المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

وَإِلهُكُمْ واحِدٌ»

فرد صمد لا شريك له ولا مثيل ولا ضد ولا ند ولا نظير «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» 46 مطيعون منقادون له وحده، وفي هذه الجملة تعريض لهم باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله «وَكَذلِكَ» مثل ما أنزلنا على غيرك من الأنبياء كتبا «أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ» القرآن الذي منه هذه الآية الناطقة بما ذكر «فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» قبلك من الطائفتين المذكورتين العالمين العاملين المصدقين فيهما كما أنزلناهما «يُؤْمِنُونَ بِهِ» بالقرآن المنزل عليك لأنه جاء مصدقا لما فيهما، وهذا خاص بخواصهم الحريّين بأن ينسب إليهم إيتاء الكتاب، كعبد الله بن سلام وأصحابه المنصفين، ولا يقال على هذا التفسير تكون الآية مدنية، لأن عبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة بكثير، بل الآية مكية على ما سمعت، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن إيمانهم به ترتب على إنزاله على الوجه المذكور، وفيها إعلام من الله تعالى بإسلامهم في المستقبل، لقوله تعالى (يُؤْمِنُونَ بِهِ) ولم يقل آمنوا ليتحمل ذلك القول ويحتج به قائله، تدبر.

«وَمِنْ هؤُلاءِ» قومك أهل مكة ومن حولها الذين رغبوا بإخراجك وعنك وأحبوا قتلك «مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ» أيضا فكن مطمئنا بذلك يا سيد الرسل، إذ ترى ما تقرّ به عينك «وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا» هذه المنزلة عليك في هذا الكتاب «إِلَّا الْكافِرُونَ» 47 بجميع الكتب لأن الجحود لا يكون إلا بعد المعرفة ولهذا شنع عليهم وسماهم كافرين لتوغلهم بالكفر وإصرارهم عليه وتصميمهم على تكذيبك، قال الراغب صاحب السفينة: الجحد نفي ما في القلب ثباته، وإثبات ما في القلب نفيه. وهذه الآية عامة في كل من هذا شأنه، وما قيل إنها في حق كعب بن الأشرف وأصحابه لا يصح، لأن الآية مكية، وأولئك بالمدينة، على أنهم يدخلون في مضمونها.

‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

قال تعالى «وَما كُنْتَ تَتْلُوا» يا محمد «مِنْ قَبْلِهِ» أي الكتاب المنزل عليك «مِنْ كِتابٍ» أصلا لأنك لم تقرأ «وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ»

ص: 489

لأنك أمي لا تكتب، وذكر اليمين زيادة تصوير لما نفي عنه صلى الله عليه وسلم من الخط، فهو مثل العين في قولك نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز «إِذاً» لو كنت تقرأ وتكتب «لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» 48 من قومك وغيرهم ولا تهموك بأنك تنقل من كتب الأقدمين وتتلو عليهم ما تحفظه منها، وإلا لاحتج أهل الكتابين عليك بأنك لست نبي آخر الزمان، لأنه موصوف بكتبهم أنه أمي، وإذا ثبت أنك أمي فليس لهم أن يشكو برسالتك وختمك للأنبياء، ولا يرتابوا بالكتاب الذي أنزل إليك، لأن هذا كله مذكور في التوراة والإنجيل المنزلين من قبلنا على أنبيائهم، تقدم الله تعالى إلى رسوله في هذه الآية ليعلمه أنه قادم في هجرته على أناس مذكور في كتبهم نعته على ما هو عليه، وأخبره فيها بأنهم إذا قالوا لك في جملة مجادلتهم أنك لست نبي فقل لهم كيف، وقد أنزل الله علي كتابا، وإذا قالوا لك لعلك تعلمته فقل إني أمي، وأهل مكة ومن حولهم يعلمون ذلك لأني لم أبرحهم ولم أتعلم الكتابة من أحد، ولم أكن قارئا، ووصفي موجود لديكم بما يثبت أني خاتم الأنبياء، وهذا مما يزيل الشبهة فيّ، ولو كنت أقرأ وأكتب لشك فيّ مشركو العرب الذين لم يتركوا شبهة إلا وألصقوها فيّ، ولا خصلة تنافي نبوتي إلا وصموني بها، إلا أنهم لم يتهموني بالقراءة والكتابة لتحقق عدمهما فيّ لديهم، وقد وصف أهل مكة بالبطلان باعتبار ارتيابهم بنبوّته ووصفهم له بالسحر والكهانة والتلقي من الغير، وكفرهم به وبكتابه، ومن المعلوم المحقق أن حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أمي كما هو الواقع، ومن قال بخلاف هذا فقد خالف كلام الله المصرح بأميته في الآية 157 من الأعراف في ج 1 صراحة لا تقبل التأويل، وان أهل مكة الذين كانوا يلتقطون الزلات عليه لو علموا منه ذلك لما سكتوا، بل لأداعوا عنه ذلك، كيف وأنه لما كان يجتمع مع الأغيلمة والعبيد اتهموه بأنه يتعلم منهم مع أنهم عجم لا يفقهون العربية المطلقة، فكيف بالفصحى؟ وقد رد الله عليهم في الآية 101 من النحل المارة كذبهم هذا لهذه العلة، فراجعها، فلهذا إن القول بأني غير أمي مخالف لصراحة القرآن، ومخالفته كفر محض لأن كل من ينكر حرفا منه دون تأويل يكفر، وتعليم مثل هذا القرآن ودراسته تحتاج إلى زمن طويل لما فيه من تفصيل الأحكام

