المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

شكرا لما أولاك من النعم وتأهيلك لتلقي وحي ربك الكريم. قال بعض الصوفية أعلى مراتب العلم حق اليقين كعلم العاقل بالموت إذا ذاقه، ودونه عين اليقين كعلمه بالموت عند معاينة ملائكته، ودونه علم اليقين كعلمه بالموت في سائر أوقاته، وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية 95 من سورة الواقعة والآية 203 من سورة الأعراف في ج 1. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

نزلت بمكة بعد الحاقة، وهي أربع وأربعون آية، ومئتان وأربع وعشرون كلمة، وتسعمئة وتسعة وعشرون حرفا. وتسمى سورة المواقع. ولا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت به ولا مثلها في عدد الآي.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ» 1 لما خوف حضرة الرسول قومه بعذاب الله وعظمه أمامهم إذا هم لم يؤمنوا ويكفوا عما يصمونه به من الشعر والكهانة المشار إليهما في السورة المارة، ولهذه المناسبة قد نزلت هذه بعدها، لأن ما بين كل سورة وأخرى لا بد من وجود مناسبة.

‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

قال بعضهم لبعض ما هو العذاب الذي يهددنا به ولمن يكون يا ترى، وهل يمكن الاتقاء منه أم لا؟ فأنزل الله هذه السورة معلنا أنه «لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» 2 إذا وقع لأنه «مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ» 3 المصاعد والمراقي التي تصعد عليها الملائكة إلى السماء، فلو كان من غيره لأمكن أن يكون له دافع، أما هو فلا، كيف وهو الذي «تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ» جبريل عليه السلام وخصه بالذكر مع أنه داخل مع الملائكة لشرفه وفضله عليهم أجمع «إِلَيْهِ» جل شأنه على تلك المعارج «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» 4 من سني الدنيا بحيث لو صعد غير الملك من منتهى أسفل الأرض إلى غاية علو تلقي أمر الله تعالى لما وصل

ص: 406

إلا بتلك المدة، أما الملك فإنه يقطعها بيوم زماني بإقدار الله تعالى إياه، قالوا وتحديد هذه المسافة هو أن ثخن الأرض الواحدة خمسمائة عام، وبين كل أرضين مثلها، وبين الأرض العليا والسماء كذلك، وثخن كل سماء وما بينهما كذلك، وما بين السماء العليا ومقعر الكرسي كذلك، فيكون المجموع أربعة عشر ألف سنة، ومن مقعر الكرسي إلى العرش مسيرة أحد عشر ألف سنة، فبلغت مدة العروج خمسة وعشرين ألف سنة، ومثلها في النزول، فيكون خمسين ألف سنة، ومما يدل على أن المراد صعود وهبوط ما قدمناه في الآية 5 من سورة السجدة المارة، وقيل إن المواطن في القيامة خمسون موطنا، وكل موطن ألف سنة من سني الدنيا، قال تعالى (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) الآية 47 من سورة الحج في ج 3، وهذه مظهر من مظاهر (النون) في قوله تعالى (كُنْ فَيَكُونُ) فإنه بحروف الجمل خمسون، فهذه المواطن كلها بالنسبة إلى الله تعالى لحظة واحدة أقل من لفظكم أيها الناس بحرف النون، وهذا التقدير بالنسبة إلينا، لأن يوم الآخرة لا نهاية له، ولا يقدر بزمان، إذ لا شمس ولا قمر، وللصوفية فيه أقوال كثيرة وتفصيلات بديعة ضربنا عنها صفحا لطولها وكثرتها، لأن كلّا منهم رضي الله عنهم ذكر مما أودعه الله في قلبه المخلّى عن غيره المحلّى به، وبين ما أفاض الله عليه فيه اكتفاء بما أخرجه الإمام أحمد وابن شعبان وأبو يعلى وابن جرير والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ما أطول هذا اليوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من مكتوبة يصليها في الدنيا. وما روي عن عبد الله بن عمر يوضع للمؤمنين يومئذ كراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام ويقصر عليهم ذلك ويهون حتى يكون كيوم من أيامكم هذه. فيفهم منه أن طول المدة تكون على الكافرين المعذبين لشدة ما يلاقونه وهول ما يعانون، ولا بدع بأن يكون طويلا على أناس قصيرا على آخرين، قال الشاعر في هذا المعنى:

من قصر الليل إذا زرتني

أشكو وتشكين من الطول

ص: 407

وقال آخر:

ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما

بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا

يجود بالطول ليلي كلما بخلت

بالطول ليلى وإن جادت به بخلا

الألف فيه للإطلاق والروى، وإلا فهو مفرد يعود على الليل، وقول الآخر في هذا أيضا:

