الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجما بالغيب في أشياء كهذه، لا يجدر بالعاقل الخوض فيها، بل عليه أن يكل علمها إلى الله، ومن يعش ير هذا، وجاء في رواية: تتحصن الناس في حصونهم فيرمون بسهام إلى السماء، فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون قهرنا من في الأرض، وعلونا من في السماء، فيزدادون قسوة وعتوا، فيبعث الله عليهم نفقا (ذودا يكون في أنوف الإبل) في رقابهم فيهلكون، فو الذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا، أي يمتلىء أجسادها لحما، يقال شكرت الدابة إذا امتلأ ضرعها، أخرجه الترمذي. وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليحجنّ البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج.
يدل هذا الحديث على أن الإسلام يتجدد بعد هلاكهم، والله أعلم.
مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:
وليعلم أن لفظ إسكندر الذي أطلق على ذي القرنين هذا ليس هو الإسكندر الرومي الذي ملك الفرس والروم والذي يؤرخ الروم بأيامه، لأن هذا الذي نحن بصدده كان على عهد إبراهيم عليه السلام بعد نمرود وقد عاش ألفا وستمئة سنة قبل إسكندر المقدوني بأكثر من ألفي سنة، لأن إسكندر المقدوني ولد قبل المسيح بثلاثمائة وست وخمسين سنة، وولايته قبلها في سنة 236، ووفاته سنة 340، فيكون عمره 33 سنة، وكان وزيره أرسطو طاليس الفيلسوف المشهور الذي حارب دارا وأذلّ ملوك الفرس ووطئ أرضهم، وعمر الإسكندرية وغيرها، وكان كافرا، وقد غلط كثير من العلماء والمفسرين فظنوه هو المذكور في القرآن، وحاشا كلام الله أن يشمل هذا الكافر بما ذكر من الثناء، وليس هو الإسكندر اليوناني الذي ولي الملك بعد أبيه مرزين، واسمه المرزبان المار ذكره أول الآية 84 وإنما هو غيرهما، وهو رجل اسمه ذو القرنين فقط، كما ذكر الله، وهو رجل صالح، نابه طيب، وقد قبض الله له قرناء صالحين، فأطاع الله وأصلح سيرته، وقصد الملوك والجبابرة وقهرهم، ودعا الناس لطاعته على طاعة الله تعالى وتوحيده، قالوا ولما أقبل إلى مكة شرفها الله ونزل بالأبطح قالوا له في هذه البلدة خليل
الرحمن، فدخلها ماشيا وقال ما ينبغي لي أن أدخل بلدة فيها خليل الرحمن وأنا راكب، حتى جاء إلى إبراهيم عليه السلام وسلم عليه وعانقه، فهو أول من عانق عند السلام، وسخر الله له السحاب والنور والظلمة فإذا سرى بجيوشه يظله السحاب من فوقه وتحوطه الظلمة ويهديه النور، وكان على مقدمته الخضر عليه السلام، فحظي بعين الحياة، وأخطأها ذو القرنين، وانقادت له البلاد، وإن ما قصّ الله علينا من أمره كاف من عظمته، ومات في مدينة شهرزور ودفن فيها، وقالوا إنه دار في الدنيا مدة خمسمائة سنة، وقال بعضهم إنه مات في بيت المقدس، والله أعلم. وقد ذكرنا آنفا في تفسير الآية 9 المارة أن سبب نزول هذه الآيات بذكر ذي القرنين وأصحاب الكهف هو ما ذكره اليهود أن كفار قريش الذين ذهبوا إلى المدينة لهذه الغاية وعند مجيئهم منها أخبروا قومهم ثم سألوا الرسول عنها، وقد نزلت هذه الآيات بالقصتين المذكورتين، وآية 85 من الإسراء المارة في ج 1 في السؤال عن الروح دفعة واحدة، لأن السؤال عنها دفعة واحدة، ووضعت كل منها في موضعها الآن بأمر من حضرة الرسول ودلالة من الأمين جبريل عليهما السلام بما هو موافق لما عند الله في لوحه وعلمه، كما ذكرناه في المقدمة.
