المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

يُنِيبُ»

13 لجنابه ويرجعه عن خطأه لصوابه. ونظير صدر هذه الآية في المعنى الآية 163 من النساء في ج 3، قال تعالى «وَما تَفَرَّقُوا» أي الأمم السابقة من أهل الكتابين خاصة فمن قبلهم عامة عن الدين القويم والشرع الصحيح «إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ» بصحته من قبل الله على لسان رسلهم وكان ذلك التفريق «بَغْياً بَيْنَهُمْ» على أنبيائهم وحسدا لهم ببقاء الرياسة ليس إلا «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ» يا سيد الرسل بتأخير عذابهم «إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» عنده لا ينقدم ولا ينأخر لأنه من الأمور المقضية المبرمة في الأزل «لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» بتعجيل العقوبة وإنزال العذاب بسبب اختلافهم في الدين وتفريقه «وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ» من أبنائهم وأحفادهم «لَفِي شَكٍّ مِنْهُ» أي الكتاب تقليدا لما كان عليه آباؤهم وأجدادهم، ثم وصف ذلك الشك بأنه «مُرِيبٍ» 14 مبالغة فيه لأن الريب قلق النفس واضطرابها ويسمى الشك مريبا لأنه يزبل الطمأنينة «فَلِذلِكَ» لأجل تفرقهم وبغيهم على رسلهم وشكهم في كتبهم المنوهة بك وبنبوتك وصدق ما جئنهم به من ربك، ولأجل ما شرع لهم من الدين المستقيم الجدير بأن يتنافس فيه المتنافسون «فَادْعُ» إلى الائتلاف والتوحيد اللذين وصى بهما الأنبياء قبلك وإلى الاتفاق على الملة الحنيفية.

‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

«وَاسْتَقِمْ» عليها أنت وأمنك، وأدم الدعوة إليها «كَما أُمِرْتَ» من قبلنا «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ» الباطلة المختلفة وآراءهم الفاسدة «وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ» أي بجميع الكتب المنزلة من عند الله، لأن النكرة إذا أطلقت عمت، فتشمل كل كتاب أنزله الله من لدن آدم إلى زمنه، وقدمنا ما يتعلق في بحث الاستقامة على الدين في الآيتين 112/ 119 من سورة هود المارة بصورة مفصلة فراجعهما. واعلم أن في هذه الآية تعريضا بالكافرين وبعض أهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض من الكتب السالفة والآيات القرآنية، ولهذا قال تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم «وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ» فيما أمرني فيه ربي من الأحكام المنزلة عليّ من لدنه فلا أخص بعضا دون بعض،

ص: 33

وأبلغ شريعته جميع خلقه الذين أراهم بنفسي، وبالواسطة لمن لم أرهم، وأعدل بينكم في الخصومات إذا تحاكمتم لدي، فلا أجور ولا أحيف على أحد، ولا أخاصم أحدا إلا بالحق ولأجل الحق، لأن الذي أدعوكم إليه هو «اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ» ورب الخلق أجمع فكما لا يختص به واحد دون آخر لا يرضى أن يتميز أحد على أحد بدون الحق، فهذه خطتي التي أمرت بها يا قوم، فإن لم تقبلوا فتكون «لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ» لا تسألون عما أعمل ولا نسأل مما تعملون.

وهذه الجملة على حد قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الآية الأخيرة من سورة الكافرون في ج 1، وعلي حد قوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الآية 24 من سورة سبأ المارة، وإذ ظهر الحق الصريح فأقول لكم «لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ» ولا خصومة ولا محاججة وجاءت هنا الحجة بمعنى الاحتجاج وهي الأصل «اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا» فيجازي كلا على عمله «وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» 15 في الخصومات والمحاججات، ولا وجه لقول من قال بنسخ هذه الآية بآية السيف من المفسرين إذ ليس فيها ما يدل على المتاركة وإقرار الكفار على ما هم عليه من الكفر وإنما هي من باب التعريض راجع الآية 25 من سورة سبأ المارة تجد مثل هذا.

