المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

واعلم أن الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور، وسهو يعتريه من قلة التحفظ والتيقظ وهو في حق الله تعالى محال، والمقصود منها عدم معاملة الظالم معاملة الغافل، بل ينتقم منه للمظلوم ويعامله معاملة الرقيب الحفيظ الحسيب العالم بجزئيات ما وقع منه فضلا عن كلياتها، ففي الآية تهديد للظالم وتعزية للمظلوم.

والمراد من توجيه الخطاب لحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه يعلم أن ربه ليس بغافل ولا يتصور منه الغفلة فيما يتعلق بربه التثبت على ما كان عليه، كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) الآية 135 من سورة النساء في ج 3، أي اثبتوا على الإيمان الذي أنتم عليه، وقد يراد به خطاب أمته الغير عارفين بصفات الله، ويكون على حد قوله (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية 87 من سورة النمل المارة في ج 1 (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) الآية 89 منها أيضا، ولا يخفى أن حضرة الرسول عالم بذلك، وظهور الحال على ما قيل يغني عن السؤال، وقيل في هذا المعنى مما هو منسوب للشيخ عمر السهروردي دفين بغداد قدّس سره ونور ضريحه:

ويمنعني الشكوى إلى الناس أنني

عليل ومن أشكو إليه عليل

ويمنعني الشكوى إلى الله أنه

عليم بما أشكوه قبل أقول

وسنأتي على بحث إسكان إسماعيل في مكة في الآية المذكورة من سورة البقرة إن شاء الله «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ» ويحيط بهم «فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم إذ ذاك «رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا فيها مدة قليلة «نُجِبْ دَعْوَتَكَ» التي أمرت بها «وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ» الذين أرسلتهم فأجابهم ربهم «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ» حينما كنتم في الدنيا وقلتم فيما بينكم فيها «ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ» 44 من مصيركم الذي دفنتم فيه إذا متم أي تبقون ميتين وأنكرتم النشور والحساب «وَسَكَنْتُمْ» فيها «فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» من الكفرة

ص: 289

أمثالكم «وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ» من الإهلاك والتدمير بسبب إنكارهم البعث «وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ» 45 بأفعالهم وبما فعل بهم لتتعظوا وترجعوا عن غيكم، فأبيتم ولم ينجع بكم إرسال الرسل ولا نصحهم وإرشادهم «وَقَدْ مَكَرُوا» الذين سكنوا مساكن الظالمين «مَكْرَهُمْ» مثل الظالمين المذكورين «وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ» ثابت بعلمه الأزلي قبل إحداثه منهم وقبل خلقهم «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» 46 إن هنا وصلية أي وإن كان مكرهم في غاية الشدة ونهاية المتابة، فإنه مبطله في الدنيا ومجازيهم عليه في الآخرة. وتكون إن هنا بمعنى ما، أي ما كان مكرهم لإزالة الجبال، لأن اللام فيه مفتوحة وهي لام كي، ولذلك صارت اللام الأخيرة مفتوحة لنصبها بها، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، واللام في لتزول لام التأكيد، أي مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال في الثبوت. وقرأ بعضهم بفتح اللام الأولى وضم الثانية على الفاعلية، وتكون فيها إن مخففة من الثقيلة ايضا، واللام للتوكيد. وقرىء بفتح اللامين على لغة من فتح لام كي وهي شاذة. هذا، وما حكي عن علي كرم الله وجهه بأن هذه الآية نزلت في النمروذ لأنه اتخذ أربعة أنسر وشدّ عليهن تابوتا وطرن به إلى السماء ليرى إله إبراهيم عليه السلام، وجعل لحما في خشبات بأعلى التابوت لتراها النسور فتطير إليه لتأكله فتحمل التابوت بسبب ذلك وترتفع به نحو العلو، وبهذه الصورة تمكن من الطيران مع صاحب له، وصار كلما ارتفع سأل صاحبه فيخبره أن السماء كهيأتها والأرض كذلك، ولا زال حتى خبره أن الأرض صارت عبارة عن ظلمة، وصارت الريح بينه وبين الارتفاع، والسماء كهيئتها لم يحس بقرب ما منها، قالوا ونودي أيها الطاغي إلى أين تريد، ثم صار يرمي بقوسه إلى السماء حتى افتتن ورجعت النبل ملطخة بالدم، فلما رأى ذلك قال كفيت رب السماء، فحول الخشبات التي عليها اللحم ونكسها لجهة الأرض، فهبطت النسور لتناوله، ولا زالت تهبط به حتى وصل الأرض بسلامة. قالوا فسمعت الجبال خفيق التابوت والنسور فظنت حدوث أمر في السماء، ففزعت وخافت وكادت تزول عن أماكنها من شدة الهلع فهو حكاية مستبعدة، لا يكاد يصدقها العقل ولا يسلم لها

