المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

ونظير هذه الآية الآية 42 من سورة ص في ج 1 وخلاصة هذه القصة قالوا إن أيوب ابن اموص بن تارخ بن روم بن عيص بن إسحق بن إبراهيم وامه من ولد لوط بن هاران الأصغر أخي ابراهيم عليه السلام. وكان تنبأ وبسطت له الدنيا في أرض البلقاء، من أعمال خوارزم مع أرض الشام كلها، وكان عنده من أصناف النعم والعبيد ما لم يكن لأحد في عصره، وأعطاه الله مع هذا أهلا وأولادا ذكورا ونساء، وكان برا تقيا لربه رحيما بالمساكين والأيتام والأرامل، مكرما للضيفان مبلغا أبناء السبيل بلادهم وهذا مما يوافق شريعتنا راجع الآية 60 من سورة التوبة في ج 3 ومن هنا وجب على الأغنياء إعطاء أبناء السبيل من الزكاة ما يوصلهم إلى بلادهم ولو كانوا أغنياء فيها وعلى الحكومة أيضا أن تعطيهم من بيت المال ما يؤمن وصولهم، وكان شاكرا لأنعم الله مؤديا حقوقه وقد آمن به ثلاثة فقط وكان لهم مال أيضا فحده إبليس على ذلك وصار يخاطب ربه فيقول يا رب لو ابتليت أيوب بنزع ما أعطيته لخرج عن طاعتك، فقال إني قد سلطتك على ماله قالوا وكان إبليس لا يحجب عليه شيء في السموات، ولكنه بعد رفع عيسى عليه السلام حجب من أربع منها وفي مبعث محمد صلى الله عليه وسلم حجب عن الكل إلا في استراق السمع، وكان يسمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب، ولذلك حسده فجمع خيله ورجله ونفخوا على الإبل فأحرقوها ورعاتها، فذهب وقال يا أيوب أتت نار فأحرقت إبلك ورعاتها، فقال إنها مال الله أعارنيها ثم نزعها مني وله الحمد، عريانا خرجت من بطن أمي وأحشر إلى الله كذلك، ثم أكثر عليه من الكلام حتى قال له يقول الناس لو كان إلهك يقدر لمنع ذلك، فلم يرد عليه، فرجع خاسئا ثم فعل بالغنم ورعاتها كذلك، وجاء إليه فقال ما قال أولا ورد عليه كما رد عليه أيضا فرجع خائبا ثم فعل بالزرع والأشجار كذلك، وأخبره فكان ما كان أولا وهكذا حتى لم يبق عنده شيء من المال ولم يره تأثر من شيء أصلا، فقال إبليس يا رب ان أيوب يرى أنك ما متعته بولده فأنت معطيه المال، فهل أنت مسلطني على ولده؟ فقال قد سلطتك، فانقض عدو الله حتى أتى ولده جميعا وهم في قصرهم فزلزله فيهم، فتلفوا عن آخرهم، ثم ذهب إلى أيوب

