الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب في المعوذتين)
بكسر الواو وتفتح أي في بيان فضل قل أعوذ برب الفلق وقيل أعوذ برب الناس
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَاقَتَهُ في السَّفَرِ فَقَالَ لِي "يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا". فَعَلَّمَنِي (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قَالَ فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلَاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الصَّلَاةِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ "يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ".
(ش)(ابن وهب) عبد الله. و (معاوية) بن صالح تقدم بالأول صفحه 332
و(القاسم) بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي تقدم بالرابع صفحه 250
(قوله إلا أعلمك خير سورتين) أي إلا أعلمك سورتين هما من أفضل السور. وليس المراد انهما أفضل السور على الإطلاق إذ هناك ما يساويهما أو يزيد عليهما وقيل هما يزيان على غيرهما من السور في باب التعويذ إذ لم توجد سورة كلها تعويذ إلا هاتين السورتين
(قوله فلم يرني سررت بهما جدًا) أي سرورًا كثيرًا. والنفي راجع إلى الصفه التي هي كثرة السور لا إلى أصل السرور لأنه حاصل. ولعل عقبة لم يكثر سروره بهما لأنه كان يريد سورتين أطول منهما كما يشعر به رواية النسائي عنه قال: اتبعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت اقرئني يا رسول الله سورة هود وسورة يوسف فقال لم تقرأ شيئًا أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
(قوله فقال يا عقبة كيف رأيت) يعني كيف كيف حال هاتين السورتين عندك الآن بعد أن رأيتني صليت بهما الصبح التي يقرأ فيها بالطوال. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك ترغيبًا له وتنبيهًا على فضل السورتين وتأكيدًا لقوله إلا أعلمك خير سورتين
(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وأخرج النسائي نحوه
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ بِ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وَيَقُولُ "يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا". قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا في الصَّلَاةِ.
(ش)(قوله بين الجحفة والأبواء) الجحفة بضم فسكون موضع بين مكة والمدينة قريب من رابغ وهي ميقات أهل مصر والشام سميت بذلك لأن السيل أجحف بأهلها أي ذهب بهم ويقال كان اسمها مهيعه وهي الآن خراب ولخفاء موضعها صار الناس يحرمون من رابغ: محل مشهور قبلها على ساحل البحر الأحمر، والأبواء وزان أفعال موضع بين مكة والمدينة قريب من الجحفة من جهه الشمال دون مرحلة
(قوله إذ غشيتنا ريح الخ) أي جاءتنا ريح وظلمة شديدة سترتنا
(قوله فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ الخ) أي شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحصن بسورة قل أعوذ برب الفلق وسورة قل أعوذ برب الناس
(قوله يا عقبة تعوذ بهما الخ) أي تحصن بهاتين السورتين لأنه ما تحصن بمثلهما. واختصتا بذلك لاشتمالها على الجوامع في المستعاذ به والمستعاذ منه. أما الأول فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض رباني يزيل كل ظلمه في الاعتقاد أو العمل لأن الفلق الصبح وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق وذلك مناسب للمستعاذ به. وأما الثاني فلأنه في السورة الأولى ابتدأ في ذكر المستعاذ منه بالعام وهو شر كل مخلوق وهو شر كل مخلوق حي أو جماد فيه شر في البدن أو المال أو الدنيا أو الدين كإحراق النار ثم بالخاص اعتناء به لخفاء أمره إذ يلحق الإنسان من حيث لا يعلم لأن الظلمة التي تعقب ذلك تكون سببًا لصعوبة التحرز من الشر المسبب عنها ثم ذكر نفث الساحرات في عقدهن الموجب لسريان شرهن في الروح على أبلغ وجه وإخفائه فهو أدق من الأول، ثم ذكر شر الحاسد في وقت التهاب نار حسده لأنه حينئذ يسعى في إيصال أدق المكايد المذهبة للنفس والدين فهو أدق وأعظم من الثاني. وفي السورة الثانية خص شر الموسوس في الصدور من الجنة والناس لأن شره حينئذ يعادل تلك الشرور بأسرها لأنها إذا كانت في صدر المستعيذ ينشأ عنها كل كفر وبدعة وضلالة. ومن زاد التأكيد والمبالغه في جانب المستعاذ به إيذانًا بعظمة المستعاذ منه وكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقوته وهو الههم ومعبودهم الذي يستعيذون به ممن سواه ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إليه: وختم به لأنه
