المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً»

12 فيها بأن يعطيكم من الخيرات أكثر مما كنتم عليه قبلا، وقال لهم هذا ليحركهم على الإيمان ويرغبهم بما يحدث عنه، لأنهم كانوا يحبون الأموال والأولاد فأتاهم من حيث تميل إليه نفوسهم وطبعهم، روي عن الربيع بن صبيح أن رجلا أتى الحسن البصري (واعلم أنه كلما أطلق لفظ الحسن فقط فالمراد به هذا) فشكا إليه الجدب، فقال استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، فقال استغفر الله، وشكا إليه آخر قلة النسل فقال استغفر الله، وشكا له آخر قلة ربيع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع أتاك رجال يشكون أمورا متباينة فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فيكون دواء واحد لعلل مختلفة، فقال ما قلت من نفسي إنما اعتبرت قول الله عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه استغفروا ربكم) الآية. ولما رآهم عليه السلام لا يلتفتون إليه ولا يصغون لهديه هددهم بما حكاه الله عنه بقوله «ما لَكُمْ» يا قوم أي شيء جرى لكم وما شأنكم ولم «لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً» 13 فلا تعتقدون عظمته ولا تقدرون هيبته؟ والوقار معنى السكون والحلم، وجاء هنا بمعنى العظمة والجبروت، لأنه يتسبب عنها في الأغلب، وعليه يكون المعنى لماذا لا تأملون لله تعظيما موجبا للإيمان به والطاعة إليه، ومن قال إن رجا بمعنى خاف واستدل بقول الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها، غير سديد، لأن الرجاء ضد الخوف في اللغة المتواترة الظاهرة والقول به يوجب ترجيح رواية الآحاد على التواتر، وهو غير جائز لإمكان التوسع بالألفاظ وجعل المثبت منفيا وبالعكس، وهذه الطريقة لا تسلك في الألفاظ القرآنية قطعا.

‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

قال تعالى «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً» 14 من حيث الجنسية كالطير في الضعف والاحتياج عند خروجه من البيضة فلا أضعف ولا أخرج للمداراة منه، وفي الصفة في كمال الخلق، فمنكم العالم والجاهل، والجليل والحقير، والغني والفقير، والكريم والبخيل، والسهل والصعب، والمريض والصحيح، وفي الكيفية في الصور من تمام الخلقة وناقصها، وحسن الخلق وسيئه، وحسن الخلق وقبحه، والدميم والقبيح، وفي ابتداء خلقكم أيضا طورا بعد طور، وتارة بعد تارة، وكرة بعد كرة بصورة

ص: 266

تدريجية، من النطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى لحم وعظام، إلى قوام بديع، وبعد تمام خلقكم جعلكم أصنافا مختلفين أيضا في اللون والشكل واللغة والطبع، راجع الآيتين 64/ 67 من سورة المؤمن المارة، والأطوار هي الأحوال المختلفة قال:

فإن أفاق فقد طارت عمايته

والمرء يخلق طورا بعد أطوار

وفي نقصانه أيضا ضعف في القوى والجوارح إلى أضعف تدريجا إلى حالة الهرم والخرف، فسبحان المبدئ المعيد الفعال لما يريد القائل «أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً» 15 بعضها فوق بعض «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً» يضيء ليلا «وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً» 16 تضيء نهارا، وإنما سمى الأول نورا والآخر سراجا، لأن نور القمر منعكس عليه من الشمس لاختلاف تشكلاته بالقرب والبعد عنها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها ونور الشمس، لا بطريق الانعكاس من كوكب آخر، والله أعلم، راجع الآية 9 من سورة القيامة في ج 1 وما ترشدك إليه تجد ما يتعلق بالكسوف والخسوف. «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» 17 بدأ خلق أصلكم آدم عليه السلام من الأرض والناس كلهم من صلبه ولم يأت المصدر من لفظ الفعل ليكون المعنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا كما هو مشاهد لكم، لأن الإنبات من لفظ الفعل من صفات لله تعالى وصفاته غير محسوسه لنا، فلا نعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب إلا بإخبار الله تعالى، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى «ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً» 18 بديعا للحشر والحساب، أي يحييكم بعد إماتتكم بصورة لا يعرفها البشر، لأن الإحياء والإماتة من خصائصه جل شأنه، ثم طفق يعدد عليهم بعض نعمه فقال «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً» 19 لتمكنوا من التقلب فيها كيفما شئتم، وهذه الآية أيضا لا تنافي كروية الأرض لأنها مبسوطة بالنسبة لما نراه منها، وقد تكون بخلافه، وبسبب عظمها لا تظهر كرويتها للناظرين إلا بأدلة، ثم بين علّة البسط فقال «لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا» طرقا «فِجاجاً» 20 واسعة وضيقة ومختلفة، والطرق تكون في السهل والجبل، والفجاج في الجبل فقط، وبعد أن ذكرهم بذلك كله وعدد عليهم نعم ربه وخوفهم عقابه، علم بإعلام الله إياه عدم إيمانهم، راجع

