المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

النار، والبون شاسع بين الحالتين فليس من أقعد على بساط الموافقة، كمن أجلس مع مقام المخالفة، ولا بد من الفرق وإعلاء المؤمنين وإخزاء الكافرين في يوم لا شفيع فيه ولا معين إلا من رحم الله، وأذن له بالشفاعة. قال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري، ولقد رأيته قام ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكي (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ)

الآية، ولما بلغها الفضيل جعل يرددها ويبكي ويقول ليت شعري من أي الفريقين أنت يا فضيل؟. قال تعالى «وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» ويعدل فيهما بين خلقه بالحق فينصف المظلوم من الظالم ويظهر التفاوت بين المسيء والمحسن، فإذا لم يكن كل ذلك في الحياة لأمور اقتضتها حكمته فلا بد من كينونها في الممات أي بعده حتما. وهذه الآية بمعرض الإنكار على حسبانهم تساوي الفريقين بدليل قوله «وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ» في دنياها «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» 22 في الآخرة فلا يزاد على جزاء الظالم ولا ينقص من مكافآت المحسن.

‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

قال تعالى «أَفَرَأَيْتَ» أيها الإنسان الكامل «مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» فصار تبعا لما تهواه نفسه «وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ» منه بعاقبة أمره «وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ» فلم يجعله يسمع الهدى «وَقَلْبِهِ» فلم يدعه يعقله «وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» فلم يتركه يراه فمن هذا شأنه أخبروني «فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ» استفهام إنكاري، أي لا يهديه أحد البتة لأنه لا يجاب إلا بلا «أَفَلا تَذَكَّرُونَ» 23 أيها الناس فنلاحظون وتقولون لا هادي إلا الله، ولا مضل لمن هداه، ولا هادي لمن أضله.

قال الواحدي: لم يبق للقدرية مع هذه الآية عذرا وحيلة لأن الله تعالى صرح بمنعه إياه عن الهوى حتى أخبر بأنه ختم على جوارحه كلها وعطلها عن النظر إلى طريق الهدى، وقيل في هذا المعنى:

إذا طلبتك النفس يوما بشهوة

وكان إليها للخلاف طريق

فدعها وخالف ما هويت فإنمّا

هواك عدو والخلاف صديق

ص: 115

لأن أصل الشر كله متابعة الهوى وكل الخير في مخالفته، وقيل:

نون الهوان من الهوى مسروقة

فأسير كل هوى أسير هوان

وقال أبو عمرو موسى بن عمر الأشبيلي الزاهد:

فخالف هواعا واعصها إن من يطع

هوى نفسه ينزع به شر منزع

ومن يطع النفس اللجوجة ترده

وترم به في؟؟؟ أي مصرع

واعلم أن متابعة الهوى مذمومة قبل الإسلام، قال عنترة:

إني امرؤ سمح الخليقة ماجد

لا أتبع النفس اللجوج هواها

وقال الأبوصيري:

وخالف النفس والشيطان واعصهما

وإن هما محضاك النصح فاتهم

ولا تطع منهما خصما ولا حكما

فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

وقال غيره:

هي النفس إن تمهل تلازم خساسة

وإن تنبعث نحو الفضائل تبتهج

قال ابن عباس: ما ذكر الله هوى إلا ذمه. وقال وهب: إذا شككت في خير أمرين فانظر أبعدهما من هواك. وقال سهل التستري هواؤك داؤك، فإن خالفته فدواؤك، وجاء في الحديث والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وفي حديث آخر: ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. فيجب على النبيه النبيل أن يعرض عن هواه فإنه مفارقه، وإلا فهو نار ثانية عليه يذهب معه إلى جهنم، قال:

جمع الهواء مع الهوى في مهجتي

فتكاملت في أضلعي ناران

فقصرت بالممدود عن نيل المنى

ومددت بالمقصور في أكفاني

وهذه نزلت في الحارث بن قيس السهمي، إذ كان لا يهوى شيئا إلا ركبه.