قال تعالى «وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ» ويخاصمون في دينه «مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ» بعد استجابة الناس لدينه ودخولهم فيه فهولاء «حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ.» باطلة زائلة مهجورة غير مقبولة «عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» 16 في الآخرة، وهذه الآية عامة في كل من هذا شأنه من الناس أجمع، وما قيل إنها نزلت في كفار بدر بعد أن استجاب الله تعالى دعاء حضرة الرسول بظفره عليهم قول لا دليل لقائله عليه، لأن هذه الآية مكية بالاتفاق وواقعة بدر بعد الهجرة وهو لم يهاجر بعد وكذلك القول بحمل الاستجابة على استجابة أهل الكتاب لا يتجه لأن أهل الكتاب لم يباحثهم حضرة الرسول إلا في المدينة ولم يجب دعوته أحد منهم إلا فيها، لذلك فحمل الاستجابة على من أجابه لدين الحق وهو في مكة من أهل مكة، والمحاججون هم روساء الكفر أولى وأنسب في المقام. قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ» مفصلا فيه الدلائل

ص: 34

والأحكام ليجري عليه الناس «وَالْمِيزانَ» آلة العدل، لأن المراد به والله أعلم نفس العدل والإنصاف والتسوية بين الناس، أنزله أيضا وأمر خلقه فيه ليتحلوا به فيستقيم أمرهم ويعدلوا فيما بينهم. راجع رسالة القسطاس المستقيم للإمام الغزالي رحمه الله تجد أن المراد بالميزان ما ذكرته، لأنه يقول في قوله تعالى (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) الآية 7 من سورة الرحمن في ج 3، إن هذا الميزان الذي قابله الله بالسماء لا يتصور أنه الذي يزن به الناس الخس والبصل مثلا، بل إنما هو العدل الذي به قوام الدنيا والآخرة إلخ، ما جاء فيها. «وَما يُدْرِيكَ» يا سيد الرسل «لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ» 17 حدوثها ولعلّها مظلّة عليك ولا تراها، فعليك أن تأمر الناس باتباع الكتاب وإجراء العدل بينهم قبل أن يفاجئهم الأجل وقبل حلول يوم وزن العمل الذي يظهر فيه الرابح في هذه الدنيا من الخاصر.

واعلم انما «يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها» استعجال إنكار واستهزاء فيقولون لك لما تخوفهم بها متى هي، ليتها تأتي الآن حتى يظهر لنا الذي نحن عليه حق أم أنت وأصحابك. وذلك لجهلهم بها وبعظمة الله «وَالَّذِينَ آمَنُوا» بها وصدقوا بوجودها «مُشْفِقُونَ» خائفون وجلون «مِنْها» لعلمهم بحقيقتها وحقيقة ما فيها من الأهوال «وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ» الكائن لا محالة فانتبهوا أيها؟؟؟

«أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ» يجادلون «فِي السَّاعَةِ» ويخاصمون بوجودها جهلا ويشكون بحقيقتها «لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ» 18 عن الصواب، لأن البعث بعد الموت أقرب الغائبات بالمحسوسات، لأنه يعلم من إحياء الأرض بعد موتها وغيره من الأدلة العقلية فضلا عن السمعية «اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ» كثير الإحسان إليهم جليل النعم عليهم بالغ البرّ بهم «يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ» من كل نام بحسبه وبقدر ما يكفيه «وَهُوَ الْقَوِيُّ» باهر القوة على كل شيء «الْعَزِيزُ» 19 الغالب على كل شيء المنيع الذي لا يدافع ولا يرافع «مَنْ كانَ» منكم أيها الناس «يُرِيدُ» بأعماله وكسبه «حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ» من واحد إلى عشرة إلى سبعمئة إلى ما لا نهاية والله كثير الخير جليل العطاء واسع الفضل «وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا» مؤثرا لها على الآخرة فإنا أيضا «نُؤْتِهِ

ص: 35

مِنْها»

ما قدرناه وقسمناه له فيها أزلا لا نعطيه غيره «وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ» 20 أبدا لأن همته كانت مقصورة على الدنيا، ومن كان كذلك فإنه يؤتى حظه المقدر له من كل ما فيها كاملا ويكافأ على أعماله الحسنة كالصدقة والصلة وقول المعروف وإماطة الأذى وغيرها من عافية ورزق وجاه وولد وغيره، فيأتي في الآخرة محروما من ثوابها، لأنه لم يقصد بها وجه الله،