ص: 323

عليه السلام بصورة معلمهم، لأنه كان عليه اللعنة كلما فعل شيئا يذهب الى أيوب بصفة الرجل الذي يناسب ذلك الفعل، ففي تلف الإبل والغنم ذهب بصورة راعيها، وفي تلف الأشجار والزروع والثمار بصورة ساقيها، وهكذا، فقال يا أيوب وهو يبكي ليحرك حزنه لو رأيت كيف نكسوا على رءوسهم وسالت دماؤهم وتقطعت أمعاؤهم لتقطع قلبك ألما عليهم، فقال من هم؟ قال كل أولادك وأخبره خبرهم، وقال قد شقت بطونهم وكسرت رءوسهم وتناثرت أدمغتهم، وكذا وكذا، ولم يزل يصفهم ويقول له بتحرق وتأسف إلى أن رأى التأثر بدا بوجهه عليه السلام طفق يصف له مزاياهم ويعظم فظاعة ما حل بهم حتى رق قلبه عليه السلام، فاغتنم إبليس لعنه الله هذه الفرصة وذهب يعرض لربه جزعه، فتنبه أيوب واستغفر ربه حالا وصعدت توبته قبل أن يبثّ إبليس ما عنده، فخسىء إبليس وذل، ولما رأى ذلك قال يا رب إنما هان عليه المال والولد ما متعته بنفسه فإنك تعبد له ما فقده من مال وولد ونشب فهل أنت مسلطني على جسده، فسلطه الله على جسده عدا لسانه وقلبه وعقله، فانقض زاعما أنه فاز ببغيته، فأتى إليه مسرعا ونفخ في منخريه فاعتراه مرض في جميع جسده ما بين العظم والجلد استدام معه سبع سنين وبضعة أشهر وهو صابر لا يشكو، وتفرقت عنه الناس، وجاء أصحابه المؤمنون وأشاروا عليه بأن يدعو ربه بكشف ضره فأعرض عنهم وأنبهم على ما رأى من ضجرهم، وقال إن الله تعالى عافانا سنين كثيرة ومتعنا بكل نعمه الحاضرة، أفلا نصبر على بلائه بمقدار معافاته على الأقل وأطال عليهم الكلام بخطبة بليغة مؤثرة حتى انفضوا عنه، ولم يبق ممن يراجعه إلا زوجته رحمة بنت افرائيم بن يوسف عليه السلام، وصارت تأتيه بطعامه وشرابه، فلما رأى اللعين خيبة سعيه

ومداومة أيوب على ذكر الله تعالى وحمده وشكره صرخ صرخة فاجتمعت إليه الشياطين من كل جانب وقالوا له ما دهاك قال أعياني هذا الرجل، وحكى لهم قصته معه، فقالوا له هل أتيته من المكان الذي جئت به آدم حين أخرجته من الجنة؟ قال أصبتم، فذهب إلى زوجته وقال لها أين بعلك ذلك الذي كنت ترين، أين أولادك الذين كنت تباهين، أين مالك الذي كنت تفاخرين؟ قد ذهب عنك كل ذلك وتباعدت عنكم أصدقاؤكم

ص: 324

وأنفسكم الناس، فانظري لحالك أين جمالك، أين زخارفك، أين قصورك أين أين؟

فلم يزل يعدد لها ويذكرها عزها الذي كانت فيه حتى صاحت صيحة أظهرت فيها جزعها وضجرها، وقالت له ما العمل؟ قال خذي هذه السخلة وقولي لزوجك يذبحها لي وهو يبرأ مما فيه وتخلصين من هذا الحال ويعود إليك جمالك وعزك وما ذهب منك، فاستمالها الملعون بذلك وأذعنت لقوله ظانة أنه ناصح لها وأنه يرجع لها ما ذكر، فأخذت السخلة منه وذكرت لأيوب ما وقع لها وكلفته أن يذبحها لإبليس لأنه هو الذي نفخ فيك فأصابك ما أصابك، قال لها ويلك أغراك عدو الله أرأيت ما تبكين عليه من المال والولد والجمال والعز والصحة، أليست هي من الله؟ قالت نعم، قال كم متعنا به، قالت ثمانون سنة، فقال لها كم لك في البلاء، قالت سبع سنين وأشهر، قال لها ويلك ما أنصفت ربك، ألا صبرت على البلاء ثمانين كما كنت في الرخاء والنعم، والله لئن شفاني الله لأجلدنك مئة جلدة، تأمريني أذبح لعدو الله اذهبي، طعامك وشرابك عليّ حرام، فذهبت تبكي، وبقي أيوب صابرا ما شاء الله أن يصبر بلا زاد ولا ماء ولا صديق ولا أحد، فخرّ ساجدا لله تعالى، وقال (ربّ إني مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وبين عليه السلام في دعائه هذا افتقاره إلى ربه فقط إذ لم يقل ارحمني، وإن أكثر أسئلة الأنبياء ربهم على سبيل التعريض لا على طريق الطلب، لأن حياءهم منه يحول دون طلبهم، قال المتنبي في هذا المعنى:

