المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

في كيفية إهلاكه أو إخراجه من بين أظهرهم، فأنزل الله هذه الآية بوعدهم بها بإنزال أصناف العذاب والهلاك إذا هم فعلوا به شيئا، وهذا من مقدمات الأسباب الداعية إلى هجرته صلى الله عليه وسلم التي قرب أوان إذن الله تعالى له بها. قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ» المراد بهذه الرؤية البصرية لا القلبية، ولذلك وصلت بإلى إذ يراد منها الاعتبار ولا يكون إلا بنفس الجارحة التي يمكن معها النظر إلى نفس الشيء ليتأمل بأحواله ويتفكر فيه فيعتبر ويتعظ «يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ» يقال للظل بالعشي فيء من فاء إذا رجع، وفي الصباح ظل لأنه مما نسخته الشمس والفيء ينسخها. قال حميد بن ثور في هذا:

أبى الله إلا أن سرحة مالك

على كل أفنان العفاة تروق

فلا الظل في برد الضحى تستطيعه

ولا الفيء من برد العشي تذوق

وأراد بالسرحة امرأة على طريق الكناية، أي تنشر ظلاله انتشارا «عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ» 48 صاغرون ذليلون، قال ذو الرمة:

فلم يتق إلا داخر في مخيس

ومنحجر في غير أرضك في حجر

المخيس السجن «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» 49 عن السجود لعظمته بل يتواضعون ويخشعون ويخضعون لهيبة جلاله «يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» 50.

‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

وهذه الآية شاملة لنوعي السجود، لأنه سجود طاعة وعبادة كسجود الملائكة والآدميين وسجود انقياد وخضوع كسجود الضلال والدواب، وجاء بلفظ ما الموضوعة لما لا يعقل تغليبا لأنه أكثر مما يعقل كتغليب المذكر على المؤنث وجمعها جمع من يعقل، لأنه وصفها بصفته، لأن السجود من شأن من يعقل، وهذه السجدة من عزائم السجود وقد بينا ما يتعلق فيه في الآية 37/ 38 من سورة فصلت المارة فراجعه ترشد لما تريده فيه.

«وَقالَ اللَّهُ» تعالى يا ابن آدم إني نهيتكم كما نهيت

ص: 227

آباءكم من قبل على لسان رسلي أن «لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ» الإله الذي يعبد في السماء والأرض هو «إِلهٌ واحِدٌ» فرد صمد لا رب غيره ولا إله سواه ولا يستحق العبادة إلا إياه، وإنما قال واحد لأن الاسم الحامل معنى الإفراد، والتثنية دال على شيئين الجنسية والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منها هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن، وقيل لك إنك تثبت الإلهية لا الوحدانية، وإذا أريدت الدلالة على الجنسية فلا حاجة للتاكيد كما تقول واحد اثنين، ولهذا البحث صلة في الآية 23 من سورة الأنبياء الآتية عند قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) الآية إن شاء الله، «فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» 51 لا ترهبوا غيري أبدا، وقد جاء بالالتفات من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ من الترهيب، والرهب خوف مع حزن واضطراب، قال تعالى «وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً» ثابتا دائما واجبا لازما، قال أبو الأسود الدؤلي:

لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه

يوما بذم الدهر أجمع واصبا

وقال أمية بن الصلت:

وله الدين واصبا وله الملا

ك وحمد له على كل حال

ثم خاطب خلقه على طريق الاستفهام بقوله جل قوله «أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ» 52 أيها الناس بعد أن عرفتم ما قصصناه عليكم من كمال عزّته وكبير قدرته وعظيم سلطانه وجليل عفوه «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» لا من غيره فيجب عليكم شكر نعمه «ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ» 53 تضجّون بالدعاء وتصيحون بالاستغاثة ليكشفه عنكم، والجوأر رفع الصوت بالاستغاثة قال الأعشى:

يداوم من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا «ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ» 54 لأنهم يضيفونه إلى أسباب أخر ولا يعلمون أنه هو مسبب الأسباب فإذا كان الضر

ص: 228

من القحط وأنعم الله عليهم بالغيث أضافوه إلى الكواكب وإذا كان مرضا أضافوا الشفاء إلى العقاقير، وإذا كان ريحا أو ولدا أضافوه إلى كسبهم، وما ذلك إلا «لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ» من تلك النعم بدل أن يشكروها ويحمدوا المنعم بها عليهم «فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» 55 عاقبة كفركم وجحدكم، وفي العدول من الغيبة إلى الخطاب على قراءة الفعلين بالتاء زيادة في التهديد والوعيد وقرأهما بعض القراء بالياء. ثم شرع جل شأنه يعدّد مساوئهم فقال «وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ» لآلهتهم التي لا يعلمون أحوالها من أنها لا تضرّ ولا تنفع ولا تحمي ولا تشفع «نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ» من الأنعام راجع الآية 138 من سورة الأنعام المارة تجدها مفصلة هناك، ثم أقسم بذاته الكريمة فقال «تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ» أيها الكفرة «عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ» 56 في الدنيا من هذه الأشياء القبيحة وغيرها، وهذا السؤال يكون حتما يوم القيامة عن عدها آلهة، وتخصيص بعض نعمه إليها وتخظيظها بنصيب منها تشبيها لها بالآلهة «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ» وهم يكرهوهن لأنفسهم وذلك أن فرقا منهم كخزاعة وكناية يزعمون أن الملائكة بنات الله «سُبْحانَهُ» وتنزه وتعالى عن ذلك «وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ» 57 من الذكور، أي كيف ينسبون النوع المحبوب إليهم والمكروه إلى ربهم «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا» من الكآبة والحياء من الناس كأنه جاء بشيء منكر فاحش «وَهُوَ كَظِيمٌ» 58 ممتلىء غضبا وحنقا وحزنا على ما حل به من الغم وعلى زوجته أيضا كما أشرنا إليه في الآية 17 من لزخرف المارة «يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ» يتغيب عنهم ويستتر منهم «مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ» لئلا يرونه فيعيّرونه ثم يتفكر ماذا يصنع بها «أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ» بأن يتركه حيا فيربيه على هوان لنفسه ومذلة لها كأن ذلك المولود من زنى وقد ذكر الضمير باعتبار عوده إلى ما بشر به «أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ» فيدفئه حيا فيئده حتى يموت تحته ويتخلص من عاره وشناره. قال تعالى ذامّا صنيعهم هذا بقوله «أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» 59 في هذه القسمة وهذا الحياء وهذه السنة وهذا الإباء وهذا الوأد، راجع الآية 8 من سورة التكوير في ج 1 فيما يتعلق بهذا.