واعلم أن الله تعالى لم يذكر في القرآن العظيم اسم الإسكندر حتى يقال إنه اليوناني أو المقدوني أو الرومي ويؤولون الآية عليه، وإنما سماه ذا القرنين وإن المؤرخين من عند أنفسهم لقبوه بالإسكندر، ولهذا حصل الالتباس بينه وبين الإسكندر المقدوني أو الرومي أو اليوناني ووقع الخطأ بنسبة ما جاء في القرآن إلى أحدهم، والصحيح والله أعلم أنه ليس بأحد هؤلاء الثلاثة وإنما هو ذو القرنين أبو كرب صعب بن جبل الحميري، واسم أمه هيلانه، وكان يتيما في بني حمير كما ذكره الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه سر العالمين وكشف ما في بني الدارين في ص 3 وهو ثقة فيما ينقل ويكتب، كيف لا وقد لقب بحجة الإسلام ورضيه الخاص والعام، يؤيد هذا ما جاء في حاشية بدء الأمالي ص 37 وما ذكره الزيلعي صاحب الكنز بأنه لقي إبراهيم خليل الرحمن وعانقه كما ذكرنا آنفا وقد سئل ابن عباس عن المعانقة فقال أول من عانق إبراهيم خليل الرحمن لما كان بمكة وأقبل إليها ذو القرنين حتى
صار بالأبطح، قيل له في هذه البلدة إبراهيم خليل الرحمن، فقال ما ينبغي لي أن أركب في بلدة فيها إبراهيم خليل الرحمن، فنزل ومشى إليه فسلم واعتنقه كمامر آنفا، فكان هو أول من عانق وعمره يزيد على الألفي سنة، كما يروى أن قيس ابن ساعدة خطب بسوق عكاظ فقال: يا معشر إياد بن الصعب ذو القرنين ملك الخافقين قد أذل الثقلين وعمر ألفين، ثم كان كلمحة العين، ولهذا فإنه ليس بالإسكندر المقدوني ولا الرومي ولا اليوناني ولا اسمه إسكندر البتة، لأن عمرهم ودينهم وسيرتهم تخالف عمره ودينه وسيرته، وإنما هو ذو القرنين وكل ما نقله المفسرون بأنه يوناني أو مقدوني أو رومي وأن اسمه مرزبه أو غيره لا نصيب له من الصحة لأنهم تناقلوه بعضهم عن بعض دون أن يعرفوا مصدر الناقل الأول، وقد تهاونوا فيه ولم يبعثوا عما يؤيده، هذا والله أعلم.
قال تعالى «وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ» أي بعد النفخة الثانية «لِلْكافِرِينَ عَرْضاً» 100 ليشاهدوها عيانا فتنقطع فرائضهم من رؤيتها، ثم بين هؤلاء الكافرين بقوله جل قوله «الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي» فلا يبصرون طرق الهدى والرشد فيها «وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً» 101 له من رسلي ويعرضون عنهم لئلا يفقهوه وليعلم أن هذه الآيات من قوله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ) 83 إلى هنا عدها أكثر العلماء من القسم المدني الذين تبعنا أقوالهم ومشينا عليها في تفسيرنا، هذا والصحيح أنها مكيات، إلا أنها لم تنزل مع سورتها لما قدمناه هنا وفي الآية 58 من الإسراء في ج 1، ولعل السهو بعدّها مدنيات جاء من هذه الجهة، لأن الصحيح أن لا مدني في هذه السورة إلا الآية 28 المارة لا آية 38 التي ذكرها الغير. قال تعالى «أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي» الملائكة كما اتخذ اليهود عزيزا والنصارى المسيح «مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ» لهم، كلا لا سبيل إلى زعمهم هذا فأخبرهم يا سيد الرسل بفساد ظنهم، وأنهم سيتبرءون منهم يوم القيامة ويكونوا لهم أعداء بسبب كفرهم «إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا» 102 هو ما يقدم للضيف عند نزوله وبئس ذلك النزل في ذلك اليوم العصيب، وإذا كان أول قراهم جهنم والعياذ بالله فما هو آخره يا ترى؟ لأنهم إذ ذاك يستغيثون ولا
يغاثون، لأنهم عن ربهم محجوبون، ولا أعظم عذابا من هذا كما لا أعظم لأهل الجنة من نعيم رؤية الله تعالى، كما سيأتي في الآية 107. «قُلْ» لهم يا أكرم الرسل «هَلْ نُنَبِّئُكُمْ» أيها الكفرة «بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا» 103 في الدنيا والآخرة هم «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» عن طريق الصواب ومحجة السداد وجنحوا إلى ما فيه الهلاك والدمار «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» 104 في عملهم ولا يدرون أنه سبب خسارتهم في الآخرة «أُولئِكَ» الضّال سعيهم الظانون بحسن صنيعهم وهو شيء هم «الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ» ولم يصدقوا رسله «وَ» مع نكران «لِقائِهِ» في الآخرة كما أنكروا كلامه في الدنيا «فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» ومحق ثوابها الذي كانوا يأملونه لأنهم ماتوا على كفرهم وقد كافأهم الله عليها في الدنيا بما أنعم عليهم فيها، ولذلك «فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً» 105 إذ لا قيمة لهم ولا قدر ولا مكانة ولا حظ لهم عندنا ولا نصيب في الآخرة، وعدم إقامة وزنهم ازدراء بهم، وهؤلاء الموصوفون بما ذكرهم الخاسرون في الدنيا والآخرة لا كما يقولون إنهم الفقراء والصعاليك الذين شرفوا بالإيمان، لأن هؤلاء هم الناجحون الرابحون الناجون.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال اقرءوا إن شئتم (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ)
الآية.
