المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

ولا تكرار في هذه الآية، لأن الأولى تتضمن أنها سجيته عليه السلام، وهذه يأمر الله بها حبيبه محمدا بأن يسلك طريقة جده إبراهيم، وفيها ردّ صريح على العرب وغيرهم الحاضرين والسالفين القائلين إنه كان مشركا، لأنها جاءت نافية عنه مادة الشرك منذ نشأته كما أنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا كما زعم اليهود والنصارى، راجع الآية 67 من آل عمران ج 3، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعبد على شريعته ويتدين بدينه الذي ألهمه الله إياه إلى أن كمل الله له شريعته الناسخة لكل الشرائع والموافقة لكل عنصر وعصر إلى آخر الدوران ليقتدي بها وبأمر أمته باتباعها، قال تعالى «إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ» فرض ووجب احترامه وعدم العمل به كسائر الأيام «عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ» مع نبيهم وهم اليهود لأن موسى عليه السلام أمرهم بتعظيم يوم الجمعه وأن يتفرغوا في كل أسبوع يوما للعبادة فيه، فأبوا إلا السبت محتجين بأنه اليوم الذي فرغ الله به من الخلق، وهذا الاختلاف لم يقل به بعضهم دون بعض منهم من أراده، ومنهم من أباه، كلا، بل أنهم كلهم اتفقوا عليه خلافا لنبيهم الذي وافقهم على رغبتهم، لأن الخلاف كان بينهم وبينه، وكذلك عيسى عليه السلام أمرهم بتعظيم يوم الجمعة فأبوا إلا الأحد محتجين بأنه اليوم الذي بدأ فيه الخلق، وهذا الاختلاف من سعادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ تفضل الله عليها به فقبلته ولم تختلف على نبيها فيه.

‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

وسبب تعظيمه أن الله تعالى خلق آدم فيه، وتاب عليه فيه. وأطاف سفينة نوح فيه، وأرساها فيه، وقيل دعوة يونس فيه، ونجاه فيه، وإجابة دعوة زكريا فيه، وكان تمام الخلق فيه، ولأن الفرح والسرور إنما يكونان عند التمام والكمال فلأن يكون التعظيم له أولى من يوم البدء والفراغ: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون أي (في الوجود والزمن) السابقون (في الفضل ودخول الجنة) يوم القيامة بيد أنهم (غير أن الذين) أوتوا الكتاب من قبلنا فاختلفوا فيه وأوتيناه من بعدهم فهذا (إشارة إلى يوم الجمعة) يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه (على نبيهم فلم يقبلوه) فهدانا الله تعالى له

ص: 259

فهم لنا تبع فغد لليهود وبعد غد للنصارى. ومن قال إن الاختلاف وقع بينهم أوّل فقال جعل بمعنى وبال، أو قال إن في الكلام حذفا وهو كلمة وبال، أي إنما وبال السبت، أو إنما جعل وبال السبت ولعنته التي مسخوا فيها قردة وخنازير على المختلفين فيه، وتقدمت قصة النسخ في الآية 164 من الأعراف في ج 1، وقال بعضهم إنما فرض عليهم السبت، ولما بعث عيسى نسخ بالأحد، كما أن شريعته عدلت بعض أحكام التوراة، ثم نسخ الأحد بالجمعة، لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لكل الشرائع، فكان أفضل الأيام الجمعة، وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

«وَإِنَّ رَبَّكَ» يا خاتم الرسل «لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ» وبين غيرهم «يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» 124 من السبت وغيره كتحريم الإبل وحل الخنزير وقليل الخمر والزواج بالمحرمات وغير ذلك مما ابتدعوه، ولم ينزل الله به برهانا، قال تعالى يا سيد الرسل «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ» من بعثت إليهم قاطبة «بِالْحِكْمَةِ» بالحجة المزيلة للشك المزيحة للشبهة بالتؤدة واللين والرفق وإيراد الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة والحجج القاطعة لتأييد دعوتك «وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» الرقيقة اللطيفة بخطاب مقنع للخصم مقرون بالعبر المؤثرة والعظة النافعة والأمثلة الظاهرة بقصد نصحهم وطلب خيرهم وإرادة ميلهم إلى كلامك وجنوحهم إلى رشدك وهديك.