مختص به تعالى بخلاف الأولين فإنهما قد يطلقان على غيره. وسبب نزول هاتين السورتين كما قال المفسرون أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الحديبة في ذى الحجة ودخل المحرم سنه سبع وفرغ من غزوة خيبر جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان ساحرًا فقالوا أنت أسحرنا وقد سحرنا محمَّدًا فلم يؤثر فيه سحرنا شيئًا ونحن نجعل لك جعلًا على أن تسحره لنا سحرًا يؤثر فيه فجعلوا له ثلاثة دنانير فأتى غلامًا يهوديا كان يخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعدة أسنان من مشطه وأعطاها له فسحره بها وكان من جملة السحر صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد غرزوا بها إحدى عشرة إره وجعلوا فيها وترًا فيه إحدى عشرة عقدة فنزلتا وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما قرأ آية انحلت عقده وكلما نزع إبره وجد لها ألما في بدنه ثم يجد بعدها راحه فقد روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن عائشه رضي الله تعالى عنها قالت سحر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن يفعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليله دعا الله ثم دعا قال اشعرت يا عائشه أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت وما ذاك يا رسول الله. فقال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذى عند رأسي ما وجع الرجل؟ قال مطبوب؟ قال مطبوب (أي مسحور) قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر (أي وعاء طلع النخل) قال فأين هو؟ قال في بئر ذروان، قالت فأتاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أناس من أصحابه ثم قال يا عائشه والله لكأن ماءها نقاعة الحنا ولكأن نخلها رءوس الشياطين قالت فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته قال لا أما أنا فقد عفاني الله تعالى وكرهت أن أثير على الناس الشر فأمرت بها فدفنت اهـ وهذان الرجلان جبريل وميكائيل كما في رواية ابن مردويه عن ابن عباس
(وانكر بعضهم) حديث السحر زاعمين أنه غير لائق بالنبوة لأن تجويز السحر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤدي إلى عدم الثقه بما أتى به من الشرائع. إذ يحتمل أن يخيل إليه أنه يرى جبريل ويكلمه وليس كذلك (وهو مردود) بالأحاديث الصحيحه وإجماع الصحابة "وما وقع له" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من السحر "كان متعلقًا" بظاهر جسده لم يصل إلى قلبه وعقله، فهو من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى خلل في منصب النبوة كالأمراض غير المنفرة. قال القاضي عياض قد جاءت رويات حديث عائشه مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده الشريف وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده "ويكون" معنى ما في بعض الروايات حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن. وفي بعض أنه يخيل
إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله "أنه يظهر" له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهن اخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن كما يعتري المسحور "وكل" ما جاء في الروايات من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخيل إليه فعل الشيء ولم يفعله "محمول" على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل. وليس في ذلك ما يدخل لبسًا على الرسالة ولا طعنًا لأهل الضلالة. وكانت مدة سحره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعين يومًا، وقيل سته أشهر وقيل عامًا وهو المعتمد. "وقول القاضي عياض" قد جاءت روايات عائشه مبينة أن السحر إنما تسلط الخ "يشير به" إلى قول عائشه رضي الله عنها في حديث البخاري المتقدم دعا الله ثم دعا، وإلى قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "أشعرت يا عائشه أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفيته فيه" وإلى قول أحد الملكين للآخر في الحديث ما وجع الرجل قال مطبوب "فان دعاءه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقوله لعائشة أشعرت الخ وإخباره بما حصل من الملكين "دليل واضح" على أن السحر ما تسرب إلى قلبه وعقله بل كان متعلقًا بظاهر جسده فحسب