وذلك لأن الوزن للأعمال لا الأجساد «ذلِكَ» إشارة إلى حبوط عمالهم وخمسة قدرهم، أي الذين ذلك شأنهم «جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً» 106 زيادة على كفرهم فلم يكتفوا به حتى ضاعفوه بالسخرية بكلام الله وذات رسله وكتبه. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» في دنياهم «كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ.» مكافأة لهم على أعمالهم الطيبة في الدنيا «نُزُلًا» في الآخرة أول قراهم عند ربهم وبعده ما هو أعظم وأعظم إذا كان أوله الجنة، وهذه بمقابل الآية 102 بحق الكافرين الذين أول قراهم جهنم وآخره بما هو أفظع وأشنع، وآخر قرى هؤلاء الأبرار رؤية الملك الغفار التي لا تعد جميع الجنان شيئا بالنسبة إليها عند أهل الجنة، والفردوس بالعربية البستان، وكذلك
بالرومية والحبشية، راجع الآية 182 من سورة الشعراء في ج 1، ويطلق على ربوة الجنة «خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا» 108 إلى غيرها، وما قيل إن كلمة الفردوس لم تسمع في كلام العرب إلا من حسان بعد الإسلام لقوله:
وإن ثواب الله كل موحد
…
جنان من الفردوس فيها يخلد
لا يصح، لأن أمية بن الصلت قبل الإسلام سبقه بذلك بقوله:
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة
…
فيها الفراديس ثم القوم والبصل
وقال جرير يمدح خالد بن عبد الله القسري:
وإنا لنرجو أن نرافق رفقة
…
يكونون في الفردوس أول وارد
ومن سمع قبل الإسلام من الجاهليين كثير أيضا. وهذه الكلمة مكررة في القرآن في الآية 11 من سورة المؤمنين الآتية فقط، أخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنها تفجر أنهار الجنة. فلو لم تكن العرب تعلم هذه اللفظة لما ذكرهم حضرة الرسول بطلبها، وتفيد هذه الآية أن الجنات غير الفردوس لإضافتها إليه، وهو كذلك، قال أبو حبان إن جنات الفردوس بساتين حول الفردوس، ولهذا يندفع ما يقال إن الآية تفيد أن كل المؤمنين في الفردوس، مع أن درجاتهم متفاوتة، ولا يعارض الحديث السابق ما رواه أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صليتم علي فاسألوا الله تعالى لي الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا، إذ لا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها فوق بعض، وتكون الوسيلة هي أعلى درجات الفردوس التي هي أعلى درجات الجنة، على أن المراد والله أعلم في هذا الحديث علو المكانة لا المكان. قال تعالى «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي» التي هي في علمه والمقدرة في حكمه «وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً» 109 مرارا كثيرة لنفد ولم تنفد كلمات الله، وما قيل إن هذه الآية نزلت بالمدينة عند ما قال اليهود إنا أوتينا علم التوراة، فكيف تتلو (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) الآية 85 من الإسراء
في ج 1 لا صحة له، وقد أوضحنا هذه في تفسير هذه الآية فراجعها يظهر لك مكّيتها، والآية المدينة في هذا الصدد هي الآية 27 من سورة لقمان المارة فما بعدها كما بيناه هناك، ولذلك كانت أبلغ من هذه في المعنى لما فيها من لفظ أبلغ في العدد والكمية، وهكذا دائما تكون الآية المتأخرة في النزول أبلغ بحكم التدريج تأمل، أما هذه فمكية، وقد توهم من قال إنها مدنية لما أنه وقع السؤال عنها والبحث فيها في المدينة، وما كل ما جرى البحث فيه بالمدينة مدني، تنبه فقهك الله في أمر دينك ودنياك.
«قُلْ» يا سيد الرسل لقومك إني كما تقولون «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» لا ميزة لي عليكم بالبشرية، ولكن بما خصني الله به من النبوة والرسالة، وما أكرمني به من الوحي الذي «يُوحى إِلَيَّ» من لدنه، وهذا تعليم له عليه الصلاة والسلام لسلوك طريق التواضع في أقواله وأفعاله، ولئلا يزمو على أمته بما منحه الله به، وهذا وشبهه ما يشير إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: أدّبني ربي فأحسن تأدبي. «أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» هو ربي وربكم لا شريك له «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ» في الدار الآخرة، ويقر بأن المصير إليه، ويعتقد ذلك اعتقادا جازما لا مرية فيه «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» في دنياه يعضد به إيمانه لينتفع فيه بآخرته «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» 110 ولا شيئا أبدا، بل يخلص له في قوله وعمله وفعله ونيته. روى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمّع سمع الله به ومن يرائي يرائى به.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه.
وفي رواية: وأنا منه بريء، وسبب نزول هذه الآية أن جبذ بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه أحد سرّني، فقال عليه السلام إن الله لا يقبل ما شورك فيه. وقيل إنه قال له: لك أجران، أجر في السر وأجر في العلانية. فالرؤية الأولى محمولة على قصد الرياء والسمعة، والثانية على قصد الاقتداء به، فالمقام الأول مقام المبتدئين، والثاني مقام الكاملين.
روى مسلم عن أبي الدرداء قال: قال صلى الله عليه وسلم من حفظ عشر آيات من أول الكهف