وهذه طريقة ثانية لأصول الدعوة إلى الله لأن الحكمة المعرفة بمراتب الأفعال، والموعظة الحسنة مزج الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة والشدة باللين. والطريقة الثانية هي المبينة بقوله جل قوله «وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» من غيرها بأن تناظر معانديهم بالطريقة الحسنة التي هي أحسن طرق المجادلة، وتبدي لهم لين العريكة وخفض الجانب والرفق بالمخاطبة، بلا غلظة ولا فظاظة ولا تعنيف، وتأتي لهم بكل ما يوقظ القلب ويجلو العقل وتنبسط له النفس وينشرح له الفؤاد، بوجه مطلق ملئه البشاشة، كي يكون إرشادك أوقع في قلوبهم، وهديك أنفع في نفوسهم، وكلامك أنفع لصلاحهم، ودلالتك أميل لقلوبهم. واعلم أن هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها العلماء والمتصدرون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها من سمات من ورثوا عنه العلم الذي هو صفوة خلق الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن

ص: 260

تكون طريقتهم في النصح والهدى على نحو ما ذكرنا مع تحمل الأذى وثقل الثقلاء وعناد المعاندين وشقاق العتاة، وإذا ابتلوا بالمناظرة أن يكون سبيلهم فيها منبثقا عن هذه الأحوال الثلاثة، وذلك بأن يناظروا الطبقة الراقية بالأصل الأول، وغيرهم من أصحاب الفطرة السليمة بالثاني، والمعاندين المتشدقين بالثالث، لينفعوا وينتفعوا، وإذا لم يستعملوا هذه الطرق التي علمها الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم وأمره جلّ أمره بسلوكها وقابلوا الناس بالفظاظة وبالشدة والغلظة والعنف والأنفة والتكبر والتجهيل شامخين بما آتاهم الله من فضله، فيوشك أن يضلوا ويضلوا ويكون عملهم وبالا عليهم في الدنيا والآخرة، لأن المعتبر في دعوة الخلق إلى الخالق استعمال الصناعات الثلاث المذكورة التي هي البرهان والخطابة والجدل من بين الصناعات الخمس المبينة في علم المنطق، وسهل القول المذكور في علم البيان وفصيح اللفظ المشار إليه في علم البديع ليتيسر له ما يريده من النفع التام لما يرضي الملك العلام، وهذا هو الطريق النافع لقبول الإرشاد، لأن الآية تشعر إلى الاقتصار عليها «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» الذين لا تؤثر فيهم الدعوة بطرقها الثلاث لسابق شفائهم «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» 125 الذين ينتفعون بدعوتك، إلا أن التبليغ للفريقين من واجب الرسل حتى لا تبقى حجة لمعتذر وهو من بعدهم من واجب العلماء، لأنهم ورثة الأنبياء، وهذه الآيات المدنيات الثلاث من هذه السورة كما قاله المفسرون بدليل ما أخرجه النحاس عن طريق مجاهد عن الخبر أنها أي هذه السورة نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد، ولهذا عدت مدينة كما عدت الآية 54 من الزخرف المارة مكية مع أنها نزلت في بيت المقدس ليلة الإسراء، لأن العبرة أن جميع ما نزل قبل الهجرة يسمى مكيا وكل ما نزل بعدها يعد مدنيا كما أشرنا إليه في المقدمة في بحث المكي والمدني. قال تعالى «وَإِنْ عاقَبْتُمْ» أحدا أيها الناس على فعل يستوجب العقوبة «فَعاقِبُوا» المسيء «بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» منه أي كما فعل بكم افعلوا به بلا زيادة ولا نقص إن شئتم «وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ» على الإساءة وعفوتم عن المسيء «لَهُوَ» الصبر والصفح «خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» 126 عليه من المتشفي بالقصاص