وفي النفس حاجات وفيك فطالة

سكوتي بيان عندها وخطاب

وذلك أن الأنبياء عليهم السلام تحققوا أن كل شيء كان أو يكون مسبوق بالإرادة، والإرادة مسبوقة بالعلم، والعلم تابع المعلوم فيتعلق به على ما هو عليه، في ثبوته غير المجهول مما يقتضيه استعداده الأزلي، ثم بعد أن خلق الخلق على حسب ذلك كلفهم استخراج سرّ ما سبق به العلم التابع للمعلوم من الطوع والإباء اللذين في استعدادهم الأزلي، ولذلك أرسل الرسل إليهم مبشرين ومنذرين لتتحرك الدواعي فيهم فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيى عن بيّنة، ولئلا يكون للناس على الله حجة، فلا يتوجه عليه اعتراض بخلق الكافر، وإنما يتوجه الاعتراض على الكافر

ص: 325

بكفره، إذ أنه من توابع استعداده في ثبوته غير المجهول، ويشير إلى هذا قوله تعالى (وَما ظَلَمْناهُمْ) الآية 102 من سورة هود المارة، وقوله صلى الله عليه وسلم: من وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وقد أشار الشافعي رحمة الله إلى بعض هذا في قوله:

خلقت العباد على ما علمت

ففي العلم يجري الفتى والمسن

هذا وبما أن الأنبياء واقفون على هذا وقد أرشدوا الخلق إليه، فإذا دعوا لأنفسهم أو على أعدائهم كان من قبيل التعريض لا التصريح، لأنهم عالمون أن الكائن كائن في الأزل، وإن ما لم يكن لا يكون أبدا سواء دعوا أو لم يدعوا، سعوا أو لم يسعوا، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: علمه بحالي يغني عن سؤالي، راجع الآية 71 المارة، قالوا ولما صعدت دعوته هذه التي هي من إلهام الله وكان قضاء الله الأرلي معلقا على وجودها منه وقد صادقت الزمن المقدر لإنقاذ أيوب مما هو فيه، بعد أن بلغ غايته وطمى نهايته، ناداه مناد من السماء أن ارفع رأسك قد استجيب لك، فاركض الأرض برجلك، فرفسها فنبعت عين ماء فاغتسل منها فشفي مما كان فيه، وعاد عليه جماله أحسن مما كان، وقام صحيحا ورأى أن الله تعالى قد أعطاه مالا وولدا كأحسن ما كان أولا، ومشى وقعد على مكان مشرف، فعنّ لزوجته أن تراه حرصا عليه، فجاءت فلم تر أحدا، فصارت تبكي، فناداها من فوق ما يبكيك يا أمة الله؟ قالت بعلي، قال وهل تعرفينه؟ قالت لا يخفى على أحد وانه في حال صحته أشبه بك، فقال أنا هو، تأمريني أذبح لإبليس، ها إني دعوت الله فردّ علي ما ترين، ثم أمره الله أن يأخذ قبضة من النبات فيها مئة عود فضربها بها تحلة يمينه كما تقدم في الآية 44 من سورة ص المارة في ج 1، ففعل، فرد عليها شبابها. هذا، وما قيل إن أيوب عليه السلام حال مرضه دوّد وألقي على الزبل وغير ذلك من الترهات التي عنها تتحاشى ساحة الأنبياء، فهو كذب لا نصيب له من الصحة، لأن الأنبياء معصومون من العاهات المنفّرة، وإن الذي أصابه هو ما بين الجلد والعظم بحيث لم يظهر عليه ما ينفر الناس عنه، وما قيل من ان النفرة بسبب سلب ما كان عنده من النعم فقد يكون بالنسبة للناس. وما قيل