ويوم كظل الرمح قصّر طوله

دم الزقّ عنا واصطفاق المزاهر

قال تعالى «فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا» 5 لا جزع فيه، راجع الآية 83 من سورة يوسف المارة «إِنَّهُمْ» كفرة قومك «يَرَوْنَهُ» أي العذاب الذي أو عدتهم به «بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً» 6 7 لأنه آتيهم حتما وكل آت قريب لا سيما وأن إنزاله بيدنا لا يمنعنا من صبه عليهم مانع، وليعلموا أن علامته نزول العذاب الأكبر الذي لا بد من وقوعه، لأن عذاب الدنيا قد يكون وقد لا يكون لأسباب نعلمها، أما عذاب الآخرة فيكون «يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ» 8 مثل عكر الزيت أو الفضة المذابة «وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ» 9 الصوف المصبوغ ألوانا كثيرة لأن الجبال ذات ألوان منها الأحمر والأسود والأصفر والأبيض، فتكون هباء منثورا كالصوف المندوف إذا طيرته الرياح، إنما شبهها بالصوف لأنها إذا لبست بعضها ببعض بأن خلطت وسيرت أشبهته بألوانه المذكورة وما بينها «وَلا يَسْئَلُ» حينذاك «حَمِيمٌ حَمِيماً» 10 عن حاله وما حل به، لا لأنهم لا يرى بعضهم بعضا، ولكن لشدة الهول، إذ يشتغل كل بنفسه، ولهذا

قال تعالى «يُبَصَّرُونَهُمْ» يشاهدونهم ويعرفونهم، ولكن لا يتكلمون معهم، ولشدة الفزع «يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ» 11 زوجته التي لا يمكن أن يفتدي بها في الدنيا إلا أن يطلقها، أما في الآخرة فإنها تهون عليه وينسى الغيرة والمروءة «وَأَخِيهِ» 12 أيضا لو قدر أن يفدي نفسه به لفداها «وَفَصِيلَتِهِ» عشيرته «الَّتِي تُؤْوِيهِ» 13 بالدنيا مما يخاف ويأوي إليها عند الشدائد لو أمكن لفداها كلها بنفسه، بل «وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» لو كان في ملكه وأمكنه قبول الفداء بهم «ثُمَّ يُنْجِيهِ» 14 من عذاب الله لفعل، ولكن لا ينجيه شيء

ص: 408

أبدا إلا رحمة الله وهي بعيدة منه، راجع الآية 34 من سورة عبس في ج 1، قال تعالى «كَلَّا» لا ينجيه أحد أصلا «إِنَّها» المخصصة لعذاب المجرم هي «لَظى» 15 أحد طبقات جهنم المعدة لمن يثبت عليه الجرم العظيم في الموقف بعد الحساب ويحكم عليه بفصل القضاء بأن يعذب فيها، ولا يسمى مجرما إلا بعد ذلك، وهكذا في الدنيا يكون مدعى عليه بمجرد الدعوى عليه، وعند وجود امارة على اقترافه الجرم يسمى ظنينا، وعند تواتر الأدلة يسمى متهما، وعند الثبوت يسمى مجرما، ثم محكوما. ومن أوصاف هذه النار أنها «نَزَّاعَةً لِلشَّوى» 16 أطراف الجسد كاليدين والرجلين بمجرد طرحهم فيها، والنزع الجذب بقوة، أي أنها مفرقة لأعضاء الإنسان «تَدْعُوا» إليها كل «مَنْ أَدْبَرَ» عن الإيمان «وَتَوَلَّى» 17 عن الحق «وَجَمَعَ» مالا من غير حله «فَأَوْعى» 18 خزنه في الأوعية ولم ينفقه في وجوه البر ولم يؤد حق الله منه لعياله. وقال بعضهم معنى أوعى تعذّب يقول الأعرابي: وهاك الله أي عذّبك. ومن ورع عبد الله بن حكيم أنه كان لا يربط كيسه، فقيل له في ذلك فقال سمعت الله يقول جمع فأوعى، ومتى ما ربطته فقد أوعيته. «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً» 19 جنسا وجبلة طبع على الهلع الذي فسره الله بقوله

«إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» 20 21 وإذا أعطي المال لم ينفق، وإذا أصابه الفقر لم يصبر، ثم استثنى الله عز وجل من ذلك الجنس نوعا مخصوصا بقوله «إِلَّا الْمُصَلِّينَ» 22 وهذا استثناء اجمع من الواحد الذي فيه معنى الجمع كالإنسان، ثم وصف المصلين بقوله «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» 23 مواظبون على إقامتها «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ» 24 عندهم فرضوه على أنفسهم بحسب ما تجود به أنفسهم وأريحيتهم وخصصوه «لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» 25 المتعفف عن السؤال الذي يظن به عدم الحاجة «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» 26 يوم القضاء والجزاء «وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» 27 خائفون وجلون «إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ» 28 فلا يقدر أحد مهما كان على درجة عالية في الإخلاص أن يقطع بأمنه من عذاب الله، إذ لا يخلو من التقصير بحقه، والأعمال الصالحة مهما كثرت

