المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره، وفي صحيح ابن حبان والحاكم واد بين جبلين يهوي فيه الكافر إلخ. وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله أنه واد في جهنم من قيح.

‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

ثم وصف الله تعالى هؤلاء المطففين بقوله عز قوله «الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» 2 الكيل تماما بل بزيادة على المعتاد إذا اشتروا منهم، وبقوله جل قوله «وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ» 3 ينقصون الكيل والميزان عند ما يبيعونهم شيئا، وهذه صفة كاشفة لكيفية تطفيفهم الذي استحقوا به الويل، ولم يقل جل شأنه ينقصون، لأن من يسرق في الكيل والميزان والذراع مثلا يسرق شيئا طفيفا بحيث لا يحس به غالبا، ولهذا قال المطففين. واعلم أن حرف على ومن يعتقبان في هذا الموضع، لأنه حق عليه، فإذا قال اكتلت عليك فكأنه قال أخذت ما عليك، وإن قال أكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك، وكالوهم من باب الحذف والإيصال أي كالوا لهم، ويقال كاله ووزنه أي كال له ووزن له، كما يقال نصحتك ونصحت لك، وعليه قوله:

لقد جنيتك أكمؤا وعسقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

واعلم أن هذه السورة آخر ما نزل بمكة قبل الهجرة، وقد ذم الله فيها التطفيف وحذر منه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قادم إلى المدينة، وعادة أكثر أهلها التطفيف ليتلوها عليهم أول قدومه كي ينزجروا عن هذه الخصلة القبيحة المستوجبة العذاب الأكبر في الآخرة، والذم الكثير في الدنيا، وهذه أول رحمة من الله نالت أهل المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم، وكان كذلك، لأنه عند دخوله استفتحهم فيها فظن من سمعها أنها نزلت بالمدينة حتى قال بعضهم إنه كان رجل في المدينة يدعى أبا جهينة يشتري بصاع ويبيع بصاع دونه، وأنها نزلت فيه. ومنهم من قال إنها نزلت بالطريق بين مكة والمدينة، والصحيح أنها نزلت في مكة كما ذكرنا وهو أرجح الأقوال الواردة فيها، والله اعلم. وهذا الوعيد يلحق من يأخذ لنفسه زائدا ويدفع لغيره ناقصا، ويتناول القليل والكثير، وإنما شدد الله تعالى في هذا لأن عامة خلقه

ص: 509

محتاجون إلى معاملات الناس وهي مبنية على الكيل والوزن والذراع، والبايع أمين فيما يكيل ويزين ويذرع، والناس يتبايعون ويتعاقدون بالأمانة التي هي ملاك الأمر بينهم أنفسهم وبينهم وبين ربهم، والخيانة مذمومة ملعونة ملعون مرتكبها، لهذا بدأ صلى الله عليه وسلم دعوته في المدينة بها ليرتدعوا عما هم عليه من التطفيف، وليصدقوا في معاملاتهم، ويتناهوا فيما بينهم فتحسن معاملاتهم بعضهم مع بعض، وينجرّ عملهم إلى الإحسان مع خلق الله قال نافع كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول له اتق الله أوف الكيل والوزن، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى يلجمهم العرق. وقال قتادة أوف يا ابن آدم كما تحب ان يوفى لك، واعدل كما تحب أن يعدل لك. وقال الفضيل بخس الميزان سوء يوم القيامة. قال تعالى «أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ» المطففون «أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ» 4 من قبورهم محشورون مساقون «لِيَوْمٍ عَظِيمٍ» 5 ألا يتحققون نشرهم من قبورهم فيه ألا يعلمون عظم ذلك اليوم وهوله، وأدخلت هزة الاستفهام على لا النافية للتوبيخ، لأنها ليست للتنبيه بل للإنكار والتعجب من سوء حالهم وجرأتهم على التطفيف الذميم وعدم خوفهم «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» في الموقف للحساب ويعرضون «لِرَبِّ الْعالَمِينَ» 6 فيتمثلون أمامه فيحاسبهم على النقير والفتيل والقطمير. روى البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر أنه تلا هذه قال يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه. وروى البغوي عن المقداد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة حتى تكون منهم كمقدار ميل. زاد الترمذي أو ميلين. قال سليم بن عامر والله ما أدري ما يعني بالميل مسافة الأرض أو ما يكتحل به العين. قال يكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبه، ومنهم من يكون إلى ركبته، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق الجاما، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى فيه. وروى الحاكم وصححه والطبراني وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خمس بخمس قيل يا رسول الله ما خمس بخمس؟ قال ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، وما طفقوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا

ص: 510

بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر. ورواه غيره مرفوعا. وقال عكرمة أشهد أن كل كيال ووزان في النار، فقيل له إن ابنك كيال ووزان، فقال أشهد أنه في النار وكأنه رحمه الله أراد المبالغة لما علم أن الغالب فيهم التطفيف، ومن هذا ما روي عن أبي ذر رضي الله عنه لا تلتمسوا الحوائج ممن رزقه في رءوس المكاييل وألسنة الموازين. وقد استدل بعض العلماء من قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) على منع القيام للناس لاختصاصه بالله تعالى، وليس بشيء، لأن هذا القيام خاص للمرء بين يدي ربه، وأما القيام للشخص إذا قدم عليه فلا بأس به، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم قوموا لسيدكم. إذ في القيام زيادة احترام للمسلم وإظهار للمودة والمحبة ومدعاة للتآلف والتراحم. وفي عدمه احتقار له، وقد يؤدي إلى التقاطع والتباغض، وربما أدى

إلى القتال، إلا أنه ينبغي للشخص المقام له أن لا يحبه، لما جاء في الخبر من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوا مقعده في النار- أو كما قال-. هذا، والحكم الشرعي: التطفيف حرام ومن الكبائر، وتجب على معتاده التوبة حالا، ورد ما طفف لصاحبه، لأن التوبة بدون رد المظالم لا تتم، راجع شروطها في الآية 27 من سورة الشورى المارة، وقد علمت أن التطفيف من أهم الأمور التي يجب أن يتباعد عنها، لأنه منوط بالناس كافة. قال تعالى «كَلَّا» لا يفعلوا ذلك وليرتدعوا وينزجروا عما هم عليه من التطفيف، ولينتهوا وينتبهو للغفلة عن يوم البعث يوم الوقوف أمام رب العالمين، وليندموا ويتوبوا قبل أن يحل بهم غضب الملك الجبار المنتقم، ثم أتبع هذا التحذير بوعيد الفجار على العموم الذين من جملتهم المطففين بقوله جل قوله «إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ» يشمل الكفرة كما مر في الآية 14 من سورة الانفطار لا سيما وقد جاءت هذه الآية بمقابل الآية 22 الآتية، والمراد بالكتاب هنا صحائف أعمالهم «لَفِي سِجِّينٍ» 7 وهو علم كتاب جامع على ديوان الشر، وهو الذي يدون فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس، وتشير هذه الآية إلى أن المطففين فجار، وقد أشار إليهم صلى الله عليه وسلم بقوله: التجار يحشرون فجارا يوم القيامة، أي الذين هذا شأنهم، أما المتباعدون عن الشبهات، فقد قال فيهم: التاجر الصدوق يحشر مع النبيين والشهداء، ثم قال

ص: 511

تهويلا بكتاب الفجار وقبحه «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان «ما سِجِّينٌ» 8 هو شيء عظيم لا تدركه دراية دار فهو «كِتابٌ مَرْقُومٌ» 9 مكتوب فيه بخط غليظ لأن الرقم الخط الغليظ بحيث يعلم ما فيه من اطلع عليه عن بعد لأول نظرة بلا تفكر ولا إمعان، قال الشاعر:

