الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مخالف في الحكم وليس من تولى وكفر خارجا عن قوله عليهم، وليس حكمهم مخالفا له، تدبر. «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ» 25 رجوعهم بعد الموت لنا لا لغيرنا «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» 26 في الموقف ومجازاتهم وناهيك بنا إذا حاسبنا أو عفونا، وقيل:
حاسبونا فدققوا
…
ثم منّوا فأعتقوا
هكذا عادة المترك
…
بالمماليك يرفقوا
وفي رواية يشفقوا. هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وعلى من تبعهم بإحسان ورضوان من الله ومغفرة ورحمة.
تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18
نزلت بمكة بعد الغاشية، عدا الآيات 28 ومن 83 إلى 101 فإنهن نزلن بالمدينة، وهي مئة وعشر آيات، وألف وخمسمائة وسبع وخمسون كلمة، وسنة آلاف وثلاثمائة وستون حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ» محمد بن عبد الله بن عبد المطلب «الْكِتابَ» القرآن العظيم العربي السوي «وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً» 1 في مبانيه ولا بمعانيه، لأن العوج في المعاني كالعوج في الأعيان، يقال في رأيه عوج كما يقال في عصاه عوج، ولكن يقال لما يدرك بالعين بفتح العين، ولما لا يدرك بكسرها. ومن هذا القبيل الغين بفتحتين الخديعة في الرأي، وبفتح وسكون الخديعة في البيع والشراء، والسكن بالفتح ما سكنت إليه، وبالسكون أصل الدار، والغول بالفتح البعد، وبالضم ما اغتال الإنسان، واللحن بالفتح الفطنة، وبالسكون الخطأ بالكلام، والخمرة بالفتح الريح الطيبة، وبضم الخاء في اللبن والعجين والنبيذ، والجد بالفتح الحظ، وبالكسر الاجتهاد، راجع الآية 17 من سورة الفرقان في ج 1 والآية 56 من سورة المؤمن المارة تجد ما يتعلق بهذا البحث «قَيِّماً» عدلا مستقيما جيء بهذه تأكيدا لأن
نفي العوج يغني عن الاستقامة، ولذلك وصفه به إذ رب مستقيم مشهود له في الاستقامة لا يخلو عن أدنى عوج أو عوج في ذاته ورأيه عند تصفحه وتفحصه «لِيُنْذِرَ بَأْساً» عذابا عظيما في الدنيا والآخرة «شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ» للكافرين به «وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ» عند الله «أَجْراً حَسَناً» 2 لا أحسن منه وهو الجنة ونعيمها الدائم، يدل عليه قوله «ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً» 3 لا يتحولون عنه «وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» 4 من الملائكة وهم قريش ومن حذا حذوهم، ويدخل في هذه الآية الذين اتخذوا عزيرا والمسيح ولدين له من النصارى واليهود، تنزه عن ذلك تأسيا بهم، راجع الآية 30 من سورة التوبة والآية 16 من سورة المائدة في ج 3، وبما أن قولهم هذا كله بهت وافتراء محض قال تعالى «ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ» أبدا وإنما صدر منهم هذا القول عن جهل مفرط بذات الإله المنزه عن ذلك، وانتفاء العلم قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه، وقد يكون في نفسه محالا لا يستقيم تعلق العلم به كهذا القول، لأنه ليس من العلم لاستحالته «وَلا لِآبائِهِمْ» به علم فإنهم قالوه عن جهل أيضا وتلقوه عنهم جهلا دون نظر وتدبر وتفكر «كَبُرَتْ» هذه الكلمة منهم وعظمت «كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» من غير أن تحكم بها عقولهم ولكن لا عقل لمن يقولها ما أكبرها من كلمة «إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» 5 بحتا غير مطابق للواقع، وبعضهم عرّف الكذب بأنه الخبر الغير مطابق للواقع مع علم قائله أنه غير مطابق للواقع، ولا وجه لهذه الزيادة في الحد لأن الكثيرين يقولون هذا القول ولا يعلمون كونه باطلا غير مطابق للواقع، فظهر أن هذه الزيادة باطلة «فَلَعَلَّكَ» يا سيد الرسل «باخِعٌ نَفْسَكَ» مهلكها «عَلى آثارِهِمْ» حين تولوا عنك لما أنذرتهم ودعوتهم للإيمان حزنا عليهم وتتبع طرفك حسرات عليهم لتباعدهم عنك، شبهه وإياهم برجل فارق أحبته فصار يساقط الدموع على آثارهم وأطلال ديارهم وجدا عليهم وتلهّفا على فراقهم، راجع الآية الثانية من سورة الشعراء في ج 1، وهنا كأنه يشير إلى ما جاء آخر السورة امارة من قوله (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) وهو وجه المناسبة بمجيئها بعدها، وقد أبان الله تعالى سبب تأسفه
وتأوهه عليهم بقوله «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ» الجليل الشأن أي القرآن المعبر عنه بصدر السورة بالكتاب ووصفه بالحديث بالنسبة لما نتلوه نحن لأن تلاوتنا له حادثة وهو قديم منزه عن الحدوث، راجع بحث خلق القرآن بالمقدمة «أَسَفاً» 6 مفعول لأجله أي أنك قاتل نفسك لأجل التأسف عليهم لعدم إيمانهم، فلماذا يكون منك هذا؟ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبا البحتري، في نفر من قريش اجتمعوا (على خلاف رسول الله ومناوأته) وكان صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلافهم إياه وإنكارهم ما جاء به من الهدى فأهمه ذلك وأغمه، فأنزل الله هذه الآية يسليه بها. وقال بعض المفسّرين إن معنى باخع قاتل والقتل والإهلاك شيء واحد، قال ابن الأزرق:
لعلك يوما إن فقدت مزارها
…
على بعده يوما لنفسك باخع
أي مهلك. وقال الفرزدق:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه
…
لشيء نحّته عن يديه المقادر
أي القاتل. قال تعالى «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ» من الجبال والأودية والبحار والأنهار والنبات والأشجار والمعادن والحيوان «زِينَةً لَها» كما زينا السماء الدنيا بالكواكب المختلفة ليغتر أهلها بها وتأخذ قلوبهم زخارفها وذلك «لِنَبْلُوَهُمْ» نختبرهم ونمتحنهم «أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» 7 فيها وأزهد لما يعطى منها من غيره المنهمك في حبها لنظهر للناس ذلك وليعلموا من يميل إليها بكليته ممن يرغب عنها، وإلا فالله عالم بذلك قبل ذلك «وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها» من الزينة بعد كمالها وتطاول أهلها «صَعِيداً» أرضا ملساء «جُرُزاً» 8 يابسة بعد أن كانت خضراء زاهية ونفعل بأهلها كذلك بأن نسلبهم ما جمعوه منها حتى يأتوننا صفر اليدين خاسرين الدنيا والآخرة، راجع الآية 94 من سورة الأنعام المارة، وقد أكدت الجملة بأن واللام إيذانا بتحقيق وقوعه وهو واقع لا محالة في الوقت المقدر لخراب الدنيا، راجع الآية 25 من سورة يونس المارة.