المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الميت يسجى) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب في كم يقرأ القرآن)

- ‌(باب تحزيب القرآن)

- ‌(باب في عدد الآي)

- ‌(باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن)

- ‌(باب من لم ير السجود في المفصل)

- ‌(باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ)

- ‌(باب السجود في ص)

- ‌(باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة)

- ‌(باب ما يقول إذا سجد)

- ‌(باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح)

- ‌(باب استحباب الوتر)

- ‌ وقته

- ‌(باب فيمن لم يوتر)

- ‌(باب كم الوتر)

- ‌(باب ما يقرأ في الوتر)

- ‌(باب القنوت في الوتر)

- ‌(باب في الدعاء بعد الوتر)

- ‌(باب في الوتر قبل النوم)

- ‌(باب في وقت الوتر)

- ‌(باب القنوت في الصلوات)

- ‌(باب فضل التطوع في البيت)

- ‌(باب الحث على قيام الليل)

- ‌(باب في ثواب قراءة القرآن)

- ‌(باب ما جاء في آية الكرسي)

- ‌(باب في سورة الصمد)

- ‌(باب في المعوذتين)

- ‌(باب كيف يستحب الترتيل في القراءة)

- ‌(باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)

- ‌(باب الدعاء)

- ‌(باب التسبيح بالحصى)

- ‌(باب في الاستغفار)

- ‌(باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله)

- ‌(باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الدعاء بظهر الغيب)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا)

- ‌(باب الاستخارة)

- ‌(كتاب الجنائز)

- ‌(باب الأمراض المكفرة للذنوب)

- ‌(باب إذا كان الرجل يعمل صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر)

- ‌(باب عيادة النساء)

- ‌(باب في العيادة)

- ‌(باب في عيادة الذمي)

- ‌(باب المشي في العيادة)

- ‌(باب في فضل العيادة)

- ‌(باب في العيادة مرارًا)

- ‌(باب العيادة من الرمد)

- ‌(باب في الخروج من الطاعون)

- ‌(باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة)

- ‌(باب كراهية تمني الموت)

- ‌(باب موت الفجاءة)

- ‌(باب في فضل من مات بالطاعون)

- ‌(باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت)

- ‌(باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام)

- ‌(باب في التلقين)

- ‌(باب تغميض الميت)

- ‌(باب في الاسترجاع)

- ‌(باب الميت يسجى)

- ‌(باب الجلوس عند المصيبة)

- ‌(باب التعزية)

- ‌(باب الصبر عند المصيبة)

- ‌(باب في البكاء على الميت)

- ‌(باب في النوح)

- ‌(باب صنعة الطعام لأهل الميت)

- ‌(باب في ستر الميت عند غسله)

- ‌(باب كيف غسل الميت)

- ‌(باب في الكفن)

- ‌(باب كراهية المغالاة في الكفن)

- ‌(باب في كفن المرأة)

- ‌(فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها)

- ‌(باب في المسك للميت)

- ‌(باب تعجيل الجنازة)

- ‌(باب في تقبيل الميت)

- ‌(باب في الدفن بالليل)

- ‌(باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض)

- ‌(باب في الصفوف على الجنازة)

- ‌(باب اتباع النساء الجنائز)

- ‌(باب في النار يتبع بها الميت)

الفصل: ‌(باب الميت يسجى)

فَلْيَقُلْ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَأَبْدِلْ لِي خَيْرًا مِنْهَا".

(ش)(حماد) بن سلمة. و (ثابت) البناني

(قوله عمر بن أبي سلمة عن أبيه) وفي بعض النسخ عن أبي سلمة عن أبيه عبد الله بن عبد الأسد. وفي نسخه أخرى عن ابن عمر ابن أبي سلمة عن أبيه، وابن عمر اسمه محمَّد وعليها فالراوي عن أم سلمة ابنها عمر بخلاف النسختين الأوليين فالراوي عن أم سلمة زوجها

(قوله إذا أصاب أحدكم مصيبه الخ) وفي بعض النسخ أصابت أي أصابه مصيبة من فقد مال أو ولد أو غير ذلك حقيره كانت تلك المصيبة أو عظيمة فليقل "إنا لله وأنا إليه راجعون" أي مملوكون لله ومخلوقون له يتصرف فينا على ما أراد وإنا راجعون إليه في الدار الآخرة فيجازي كلا بما عمل والأمر فيه للندب