ص: 409

لا توازي نعمة جارحة واحدة من الإنسان «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ» 29 صائنون لها عن كل ما حرم الله «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ» يشمل الرجال والنساء والعبيد والإماء «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» خاص بالذكور فقط، إذ لا يحل للنساء إلا الاستفادة من خدمتهم فقط «فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» 30 بذلك وإن كثروا من الزوجات والإماء ضمن حدود الشرع

«فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ» من الزوجات والإماء للرجال ومن الأزواج فقط للنساء «فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» 31 المتجاوزن ما أحلّ الله لهم إلى ما حرم عليهم، وقد فصلنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 6 من سورة المؤمنين المارة، وذكرنا أيضا بأنها ليست بناسخة لآية المتعة المزعومة الواردة في سورة النساء ج 3 فراجعها، «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ» 32 محافظون لا يخونون الأمانة ولا ينقضون العهد ولا يخلفون الوعد ولا يغدرون ولا ينكثون، راجع الآية 8 من سورة المؤمنين المارة والآية 34 من الإسراء في ج 1، «وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ» 33 بها أمام الحكام لإظهار الحقوق بلا ميل ولا ترجيح بين القوي والضعيف والوضيع والشريف، راجع الآية 32 من سورة الفرقان ج 1، وله صلة في الآية 283 من سورة البقرة ج 3، «وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ» 34 على أوقاتها وشروطها وأركانها على أكمل وجه، راجع الآية 8 من سورة المؤمنين المارة، ولها صلة في الآية 238 من البقرة في ج 3 أيضا، «أُولئِكَ» الجامعون لهذه الصفات الكريمة «فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ» 35 عند ربهم، ويؤذن وصف المصلّين بما ذكر أن الصلاة وحدها ما لم تكن تلك الصفات منضمة إليها لا تكفي للخلاص من الله ولا تؤهل صاحبها دخول الجنة بانفرادها، وهو كذلك والله أعلم «فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا» أي شيء جرى لهم ما بالهم «قِبَلَكَ» يا سيد الرسل «مُهْطِعِينَ» 36 مادي أعناقهم نحوك وهم مديمو النظر إليك متطلعون لحهتك «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ» 37 جماعات وفرقا محلّقين بأطرافك، يستهزئون بك وبما أنزل عليك، نزلت هذه الآية في جماعة من قريش كانوا يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه ولا يتأثرون منه، ويقولون إن دخل أصحاب محمد الجنة التي يذكرها ويصفها بقوله لندخلنها قبلهم،

ص: 410

فرد الله عليهم بقوله «أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ» 38 مثل أصحابك «كَلَّا» يا سيد الرسل لا يدخلونها أبدا ماداموا على كفرهم، لأن أمثالهم ليسوا من أهل الجنة، إذ لا يدخلها إلا الطاهرون من الشرك والكفر «إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ» 39 من نطفة قذرة، وهذه الجملة جارية مجرى المثل تعريضا عما يستقبح ذكره، لأن النطفة من مصب يتحاشى عن التصريح به، ولذلك أبهمه تعالى وتنزه. وهذا من آداب القرآن العظيم الواجب على الناس التأدب بآدابه، وأن يجتنبوا التصريح في كل ما من شأنه كتمه بل يومئون إليه إيماء ويعرضون تعريضا، والمعنى أن هؤلاء الكفار يدعون الشرف والفضل على أصحاب محمد، وهم وإن كانوا جميعا خلقوا من أصل واحد وشيء واحد كما ذكروا، إلا أن البشر يتفاضل بالأعمال والمعارف، والجنة لا تكون إلا للصالحين من البشر المخلصين، لا للأكابر والأغنياء وأهل الأنساب غير المتصفين بالصلاح. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن بشر بن جحاش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه- فقال يقول الله عز وجل: يا ابن آدم أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق، وآن أوان الصدقة.

«فَلا» ليس الأمر كذلك «أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ» مشرق كل يوم من السنة ومغربها «إِنَّا لَقادِرُونَ» 40 على إهلاكهم جميعا بلحظة واحدة

و «عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ» فتخلق خلقا أحسن منهم طاعة وتصديقا كما أهلكنا القرون الأولى واستبدلنا بهم غيرهم وهو أهون علينا «وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ» 41 ولا عاجزين عن ذلك ولا مغلوبين عليه ولا يفوتنا أحد بذلك «فَذَرْهُمْ» يا سيد الرسل «يَخُوضُوا» في أباطيلهم «وَيَلْعَبُوا» في لهوهم «حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» 42 وهو «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ» القبور «سِراعاً» لإجابة الداعي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية «كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ» شيء منصوب كالعلم والراية وشبهها «يُوفِضُونَ»

43 يستبقون إليه أيهم يصله قبل كما كانوا يتسابقون إلى أصنامهم في الدنيا ولكنهم

ص: 411