وحكما عام في كل من اتبع هواه، وفيها إعلام عن ذم الهوى واتباع الشهوات ما فيها لمن اتبع ذلك، لأن جواهر الأرواح منها ما هو مشرق علوي نوراني، فلا يميل إلا لما يرضي خالقه مبدعه، ومنها ما هو رذيل سفلي ظلماني فلا يميل إلا لما يعجب نفسه، وإن الله تعالى يقابل كلا بما يليق بماهيته وجوهره. ونظير هذه الآية

ص: 116

الآيتان 43- 44 من سورة الفرقان، في ج 1 فراجعهما. قال تعالى «وَقالُوا» منكرو البعث بعد هذه الآيات البينات على إثباته «ما هِيَ» الحياة «إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» لا حياة بعدها أبدا «نَمُوتُ» أي يموت آباؤنا «وَنَحْيا» نحن بعدهم ونموت نحن ويحيا أبناؤنا بعدنا، وهكذا أرحام تدفع وأرض تبلع، أو نحيا نحن ونموت، لأن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا ولا تعقيبا، وعلى هذا قوله تعالى (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ) أي رافعك إلى السماء الآن ومتوفيك بعد، راجع الآية 55 من سورة آل عمران ج 3 «وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ» في كره ومره واختلاف جديديه. واعلم أن الدهر اسم لمدة العالم من مبدإه إلى منتهاه، ويعبر به عن كل مدة طويلة، بخلاف الزمن، فإنه يقع على القليل والكثير.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.

وفي رواية يؤذيني ابن آدم، ويقول يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما. وفي رواية يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار. وأخرج مسلم لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر. وأخرج أبو داود والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم: يقول الله عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول وا دهراه، وأنا الدهر. وأخرج البيهقي: لا تسبوا الدهر، قال الله عز وجل أنا الأيام والليالي أجودها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك. ومعنى ذلك أن الله تعالى هو الآتي بالحوادث، فإذا سببتم الدهر على أنه فاعل وقع السب على الله تعالى عز وجل، ولهذا عدّ بعض العلماء سب الدهر من الكبائر، لأنه يؤدي إلى سبه تعالى وتنزه وهو كفر، وما أدّى إليه فأدنى مراتبه أن يكون كبيرة، وقالت الشافعية مكروه لا غير. وعندنا نحن الحنفية تفصيل، فمن سب الدهر وأراد به الزمان كما هو المتعارف لدى العامة فلا كلام في الكراهة، وإذا أراد رب الزمن وهو الله عز وجل ولا أظن أحدا يريد ذلك فلا كلام في الكفر، راجع الآية 139 من سورة الأنعام المارة. ومن هذا القبيل إذا نسب فعل الأشياء إلى الكواكب

ص: 117

وغيرها، فإن أراد أنها بنفسها تؤثر يكون كفرا، وإذا قال المؤثر هو الله وإنما اقتضت قدرته أن يكون إذا كان كذا كان كذا فلا بأس، وإن أطلق في هاتين المسألتين فمحل تردد لاحتمال الأمرين، والأولى أن يحمل على ما هو الأحسن في مثل هذا. وكانوا قبل الإسلام يستدون الإهلاك إلى الدهر إنكارا منهم لقبض الأرواح من قبل ملك الموت بإذن الله، وكذلك يستدون كافة الحوادث إليه لجهلهم أنها بتقدير الله تعالى، وهؤلاء بخلاف الدهرية لأنهم مع اسنادهم الوقائع إلى الدهر لا يقولون بوجوده تعالى، بل يقولون إن الدهر مستقل بالتأثير، أما هؤلاء فيعترفون بوجود الله. قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ

)

