت فصلى عليها

(معنى الحديث)

(قوله هموم لزمتني) أي سبب جلوسي في المسجد الآن غموم وديون لزمتني فالتجأت إلى الله في بيته. وتقدم شرح باقي الألفاظ ضمن الأحاديث السابقة، واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأمور كلها إظهارًا للعبودية وتعليما للأمة

(وفي هذه الأحاديث) دلالة علي مشروعية الدعاء والتعوذ ، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء وأهل الفتوي في جميع الأمصار والأعصار. وذهبت طائفة إلى أن يترك الدعاء والاستسلام للقضاء أفضل، واستدلوا بما أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه. وتقدم للصنف في "باب الدعاء" عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي (الآية)

وقالوا إن المراد بالدعاء في الآية العبادة لقوله تعالى إن الذين يستكبرون علي عبادتي. وأجاب الجمهور عنه بأن المراد منه المبالغة في الدعاء بأنه من أعظم العبادة فهو على حد قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. الحج عرفة. والدين النصيحة ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أنس مرفوعًا. الدعاء مع العبادة.

ص: 214