ص: 290

الضمير، ولو قيل إنها نقلت عن ابن جبير والسدّي ومجاهد وأبي عبيدة وغيرهم، كما لا يرتاح الوجدان بتسليم نقلها عن علي كرم الله وجهه، ولا مناسبة بينها وبين هذه الآية، وما هو بالخبر الذي يعتمد عليه، وقال بعضهم إن الفاعل لهذا هو بختنصر. وكذلك ما قيل إن امرأة اتهمها زوجها وكلفها أن تحلف على جبل مشهور لديهم أن من حلف عليه كاذبا مات، وأنها بعد أن اتفقت مع صاحبها بأن ينتظرها بمكان على الطريق وأفقت زوجها على الحلف وذهبت معه، حتى إذا وصلت إلى المحل الذي فيه صاحبها رمت نفسها وأظهرت سوءتها له، فأركها زوجها وذلك الرجل حتى إذا وصلت إلى الجبل حلفت بأنه لم يمسها أحد إلا زوجها وذلك الرجل، مكرا منها، ونزلت من الجبل سالمة، لأن كلمة مسّها أرادت بها الفعل وأظهرت لزوجها أنه اللمس بسبب إركابه لها واطلاعه على سوءتها حين رمت نفسها، قالوا ومنذ ذلك اليوم اندك الجبل بسبب مكرها الذي مكرته على زوجها الذي لا يعلم ما دبرت له، قالوا وإن المرأة من عدنان، فهذه وأمثالها قصص لا عبرة بها، ولا وثوق بصحتها، لهذا فإن الأخذ بها لا يجوز، والأجدر حمل الآية على ما ذكرناه في تفسيرها بصورة عامة يندمج فيها كل كافر ما كر مجترئ على مناوأة الله تعالى ومبارزته، فتكون

الآية من قبيل قوله تعالى (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) الآية 90 من سورة مريم في ج 1.

قال تعالى «فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ» بإعلاء كلمتهم ونصرتهم وإهلاك عدوهم «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» غالب مكر الماكرين «ذُو انتِقامٍ» 47 عظيم من أعدائه المكذبين لأوليائه، واذكر يا سيد الرسل لقومك وغيرهم «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» المعهودة ذات الجبال والوديان والبحار والأشجار.

والعيون والنبات حتى تظنها أيها الرائي لها غير أرضك التي تعرفها ونشأت عليها في الدنيا لخلوها من جميع ذلك، كما قال تعالى (قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) الآية 107 من سورة طه في ج 1 «وَالسَّماواتُ» ذات الكواكب والشموس والأقمار المعهودة التي عشت تحت ظلها تبدل أيضا بما يبدعه الله تعالى حتى لا تشك بأنها غير السموات الأولى لخلوها مما كان فيها من الثريا والميزان والمجرة وغيرها،

ص: 291

روي عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة (هو الطلمه أي الرغيف الثخين العظيم الذي يعملونه فيخبزونه على الملّة وكانت العرب قديما تعمله، ويوجد الآن من عشائر الجبور في الجزيرة آل محمد آمين يعملونه، وان الرغيف منه يكفي الجماعة ويضعون عليه السمن والسكر، ومنه ما يكفي الأربعين وأكثر بارك الله في الكرام) يوم القيامة يتكفأها الجبار بيده، (أي يميلها من يد إلى يد كالرقاقة) كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة.