ص: 261

عند الله تعالى الذي يعظم الأجر للصابر، وعند الناس لما يطرونه من الثناء عليه في وجهه والمدح بغيابه بخلاف التقاصص، إذ لا يقال للمقتص إلا أنه أخذ حقه ولم يعف ولم يصفح ولم يقبل الرجاء بالعفو. هذا ولما مثل المشركون بقتلى أحد بقروا بطن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وجدعوا انفه وقطعوا مذاكيره وأذانه وأخذت هند بنت عتبة أم معاوية قطعة من كبده ومضغتها لتأكلها تشفيا به فلم تقدر أن تسيغها فأخرجتها وأرسلتها، فتأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك وقال رحمك الله رحمة واسعة ما كنت إلا فعالا للخيرات وصولا للرحم، ثم قال والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك فأنزل الله هذه الآية، فقال صلى الله عليه وسلم بل أصبر وأحتسب، وكفر عن يمينه. وإنما قلت تأثر صلى الله عليه وسلم لأنه بشر يعتريه ما يعتري البشر، وقد بكى على ابنه إبراهيم واغتاظ لابن بتمه، ورأى مرة النساء يبكين في جنازة وقد انتهرهن عمر رضي الله عنه فقال

عليه السلام دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب. هذا وسمى الفعل الأول عقوبة للمزاوجة في الكلام، يعني إن أساء إليكم أحد فقابلوه بإساءته مثلا بمثل، راجع الآية 39 فما بعدها من سورة الشورى المارة تجد ما يتعلق في هذا البحث مستوفيا. وقد أمر الله تعالى برعاية العدل والإنصاف في استيفاء الحقوق في القصاص، لأن الزيادة ظلم تأباه شريعة الله العادل. وما قيل إن هذه الآية منسوحة قول لا يلتفت إليه بل هي محكمة لأنها واردة في تعليم حسن الآداب وكمال الأخلاق والنصفة في استيفاء الحقوق وترك التعدي النهى عنه. ومثل هذه الأمور لا يدخلها النسخ أبدا. قال تعالى يا خاتم الرسل اعمل بهذا «وَاصْبِرْ» على ما أصابك من أذى قومك «وَما صَبْرُكَ» على ما يؤذيك ويحزنك «إِلَّا بِاللَّهِ» بتوفيقه ومعونته لك «وَلا تَحْزَنْ» على ما وقع على عمك فإن له فيها درجات في الجنة عند الله، وكذلك قومك لا تحزن «عَلَيْهِمْ» بسبب ما فعلوه فيه وعدم رعايتك وعن إعراضهم عنك ولا على قتلى أحد كلهم، فإنهم أفضوا إلى رحمة ربهم وعطفه ولا يضرهم ما مثله المشركون بهم لأنه مما يزيد في أجرهم «وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ» هو الشدة التي يتكمش لها الوجه ويكفهر وينقبض فيها الصدر ويضيق بسبب ما وقع

ص: 262

من الغم والحزن فيه وقرىء بفتح الضاد وكسرها «مِمَّا يَمْكُرُونَ» 127 بك ويكيدون لك من الدسائس ويحيكونه لك من المصائد، فإنهم لن يصلوا إليك، وإني حافظك منهم، وناصرك عليهم. وفي هذه الآية رمز إلى استتباع أمته له في ذلك كله، لأن كل أمة تقتدي بإمامها وقد خوطب ابن عباس من قبل أحد معزّيه في هذا البيت:

اصبر نكن بك صابرين وإنما

صبر الرعية عند صبر الراس

خير من العباس أجرك بعده

والله خير منك للعباس

هذا على إنه يصح أن يقال فيه:

سأصبر حتى يعلم الناس أنني

صبرت على شيء أمر من الصّبر

«إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا» السيئات واجتنبوا التعدي في القصاص وغيره وراقبوا ربهم في كل أمورهم مع خالقهم وخلقه «وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» 128 لأنفسهم ولغيرهم العافين عن الناس الكاظمين الغيظ ومن كان الله معه فهو آمن في الدنيا والآخرة، قال بعض الكمل: كمال الطريق الموصل إلى الله صدق مع الحق، وخلق مع الخلق، وكمال الإنسان ان يعرف الحق لذاته والخير ليعمل به، فإذا أردت أيها الإنسان العاقل أن يكون الله معك بالعون والفضل والرحمة فكن مع المتقين الصادقين المحسنين ومنهم، فهؤلاء الذين أمرنا الله بمخالطتهم، قال تعالى:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) الآية 152 من سورة التوبة في ج 3، وقال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الآية 2 من العلاق في ج 3، وقال تعالى (مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الآية 92 من يوسف المارة. واعلم أن ترك الإساءة من الإحسان بل إحسان وزيادة، قيل ترك الإساءة إحسان وإجمال. هذا والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان أجمعين، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

ص: 263