(وقال في روح المعاني) قال الإمام المأزري قد أنكر ذلك الحديث المبتدعه من حيث أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وإن تجويزه يمنع الثقه بالشرع "واجيب" بأن الحديث غير معارض للنص المسوق تشنيعًا على الكفار في وصفهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه مسحور وهو قوله تعالى (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) ولا يلزم على حديث عائشه حط منصب النبوة والتشكيك فيها لأن الكفار أرادوا بقولهم مسحورًا أنه مجنون، وحاشاه ولو سلم إراده ظاهره من أنه مسحور حقيقة لا مجنون فمقالتهم هذه كانت قبل هذه القصه أو مرادهم أن السحر أثر فيه وأن ما يأتيه من الوحي كان من تخليلات السحر (وهو كذب أيضًا) لأن الله تعالى عصمه فيما يتعلق بالرساله "وأما ما يتعلق" ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لاجلها وهي مما يعرض للبشر "فغير بعيد" أنه يخيل إليه من ذلك مالا حقيقة له، وقد قيل أنه إنما كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظه وقيل أنه كان يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحه ما تخيله فتكون اعتقاداته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على السداد "إلى أن قال" وبعضهم أنكر أصل السحر ونفى حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطله لا حقائق لها
(ومذهب أهل السنة) وعلماء الأمة على إثباته وأن له حقيقة كحقيقه غيره من الأشياء لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ببعض تصرف
(وقال في الهدى) قد أنكر سحر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طائفة من الناس وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصًا وعيبًا وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من الأمراض وإصابته به
كإصتبته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشه أنها قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "الحديث" اهـ إذا علمت ما تقدم تعلم رد ما قاله بعض المفسرين من أن الحديث معارض لقوله تعالى (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) وليس الأمر كما قال فإن المشركين قالوا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مسحورًا أي مجنون فما يصدر عنه هذيان فلا يعول عليه فنزلت الآية مكذبة لهم ومشنعة عليهم وصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا "وما يفيده" حديث عائشه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحر "كان" من قبيل الأمراض المتعلقة بظاهر البدن ولم تصل عقله وقلبه كما علمت فليس الحديث من قبيل مقالة المشركين كما قاله ذلك المفسر فهو غير معارض للآيه "فما أفاده كلامه"من أن الآية من قبيل المتواتر المقطوع به والحديث من قبيل الآحاد فيطرح العمل به ويعمل بالآيه "محله إذا لم" يمكن الجمع بينهما أما إذا أمكن كما هنا فيجب العمل بكل منهما
(فائده) السحر في اللغة مصدر سحر يسحر فتح العين فيهما إذا أبدى ما يدق ويخفى وهو من المصادر الشاذة ويستعمل فيما لطف وخفي سببه، والمراد به أمر غريب يشبه الخارق للعادة وليس به: إذ يحصل بالتعليم ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بارتكاب القبائح (قولًا) كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك ومدح الشيطان وتسخيره (وعملًا) كعبادة الكواكب والتزام الجنابة وانواع الفسوق (واعتقادًا) كاستحسان ما يوجب التقرب إلى الشيطان ومحبته وذلك لا يتسبب إلا فيمن يناسبه في الشر وخبيث النفس فان التناسب شرط التوافق والتعاون فكما أن الملائكه لا تعاون إلا خيار الناس المشبهين لهم في المواظبة على العبادة والتقرب إلى الله تعالى في القول والفعل كذلك الشيطان لا تعاون إلا الأشرار المشبهين لهم في الخباثة والنجاسة قولًا وفعلًا واعتقادًا، وبهذا يتميز الساحر عن النبي والولي فلا يرد ما قاله المعتزلة من أنه لو أمكن للإنسان من جهه الشيطان ظهور الخوارق والإخبار عن المغيبات لاشتبه طريق النبوة بطريق السحر
(وفسر) الجمهور السحر بأنه أمر خارق للعادة يظهر للعادة يظهر من نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة
(ومذهب أهل السنة) أن له وجودًا وحقيقة وأن العمل به كفر إذا اعتقد أن الكواكب هي المؤثرة في قلب الأعيان. وروي عن الشافعي أن قال السحر يخبل ويمرض ، وقد يقتل حتى أوجب القصاص على من قتل به، والأصح أن السحر يخبل ويؤثر في الأبدان بالأمراض والجنون والموت فالسحر بمنزله العلل في الأبدان، وأنه قد يبلغ الساحر إلى حيث يطير في الهواء ويمشي على الماء ويقتل النفس والفاعل الحقيقي في كل ذلك هو الله سبحانه وتعالى بتمكين الساحر من فلق البحر وإحياء الموتى وإنطاق العجماء وغير ذلك من آيات الرسل عليهم الصلاة والسلام.
