المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

قوة يسمع بها من شاء الله إسماعه كالسلام ونحوه، ولا يمنع من ذلك وجوده تحت الثرى وقد انتحلت منه هاتيك البنية وانقصمت العرى، ولا يكاد يتوقف في قبول هذا القول من يجوز أن يرى أعمى الصين بقّة الأندلس. الثاني أن يكون ذلك السماع للروح بلا واسطة قوة البدن، ولا يمتنع أن تسمع بل أن تحس وتدرك مطلقا بعد مفارقتها البدن بدون وساطة قوى فيه، وإذ كان للروح على القول الصحيح تعلق بالبدن كله أو بعضه بعد الموت لا يعلم حقيقته وكيفيته إلا الله، وهذا التعلق غير التعلق بالبدن الذي كان لها قبله أجرى الله سبحانه عادة أمره بتمكينها من السمع وخلقه لها عند زيارة القبر، وكذا عند حمل البدن وعند الغسل مثلا، ولا يلزم من وجود ذلك التعلق والقول بوجود قوة السمع ونحوها فيها نفسها أن تسمع كل مسموع، لما أن السماع مطلقا، وكذا الإحساسات تابعة المشيئة، فيقتصر على القول بما ورد فقط من السلام ونحوه، ولا يلزم على هذا التزام القول بأن أرواح الموتى مطلقا في أفنية القبور، لما أن مدار السماع عليه مشيئة الله تعالى، وقدمنا ما يتعلق في بحث الروح بصورة مفصلة في الآية 85 من الإسراء في ج 1 فراجعها.

‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» هو ماء مهين ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة إلخ وكلها ضعيفة «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً» تبدأ من المراهقة إلى الشاب إلى الكهولة إلى الكمال إلخ «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً» لأن ما بعد الكمال إلا النقص «وَشَيْبَةً» شيخوخة فهوما وهو تمام النقصان، فسبحانه «يَخْلُقُ ما يَشاءُ» من القوة والضعف والشباب والشيب وغيرها «وَهُوَ الْعَلِيمُ» بتدبير خلقه «الْقَدِيرُ» 54 على ما يشاء، وقدمنا ما يتعلق في مراتب الخلق في الآية 67 من سورة المؤمن المارة، وله صلة في الآية 5 من سورة الحج في ج 3. قال تعالى «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ» المحكوم عليهم بالعذاب لما قدمنا أنه لا يسمى سجر ماء إلا بعد إثبات ما أسند إليه، وهذا القسم يكون عند تذاكرهم من مدة مكثهم في الدنيا والبرزخ فيقولون «ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ» وإنما استقلوا مدة لبثهم مع كثرتها لطول يوم القيامة

ص: 459

على المعذبين وشدّة هوله «كَذلِكَ» مثل هذه الأيمان الكاذبة التي يأتون بها يوم القيامة وأنواع الإفك التي يعتذرون بها ويحاججون ربهم وغيرهم بها «كانُوا يُؤْفَكُونَ» 55 بالدنيا وينصرفون من الحق إلى الباطل ومن الصدق إلى الكذب، إذ كذبوا أنفسهم، لأنهم لبثوا في الدنيا وفي القبر مئات السنين، وهذا لكذبهم في الدنيا بأنهم لم يبعثوا ولم يحاسبوا ولم يعاقبوا «وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ» في حالة الدنيا لهؤلاء الكاذبين «لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ» من يوم خلقكم إلى يوم موتكم في الدنيا، ومن يوم موتكم في البرزخ «إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ» الذي كنتم تنكرونه قرونا كثيرة «وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» 56 أنكم تبعثون ولا تصدقون الرسل بما جاءتكم به، وإن علمكم الآن وتصديقكم لا ينفعكم شيئا لتفريطكم به وقت نفعه، وفي هذا يقال:

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت

ولم تخش سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها

وعند صفو الليالي يحدث الكدر

هذا وبين الساعة والساعة في الآية الأولى جناس تام مماثل، ولا يضر اختلاف حركات الإعراب ولا وجود ال في أحدهما لأنها مؤكدة، ولا يضر اتحاد مدلولها في الأصل، لأن المعرف فيه كالمنكر بمعنى القطعة من الزمن لمكان النقل في المعرف وصيرورته علما على القيامة كسائر الأعلام المنقولة، وأخذ أحدها من الآخر لا يضر أيضا، كما هو موضح في بحث جناس الاشتقاق. قالوا ولا يوجد في القرآن العظيم جناس من هذا النوع إلا هذه في القسم المكي جميعه، وسيأتي مثله في الآية 45 من سورة النور في القسم المدني ج 3 إن شاء الله، لأن الابصار الأول فيها جمع بصر، والثاني جمع بصيرة كما ستقف عليه هناك إن شاء الله. وقال بعضهم إن هذا النوع من الجناس لا يكون بين حقيقة ومجاز، وان الابصار الثاني في تلك الآية ليس من باب الحقيقة بل في المجاز والاستعارة، لأن البصيرة تجمع على بصائر لا على الابصار، ولأن علماء العربية قالوا إن صيغة أفعال من جمع القلة وهو لا يطرد إلا في اسم ثلاثي مفتوح الفاء كبصر وأبصار، أو مكسورها كغيب وأغياب، أو مضمومها كرطب وأرطاب، وساكن العين كثوب وأثواب، أو محركها كعضد وأعضاد