ص: 326

أيضا إن زوجته باعت شعرها وحلف عليها ذلك اليمين هو محض كذب وافتراء وإنما حلف عليها للسبب المار ذكره وهو تكليفه ذبح السخلة لإبليس، وما نقلناه في هذه القصة هو أصح ما ورد فيها ولو لم نعتمد على صحتها، إذ لا اعتماد إلا على ما يأتي في كتاب الله وسنة رسوله. روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أيوب يغتسل عريانا خرّ عليه جواد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال بلى يا رب ولكن لا غنى عن بركتك. هذا واختلف في معنى (وآتيناه أهله) إلخ، فقيل إن الله تعالى أحيى له أهله وأولاده بأعيانهم وزاده مثلهم، وقيل إنه آتاه أهله في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة، وقيل إن الله آتاه مثل أهله وماله وولده وأنعامه وبيوته ومثلها ثانيا والله أعلم. والآية تحتمل المعنيين والله قادر على كل شيء. قال تعالى «وَإِسْماعِيلَ» بن إبراهيم الذي استسلم لربه وانقاد لأمر أبيه ليذبحه تنفيذا لإرادة الله، راجع قصته في الآية 117 من الصافات المارة. أما قصة وضعه في مكة وأمه فستأتي في الآية 123 من سورة البقرة في ج 3، إن شاء الله «وَإِدْرِيسَ» ابن أخوخ، وقد مرت قصته في الآية 57 من سورة مريم في ج، وفيها كيفية رفعه إلى السماء «وَذَا الْكِفْلِ» الحظ والنصيب واسمه الياس وهو أحد الأنبياء الخمس الذين تسموا باسمين بالقرآن العظيم، هذا وإسرائيل ويعقوب، وعيسى والمسيح، ويونس وذو النون، ومحمد وأحمد، عليهم الصلاة والسلام، وهو ابن ياسين بن فنحاص ابن العيران بن هرون أخي موسى بن عمران عليهم الصلاة والسلام، راجع الآية 143 من سورة البقرة ج 3 بشأن ذى الكفل والآيات من 124 إلى 132 من سورة الصافات المارة. قالوا إنه لما كبر اليسع قال إني استخلف رجلا على الناس ليعمل عليهم في حياتي على أن يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي ولا يغضب، فقال إلياس أنا فرده أولا، ثم قال مثلها في اليوم الثاني فلم يتعهد بهذه الشروط غيره، فاستخلفه ووفى بعهده ولقبه بذي الكفل لأنه وفى ما تكفل به. وما قيل ليس بنبي ينفيه قوله تعالى «كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ» 85 على ما ابتليناهم به راجع قصته مفصلة في الآيات المذكورة أعلاه من سورة الصافات المارة «وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا

ص: 327

إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ»