ص: 490

وبلاغة الكلام وفصاحة الألفاظ، ولا يمكن تلقيه بحالة لم يطلع عليها أهل مكة لأني بين أظهرهم صباح مساء وليل نهار، وهذا قبل النبوة لم يختلف فيه اثنان، أما بعدها فقد وقع اختلاف في تعليمه القراءة فقط، وهذا العلم بالقراءة على طريق المعجزة، ولهذا فإن ما جاء عن مجاهد والشعبي أنه عليه الصلاة والسلام ما مات حتى كتب وقرأ، وروى هذا ابن أبي شيبة أيضا، وإن حجتهم ما رواه ابن ماجه عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، الحديث. والقدرة على القراءة فرع عن الكتابة، وما جاء في صحيح البخاري وغيره عند كتابة صلح الحديبية ما لفظه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الحديث المشهور، وقال بهذا أبو ذر وعبد بن أحمد الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة، وحكاه عن السمّاني وصنف فيه كتابا، وسبقه إليه ابن منّه، هذا وإن معرفته الكتابة بعد أمّيّته ونبوته صلى الله عليه وسلم لا تنافي المعجزة، بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم، لهذا قال بعضهم صار صلى الله عليه وسلم يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها، وعدم معرفتها قبل بسبب المعجزة لهذه الآية، فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب تعرف الكتابة حينئذ، وذلك بإقدار الله تعالى إياه بدون تعلم من أحد، وهذا معجزة له أيضا وأول ذلك قراءة ما هو مكتوب على باب الجنة المار ذكرها، وقوله هذا قد يتجه في القراءة

، أما في الكتابة فلا، لما جاء في الحديث الصحيح: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب.

وعليه إن كل ما ورد من أنه كتب يكون معناه أمر بالكتابة، كما يقال كتب السلطان بكذا لفلان، ومن المعلوم أن للسلطان كتبة يكتبون له ذلك بأمره، لا هو نفسه، وقد جاء في الآيتين 94/ 105 (وإنا له لكاتبون)(ولقد كتبنا في الزبور) من سورة الأنبياء المارة، فالمراد بالأولى والله أعلم حفظته الموكلون بتسطير أعمال الخلق، وفي الثانية أمره للقلم بكتابة ما كان وما يكون الذي من جملته ما كتب في الزبور كما بيناه أول سورة القلم في ج 1. هذا، وتقدم قوله تعالى (من قبله) على قوله (ولا تخطه) كالصريح في أنه عليه الصلاة لم يكتب مطلقا.

ص: 491

أما كون القيد المتوسط راجعا إلى ما بعده فغير مطّرد، إذ لا يجوز رجوع الضمير إلى ما بعده، وإذا كان لا يجوز لعدم اطراده فلم يسلم رجوعه إلى ما بعده.

وقد ظن بعض الأجلّة رجوعه لما قبله ولما بعد فقال يفهم من الآية أنه صلى الله عليه وسلم كان قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة، إلا أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة إلا إذا قيل بحجيّة المفهوم والظان ممن لا يقول بحجيّته، ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ليس نصا في نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل ذلك باعتبار أنه بعث وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وكذا أكثر من بعث إليهم، وهو بين ظهرانيهم من العرب أمّيّون لا يكتبون ولا يحسبون فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد. وتأويل كتب أمر بالكتابة خلاف الظاهر كما لا يخفى. وجاء في شرح صحيح مسلم إلى النواوي رحمه الله نقلا عن القاضي عياض أن قوله في الرواية المذكورة أعلاه (وليس يحسن يكتب فكتب) كالنص في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه، فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه، إذ لا صارف عن الحقيقة، ومن المعلوم أنه لا يجوز ترك الحقيقة إلا إذا تعذرت.