(قوله احتسب مصيبتي أي اطلب ثوابها وأدخره عندك

(قوله فأجرني فيها الخ) أي أعطني الأجر عليها وعوضني خيرًا منها: وأجرني أمر من أجره الله أجرًا من بابي قتل وضرب أي أثابه، وآجره بالمد كذلك

(وفي هذا) دلالة على الترغيب في الاسترجاع والدعاء بهذه الكلمات عند حصول المصيبة ومصداقه قوله تعالى "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي في عمل اليوم والليلة كما ذكره المنذري

(باب الميت يسجى)

وفي بعض النسخ "باب في الميت يسجى" أي يغطى

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سُجِّيَ فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ.

(ش)(عبد الرازق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (الزهري) محمَّد بن مسلم

(قوله سجي في ثوب حبرة) بوزن عنبة وهي ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط ويجمع على حبر وحبرات، ويقرأ بالوصف والإضافة يقال ثوب حبرة وثوب حبرة

(والحديث) يدل على مشروعية تغطية الميت: قال النووي في شرح مسلم وهو مجمع عليه: وحكمته صيانته من الانكشاف وستر جسده المتغير بموته عن الأعين، قال أصحابنا ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه، وتكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه اهـ ببعض تصرف

ص: 256

(والحديث) أخرجه مسلم والبيهقي وكذا البخاري مطولًا بسنده إلى أبي سلمة عن عائشة قالت: أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مسجى ببرد حبره فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها قال أبو سلمة: فأخبرني ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس فأبي فقال اجلس فأبى فتشهد أبو بكر رضي الله عنه فمال إليه الناس وتركوا عمر فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى "وما محمَّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. إلى الشاكرين" هو الله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس فما يسمع بشر إلا يتلوها

(باب القراءة عند الميت)

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْمَرْوَزِيُّ -الْمَعْنَى- قَالَا نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ -وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اقْرَءُوا (يس) عَلَى مَوْتَاكُمْ". وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْعَلَاءِ.

(ش)(رجال الحديث)(ومحمد بن مكي) بن عيسى أبو عبد الله. روى عن عمرو بن هارون وعبد الله بن المبارك والنضر بن محمَّد، وعنه أحمد بن يسار ويعقوب بن شيبة ومحمد بن أحمد بن أنس ومحمد بن عبد الوهاب العبدي. ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من العاشرة روى له أبو داود والنسائي. و (المروزي) نسبه إلى مرو على غير قياس مدينه بخراسان. و (أبو عثمان) ابن عثمان السكني قيل اسمه سعد. روى عن معقل بن يسار وأنس بن مالك وأنس بن جندل وعنه سليمان بن طرخان التيمي. قال ابن المديني لم يرو عنه غيره وهو مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه

(قوله وليس بالنهدي) أي أن أبا عثمان هذا غير أبي عثمان النهدي: فإن النهدي اسمه عبد الرحمن بن ملّ أسلم على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يلقه وقد تقدم. و (أبوه) عثمان السكني قال المنذر أبو عثمان وأبوه ليسا بمشهورين. و (معقل بن يسار) بن عبد الله أبو علي البصري المزني الصحابي كان ممن بايع تحت الشجرة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن النعمان بن مقرن

ص: 257

وعنه عمران بن حصين ومعاوية بن قرة والحكم بن الأعرج والحسن البصري وجماعة روى له أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي. مات بالبصره في اخر خلافه معاوية وقيل في عهد يزيد بن معاوية

(معنى الحديث)

(قوله اقرءوا يس على موتاكم) أي من حضره الموت لما رواه ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي الدرداء مرفوعًا "ما من ميت تقرأ عليه يس إلا هون الله عليه" وعبر عن المحتضر بالميت لأنه صار في حكم الأموات: والحكمة في قرائتها عنده وقتئذ أنه يكون ضعيف القوة وقلبه مقبل على الله بكليته فإذا قرئت عليه قوي قلبه واشتد تصديقه بأصول الدين واستأنس بما فيها من ذكر أحوال القيامة

(قال الطيبي) والسر في ذلك أن السورة الكريمة مشحونة بتقرير أمهات الأصول وجميع المسائل المعتبرة من كيفية الدعوة وأحوال الأمم وإثبات القدر وأن أفعال العبادة مستندة إلى الله تعالى وإثبات التوحيد ونفي التعدد وأمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر وحضور العرصات والحساب والجزاء والمرجع اهـ