سأرقم في الماء القراح إليكم

على بعدكم إن كان للماء راقم

وهذا الكتاب علامة على شقاوة صاحبه وكونه من أهل النار وفي لفظة سجين إشارة إلى سجن صاحبه في جهنم ومبالغة في شؤم ذلك السجن، بفتح السين ولقب به الكتاب لأنه سبب الحبس، وهو شر موضع في جهنم في مكان موحش مظلم في مسكن إبليس وذريته، كما وردت الآثار بذلك، وقيل إن سجين اسم الموضع لما أخرج ابن جرير عن أبي هريرة مرفوعا: إن الفلق جب من جهنم مغطى وسجين جب فيها مفتوح، وهذا أولى، إذ يكون الكتاب وسجين على ظاهرهما لولا قوله تعالى (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ) إذ أبدل الكتاب منه، وقد أجاب الإمام النسفي عن هذا في تفسيره بأن سجين كتاب جامع هو ديوان أهل الشر دوّن الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الإنس والجن، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة، أو معلوم بحيث يعلم من رآه أنه لا خير فيه، وعليه يكون المعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان بخط غليظ مميز عن غيره، وقال بعضهم إن نون سجين بدل من لام، وأصله سجيل مثل جبرين في جبريل، ومرقوم من رقم الكتاب إذا أعجمه وبيّنه، ويطلق الرقم على العدد عند أهل الحساب، وليس بمراد هنا. هذا والله أعلم. «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ» يوم يخرج ذلك الكتاب في ذلك اليوم العصيب «لِلْمُكَذِّبِينَ» 10 بذلك اليوم الفظيع لما ينالهم من وبال وحقارة على رءوس الأشهاد، وذل ومهانة وعذاب لا تطيقه الأوتاد، اللهم إنا نتبرأ إليك مما يوجب فضيحتنا يوم التناد

ثم وصفهم بقوله عز قوله «الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» 11 يوم الجزاء صفة كاشفة موضحة لحالهم. قال تعالى متعجبا من جرأتهم على التكذيب في ذلك اليوم المهول «وَما يُكَذِّبُ بِهِ» أحد «إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ» 12 كثير الإثم منهمك في الشهوات القبيحة متجاوز

ص: 512

الحد فيها غال في التقليد، لأنه جعل قدرة الله قاصرة عن الإعادة وعلمه تعالى قاصرا عن معرفة الأجزاء المتفرقة التي لا بد منها في الإعادة، وجعل علة الإعادة محالة عليه، وهو تعالى ليس عليه شيء محال البتة «إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا» الدالة على البعث والجزاء «قالَ» ذلك الأثيم لفرط جهله وقلة عقله وكثرة طيشه وشدة إعراضه عن الحق الذي لا محيد عنه لو كان فيه لمحة من حلم أو لمعة من علم لما قال «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» 13 خرافاتهم المتناقلة وأباطيلهم التي ألفوها على الآباء من قبل، ولم يظهر لها أثر حتى الآن. قيل نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث أو الوليد بن المغيرة، وأيا كان فالآية عامة، والكلام مطلق يدخل فيه كل من اتصف بصفات الذّم المارة هما وغيرهما «كَلَّا» ليس الأمر كذلك، أي مثل ما قال ذلك الأثيم وأضرابه من الباطل والتكذيب «بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» 14 من الآثام الخبيثة، وهذه الجملة بيان لما أدى بهم إلى التقوه بذلك الكلام الفظيع، أي ليس في آياتنا ما يصح أن يقال في شأنها مثل تلك المقالة الباطلة، ولكن أغشيت قلوبهم وغطبت بأوساخ الذنوب وصداها حتى غلب عليها السوء وحال بينهم وبين معرفة الحق كثافة الحجب الحاصلة من طبقات الرين عليها، فلم تقدر أن تعي شيئا أو يوقر فيها شيء من الحق، فقالوا ما قالوا.

أخرج الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا أخطأ بكت في قلبه نكتة، فإذا نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلق قلبه، وهو الران الذي قال الله (بل ران) إلخ. وأخرج الإمام أحمد والحاكم وصححه والسنائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم عنه بلفظ: من أذنب ذنبا وبزيادة سوداء صفة لنكتة، وقد يأتي الرّين بمعنى الطبع، أخرج عبد بن حميد من طريق خليد بن الحكم عن أبي المجير أنه عليه الصلاة والسلام قال: أربع خصال مفسدة للقلوب مجاراة الأحمق فإن جاريته كنت مثله وإن سكت عنه سلمت منه، وكثرة الذنوب مفسدة للقلوب وقال تعالى (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، والخلوة بالنساء والاستمتاع بهن والعمل برأيهن، ومجالسة الموتى قيل يا رسول الله من هم؟ قال كل غني قد أبطره غناه.

ص: 513