المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

يا ذا القرنين، فقال تسميتم بأسماء الأنبياء فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة، لأن الرسول قال: خير الأسماء ما عبد وحمد، وان الرسول كان ينهى عن التسمية ببعض الأسماء مثل فلاح ونافع وشبههما، فساغ لعمر أن ينهى عن ذلك، وهذا لا حجة فيه، لاحتمال علم سيدنا عمر بأن أحد الملائكة اسمه ذو القرنين، فنهى عن ذلك، ولو فرض أن اسمه وافق أسماء الملائكة فلا يفرض أنه ملك، والقصد من قول عمر على فرض صحته عدم رغبته بأن يسمى الناس بغير ما حبذه حضرة الرسول.

‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

وأصح الأقوال انه عبد صالح ملكه الله تعالى أرضه والبسه الهيبة وأعطاه العلم والحكمة والشجاعة، وسبب تسميته بذلك طوافه قرني الدنيا شرقها وغربها، وكما اختلف في تسميته ونبوته اختلف في نسبه، فمنهم من قال إنه من حمير ومنهم من قال إنه من الفرس ومنهم من قال إنه من الروم، وأصح الأقوال في نسبه واسمه ومن هو على الحقيقة ما سيأتي في الآية 99 الآتية، فراجعها، وقد ذكرنا في المقدمة أن كل قول يصدر بلفظ قالوا دليل على ضعفه وعدم تحققه. قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء السائلين «سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ» من حاله وقصته «ذِكْراً» 83 من أنبائه صحيحا لوروده في الذكر الحكيم القرآن الذي لا أصح منه، ولا يوجد في الكتب القديمة ما هو مفصل مثله لكونه منزلا من الله بلفظه ومعناه.

قال تعالى «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ» وثبتناه فيها وقدرناه على أهلها ومهدنا له سبلها «وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» يحتاجه لإصلاح الدنيا «سَبَباً» 84 بإرشادنا إليه وهدايتنا لأتباعه «فَأَتْبَعَ سَبَباً» 85 أي سلك طريقا «حَتَّى إِذا بَلَغَ» منتهى الغمار مما يلي «مَغْرِبَ الشَّمْسِ» بحيث لا يمكن لأحد إذ ذاك مجاوزة الحد الذي وصل إليه «وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ» ذات طين أسود، أي في مطمح نظره رآها كأنها تغرب في هوة مظلمة كما أن راكب البحر يرى أن الشمس تغيب فيه وتطلع منه، إذ لم ير الساحل وهي في الحقيقة تغيب وراءه وتطلع أمامه، لأن الشمس أكبر من الأرض بأكثر من ثلاثمائة ألف مرة وهي في الفلك الرابع فكيف يمكن دخولها في عين من عيون الأرض، على أن الله تعالى

ص: 199

قادر على أكثر من ذلك، وليس عليه بكثير أن يدخل الجسم الكبير في الأصغر ولا يبعد أن يطوي الأرض لعباده حتى يقطعوا منها ما لا تقطعه الطائرات ولا غيرها، وان الله تعالى لم يخبر أحدا عن حقيقة غروبها في تلك العين، وإنما أخبر عن وجدان ذى القرنين غروبها فيها، لأنه ركب البحر متجها إلى الغرب إلى أن بلغ موضعا لم يتمكن معه من السير فيه، فنظر إلى الشمس عند غروبها فوجدها بنظره كذلك «وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً» 86 أي عند تلك العين في الموضع الذي وقف به سيره «قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ» من لم يسلم منهم «وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً» 87 بأن نأسرهم ونعلمهم الإيمان تدريجيا «قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ» بقي على ظلمه ولم يتب من كفره بل بقي مصرا «فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ» بالقتل الآن «ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ» في الآخرة «فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً» 88 فظيعا متجاوزا الحد «وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى» الجنة في الآخرة والعفو عما اقترفه في الدنيا «وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً» 89 فنعامله باللين والعطف. قال تعالى «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» سلك طريقا آخر