86 أي إسماعيل وإدريس وذا الكفل. وقد ذكر الله تعالى هؤلاء الأنبياء الممتحنين بأنواع البلاء بسياق قصة أيوب عليهم الصلاة والسلام لأنهم صبروا على ما امتحنوا به كما ذكر في قصصهم. قال تعالى «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً» من قومه لأجل ربه واسمه يونس واسم الحوت الذي ابتلعه نون فسمي ذا النون وصاحب الحوت «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» بفتح أول نقدر وتخفيفه وقرىء بضم أوله وتشديده من التقدير وعلى الأول من القدر وهو التضييق وهي القراءة المشهورة أي ظن أنا لا نضيق عليه بلزوم الإقامة مع قومه، ولذلك تركهم وذهب، راجع قصته في الآية 123 من الصافات المارة أيضا، «فَنادى فِي الظُّلُماتِ» ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت «أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» 87 بمفارقتي قومي دون أمرك، فلا تؤاخذني يا رب على ما وقع مني، ولم يقل نجني أو خلّصني أو غير ذلك لما مر آنفا من أن الأنبياء يفوضون أمرهم لربهم «فَاسْتَجَبْنا لَهُ» لأن قوله هذا تعريض لدعائنا وتنويه بالالتجاء إلينا «وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ» الذي لحقه في بطن الحوت «وَكَذلِكَ» مثل هذه الإجابة «نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» 88 بنا مما يهمهم، ولا يوجد في هذه الآية بما يتمسك به من قال بوقوع الذنب من الأنبياء بعد رسالتهم، لأنه عليه السلام لم يذهب مغاضبا من ربه كما قاله بعضهم، حاشاه، وإنما ذهب مغاضبا من قومه لأجل ربه، وإن ظنّه بعدم التضييق عليه لوثوقه بربه، ولأنه لم يظن أنه أذنب معه بترك قومه، بل كان يظن أنه مخير بين الإقامة معهم والخروج من بينهم عند عدم قبولهم دعوته، لذلك فإن فعله هذا لا يستوجب الذنب لو كان من سائر البشر، أو أن ظنه أن الله لم يقدر عليه شيئا، وهذا على القراءة بالتشديد أي لن نقدر عليه عقوبته، لتركه قومه، والمعنيان متقاربان، إلا أن القراءة بالتخفيف وتفسيرها على ما ذكرنا تبعا لغيرنا أولى وأنسب بالمقام، لأن نقدر بمعنى نضيق شائع، ومثله في القرآن كثير، قال تعالى (اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) الآية 43 من سورة الروم الآتية، وجاء في الآية 7 من سورة الطارق في ج 3 (ومن قدر عليه رزقه) وفي الآية 11

ص: 328

من سورة الفجر في ج

(فقدر عليه رزقه) وغيرها كثير وكلها بمعنى التضييق، وعليه فلم يبق حجة لمن يقول إن نقدر لا تأتي إلا بمعنى القدرة، لأنا إذا جرينا على هذا المعنى فلا يجوز نسبته إلى آحاد الناس، فكيف إلى نبي الله؟ وقد تردد في هذه معاوية بن أبي سفيان فسأل عنها ابن عباس رضي الله عنهما فقال له إنها من القدر لا من القدرة. وفيها قراءات أخرى ومعان بنسبتها ضربنا عنها صفحا لأنا ذكرنا أصح ما فيها، والله أعلم. أما ما حكى عنه بقوله (إني كنت من الظالمين) يريد نفسه لعدم انتظاره أمر ربه قومه وفي أمر بقائه أو خروجه عنهم لا لشيء آخر، على أن ابن عباس قال إن هذه الحادثة كانت قبل النبوة والرسالة مستدلا بقوله تعالى بعد ذكر خروجه من بطن الحوت (وأرسلنا إلى مائة ألف أو يزيدون) الآية 145 من الصافات المارة، مما يدل على أنه قبل النبوة والرسالة وصححه الخازن. ومن قال إنه بعد النبوة وهو ما ذهبت إليه في تفسيري هذا استدل بقوله تعالى (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)

الآيتين 139/ 140 من الصافات أيضا، فالجواب عنه ما تقدم، إذ تفيد هذه الآية صراحة أنه مرسل إليهم قبل هروبه بالفلك، والاستدلال بها أقوى من الاستدلال بتلك، لأن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا ولا تعقيبا، تأمل. قوله تعالى «وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ» قائلا في ندائه «رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً» بلا ولد يرثني «وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ» 89 لي إن لم ترزقني وارثا، وإن رزقني فأنت خير الوارثين له، لأنك ترت الأرض ومن عليها والسماء وما فيها، وأنت الذي لا وارث في الحقيقة غيرك لمن تحت الأرض وما عليها، ومن في السماء وما فوقها «فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ» بأن جعلناها صالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عجوزا عقيما، فولدته كأنها حدثة «إِنَّهُمْ كانُوا» أولئك الأنبياء «يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ» إلى مخلوقاتنا طلبا لخيرنا «وَيَدْعُونَنا رَغَباً» بنا ورهبا «وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ» 90 مخبتين لعظمتنا، خاضعين لهيبتا، فعلى العاقل أن يستديم الخوف حالة الصحة، والرجاء حالة المرض، إذ يقول صلى الله عليه وسلم لرجل دخل عليه وهو في حالة النزع: كيف تجدك؟ قال أخاف