هذا غاية ما أحتج به، وخلاصة القول أن كتابته صلى الله عليه وسلم وقراءته على فرض صحتها فهي من معجزاته كما علمته مما ذكرناه قبلا، لا عن تعليم من أحد ولما لم يصح عنه أنه كتب كتابا ما في جملته مكاتباته الملوك وغيرهم ومعاهداته معهم، ولم يثبت شيء من ذلك البتة، فما وقع منه عند كتابته صحيفة صلح الحديبية يكون أيضا من قبيل المعجزة ليس إلا، فإن الحديث الوارد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى تعلم الكتابة ضعيف، بل لا أصل له، وما زعمه القاضي وأبو الوليد الباجي ومن تابعهما من أنه تعلم الكتابة أو كان يعلم الكتابة أخذا مما رواه البخاري في حادثة الحديبة هو زعم فاسد، وكذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (رأيت مكتوبا على باب الجنة) إلخ، لأن ذلك كله من باب المعجزة له صلى الله عليه وسلم كما سبق لك تفصيله، وكذلك يؤوّل قوله صلى الله عليه وسلم إخبارا عن الدجال بأنه مكتوب بين عينيه كافر، تأمل، ثم تدبر، وإياك أن يلحقك شك أو يخامرك ريب أو تطرأ عليك مرية. قال تعالى «بَلْ هُوَ»

ص: 492

القرآن لا يرتاب فيه لوضوح أمره ولأنه «آياتٌ بَيِّناتٌ» لا تحتاج للروية ثابتات «فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه، وبسبب رسوخه في الصدور لا يقدر أحد على تحريف أو تغيير أو تبديل شيء منه البتة، لأن الله تعالى تعهد بحفظه من ذاك، راجع الآية 42 من سورة السجدة والآية 9 من سورة الحجر المارتين، وقد جاء في وصف هذه الأمة المحمدية:

صدورهم أناجيلهم. والمراد بالذين أوتوا العلم، علماء أصحابه كما رواه الحسن، وروى بعض الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم.

«وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا» هذه مع وضوحها «إِلَّا الظَّالِمُونَ» 49 أنفسهم مكابرة وعنادا «وَقالُوا» أولئك الظالمون «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ» كما نزل على من قبله من الأنبياء كموسى وعيسى وصالح وهود وإبراهيم وغيرهم من قلب العصا ثعبانا وإحياء الموتى وإظهار الناقة وعدم إحراق النار لآمنا به، وإذ لم يأت بشيء من ذلك ولا مما يشابه آيات من قبله فلا نؤمن به، لأنه لو كان نبيا لأتى بمثل ما أتوا به. «قُلْ» يا سيد الرسل «إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ» ما عندي منها شيء ولا أستطيع إظهار شيء إلا بإذن الله، فهو الذي يعطيها من يشاء من عباده وينزلها بحسب مقتضيات حكمته، لا دخل لي ولا للأنبياء قبلي بها البتة «وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ» 50 ما يوحى إلي إليكم، وكذلك الأنبياء من قبلي، وليس من شأني ولا من شأنهم إنزال الآيات أو قسر الأمم على الإيمان إلا بمشيئته. ونظير هذه الآية الآية 38 من سورة الأنعام، ومثلها في المعنى في يونس وهود المارات، وفي الآية 134 من سورة طه في ج 1 والآية 7 من سورة الرعد في ج 3 وغيرها كثير.

قال تعالى ردا عليهم «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ» يا محمد «الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ» على مر العصور والدهور تتلوه عليهم وأنت أمي معلوم عندهم، ويتلوه من منّ عليه بتعليمه منهم ومن غيرهم إلى يوم القيامة، فإن كانت لهم عقول فهذه آية كافية لمن يريد أن يهديه الله، ومن يضله الله لا تنفعه الآيات، وناهيك بالقرآن أنه آية دائمة باقية، وأن آيات الرسل كلّها انقرضت ولم يبق إلا خبرها «إِنَّ فِي ذلِكَ» أي إنزال القرآن وبقاؤه الآخر الدوران لأكبر