وأخذ بعض المتأخرين بظاهر الحديث فقال تقرأ بعد الموت وقبل الدفن. وقال بعضهم تقرأ بعد الموت قبل الدفن وبعده مستدلًا بحديث "من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة فقرأ عنده يس غفر له" أخرجه ابن عدي عن أبي بكر بإسناد ضعيف. وفي بعض النسخ بعد ذكر الحديث زيادة "وهذا لفظ ابن العلاء" أي لفظ هذا الحديث ما قاله محمَّد بن العلاء أحد شيخي المصنف وليس من لفظ محمَّد بن مكي "وهذه الزيادة" مستغنى عنها بقوله في السند "المعنى" ولذا لم تذكر في أكثر النسخ.

وقد ورد في فضل يس أحاديث جميعها لا يخلو من مقال.

منها حديث "إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات دون يس" رواه الترمذي عن أنس وقال حديث غريب وقال السيوطي ضعيف.

وروى نحوه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة وضعفه السيوطي أيضًا.

ومنها من قرأ يس في ليله ابتغاء وجه الله تعالى غفر له: رواه مالك وابن السني وابن حبان في صحيحه عن جندب،

ومنها "من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم" أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن معقل بن يسار. وفي رواية للبيهقي عن أبي سعيد مرفوعًا "من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين" ولا تتنافى بين هذه الرواية والرواية التي فيها عشر مرات، لأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان.

ومنها "من قرأ يس كل ليله غفر له" رواه البيهقي عن أبي هريرة بإسناد ضعيف ومنها "من قرأ يس في ليله أصبح مغفورًا له" رواه أبو نعيم في الحليه عن ابن مسعود قال العزيزي ضعيف

(فقه الحديث) دل الحديث على فضل قراءة سورة يس، وعلى طلب قراءتها عند المحتضر

ص: 258

أو الميت وأن الميت والمحتضر ينتفعان بالقراءة إذا قصد بها وجه الله تعالى على خلاف يأتي بيانه في "باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها" وكذا ينتفع بالدعاء والصدقه باتفاق.

والأصل في ذلك أنه يجوز للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره حيًا أو ميتًا عند جمهور أهل السنة منهم أبو حنيفة وأحمد سواء أكان العمل صلاة أو صومًا أو حجًا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك ويصل الثواب للميت وينفعه من غير أن ينقص من أجر العامل شيء لحديث ابن عمر مرفوعًا "إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعًا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرهما ولا ينقص من أجره شيء" رواه الطبراني والبيهقي في الشعب.

وعن أنس أنه قال. يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال نعم: إنه ليصل إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه. رواه أبو حفص العكبري.

وروى الدارقطني أن رجلًا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك.

وعن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن أبي مات ولم يوص أينفعه أن اتصدق عنه؟ قال نعم رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والأحاديث في ذلك كثيرة. وقد أمر الله تعالى بالدعاء للوالدين في قوله (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا) وأخبر باستغفار الملائكة للمؤمنين قال تعالى (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) وقال "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون به للذين امنوا" الآية فهذه الأدلة تفيد القطع بحصول الانتفاع بعمل الغير.

ولا ينافيه قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) لأن المؤمن إذا عمل خيرًا وقصد به أخاه المؤمن وصل إليه بسبب إيمانه فكأنه من عمله وأيضًا فإن الآية مخصوصة بغير ما دلت عليه الأدلة السابقة من أن الإنسان ينتفع بعمل غيره من دعاء وصلاة وصدقه وقراءة قرآن. وعن عكرمة أن الآية خاصة بقوم موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام: أما هذه الأمة فالواحد منها ينتفع بعمل غيره لما تقدم ولحديث ابن عباس أن رجلًا قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن اختي نذرت أن تحج وأنها ماتت فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو كان عليها دين أكنت قاضية عنها؟ قال نعم قال فاقض دين الله تعالى فهو أحق بالقضاء. رواه البخاري ومسلم، وحديث "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقه جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وقيل المراد بالإنسان الكافر أي ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بالتوسعة في رزقه والعافية في بدنه وليس له في الآخرة شيء