ص: 329

ذنوبي وأرجو رحمة ربي، فقال صلى الله عليه وسلم ما اجتمعا في عبد في هذا الموطن إلا أعطاه ما رجا وآمنه مما يخاف. ومعنى الآية رغبا بذات الله ورجاء عفوه، وطمعا برحمته وخوفا من عذابه، ولهذا يقول الله تعالى لتحليهم بتلك الصفات الأربع العظيمة:

نجيناهم من السوء وأجبنا دعاءهم ونصرناهم على أعدائهم. واذكر يا سيد الرسل لقومك أيضا بسياق ذكر هؤلاء الصالحين من الرجال المرأة الطاهرة الكاملة الصالحة البتول، وهو معنى

«وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها» من التزوج بالحلال السيدة مريم بنت عمران «فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا» المراد من الروح هنا معناه المعروف والإضافة إلى ضميره تعالى للتشريف، ونفخ الروح عبارة عن الإحياء لعيسى عليه السلام الذي قدر الله تكوينه في بطنها، وليس هناك نفخ حقيقة، ولهذا صح أن يقال نفخنا فيها، لأن ما يكون فيما في الشيء يكون فيه، فلا يلزم أن يكون المعنى أحييناها أي مريم، كما قاله بعض المفسرين، وليس هذا بمراد، وهو كما يقول الزّمار نفخت في بيت فلان وهو قد نفخ في المزمار في بيته، وقدمنا القصة ومعنى النفخ في الآية 24 من سورة مريم في ج 1، وأوضحنا هناك معنى الروح أيضا فراجعه، ولبحثه صلة في الآية الأخيرة من سورة التحريم في ج 3 فراجعه، «وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ» 91 على كمال قدرتنا إذ خلفناه من غير أب، ولم يقل آيتين كما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) الآية 12 من سورة الإسراء في ج 1، لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل، أي وجعلنا شأنها وأمرها آية. أخبر الله تعالى في هذه الآيات وأمثالها من القرآن العظيم وهو أصدق المخبرين بأن مريم عليها السلام محصنة من الحلال، والتي تحصن نفسها من الحلال لا يتصور أن لا تحصنه من الحرام، قاتل الله اللئام الذين يفترون عليها ويبهتونها، تنزهت وتبرأت عما يقول الظالمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون «إِنَّ هذِهِ» ملة الإسلام وأمة الإيمان «أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» وملة واحدة وهي ملة جميع الأنبياء ودينهم، لا دين غيره اختاره الله لكم أيها الناس لتمسكوا به وتعبدوا الله وحده وهي التي أدعوكم إليها لتعضوا عليها بالنواجذ، لأن جميع الكتب نازلة في شأنها، والأنبياء كلهم مبعوثون للدعوة