ص: 229

قال تعالى «لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ» كراهية الإناث ووأدهن خشية العار أو الفقر «وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى» نزاهته عن ذلك وتعاليه وغناه عن العالمين أجمع، وهذه الجملة لم تكرر في القرآن إلا في الآية 27 من سورة الروم الآتية «وَهُوَ الْعَزِيزُ» المتمتع في كبريائه الغالب، الغير محتاج لأحد من خلقه «الْحَكِيمُ» 60 في إمهال عباده المتطاولين عليه لأمر يعلمه لأنه لا يؤاخذهم على ما يبدر منهم من الظلم والتعدي حالا بل بمهلهم ليتوبوا ويرجعوا عن غيهم

«وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ» مثل هذا وأشباهه «ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ» بل لدمّر كل من على الأرض حالا «وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» لإيمان من يؤمن منهم وإصرار من بصر «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ» 61 عنه لحظة، وهذه الآية ونظيرتها في المعنى الآية 45 من سورة فاطر في ج 1 عامة في كل ظالم مخصوصتين في قوله (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) الآية 35 من سورة فاطر المذكورة، لأن في جنس الناس يدخل الأنبياء والصالحون ومن لا يطلق عليهم اسم الظلم، فاتقوا الله أيها الظلمة فلا تحملوا أوزاركم وأوزار غيركم بظلمكم، فقد يهلك بظلمكم وشؤمكم خلق كثير لا دخل لهم في أعمالكم، وقد فعل الله تعالى ذلك في قوم نوح عليه السلام عدا من كان في السفينة وأدخل الدواب التي لا تعقل بالهلاك عقوبة لكم، لأن أكثرها مخلوقة لمنافعكم وأنتم تظلمون أنفسكم وتتجاوزون حقوق الله وتتعدون حدوده. واعلم أن البلاء قد يعم، قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) الآية 15 من سورة الأنفال في ج 3، قال أبو هريرة: إن الحيارى لتهلك في وكرها بظلم الظالم. وقال ابن مسعود: إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم. واعلموا أن الله لو يؤاخذكم بما يقع منكم لا نقطع نسلكم ولم يبق على وجه الأرض أحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

«وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ» لأنفسهم، وهذا بمقابلة قوله (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) في الآية المارة 57 «وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ» مع ذلك إذ يتمنون «أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى» العاقبة الحسنة عند الله وهي الجنة في الآخرة وهو كذب محض

ص: 230

وافتراء على الله، وهذا ردّ لقول الخبيث منهم (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) الآية 50 من سورة فصّلت المارة والآية 36 من سورة الكهف أيضا.

قال تعالى «لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ» في الآخرة لا شيء لهم غيرها «وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ» 62 معجلون إليها، والفرط التقدم إلى الماء قبل القوم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض، لأنه صلى الله عليه وسلم يقف على حوضه الكوثر يوم القيامة ويرد عليه المؤمنون به. قال تعالى «تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ» رسلا كما أرسلناك إلى هذه الأمة «فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» كما زين لقومك أعمالهم القبيحة بالفاء الوسوسة إليهم وقبولها منهم وإلا ففي الحقيقة إن المزين هو الله تعالى، راجع الآية 39 من سورة الحجر المارة والآية 35 المارة من هذه السورة، والذين يتبعون ما يزين لهم الشيطان رغبة به «فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ» في الدنيا التي هم فيها لأن اليوم المعروف معروف في زمان الحال كالآن وصدر بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة ويتعجب منها، ويسمى مثل هذا حكاية الحال الماضية، وهو استعارة من الحضور الخارجي إلى الحضور الذمني، والمراد به مدة الدنيا، لأنها كلها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة، وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» 63 في الآخرة لكفرهم بالله واتخاذهم أولياء من دونه. قال تعالى «وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ» يا محمد «إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ» من البعث وغيره لا لعة أخرى وهذا معنى الاستثناء المفرغ أي ما أنزلناه إلا لهذه الغاية، وهذه الآية قريبة في المعنى من الآية 39 المارة قبلها، ولقوله تعالى في الآية 44 المارة أيضا وتشمل كل شيء اختلفوا فيه من أمر الدين والدنيا، لأنه داخل ضمنها «وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» 64 به فينتفعون بهديه ورشده أما غير المؤمنين فلن ينتفعوا به وهو عليهم عمى، راجع الآية 44 من سورة فصلت المارة «وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» جدبها ويبسها لأنه موت بحقها «إِنَّ فِي ذلِكَ» الإحياء بعد الإماتة «لَآيَةً» دالة على البعث للإنسان بعد موته بالنسبة «لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» 65 آيات الله سماع قبول فيعونها ويتدبرونها ويعقلون ما فيها، لأن

ص: 231