ص: 259

ودعوى نسخ الآية غير مسلمة لأنها من الأخبار والنسخ لا يجري في الخبر وجعل اللام في للإنسان بمعنى على بعيد من ظاهر الآية وسياقها لأنها عظة لمن تولى وأعطى قليلًا وأكدى قال مجاهد وابن زيد نزلت في الوليد بن المغيرة: كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجلس إليه ووعظه فقرب من الإِسلام وطمع فيه رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا اتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإِسلام وضل ضلالًا بعيدًا وأعطى بعض المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح اهـ

وقد اختلف في وصول ثواب القراءة للميت: فإن كانت بغير أجر. فذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد إلى أنه ينتفع بها إذا أديت بخشوع ووقار. قال العلامة الزيلعي في باب الحج عن الغير من شرح الكنز: إن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صومًا أو حجا أو صدقه أو قراءة قرآن أو أذكار إلى غير ذلك من جميع أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه. وقالت المعتزلة ليس له ذلك ولا يصل إليه ولا ينفعه لقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) اهـ

وقد علمت أن الآية لا تنافي انتفاع الميت بعمل غيره فلا تصح دليلًا للمعتزلة.

قال ابن القيم في كتاب الروح أفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه، وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعًا بغير أجره يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج والمشهور عن مالك والشافعي أن ثوابها لا يصل إلى الميت أخذًا بعموم قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) قال ابن كثير: ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله تعالى ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيرًا لسبقوا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والأراء، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما

"وأما الحديث" الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث من ولد صالح يدعو له أو صدقه جارية من بعده أو علم ينتفع به""فهذه الثلاثه" في الحقيقة من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه من آثار عمله ووقفه وقد قال تعالى (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) الآية والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضًا

ص: 260

من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح من "دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا والحديث رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة، والمختار عند بعض أصحاب مالك والشافعي أنه يصل إذا جعلها من قبيل الدعاء كأن يقول بعد القراءة اللهم اجعل ثواب ما قراته لفلان:

قال الإمام النووي في الأذكار: أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم ثوابه واحتجوا بقول الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان) وغير ذلك من الآيات المشهوره بمعناها وبالأحاديث المشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم اغفر لحينا وميتنا) وغير ذلك.

واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه اللهم أوصل ثواب ما قراته إلى فلان اهـ

وقال ابن أبي زيد في رسالته وشارحها العلامة النفراوي وأرخص أي استحب بعض العلماء وهو ابن حبيب في القراءة عند رأسه أو رجليه" أي المحتضر"(بسورة يس) لخبر "إذا قرئت عليه سورة يس بعث الله ملكًا لملك الموت أن هون على عبدي الموت" وحديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "ما من ميت تقرأ عند سورة يس إلا هون الله عليه" وقال أيضًا "اقرءوا على موتاكم يس" وقال ابن حبان أراد به بعض من حضره الموت لا أن الميت يقرأ عليه (ولم يكن ذلك) أي المذكور من القراءة عند المحتضر عند مالك "أمرًا معمولًا" به تكره عنده قراءة يس أو غيرها عند موته أو بعده أو على قبره.

قال ابن عرفة وغيره من العلماء: ومحل الكراهة عند مالك في تلك الحالة إذا فعلت على وجه السنية، وأما لو فعلت على وجه التبرك بها ورجاء حصول بركة القرآن للميت فلا وأقول هذا هو الذي يقصده الناس بالقراءة فلا ينبغي كراهة ذلك في هذا الزمان، وتصح الإجارة عليها.

قال القرافي والذي يظهر حصول بركه القرآن للأموات كحصولها بمجاورة الرجل "الصالح إلى أن قال" وذكر صاحب المدخل أن من أراد حصول بركة قراءته وثوابها للميت بلا خلاف فليجعل ذلك دعاء فيقول: اللهم أوصل ثواب ما أقرأه لفلان أو ما قرأته، وحينئذ يحصل للميت ثواب القراءة، وللقارئ ثواب الدعاء اهـ كلام النفراوي.

أما القراءة بأجر ولو بلا شرط فذهبت الحنفية والحنابلة إلى أنه لا ثواب فيها، وأن الآخذ والمعطي آثمان لحديث عبد الرحمن ابن شبل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "اقرءوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلو فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب بسند رجاله ثقات. وذهبت الشافعية والمالكية إلى جواز أخذ الأجر على قراءة القرآن

ص: 261