الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ» ليذيع خبره في الآفاق فيرتدع من تحدثه نفسه بمثل فعله مع قومه وآلهته، ولهذا اختاروا الإحراق لأنه أكثر سمعة من القتل «فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ» التي القوه فيها على الصورة المقدمة في الآية 71 من الأنبياء المارة «إِنَّ فِي ذلِكَ» الفعل الذي فعلوه بإبراهيم وتخليصنا إياه «لَآياتٍ» عظيمات باهرات «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» 24 فيعتبرون ويتعظون «وَقالَ» ابراهيم بعد خروجه من النار سالما وأمته نمروذ كما تقدم في القصة يا قوم «إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً» لأن تكون «مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فقط ثم تنقطع في الآخرة لأنها ليست على تقوى وستكون عليكم وبالا، وهكذا كل صداقة من هذا القبيل راجع الآية 67 من سورة الزخرف المارة «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» وذلك لأن الأوثان تنبرا من عابديها وتنكر أنها كانت معبودة لهم وان رؤساءهم الذين أضلوهم يتبرءون منهم أيضا فيقع التشاحن بينهم فتلعن القادة الاتباع، والأتباع القادة، والأوثان عابديها، والعابدون الأوثان، ويكثر اللجاج والخصام بينهم، راجع الآية 31 من سورة سبأ والآية 31 من سورة ابراهيم والآية 47 من سورة المؤمن والآية 20 من سورة السجدة المارات والآية 165 من البقرة فما بعدها ج 3 العابدين والمعبودين، ويقال لهم حينذاك اخسؤوا لا تكلموا فما لكم من مجيب وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» 25 يحولون دون تعذيبكم البتة. قال تعالى «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ» فقط بعد ظهور المعجزة العظيمة في النار، وإلا فهو مؤمن من قبل لأن الأنبياء يولدون مؤمنين فلا يتصور فيهم غير الإيمان من بدايتهم حتى نهايتهم «وَقالَ» ابراهيم بعد ذلك كله وقد أيس من إيمان قومه «إِنِّي مُهاجِرٌ» من هذه البلدة «إِلى» حيث أمرني «رَبِّي» لعدم قدرتي على إقامة الدين بين هؤلاء الكفرة، ولم أجد من ينصرني عليهم لتنفيذ أوامر ربي عز وجل.
مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها
. وهو أول من سنّ الهجرة من دار الكفر صيانة لدينه، وآخرهم حفيده
محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرض الله تعالى له هجرة جده إيذانا بهجرته من مكة «إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ» الغالب على أمره «الْحَكِيمُ» 26 الذي لا يأمر إلا بما يكون فيه المصلحة ولا يرد هنا مسألة الأصلح لأن الأمر غير الإرادة والاختيار غير الوجوب، تأمل، وراجع ان شئت الآية 149 من الأنعام المارة وما ترشدك اليه. قال تعالى «وَوَهَبْنا لَهُ» بعد الهجرة «إِسْحاقَ» من زوجته سارة بنت عمه وكان وهب له قبله إسماعيل من جاريته هاجر «وَ» وهبنا لإسحق «يَعْقُوبَ» في حياته «وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ» أي ابراهيم ولم يصرح باسمه لشهوته وعلو قدره «النُّبُوَّةَ» إذ لم يرسل الله نبيا من بعده إلا من ذريته «وَالْكِتابَ» جنسه المشتمل على التوراة والإنجيل والزبور والقرآن إذ أنزلت كلها على ذريته، ولم ينزل بعدها شيء أبدا «وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ» وهو دوام الثناء عليه ومحبته من جميع الأمم على اختلاف مللها ونحلها «فِي الدُّنْيا» فلا تجد أحدا إلا ويثني عليه، وبسبب بقاء ذريته يستمر ذكره الحسن الى آخر الدوران «وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» 27 للقاء الله عز وجل، فقد جمع الله له خير الدارين، وهو أحق من يكرم بذلك. قالوا ولما نجى الله ابراهيم على الصورة المذكورة في الآية 57 من سورة الأنعام فما بعدها وأذن الله له بالهجرة هاجر من أرض بابل إلى الأرض المقدسة هو وزوجته سارة وابن أخيه لوط، فمروا على حران فأقاموا بها زمانا ثم خرجوا إلى الأردن فدفعوا إلى مدينة فيها جبار من القبط اسمه صارولي، وهو الذي تعرض له في ساره، فمنعها الله منه ومتعها بهاجر القبطية، وليس المراد أنها تدبن بالقبطية إذ لم تكن الديانة القبطية مشروعة إذ ذاك، ويرجع تاريخ تسهية القبط الى سبعمئة سنة بعد الطوفان، وإنما سموا قبطا لأنهم نسبوا الى قبطيم بن مطريم، قالوا وخرج ذلك الجبار من تلك المدينة فورثها ابراهيم وأ ترى بها، وأعطى نصفها الى لوط، ثم تزوج هاجر بأمر سارة فولدت له إسماعيل وهو ابن ست وثمانين سنة وقيل تسع وتسعين أما إسحق فقد ولدته سارة على طريق المعجزة كما مر في الآية 40 من سورة هود المارة، وكان ابراهيم ابن مئة سنة، وقيل وسبع وعشرة سنة كما في الآية 39 من سورة ابراهيم المارة. ثم أمر الله ابراهيم
بالذهاب الى مكة بإسماعيل وامه، واعلمه بأنه قد بوأه حرمه وأنه يبنى من قبله، فأخذهما ووضعهما عند البيت ورجع لأهله كما مر في القصة. روى البخاري عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطقة من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتخفي أثرها على ساره، ثم جاء بها ابراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، فوضعها هناك ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قضى ابراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم إلى أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟
فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له الله أمرك بهذا؟ قال نعم قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق ابراهيم فدعا بالدعوات المذكورة في الآية 40 فما بعدها من سورته عليه السلام، ثم دعا بالآيات 125 فما بعدها من سورة البقرة في ج 3 وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر اليه يتلوى أو قالت يتلبط فانطلقت كراهية ان ترى حالة ولدها، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت منه حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم ترى أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما (وصار من شعائر الحج) ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت صه تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت صوتا وقالت يا من قد أسمعت إن كان عندك غراث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فيحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف، وفي رواية قدر ما تعرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم علينا معينا، قال فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيتا لله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه،
(وستأتي كيفية بنائه في تفسير الآية المذكورة آنفا من البقرة ج 3) وان الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا في الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، (أي ولا تناله بشيء) فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا (العائف المتردد حول الماء) فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء ولعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريّا أو جريين (بالتشديد الرسول) فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا نعم، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فالفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات منهم ونشب الغلام وتعلم العربية منهم وآنسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه بامرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل ليطالع تركته. أخرجه البخاري بأطول من هذا، وسنأتي على تمام القصة في سورة البقرة إن شاء الله. قال تعالى «وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ» اللواطة المتناهية في الفحش والقبح والخبث التي ابتدعتموها وحدكم «ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ» 28 فهم أول من سنها في الأرض، قاتلهم الله «أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ» في أدبارهم «وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ» الطريق على المارين وتقتلون وتسلبون وتجرون معهم المنكر «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ» مجسكم الذي هو محل مذاكرات أموركم المهمة فيما يتعلق ببعضكم وجيرانكم وغيرهم «الْمُنْكَرَ» اللواطة فينكح بعضكم بعضا فيه، وتتضارطون، وتصفرون، ويحذف بعضكم بعضا بالحصى، وتفرقعون أصابعكم، وتعلكون، وتتبادلون الألفاظ المنكرة البذيئة، وتتهامزون بالخبث والفحش فيها، وهي لم تتخذ إلا للاجتماعات والمداولات بالأمور النافعة كالحرب وصادرات البلاد ووارداتها وحسن الجوار مع الناس والمعاهدات وغيرها، فتوبوا إلى ربكم وارجعوا عن فيكم، واتعظوا بمن سلف منكم، كي لا يحل عليكم عذاب الله. «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ» بمقابلة نصحه وتحذيره وإرشاده لما فيه خيرهم «إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»
29 أن ما نحن عليه قبيح مستوجب للعذاب والآية 82 من الأعراف وهي (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم) إلخ، وآية النمل (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) إلخ في ج 1، وكلها تدل على الاستخفاف به والاستهزاء بقوله والسخرية به وتهديده، وكان عليه السلام غريبا عنهم، ولم يأت فيما قص الله عنه أنه دعاهم إلى عبادة الله كما جاء في قصة
إبراهيم وشعيب وغيرهما لأنه كان في زمن إبراهيم ومن قومه، وقد سبقه في دعوة التوحيد لله وعبادته ورفض ما سواه، واشتهر أمره عند أهل زمنه، لذلك كانت دعوة لوط لقومه فيما يختص بالنهي عن الفاحشة والأفعال الأخر الخبيثة المار ذكرها فقط، أما إبراهيم وشعيب كغيرهما من الأنبياء فقد جاء إلى قومهما بعد انقراض من كان يعبد الله حال عكوف الناس على عبادة الأوثان، ولم يكن في زمنهما من يدعو إلى الله ولذلك انصرفا إلى دعوة التوحيد والاعتراف بالنبوة والمعاد، فلما أيس منهم على النحر الذي تقدم في الآية 80 من سورة هود والآية 132 من سورة الصافات المارتين والآية 81 من سورة الأعراف في ج 1، دعا عليهم «قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ» 30 وحقق «ولي فيهم، فأجاب الله دعاءه.
قال تعالى «وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى» بإسحاق ويعقوب «قالُوا» أولئك الرسل وهم الملائكة لإبراهيم «إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ» التي فيها لوط «إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ» 31 أنفسهم بأعمالهم الخبيثة وإهانتهم رسولهم وتعديهم على الناس، وإنما أخبروه دون أن يسألهم لأنهم يعرفون أن أمر لوط يهمه لقرابته، ولكونه غريبا عمن أرسل إليهم، ولهذا «قالَ» إبراهيم «إِنَّ فِيها لُوطاً» وهو نبي فكيف تهلكونهما «قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها» بإعلام الله إيانا «لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ» لأنها ليست على دينه إنها «كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ» 32 الباقين مع المعذبين من قومها «وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً» على صفة رجال حسنى الصورة «سِيءَ بِهِمْ» لوط واغتم خوفا من أن يتعدوا عليهم «وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً» طاقة، تقول ضاق ذرعي وضاقت يدي إذا عجزت عن تدبير ما تريده، ويقابله رحب ذراعي ويدي إذا كان ما تريده