(وأنكر) المعتزلة وبعض أهل السنة حقيقتة وقالوا إنما هو خيلالات
(وقد اختلف) العلماء في حكم العمل بالسحر: فالأكثرون على أنه كفر حتى قال العلامه التفتازاني
لا يروى خلاف في ذلك ولكن قال الشيخ أبو منصور ما محصله إن أدى السحر إلى ما يخل بالإيمان فهو كفر وإلا فلا
(وقالت المالكية) هو كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير والكائنات ، قال مالك وأصحابه رضي الله عنهم: الساحر كافر بالله تعالى فإذا سحر هو بنفسه قتل ولا يستتاب: لما أخرجه أحمد وعبد الرازق والبيهقي أن عمر رضي الله عنه قال اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلوا ثلاث سواحر. ولحديث جندب قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "حد الساحر ضربه بالسيف "رواه الترمذي وقال الصحيح عن جندب موقوفًا، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم وغيرهم ولما رواه مالك في الموطأ عن محمَّد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قتلت جاريه لها سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت. قال الباجي وقد روى نافع عن ابن عمر أن جارية لحفصة سحرت حفصة فوجدوا سحرها فاعترفت على نفسها فأمرت حفصة عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فأنكره فأتاه بن عمر فقال أنها سحرتها ووجدوا معها سحرها فاعترفت على نفسها فكأن عثمان أنكر عليها ما فعلت دون السلطان، فالساحر وإن كان يجب قتله فإنه لا يلي ذلك إلا السلطان
(وقال أبو حنيفة) في المشهور عنه أن الساحر يقتل مطلقًا إذا علم أنه ساحر ولا يقبل قوله أترك السحر وأتوب عنه لما تقدم من الأدله، فإن أقر بأني كنت أسحر مدة وقد تركت منذ زمان قبل منه ولم يقتل
(وقالت الحنابلة) السحر عقد ورقي وكلام يتكلم به فاعله أو يكتبه أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن مسحور أو قبله أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه عن وطئها، ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما في الآخر أو يحببه لقوله تعالى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} إلى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وحديث عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سحر حتى إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله وروى من أخبار السحرة ما لا يمكن التواطؤ على الكذب فيه، ولا يلزم منه إبطال معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن السحر لا يبلغ ما تأتي به الأنبياء من المعجزات فلا ينتهى إلى أن تسعى العصي والحبال وإن توهم ذلك: إنما يكون خيالًا فقط كما نطق بذلك القرآن الكريم، ويحرم تعلمه وتعليمه، وقد يكون كفرًا لمن اعتقد حله للإجماع على تحريمه بالكتاب والسنه، أو يعتقد أنه يعلم الأمور المغيبه، ويجوز حل السحر بالقرآن والذكر والكلام الذي لا بأس به
(وقال الشافعي) إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملًا دون الكفر فلم نر عليه قتلًا
(وقال في روح المعاني) اختلف في تعليمه وتعلمه فقيل كفر لقوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى
مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ففيها ترتيب الكفر على الوصف المناسب المشعر بالعلية وهو السحر، وأجيب بأنا لا نسلم أن في الآية ذلك المعنى لأن المعنى أن الشياطين كفروا وهم مع ذلك يعلمون الناس السحر، وقيل إنهما حرامان وبه قطع الجمهور وقيل مكروهان وإليه ذهب البعض. وقيل مباحان، والتعليم المساق للذم هنا محمول على التعليم للإغراء والإضلال وإليه مال الإمام الرازي، والحق عندي الحرمة تبعًا للجمهور إلا لداع شرعي اهـ. ببعض تصرف
(وقال في الروضة الندية) لا شك أن من تعلم السحر بعد اسلامه كان بفعل السحر كافرًا مرتدًا وحده حد المرتد. وقد ورد في الساحر بخصوصه أن حده القتل "ولا يعارض" ذلك ترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قتل لبيد بن الأعصم الذي سحره "فقد يكون ذلك" قبل أن يثبت أن حدّ الساحر القتل وقد يكون ذلك لأجل خشيه معرّة اليهود، وقد كانوا أهل شوكة حتى أبادهم الله وفل شوكتهم وأقلهم وأذلهم وقد عمل الخلفاء الراشدون على قتل السحرة وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد اهـ
(وفي حديثي عقبة اللذين في الباب) دلاله على أن المعوذتين من القرآن. وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما. فقد روى الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحه عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه: إنهما ليستا من كتاب الله تعالى وإنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. لكن يرده ما تقدم من الأحاديث وإجماع الصحابة على قرآنيتهما وإثباتهما في المصحف من غير نكير من أحد من عهد الصحابة فمن بعدهم. ويدل عليه أيضًا ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال أما والذي بعث محمَّدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك فقال لي قل فقلت، قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(قال في روح المعاني) وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين في إعجاز القرآن قال لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الإعجاز لتميز به عن غير القرآن فلم يختلف في كونه منه. وأنت تعلم أنه قد وقع الإجماع على قرآنيتهما، وقالوا إن إنكار ذلك اليوم كفر، ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك. وفي شرح المواقف أن اختلاف الصحابة في بعض سور القرآن مروي بالآحاد المفيده للظن، ومجموع القرآن منقول بالتواتر المفيد لليقين الذي يضمحل الظن في مقابلته فتلك الآحاد مما لا يلتفت إليه "ثم" إن سلمنا اختلافهم فيما ذكر "قلنا" إنهم لم يختلفوا في نزوله على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا في بلوغه في البلاغة حد الإعجاز، بل في مجرد كونه من القرآن وذلك لا يضر فيما نحن