قال تعالى «أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ» من الأوثان «شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ» من الشرك فيه وإنكار البعث والكتب والرسل والجنة والنار. والاستفهام هنا إنكاري أي ليس لهم شرع ولا شارع على حد قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) الآية 43 من سورة الأنبياء الآتية، قال تعالى مهددا لهؤلاء الفجرة «وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ» السابقة منا بتأخير العذاب «لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» بإنزاله وفرغ من عذابهم وجدالهم وإنكارهم «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ» أنفسهم بالكفر أمثال هؤلاء «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» 21 في الآخرة غير عذاب الدنيا ويوم القيامة بأكرم الرسل «تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا» خائفين أشد الخوف من وبال أعمالهم الدنيوية «وَهُوَ» أي العذاب المترتب عليهم جزاء أعمالهم «واقِعٌ بِهِمْ» لا محالة لأنه محتم عليهم أزلا «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ» يكونون في أطيب بقاعها جزاء لأعمالهم الحسنة «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ» فيها من كل ما لذّ وطاب وخطر بالبال «عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ» الجزاء الحسن «هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» 22 الذي لا أكبر منه لأنه من الإله الكبير، وهذه الآيات المدنيات في هذه السورة. قال تعالى «ذلِكَ» النعيم العظيم «الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» بأن قرنوا أعمالهم الطيبة بفعل ما هو صالح لأن الإيمان بلا عمل كالصوم بلا صلاة والحج بلا زكاة «قُلْ» يا حبيبي لمن تبلغهم أحكامي «لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ» أي التبليغ «أَجْراً» جعلا ما ليكون مدار للتهمة والظن بي، ولا أطلب منكم شيئا عما أبلغه لكم من كلام ربي ولا لموعظة ما لإرشادكم «إِلَّا» شيئا واحدا «الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» لا غيرها أريد منكم أبدا، قال ابن عباس لم تكن بطن من قريش إلا وله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، لهذا

ص: 36

قال لا أريد منكم لقاء نصحي وإرشادي للأخذ بكلام ربي إلا أن تحفظوا قرابتي وتصلوا رحمي وتكرموهم، لأن هذه الآية نزلت في الأنصار حينما قالوا له تمنّ علينا يا رسول الله، قال لا أريد شيئا إلا المودة في القربى. قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فيما يرويه البخاري عن ابن عمر ارقبوا محمدا في أهل بيته. وروى مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني تارك فيكم ثقلين أولها كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم في أهل بيتي، كررها صلى الله عليه وسلم تأكيدا في حبهم وإكرامهم والصحيح أن أهل بيته نساؤه ومن حرمت عليهم الصدقة بعده، وآل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضوان الله عليهم. وهذا الطلب لا يسمى أجرا بالنسبة لقريش في الحقيقة، لأن قرابته قرابتهم، فتكون مودتهم لازمة بل يكون فيه الأجر بالنسبة للأنصار المخاطبين في هذه الآية. أخرج الترمذي عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم أحبّوا الله لما يغذوكم به، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبّي.

وعلى كل لا يقال إنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة، لأن ذلك ممنوع إذا كان أجرا ماديا كالدراهم وغيرها، أما الكفّ عن أذية أهله وإرادة مودتهم فلا يسمى أجرا بالمعنى المتعارف، وعليه فإن طلب المودة في القربى ليس بأجر، فيرجع الحاصل على لا أجر البتة، ولهذا فلا ينتقد عليه إلا كما ينتقد على القول فيهم.

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

لأن هذا ليس بعيب يلام عليه، بل يمدح فيه، ولأن المودة بين المسلمين واجبة، فهي في أهل البيت أوجب، ولهذا كان الاستثناء متصلا. أما من جعل الاستثناء منقطعا فقد ركن إلى تقدير فعل (تَوَدُّونَ) وعمد على الوقف على كلمة أجرا أي إلا أن تودوا أقاربي أو تقدير أذكركم المودة في القربى، والأول أولى كما ترى لما في الأخير من لزوم وتقدير ما الأمر في غنى عنه ولا حاجة فيه. هذا ولا معنى لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بآية (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ) الآية 47 من سورة سبأ المارة، وهي آية مقدمة في النزول على هذه الآية لفظا ورتبة ومن المعلوم أن المقدم لا ينسخ المؤخر، راجع