الآية 9 من سورة الزخرف المارة، وهي مكررة كثيرا في القرآن «وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» 24 أي لا علم لهم ولا يقين فيما يقولونه، لأن مصدره الحسبان والميل إلى ما يشتهون من القول من غير موجب، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول من غير حجة أو بينة فاسد باطل، وإن متابعة الشك والوهم منكر. واعلم أن بعض العلماء أنكر قراءة أنا الدهر بضم الراء الوارد في حديث أبي داود المار ذكره بداعي لو كان صحيحا لكان من جملة أسمائه تعالى، ويرويه بفتح الراء ظرفا لأقلب، أي إني أقلب الليل والنهار الدهر، ولكن يردّه رواية مسلم (فإن الله هو الدهر) لذلك إن الجمهور على ضم الراء ولا يلزم أن يكون من أسمائه تعالى، لأنه جار على التجوز ولا مانع لأن الله تعالى له أسماء كثيرة لا يعلمها غيره وهذه التسعة والتسعون المشهورة هي أسماؤه الحسنى، راجع الآية 8 من سورة طه في ج 1 تعلم أن أسماءه لا تحصى وأن لها مشتقات كثيرة، قال تعالى «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ» واضحات لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير لأنها ظاهرة «ما كانَ حُجَّتَهُمْ» بعدم قبولها والأخذ بها «إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا» الذي ماتوا قبلنا «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» 25 أنت وأصحابك يا محمد بأن ربكم الله يحيي بعد الموت، فيا سيد الرسل «قُلِ» لهؤلاء الجهلة «اللَّهُ يُحْيِيكُمْ» من العدم ابتداء من نطفة ضعيفة ميتة «ثُمَّ يُمِيتُكُمْ» عند انقضاء آجالكم من الدنيا «ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ» أنتم ومن قبلكم ومن بعدكم

ص: 118

أحياء كما يقتضيه معنى الجمع «إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» الذي مجيئه حق «لا رَيْبَ فِيهِ» لأنه لا بد واقع «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» 26 حقيقة قدرته تعالى وتصرفه في ذلك «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ» بدل من يوم في صدر الآية والعامل بهما «يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ» 27 إذ يصيرون إلى النار. قال تعالى «وَتَرى» يا سيد الرسل في ذلك اليوم الرهيب «كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً» على ركبها بين يدي الله عز وجل تنتظر القضاء بالعدل من الحاكم العدل وإذ ذاك «كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا» الذي نمقته حفظتها بأعمالها وأقوالها ويقال لها «الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» 28 في الدنيا عن الخير خيرا منه وعن الشر بمثله. ثم يقول الله تعالى «هذا» الذي أحصاه حفظتنا هو «كِتابُنا» لأنا أمرناهم بتدوينه وهو منطبق على ما كان في علمنا قبلا وهو الآن «يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» الذي وقع منكم بلا زيادة ولا نقص لأنه موافق للحق الذي هو في لوحنا أزلا، واعلموا أيا الناس «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ» نأمر الملائكة بنسخ وكتابة «ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» 29 في الدنيا مما هو مدون عندنا، لأن الاستنساخ لا يكون إلا عن أصل. وتدل هاتان الآيتان على أن استحقاق العقوبة لا يكون إلا بعد مجيء الشرع، على أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع خلافا للمعتزلة القائلين إن بعض الواجبات تجب بالعقل. هذا ومما يؤيد التفسير الذي جرينا عليه ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق النون وهي الدواة، وخلق القلم، فقال اكتب، قال ما أكتب؟ قال ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر، ورزق مقسوم حلال أو حرام، ثم ألزم كل شيء بيانه، وذلك دخوله في الدنيا متى، وخروجه منها كيف، ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف، ثم جعل على العباد حفظة وعلى الكتاب خزانا، فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم، فإذا فنى الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم، فيقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا، فترجع فيجدونه قد مات. ثم قال ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) وهل يكون

ص: 119

الاستنساخ إلا من أصل؟ وفي رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه رضي الله عنه أنه سئل عن الآية، فذكر نحو ذلك، ثم قال هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب؟

وقد روى الاستنساخ من اللوح عنه جماعة «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ» و «ذلِكَ» الإدخال «هُوَ الْفَوْزُ» للمؤمنين والظفر العظيم «الْمُبِينُ» 30 الظاهر لهم في الجنة جزاء عملهم

«وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» فيقال لهم يوم الحساب وظهور الحجة عليهم «أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ» في الدنيا من قبل رسلي وتحذركم من هول هذا الموقف «فَاسْتَكْبَرْتُمْ» عن الأخذ بها منهم «وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ» 31 معتادين الإجرام حتى صارت ديدنا لكم لا يحتمل انفكاككم عنها «وَ» قد كنتم في الدنيا أيضا «إِذا قِيلَ» لكم «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ» بالبعث «حَقٌّ وَالسَّاعَةُ» هذه التي أنتم فيها الآن حق «لا رَيْبَ فِيها» أيضا «قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ» ولم تلتفتوا إلى أن الذين أخبروكم بها هم رسل الله وأنهم يتكلمون عن الله وبأمر الله وجاوبتموهم بقولكم «إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا» بما تقولونه فلا نعتقده إلا توهما ولا نقول به إلا حدسا كأن الذين يعظونكم بذلك ليسوا بشيء وقد أكدتم تكذيبهم بقولكم «وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» 32 ما تقولونه وبقيتم شاكين بوجود هذه الحياة ومنكرين يوم الجمع هذا لأنه عندكم لا يعقل وإن ما لا يعقل لا يكون، ولم تعلموا أن أفعال الله لا تدرك، وأنها لا تقابل إلا بالخضوع لها، فانظروا الآن إلى ما كان منكم في الدنيا. قال تعالى «وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا» في الدنيا وجزاؤه لأن العقوبة تسيء صاحبها وتقبح منه لذلك سميت سيئات ولما رأوها مجسمة أمامهم دهشوا «وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» 33 من أنواع العقاب الذي كان أخبرهم به رسلهم، إذ كانوا ينكرون ولا يصدقون ويسخرون بهم عند ما يذكرون لهم ذلك ويخوفونهم به «وَقِيلَ» لهم بعد إدخالهم النار وإحاطة العذاب بهم «الْيَوْمَ نَنْساكُمْ» فنترككم في هذا الشقاء ونجعلكم كالمنسيين بالنسبة لكم وهذا من باب المقابلة أي المتروكين لأن الله تعالى لا ينسى شيئا وذلك «كَما نَسِيتُمْ» في الدنيا «لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا» في الآخرة ولم تبالوا به ولم تصفوا

ص: 120

لنصح أنبيائكم وإرشادهم لكم بالعودة إليه «وَمَأْواكُمُ» الذي تأوون إليه للاستراحة وعند النوم هو «النَّارُ» لا راحة لكم ولا نوم فيها بل عذاب دائم مستمر «وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» 34 يخلصونكم منها أو يمنعون عذابها عنكم «ذلِكُمْ» الجزاء الشاق والعذاب الذي لا يطاق «بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا» بنعيمها الزائل وبهجتها المزخرفة وشغلكم حكامها عن الاعتراف بهذا اليوم. «فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها» أبدا وقرىء بضم ياء يخرجون وفتحها وهو أحسن «وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» 35 يسترضون فلا يطلب منهم إرضاء ربهم والإيمان به وبالبعث والنبوة لأنه لا يقبل عذر فيه ولا توبة. والالتفات من الخطاب إلى الغيبة إيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة بهم، وأن الخطاب للخزنة الذين نقلوهم من مقام المخاطبة إلى غيابة النار، والالتفات من أنواع البديع المستحسنة في الكلام. قال تعالى «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ» 36 إخبار مراد منه الإنشاء أي احمدوا ربكم أيها الناس ومجدوه وعظموه لأنه ربكم ورب كل شيء «وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فكبروه وعزروه وحق للرب أن يعظم ويمجد ويكبر ويحمد «وَهُوَ الْعَزِيزُ» الغالب في الانتقام من أعدائه البليغ في النصرة لأوليائه «الْحَكِيمُ» 37 في أحكامه وإحكامه. وقد ختمت هذه السورة بمثل ما بدئت به من الصفتين الجليلتين كما هو شأن كثير من السور، وتفيد هذه الصفات أن الكمال كله في القدرة والرحمة والحكمة ليس إلا لله وأن لا متّصف بكمال هذه الصفات غير الإله العظيم الكبير في سمواته وأرضه، المتصرف بما فيهما، ويوجد سورتان مختومتان بهذه اللفظة، الحشر والتغابن، روى مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العزّ إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعه عذبه. وأخرج الرقاق وأبو مسعود عنهما: يقول الله عز وجل العزّ إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار. وهذا مخرج على ما تعتاده العرب في بديع استعارتهم، وذلك أنهم يكنون عن الصفة اللازمة بالثوب، فيقولون شعاره التقوى ولباسه الزهد، فضرب الله عز وجل بالإزار والرداء مثلا له جل شأنه في

ص: 121