الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ج 3، إذ أجمع المفسرون على أن المراد به في هذه الآية الصلاة كما سيأتي في تفسيرها إن شاء الله، ولهذه الأسباب يجوز أن يعدل هنا عن الحقيقة إلى المجاز لوجود الصارف وعدم إمكان الصيرورة إليها والأخذ بمجرد الظاهر، وقد ألمعنا في المقدمة أن طريقتنا في هذا التفسير لزوم الظاهر ما استطعنا، وأن لا نحيد عنه، وهذا مما لم نتمكن من التقيد بظاهره لما علمت «وَلكِنْ جَعَلْناهُ» أي ذلك الكتاب «نُوراً» يهتدى به من الضلال، ومما يؤيد عود الضمير إلى الكتاب لا إلى الإيمان قوله «نَهْدِي بِهِ» بذلك الكتاب «مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا» لأنه أمر محسوس يهتدى به، أما الإيمان فمعنى من المعاني يقر في القلب ويعبر عنه اللسان «وَإِنَّكَ» يا خاتم الرسل «لَتَهْدِي» الناس «إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» 52 عدل سوي «صِراطِ اللَّهِ» وطريقه الموصل إلى الحق الدال على الرشد، كيف لا وهو سبيل الله العظيم «الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» ملكا وعبيدا يتصرف بهم كيف يشاء ويريد لا يسأل عما يفعل فانتبهوا أيها الناس «أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» 53 كلها في الآخرة مشاهدة كما هي الآن في الدنيا وما ترى منها بيد غيره فهو صورة إذ في الحقيقة لا أمر إلا لله ولا يقع شيء إلا بأمره وإرادته، وهناك يجد المحسن نواب إحسانه والمسيء عقاب وجزاء إساءته.
ولا يوجد سورة مختومة بمثل هذه الكلمة، ولا مثلها في عدد الآي. هذا، والله أعم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه وسلم.
تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43
نزلت بمكة بعد سورة الشورى عدا الآية 54، فإنها نزلت بالمدينة، وهي تسع وثمانون آية، وثمنمئة وثلاث وثلاثون كلمة، وثلاثة آلاف وأربعمائة حرف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: «حم» 1 تقدم ما فيه، وقد أقسم الله تعالى فقال «وَالْكِتابِ الْمُبِينِ» 2 لكل شيء وجواب القسم قوله عز قوله «إِنَّا جَعَلْناهُ» أي الكتاب الملقى إليك يا محمد المشار إليه آخر السورة المارة «قُرْآناً عَرَبِيًّا» بلغتك ولغة قومك «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» 3
معانيه فلا تحتجوا بعدم فهمه «وَإِنَّهُ» هذا القرآن ثابت عندنا مدوّن «فِي أُمِّ الْكِتابِ» اللوح المحفوظ. وسمي أما لأن كل الكتب السماوية المنزلة على الرسل وغيرها مسجلة فيه ومنه ينسخ ما ينزله الله على من يشاء من عباده، قال تعالى:
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) الآيتين من آخر سورة البروج في ج 1، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة والباقون بضمها وهو الصواب ولهذا يقول تعالى «لَدَيْنا لَعَلِيٌّ» شرفا ومنزلة وشأنا «حَكِيمٌ» 4 لا يتطرق إليه البطلان على مرور الدوران، راجع الآية 42 من سورة فصلت المارة وما ترشدك إليه من المواضع في حفظ هذا القرآن وتعهد الله به «أَفَنَضْرِبُ» نذود وننحى ونترك «عَنْكُمُ» يا أهل مكة «الذِّكْرَ» بالقرآن فلا نذكركم به ونهملكم «صَفْحاً» إعراضا عنكم، فلا نأمركم ولا ننهاكم، أو نمسك عن إنزاله بسبب «أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ» 5 بأنواع الكفر والمعاصي ونبقيكم سبهللا، كلا، لا نفعل ذلك من أجل انهماككم وإصراركم على المعاصي والكفر، بل ننزله عليكم ونكلفكم بالإيمان به وترك ما أنتم عليه، لئلا تقولوا في الآخرة ما جاءنا من كتاب ولا نذير.
قرأ نافع وحمزة بكسر الألف من أن، أي إن كنتم مسرفين لا نضرب عنكم الذكر، وقيل إن أن هنا بمعنى إذ، مثلها في قوله تعالى (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الآية 278 من البقرة في ج 3، أي والجزاء مقدم على الشرط، وقرأ الباقون بفتحها على التعليل وهو الأحسن والأوفى بالمرام. قال تعالى «وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ» 6 قبلكم «وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» 7 مثلما يسخر بك قومك فلا تضجر لما ترى منهم، فإن لك أسوة بإخوانك الأنبياء، وهذه تقدير للآية قبلها مبينة أن إسراف الأمم السابقة الكثيرة في التكذيب لم يمنعنا من إرسال الرسل إليهم ولا إنزال الكتب عليهم، فكذلك إسراف قومك يا محمد لم يحل دون إرسالنا إياك إليهم وإنزالنا كتابك عليهم، وفيها تسلية لحضرة الرسول ليهون عليه ما يلاقية من قومه، قال تعالى يا محمد لا يغرّ قومك ما هم عليه من القوة والكثرة في المال والولد «فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً» وقوة ومن هم أكثر منهم أموالا وأولادا، وهذا نوع آخر