ص: 460

وفخذ وأفخاذ، وصفة فعائل من جموع الكثرة وهي لا تطرد إلا في اسم رباعي مؤنث بالتاء أو بالمعنى ثالثه مدّة كسحابة وسحائب، وبصيرة وبصائر، وحلوبة وحلائب، وشمال وشمائل، وعجوز وعجائز، وسعيد علم على امرأة وسعائد، وقد استعيرت الأبصار للبصائر مجامع ما بينهما من الإدراك والتمييز، وقد ظن بعضهم أن الساعة في القيامة مجاز وانكسر التجنيس فيها، وهو بغير محله لما ذكرنا أن الساعة عبارة عن قطعة من الزمن وكلاهما حقيقة فيه، تأمل. قال تعالى «فَيَوْمَئِذٍ» يوم قيام الساعة «لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ» ولا احتجاجهم لأن قبول العذر والتوبة محلّهما الدنيا، وقد انقضت «وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» 57 يسترضون لربهم فلا تطلب منهم العتبى وهي الاسترضاء لفوات محلها، وبعد أن حق عليهم العذاب فلا مناص لهم منه. وقال بعضهم: إن العتبى من الإعتاب بمعنى إزالة البعث كالعطاء والاستعطاء أن لا يطلب منهم إزالة عتب الله أي غضبه لا بالتوبة ولا بالطاعة ولا غيرهما «وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» ليعتبروا فيه فلم يعتبروا، وهذا إشارة إلى عدم قبول الاعتذار في الآخرة «وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ» من الآيات المنزلة عليك يا سيد الرسل، أو مما نزل على من قبلك «لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ» أيها الرسل «إِلَّا مُبْطِلُونَ» 58 فيما جئتم به، فكان شأنهم معك كشأنهم مع الرسل قبلك، لأنهم كلوا يأتونهم بالحق ويكذبونهم ويرمونهم بالباطل من القول، ويصمونهم بالافتراء فلم ينتفعوا بما نضرب لهم من الأمثال ونقص عليهم من القصص ونذكرهم به من الأخبار السالفة «كَذلِكَ» مثل هذا الطبع البليغ المحكم «يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» 59 الجهلة الذين علم الله اختيارهم الضلال على الهدى والكفر على الإيمان، ولذلك وصموا مرشديهم بما لا يليق بهم لشدة توغلهم بالكفر.

واعلم أن الكفر أربعة أنواع: الأول أن يقر بالإيمان بلسانه ولا يعتقد صحته بقلبه وهذا كفر النفاق. الثاني أن لا يتعرف على الله أصلا ككفر فرعون إذ يقول (ما علمت لكم من إله غيري) وهذا كفر إنكار. الثالث أن يعرف الله بقلبه ولا يقره بلسانه كإبليس، وهذا كفر جحود. الرابع أن يعرف الله يقلبه

ص: 461

ويقر به بلسانه ولا يدين به كأمية بن الصلت وهذا كفر عناد. ومنه كفر أبي طالب قبل إيمانه في آخر رمق من حياته على قول ابن عباس أو بعد مماته على ما جاء بأن الله أحيا له أبوبه وعمه أبا طالب فآمنوا به إكراما لحضرته المقدسة ولما لأبي طالب عليه من الأيادي البيضاء، والقول بما ذكره ابن عباس أولى لأن الإيمان بعد الموت لا عبرة به إلا أن يكون خاصة له وإكراما لحفيده، وما عام إلا وقد خصص، وما ذكرنا من أقواله في الآية 56 من سورة القصص المارة في ج 1 والآية 26 من سورة الأنعام المارة تدل على أنه عارف بربه معتقد صحة رسالة ابن أخيه وأن الذي منعه من التصريح بالإسلام مخافة مذمة قريش. والجهل اثنان بسيط وهو من لا يعرف صاحبه ما هو للعلم، ومركب وهو مثل الأول إلا أن صاحبه لا يعرف نفسه أنه لا يعرف، وهذا هو الذي يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب الحق، ولهذا قالوا هو شر من البسيط، وما الطف ما قيل في هذا:

قال حمار الحكيم يوما

لو أنصفوني لكنت أركب

لأني جاهل بسيط

وصاحبي جاهل مركب

وقيل فيه أيضا:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

ولو كنت أعلم ما تقول عذلتكا

ولكن جهلت مقالتي فعذلتني

وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

وقال الآخر:

فبايعا هذا ببخس معجل

غبنت ولا تدري إذا كنت تعلم

فإن قلت لا أدري فتلك مصيبة

وإن قلت أدري فالمصيبة أعظم

وأمثال هذا كثير. قال تعالى «فَاصْبِرْ» يا خاتم الرسل على أذاهم فقد أظلك ما وعدناك به «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» في نصرك وإعلاء كلمتك ثابت في أزلنا إنجازه فدم على ما أنت عليه «وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» 60 أي لا يحملونك على العجلة بما تعدهم به فإنهم لا يصدقونك ولا يؤمنون بوعدك الذي وعدك به ربك مع أنه واقع لا محالة، ولكن له أجل لا يسبقه. هذا ولا يوجد في القرآن سورة مختومة بهذه اللفظة غير هذه. أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير

ص: 462