ص: 37

بحث النسخ في المقدمة، وهذا من جملة المرامي التي من أجلها أقدمت على هذا التفسير المبارك ورتبته بحسب النزول ليعلم القارئ خطأ القائلين بنسخ أمثال هذه الآية متى ما عرف أنها متقدمة، لأن العلماء رحمهم الله أكثروا من أقوالهم بالنسخ ومنهم من تغالى فيه حتى خالف الأصول التي وضعت لمعرفة الناسخ والمنسوخ كهذه الآية وآيات الإخبار والوعد والوعيد وغيرها، سامحهم الله. وليعلم أن مودته صلى الله عليه وسلم وأقاربه وكفّ الأذى عنهم من فرائض الدين، فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي وفاطمة وابناهما. وقد أجمع السلف والخلف الصالحون على مودتهم، فلا يصح القول بوجه من الوجوه بنسخ هذه الآية أبدا، وعفا الله عن هؤلاء الذين لا هم لهم إلا أن يقولوا هذا ناسخ وهذا منسوخ ولولا الراسخون في العم الواضعون أصول علم الناسخ والمنسوخ والوافقون لأمثالهم على ما يتقولون به من النسخ بالمرصاد لتوسعوا بأكثر من هذا. وأخرج بن جرير عن أبي الديلم قال لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا، أقيم على درج دمشق، فقام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له علي: أقرأت القرآن؟ قال نعم، قال أقرأت آل حم؟ قال نعم، قال أما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ؟ قال فإنكم لأنتم هم؟ قال نعم، قال فأطرق أي ندما على ما قال وأسفا. فانظروا أيها الناس كيف قاتل من قاتل من أهل الشام أناسا لا يعرفونهم ولا يقدرون مكانتهم. راجع الآية 137 من الأعراف في ج 1، وقال علي كرم الله وجهه قال الله فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن. يعني هذه الآية.

وقال الكميت:

وجدنا لكم في آل حم آية

تأولها منا تقي ومعرب

وقال عمر الهيتي:

بأية آية يأتي يزيد

غداة صحائف الأعمال تتلى

وقام رسول رب العرش يتلو- وقد صمت جميع الخلائق- قل لا وقال الآخر:

ص: 38

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله تعالى النار، وأخرج احمد والترمذي وصححه النسائي عن المطلب بن ربيعة قال دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنا لنخرج فترى قريشا تتحدث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب صلى الله عليه وسلم ودر عرق بين جبينه، ثم قال والله لا يدخل قلب امرئ ايمان حتى يحبكم لله تعالى ولقرابتي.

وما أحسن ما قيل:

داريت أهلك في هواك وهم عدا

ولأجل عين الف عين تكرم

وقد سئل ابن الجوزي في جامع دمشق هل يوجد لهذا المثل في القرآن ما يشير اليه، قال نعم قال تعالى (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية 33 من سورة الأنفال في ج 3 ولهذا أكثر الناس من الثناء عليهم إرضاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعة لربه، حتى أنهم أفرطوا بذلك، ومنهم من يمدحهم رياء، قال علي رضي الله عنه لرجل أفرط في الثناء عليه وكان يتهمه في مودته: أنا دون ما نقول وفوق ما في نفسك رضي الله عنه ما أعظمه وأحلمه. قالوا كان الشيخ محي الدين العربي يكره الشريف عونا ويندد به، فرأى في النوم السيدة فاطمة رضي الله عنها وهي معرضة عنه، فقال لها لماذا يا سيدتي؟ فقالت لكراهتك عونا، فقال أما تعلمين ما يفعل من المظالم؟ فقالت له أما تعلم أنه منا أهل البيت؟ فانتبه مرعوبا لشدة غيظها عليه، فذهب اليه، فلما رآه عرف الغضب في وجهه لما كان يسمعه من ذمه، فقال على رسلك يا ابن بنت رسول الله والله ما جاء بي إليك وأنت تعلم ما أنا عليه من كراهتك إلّا اني رأيت كذا وكذا، ولهذا جئتك معتذرا، فلما سمع منه الرؤيا تهلل وجهه، وقال اشهد يا محي الدين اني أشهد الله بأني تبت اليه من كل ما كنت أفعل ولا أعود اليه وحسن حاله بعد ذلك. رحم الله الجميع رحمة واسعة فهؤلاء أهل البيت أيها الناس، حبهم ايمان وبغضهم كفر اهـ ملخصا من الفتوحات المكية، وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودة أشد، وقد تساهل الناس في هذا الزمن في حبهم حتى انهم لم يلتفتوا إليهم، وأفرط آخرون فجعلوا