ص: 330

إليها ومتفقون عليها. قال تعالى (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الآية الأخيرة من سورة الحج في ج 3 «وَأَنَا رَبُّكُمْ» واحد لا إله غيري «فَاعْبُدُونِ» 92 وحدي لا تشركوا بي أحدا ولا شيئا، وهذا الخطاب للناس كافة لا يختص به واحد دون آخر. قال تعالى «وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» أي البعداء عن الحق الذين لم يجيبوا الدعوة جعلوا الدين الواحد قطعا ووزعوه بينهم كما يتوزع الجماعة الشيء الواحد، فاختلفوا فيه وصاروا أحزابا. وسياق الكلام يفهم على أن المعنى وتقطعتم، إلا أن الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أوجب ذلك، وفي تخصيص لفظ الرب ترجيح جانب الرحمة بهم وإيذان بأنه يدعوهم إلى عبادته بلسان الترغيب والبسط، لأنه رب كل مربوب، وهو المقيض على عباده جوده ولطفه. ثم انه توعدهم على ذلك التفريق الذي ابتدعوه بقوله «كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ» 93 لا يفلت منهم أحد ولا مرجع له غيري، وإذ ذاك أجازي كلّا بما يستحقه «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ» في دنياه «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» قيد العمل بالإيمان، لأن الكافر لا ينفعه عمله الطيب في الآخرة لمكافأته عليه في الدنيا «فَلا كُفْرانَ» حرمان وبطلان ولا جحود «لِسَعْيِهِ» الذي سعاه في الدنيا كيف «وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ» 94 فلا يضيع له شيئا من عمله الحسن ولو مثقال ذرة بل نعطيه أضعافها من أحسن ما يستحقه طبقا لقوله تعالى (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) الآية 97 من سورة النحل المارة «وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ» ممتنع على أهل قرية «أَهْلَكْناها» بحسب واقتضاء حكمنا وقضائنا الأزلي لغاية طغيانهم ونهاية بغيهم وتجبرهم «أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» 95 من الكفر إلى الإيمان البتة.

والجملة في تأويل مصدر خبر وحرام أي رجوعهم إلينا وتوبتهم حرام. ولا هنا مثلها في قوله تعالى (أَلَّا تَسْجُدَ) الآية 12 من سورة الأعراف في ج 1، وهذا على قراءة فتح همزة أنهم وهو الأفصح، وعلى كسرها يكون معناها التعليل، والمعنيان متقاربان. وقيل إن حراما بمعنى واجب، وعليه قول الخنساء:

وان حراما لا أرى الدهر باكيا

على شجوة إلا بكيت على صخر

وقد مشى بعض المفسرين في قوله تعالى (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)

ص: 331

الآية 151 من سورة الأنعام المارة، أي ما أوجب، لأن ترك الشرك واجب، وعلى هذا قال الحسن ومجاهد لا يرجعون أي لا يتوبون عن الشرك، وقال قتادة ومقاتل لا يرجعون إلى الدنيا، وقال غيرهم لا يرجعون إلى الجزاء، إلا أنه على هذا المعنى الأخير يكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد، وأنه يجرى على ذلك يوم القيامة، وفيه ما فيه، والأول أولى، والله أعلم، فليحرر. قال تعالى «حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ» أي سدهما المشار إليه في الآية 99 من سورة الكهف المارة «وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» 96 سراعا والحدب كل ما ارتفع ونشر في الأرض روى مسلم عن حذيفة بن أسيد العفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، قال ما تذكرون؟ قالوا تذكر الساعة، قال إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. وفي رواية ودابة الأرض، فتكون مع ذكرها عشرا. قال تعالى «وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ» لقيام الساعة «فَإِذا» الفاء للمفاجأة واقعة في جواب إذا «هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا» فلا تكاد تطرف من هول ما ترى في ذلك اليوم، يقولون بلسان واحد «يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا» اليوم لم نقدره في الدنيا على هذه الحالة الفظيعة، ثم انتقلوا عن هذا القول فقالوا «بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ» 97 أنفسنا لعدم اصغائنا إلى الذين خوفونا منه ولم نطع الرسل برفض الكفر وإلزام التوحيد، ثم يقال لهم «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ» وقود «جَهَنَّمَ» وأصل الحصب الرمي والوقود يرمى بالنار رميا بل يقذف قذفا في جهنم إهانة لهم، ولهذا عبر عنه بالحصب «أَنْتُمْ لَها» أيها الكفرة «وارِدُونَ» 98 ورود دخول، راجع الآية 98 من سورة هود المارة «لَوْ كانَ هؤُلاءِ» الأوثان كما زعم عابدوها «آلِهَةً» تعبد وتشفع لهم مما حل بهم «ما وَرَدُوها» الآن ولما دخلوا فيها وعذبوا في جهنم بسبب عبادتها،

ص: 332