ص: 493

آية أتى بها الوسل، ولهذا يقول الله «لَرَحْمَةً» عظمى «وَذِكْرى» بالغة وعظة باهرة «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» 51 بالله الذي أرسلك إليهم وبكتابه الذي أنزله عليك إليهم تغنيهم عن كل آية، أما المعنتون فلو أتيتهم بكل آية لا يتعظون ولا يؤمنون ولا يتذكرون، راجع الآية 115 من سورة البقرة في ج 3 تجد ما يتعلق بهذا إن شاء الله. أخرج أبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة قال: جاء أناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها ما سمعوه من اليهود، فقال صلى الله عليه وسلم كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به غيره إلى غيرهم، فنزلت هذه الآية. وهذا يتجه إذا كانت الحادثة بمكة، أما في المدينة فلا تكون سببا للنزول، لأن الآية مكية، وإنما على سبيل تلاوة ما نزل قبل والاستشهاد به عند وقوع الحادثة المتأخرة فجائز، وهو طريق ضعيف مشى عليه بعض المفسرين، والحق هنا عدم جوازه، ولأن هذه الآية نزلت جوابا لقولهم (لولا أنزل عليه آية من ربه) فجعل ذلك أي الذي ذكر في الخبر المار ذكره سببا للنزول بغير محله، وهو خروج على الظاهر الواقع، وفي هذه الآية والحديث إشارة إلى منع تتبع الكتب القديمة لغير متبحر في القرآن العظيم، فقد أخرج ابن عساكر عن أبي ملكية قال: أهدى عبد الله بن عامر بن بركن إلى عائشة هدية فظنت أنه عبد الله بن عمرو فردتها وقالت يتتبع الكتب القديمة وقد قال الله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) الآية، فقيل إنه عبد الله بن عامر فقبلتها. وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يتلوّن وجهه، فقال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظكم من النّبيين وأنتم حظي من الأمم. أي ليس لكم أن تتخطوا ما جئتكم به إلى غيره، لأنه لا يخلو من حشو، والقرآن براء من كل عيب، لا يتطرق إليه ما ليس منه أبدا كما هو ثابت بكفالة الله تعالى القائل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الآية 9 من الحجرة المارة. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي أيضا عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ برجل يقرأ كتابا فاستمعه

ص: 494

ساعة فاستحسنه، فقال للرجل اكتب من هذا الكتاب؟ قال نعم فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به فنسخ له في ظهره وبطنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه، وجعل وجه رسول الله يتلون، فضرب رجل من الأنصار الكتاب، وقال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه، واختصر لي الحديث اختصار فلا يهلكفكم المتهوكون. - أي الواقعون في كل أمر بغير رويّة وقيل المتحيرون، وقدمنا في الآية 43 من سورة القصص في ج 1 ما يتعلق بهذا وإن المنع إنما هو عند خوف فساد في الدين ولا سيما بصدر الإسلام فراجعه ففيه ما يكفيك ويثلج صدرك وتقر عينك «قُلْ» يا سيد الرسل لقومك وغيرهم «كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً» بأني رسوله والقرآن كلامه وانكم كاذبون مبطلون، والله عالم بأني بلغت وأنذرت ونصحت، وانكم صددتم وأنكرتم وكذبتم، وشهادة الله لي بإنزال الكتاب علي وإثبات المعجزة لي، وانه سيجازي كلا بفعله، لأنه «يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وجميع ما يقع فيهما وما بينهما،

ومن جملتها شأني وشأنكم سرهما وجهرهما، وهذه تقرير لصدر الآية من كفاية شهادة الله تعالى على ذلك. وما قيل إن هذه الآية نزلت حينما قال كعب بن الأشرف وأصحابه لمحمد صلى الله عليه وسلم من يشهد أنك رسول الله لا صحة له في سبب النزول، لأن الآية مكية بالاتفاق، وسباقها مع كفرة قريش لا ذكر لأهل الكتاب فيهما «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ» وهو غير ما جاءت به الرسل من عند الله «وَكَفَرُوا بِاللَّهِ» وما جاء عنه. واعلم أن الإيمان بالباطل كفر بلا شك، وإنما ذكرت الجملة الأخيرة تأكيدا ولبيان قبح ما جاء في الجملة الأولى فهو كقول القائل أتقول الباطل وتترك الحق؟ لبيان أن الباطل قبيح في ذاته «أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» 52 المغبونون في صفقتهم، إذ اشتروا الكفر بالإيمان، وهذه الآية وردت مورد الإنصاف في المكالمة على حد قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الآية 35 من سورة سبأ المارة، وكقول حسان:

فخيركما لشركما الفداء. قال تعالى «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ» على طريق

ص: 495