حَتَّى إِذا بَلَغَ» منتهى العمار مما يلي «مَطْلِعَ الشَّمْسِ» أي منتهى الأرض المعمورة في زمنه التي تطلع عليها الشمس قبل غيرها من جهتها إذ لا يمكن أن يبلغ موضع الطلوع لنفسه «وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً» 90 بحيث لا يوجد جبل ولا شجر يظللهم منها، وان الأرض هناك رخوة جدا لا تحمل البناء، وإنما فيها أسراب يدخلونها عند طلوعها تظلهم منها، حتى إذا زالت وبعدت عنهم خرجوا لمعاشهم الذي هيأه الله لهم هنالك «كَذلِكَ» حكم فيهم كما حكم بالذين وجدهم عند غروبها، ولم نتكلم على هؤلاء وأولئك، كما قيل إن الأولين من قوم صالح، والآخرين من قوم هود، إذ لا دليل يعتمد عليه ولا نقل يوثق به، قال الأصوليون إذا كنت مدعيا فالدليل، وإذا كنت ناقلا فصحة النقل. ولا يوجد دليل قاطع ولا نقل صحيح في ذلك ولذلك نكل علمهم إلى الله القائل «وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً» 91 به وبما وعده وبمن معه وعدته وآلاته وعدد جنده وبما عمل في ذلك وما فعل وقصد

ص: 200

ونوى وحدثته به نفسه أو خطر بباله. هذا ولم يقص الله تعالى علينا ما وقع بينه وبين أهل المغرب والمشرق غير تلك المكالمة. قال تعالى «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» 92 سلك طريقا آخر أيضا «حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ» هما جبلان في ناحية الشمال مرتفعان، قالوا إن الواثق بالله العباسي بعث من يثق به لمعاينتهما فخرجوا من باب الأبواب وشاهدوه وأخبروه بأنهم رأوه بناء من لبن حديد مشدود بالنحاس، إلا أنه حتى الآن لم يطلع عليه أحد، كمدينة إرم التي لم يطلع عليها إلا رجل واحد كما قيل، راجع الآية 8 من سورة الفجر في ج 1، ولا بد أن يحين الوقت للعثور عليهما لا سيما وأن يأجوج ومأجوج من وراء السد، وخروجهما من أمارات الساعة، وهم المعنيون بقوله تعالى «وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا» 93 إلا بجهد شديد، لذلك فهم منهم مرادهم بمشقة وبالإشارة وهو ما قصه الله تعالى بقوله «قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» يقرآن بالهمزة وبغيره، ولم يأت ذكرهما في القرآن إلا هنا وفي سورة الأنبياء في الآية 66 الآتية «مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ» التي هم فيها، إذ يأكلون عشبهم ويحملون كلاهم ويتعدون عليهم «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً» جعلا وأجرة من أموالنا «عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا» 94 يمنعهم من الوصول إلينا لنأمن تجاوزهم على حدودنا، لأن لهم ما بين الجبلين، فلما رأى صحة قولهم «قالَ» لا أريد منكم شيئا وإني لم آخذ على إحقاق الحق أجرا، وإن «ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي» من القوة والغلبة والمال «خَيْرٌ» مما تعطونه لي، وإن من واجبي أن أصونكم وغيركم من التعدي، لا سيما وقد دخلتم في حوزتي، لذلك لا أكلفكم بمال ما ولكن إذا أردتم الاستعجال فيه «فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ» من أبدانكم وأشخاصكم «أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً» 99 جدارا منيعا مرتفعا حصينا يحول دون وصولهم إليكم، قالوا فما هذه القوة التي تريدها منّا والتي تعنيها بقولك من أبداننا؟ قالَ لهم آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ» قطعه وعملة وبنائين وحطبا لأريكم ماذا أفعل، فأحضروا له ما شاء، قالوا وقد حفر الأساس ما بين الجبلين حتى بلغ الماء وجعل فيه الصخر وبناه بلبن الحديد، وجعل بينه الفحم والحطب، وكان

ص: 201

بطول فرسخ وعرض خمسين ذراعا وبعلو ذروة الجبلين. قال تعالى «حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ» جانبي الجبلين لأنهما متصادفان، أي متقابلان ومتقاربان في العلو، أعطى الحطب النار و «قالَ انْفُخُوا» عليه بالمنافيخ ففعلوا وسبت النار والفحم تدريجا ولم يزالوا كذلك «حَتَّى إِذا جَعَلَهُ» أي البناء «ناراً» بأن صار كله نار «قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً» 96 نحاسا مذابا فأتوه به فأفرغه على البناء فتداخل فيه حتى صار كأنه قطعة واحدة، قال تعالى «فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ» يعلموا عليه ولا يتسوروه لارتفاعه وملاسته «وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً» 97 لصلابته وسمكه، وكان الجبلان مما يليهم قائمين بصورة مستقيمة كانهما مشقوقان بمنشار لا يتمكنون من الصعود إلى قمتهما، قال ذو القرنين لأولئك القوم الذين هم أمام السد بعد أن طرد أولئك المشكو منهم إلى ما وراءه وعمر عليهم ذلك البناء العظيم «قالَ هذا» السد المنيع الذي سويته لكم «رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي» بكم تفيكم شر أعدائكم الآن «فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي» بخروجهم بعد