- أخرجاه في الصحيحين-. وروي عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) إلخ فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟

فقال على الصراط- أخرجه مسلم-. ولا تنافي بين هذه الآية وآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) من سورة الزلزلة في ج 1 لإمكان الجمع بينهما، وهو أن الأرض تتبدل صفتها مع بقاء ذاتها، فيضع الله تعالى بها قوة النطق، فتحدث بإذنه تعالى بكل ما وقع عليها، ثم تبدل ذاتها بغيرها، وما ذلك على الله بعزيز، وأنشد بالمعنى:

اما الديار فإنها كديارهم

وأرى نساء الحي غير نسائها

ومن هذا القبيل قوله:

وما الناس بالناس الذين عهدتهم

ولا الدار بالدار التي كنت أعلم

«وَبَرَزُوا» الموتى من قبورهم متوجهين «لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» 48 ليتمثلوا أمامه بالموقف للحساب «وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ» بعضهم ببعض «فِي الْأَصْفادِ» 49 القيود والسلاسل والأغلال «سَرابِيلُهُمْ» لباسهم «مِنْ قَطِرانٍ» هو ما تدهن به الإبل الجربة مستخرج من شجر مخصوص بإشعال النار تحت وسطه، فيسيل من طرفيه، وأكثر ما يكون شمالي حلب بمنطقة الا كبس وغيرها.

وهذه الكلمة لم تكرر في القرآن إلا في سورة ص الآية 38 في ج 1، وكلمة سرابيل كذلك لم تكرر إلا في سورة النحل المارة في الآية 80، والقطران يشبه الزفت ورائحته كالنفط، وقد يستخرج من شجر الأبهل والعرعر والتوت أيضا، وقد حذرهم الله تعالى مما يعرفون مبالغة في الاشتعال، وإلا فعنده أشياء لمبالغة

ص: 292

الاحتراق أعظم وأعظم من هذه لا نعرفها أجارنا الله منها. وإذا نظرتم أيها الناس الى هذه المتفجرات التي أحدثت في الحروب واستعملت لإهلاك الناس فدمرت الحرث النسل وهي من عمل البشر فما بالكم بما هو من خلق الله الذي أتقن كل شيء؟

علموا أن هؤلاء الكفرة بعد أن يلبسوا ثياب القطران يزجّون في جهنم «وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ» 50 خص الوجه لأنه أعزّ موضع في ظاهر البدن كالقلب في عنه، ولذلك قال تعالى في سورة الهمزة في ج 1 (تطلع على الأفئدة) وإلا تعلو الرأس برماح كثيرة، وكل ما ذكره الله تعالى إنما هو على قدر ما يعقله سر، وإلّا أفظع وأعظم، وإنما ذكرها كالمثل بالنسبة لما تعرفه كما مثل بالمشكاة، وأين المشكاة من نوره المقدس، وكذلك ما ذكره لنا من وصف؟؟ ونعيمها فهو لا يقاس بما عندنا

«لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ» الدنيا لا يظلمها وينقصها «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» 51 يحاسب الخلق كلهم، واحد محاسبة رجل واحد بالنسبة لنا، وإلا فهو أقل من ذلك «هذا» ؟؟ لما ذكر من قوله فلا تحسبنّ إلى هنا «بَلاغٌ» إخطار وإنذار من الله؟؟ إلى خلقه ليتعظوا به ويتدبروا عاقبة أمرهم فيقلعوا عما هم عليه مما لا يرضاه الله يزيدوا مما يرضاه، وهو كاف للتذكير وللتحذير والتيقظ «لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ» بعدهم ومن معهم فيخوفوهم ويهددوهم «وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ» الإله المعبود، القادر على ذلك كله المحيي الميت هو «إِلهٌ واحِدٌ» لا شريك له ولا شبيه مثيل ولا ند ولا ضد ولا معاون ولا وزير، المنفرد بالأمر بلا ممانع ولا الأرض «وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» 52 الصحيحة والعقول السليمة في هذا؟؟ الإلهي الذي هو عبر وعظات وذكرى ما وراءها وراء ليعظوا بها ويتعظوا، يرشدوا ويرشدوا. واعلم أن هذه الجملة لم تختم بها غير هذه السورة، بما يدل أنها أكبر عظة لمن يتذكر. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه أن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 293