ص: 39

حبهم رفضا وسلكوا محببهم في سلك الروافض وهم فرقة من إخواننا الشيعة لا الشيعة أنفسهم الذين يفضلون عليا فضله الله على غيره من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين لقرابته من رسول الله ومصاهرته له ولقوله إن عليا مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي. ولأن نسبه بسببه، ولميزات أخرى كثيرة سنأتي عليها في غير هذا الموضع إن شاء الله. وآخرون قالوا بحبه وادعوا فيه ما هو براء منه، وهو من التفريط بمكان، أما أنا فأقول ما قاله الشافعي رحمه الله:

ان كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

ولكنه ليس برفض من واجبات الدين، ولكن بلا تفريط ولا افراط، وقد سئل الإمام الجوزي عن المثل السائر (مدّ رجلك على طول فراشك) هل يوجد في القرآن ما يشير اليه؟ قال نعم قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) الآية 45 من سورة الفرقان في ج 1 أي لا إفراط ولا تفريط، رحمه الله ما أكثر دقة نظره في القرآن وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية 38 من سورة الانعام فراجعها. وعلى هذا فيجب على كل مؤمن احترامهم وتعظيمهم والقيام بحقوقهم وقضاء مصالحهم وعدم النظر إلى بعض هفواتهم، فإن غصن الشجرة منها وإن مال، والعبرة بالخاتمة نسأل الله حسنها، قال تعالى «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» مضاعفا «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ» 23 للمحبين الطائعين «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» بما جاء به من الكتاب وقد كذبوا «فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ» فينسيك القرآن أو يجعلك من المختوم على قلوبهم لو كذبت علينا يا محمد، لأنه لا يجترئ على افتراء الكذب علينا إلا من كان كذابا مثل بعض قومك، وهذا تعريض حسن بأنهم هم المفترون المطبوع على قلوبهم، لأن الكلام جاء بمثابة التعليل لقولهم، وقد أتى بأن بدل إذا مع أن عدم مشيئته تعالى مقطوع به إرخاء للعنان ليفهموا بأنه لو كان محمد نفسه فعل ذلك لختم على قلبه، وهو معصوم بعصمة الله محال عليه أن يقع منه شيء يغضبه، فكيف بغيره «وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ» وهذا تأكيد بأن ما يقوله

ص: 40

محمد صلى الله عليه وسلم ليس بمفترى، وكيف يكون مفترى ومن عادته تعالى أن يمحق الباطل «وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» المنزلة على رسوله بطريق الوحي «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» 24 ودخائلها وخفيات الأمور وبواطنها فلا يخفى عليه شيء مما يحوك في صدورهم وما هو قار في قلب محمد. وهذه الآية تدل دلالة تامة على تنزيهه من الافتراء وطهارة ما هو ثابت في خلده عن أن يصره بشيء من ذلك. وقال بعض المفسرين في هذه الآية إن يشأ يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم، وهو حسن ولكن ما جرينا عليه أحسن وأوفى بالمرام وأنسب بالمقام وأليق لسياق الكلام، وقد مشى عليه جهابذة من العلماء، قال ابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) الآية، قالوا يريد أن بحثنا على أقاربه من بعده فأخبره جبريل عليه السلام بأنهم لتهموه فأنزل الله تعالى هذه الآية «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» بالتجاوز مما تابوا عنه «وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ» صغارها وكبارها «وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» 25 سرا وعلما من خير وشر. انتهت الآيات المدنيات وهي لها مناسبة بما قبلها وبعدها كما لا يخفى بخلاف غيرها وإن كانت معترضة، فالقاعدة من كونها تأتي معترضة، وإنك إذا حذفتها وقرأت ما بعدها متصلا بما قبلها صح المعنى، أغلبية، تدبر. قال تعالى «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» دعوة ربهم ويجيب الله دعاء المؤمنين إذا دعوه وفعل استجاب وأجاب بمعنى واحد، وكل منهما يتعدى باللام للداعي وبنفسه الدماء وعليه قوله:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندا

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

«وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» فوق ما يستحقون بحسب أعمالهم «وَالْكافِرُونَ» بالله تعالى الذين لا يدعون ولا يعترفون بألوهيته «لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» 26 جزاء ألفتهم عن دعاء الله وكفرهم به. تدل هذه الآية المكية بأن الله تعالى لا يجيب دعاء الكافرين، وهو كذلك، قال تعالى (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) الآية 16 من سورة الرعد ج 3، ومن قال إنه تعالى يستجيب لهم فإنه على طريق الاستدراج، والمؤمنون على طريق التشريف، وهذه الآية المدنية الرابعة، وقد

ص: 41