«جَعَلَهُ» أي هذا البناء العظيم «دَكَّاءَ» أرضا مستوبة لكم منخفضة من الأرض كأنه لم يكن لأن الله لا يعجزه شيء «وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا» 98 واقعا لا مرية فيه «وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ» يوم تم إنشاء السدّ «يَمُوجُ فِي بَعْضٍ» فيبقون كذلك إلى اليوم الذي يأذن فيه الله بخروجهم فيندك إذ ذاك وينفلتون، فتراهم يسعون في الأرض فسادا ويعبثون في البلاد والعباد، ولا يزالون كذلك إلى أن يحين الوقت المقدر لتدميرهم فيهلكوا «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ» بعد ذلك، لأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فيموت كل الخلق الموجودين على وجه الأرض وفي البحار وغيرها، وتبقى الحال على هذه مدة أربعين سنة، أو إلى ما شاء الله، ثم ينفخ النفخة الثانية فيحيون كلهم الأولون والآخرون ويساقون إلى المحشر المعني بقوله تعالى «فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً» 99 للحساب والجزاء. تدل هذه الآية على أن خروجهم يكون قريبا من قيام الساعة. قال الأخباريون هم قوم من أولاد يافث بن نوح عليه السلام، ومن أولاده الترك والخزر والصقالية، وأولاد حام الحبشة والزنج والنوبة، وأولاد سام العرب والروم والعجم، وان

ص: 202

تفسير الموج المذكور في الآية من قبلهم في البشر أولى من تفسيره فيما بينهم، لأن سياق ما قبلها وسياق ما بعدها من الآيات يدل على هذا، تأمل. واعلم أن كل أمة منهما أربعة آلاف أمة لا يموت الواحد منهم حتى ينظر ألفا من صلبه، وهم أصناف مختلفة باللون والطول والعرض والشكل، أقوى من كل حيوان، يأكلون من يموت منهم، وإذا خرجوا أكلوا الحيوانات، وشربوا المياه، وعاثوا في الأرض، ثم يهلكون. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده الشريفة تسعين (وذلك أن تجعل رأس السبابة وسط الإبهام وهي من موضوعات الحساب) . وعنه قال في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال بعضهم ارجعوا فستحفرونه غدا، قال فيعيده الله كأشدّ ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليه ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله تعالى، قال فيرجعون فيجدونه على هيئته حين تركوه، فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فيستقون المياه، ونفر منهم الناس لشدة وحشيتهم، ولأنهم يأكلون ولا يشبعون، ويشربون ولا يروون، لا يخلص منهم إنسان ولا حيوان ولا حوت، يفسدون كل ما عثروا عليه، فيختفي الناس منهم ليسلموا من أذاهم، لأنهم لا يتركون شيئا إلا أكلوه أو أفسدوه، حتى إنك لترى الأرض عارية من الشجر والنبات. هذا وقد جاء في بعض القصص أن السدّ هو الموجود الآن المشاهد في ناحية الشمال فيما بين الجبلين في منقطع أراضي الترك، وهذا لعمري غير صحيح، لأنه من مجرد كلس والله أخبرنا بأن هذا السد من حديد ونحاس، وما يقال إن الحديد والنحاس تفتنانهما رطوبة الأرض لا جدال فيه، وإنما الأخذ والرد بالعثور عليه ليس إلا، وان الذي حدا بهم لهذا القول عدم العثور عليه، لأنهم على زعمهم أحاطوا بالمعمور كله فلم يجدوه، على أنهم يعترفون بأنهم لم يكشفوا القطبين الشمالي والجنوبي، وإذا لم يكشفوهما لا يليق بهم أن يقولوا أحطنا بالأرض أو بالمعمور منها، إذ قد يكون فيهما أو وراءهما، ويقول ابن خلدون في مقدمته إن السدّ وسط جبل قوقيا المحيط الكائن في القسم الشرقي من الجزء التاسع في الإقليم السادس، ولهذا فإن القول

ص: 203