ص: 267

الاية 36 من سورة هود المارة

«قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا» سفلتهم وفقراءهم «مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» 21 في الآخرة يعني رؤساءهم وأغنياءهم لأن مالهم وولدهم وإن كانا من جملة المنافع في الدنيا إلا أنهما بسبب الكفر صارا سببا للخسارة في الآخرة، وقرىء وولده بضم الواو لغة بالولد بفتحها ويجوز أن يكون جمعا كالفلك فيصدق على الواحد والمتعدّد، ثم شرع يعدد سيئاتهم فقال «وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً» 22 مبالغة كبير يقرأ بالتخفيف والتشديد، وذلك لأنهم صدّوا الناس عن اتباعه بشتى الوسائل وسلطوا عليه السفهاء والعيد «وَقالُوا» رؤساؤهم وقادتهم لأتباعهم وسوقتهم وفقرائهم وسفلتهم «لا تَذَرُنَّ» لا تتركوا «آلِهَتَكُمْ» وداوموا على عبادتها، ثم أكدوا النهي وصرحوا بأسمائها فقالوا «وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً» 23 كما يقول لكم نوح، فهذه هي آهتكم فتمكوا بها ولا تنظروا إلى ما يقوله لكم، أفردوا هذه الأصنام الخمسة بالذكر مع أنها داخلة في آلهتهم، لأنها عندهم أعظمها، قالوا كانت ودّ بصورة رجل، وسواع بصورة أنثى، ويغوث بصورة أسد، ويعوق بصورة فرس، ونسر بصورة نسر، وكان لكل منها خدم وحشم وجماعة يعظمونها ويرجونها ويخافونها، ومنهم انتقلت عبادة الأوثان لما بعدهم من الخلق. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت هذه الأوثان التي كانت تعبد قوم نوح في العرب تعبد، أما ود فكانت لكلب دومة الجندل، وسواع فكانت لهذيل، ويغوث لمراد، ثم صارت لبني غطيف بالجرف عند سبأ، ويعوق لهمدان، ونسر لحمير لآل ذي الكلاع، وهذه غير اللات التي كانت تعبدها ثقيف، والعزّى لسليم، وغطفان وجشم ومناة لخزاعة بقديد، وأساف ونائلة وهبل لأهل مكة، ولذلك سمت العرب أنفسها بعبد يغوث وعبد ودّ وعبد العزّى وغير ذلك (وكبّارا) لغة أهل اليمن، قال قائلهم:

والمرء يلحقه بفتيان الندى

خلق الكريم وليس بالوضّاء

وقال الآخر:

بيضاء تصطاد القلوب وتسمّي

بالحسن قلب المسلم القرّاء

ص: 268

بتشديد الضاء في الأول والراء في الثاني، قال نوح عليه السلام «وَقَدْ أَضَلُّوا» كبراؤهم «كَثِيراً» من الناس «وَلا تَزِدِ» هذه الأصنام «الظَّالِمِينَ» أنفسهم بعبادتها «إِلَّا ضَلالًا» 24 فوق ضلالهم «مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ» العظيمة «أُغْرِقُوا» بسببها «فَأُدْخِلُوا ناراً» عقب إغراقهم بلا فاصلة بدليل العطف بالفاء، وهذه الآية تدل على عذاب القبر قبل البعث ويبعد حمله على عذاب الآخرة لإبطال دلالة الفاء، ولوجوب تفسير ادخلوا بفعل الاستقبال الصرف إلى سيدخلون وهو خلاف الظاهر، وتدل أيضا على أن من مات غرقا أو حرقا أو أكلته السباع أو الطير أو الحوت مثلا، أصابه ما أصاب المقبور من عذاب القبر، قال الضحاك:

كانوا يغرقون من جانب ويحرقون من آخر، وأنشد ابن الأنباري:

الخلق مجتمع طورا ومفترق

والحادثات فنون ذات أطوار

لا تعجبن لأضداد إذا اجتمعت

فالله يجمع بين الماء والنار

«فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً» 25 يخلصونهم من الغرق لا من قادتهم ولا من أوثانهم، وفي الآية تعريض بتفنيد زعمهم بأن آلهتهم تنصرهم وتهكم في اعتقادهم بها وتوبيخ لهم لأن أصنامهم وزعماءهم أغرقوا معهم. وقدمنا ما يتعلق بعذاب القبر في الآية 46 من سورة المؤمن وله صلة في الآية 27 من سورة إبراهيم الآتية.

وبعد أن عدد مساوئهم وتحقق إياسه منهم وقد توغر صدره عليه السلام طيلة عشرة قرون تقريبا وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك لأوثان ولم يصغوا له وأصروا على تكذيبهم له وازدادت إهانتهم له، دعا عليهم كما ذكر الله «وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» 26 يدور عليها أو يسكن فيها، وهذه الكلمة لا تستعمل إلا بالنفي العام ولم تكرر في القرآن، يقال ما بالدار ديار أو ديّور، أي ما بها أحد، وأصله ديوارا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في مثلها. وإشراك غير قومه بالدعاء يثبت عموم بعثته عليه السلام من حيث آخرها كما أشرنا إليه في الآية 73 من سورة يونس المارة، واستدل بعضهم في هذه الآية على عموم الطوفان، على أن لفظ الأرض يطلق على قطعة منها، قال تعالى (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) الآية 103

ص: 269

من سورة الإسراء ج 1، إذ المراد بها أرض مصر فقط، وقال تعالى (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) الآية 71 منها، والمراد بها مكة، لأنه لا قدرة لهم على غيرها، كما أن سلطان مصر لا حكم له على غيرها لقوله تعالى (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الآية 25 من القصص في ج 1 أيضا، إذ لو كان لسلطان مصر سلطان على أرض مدين التي فيها شعيب لما قال هذا الكلام لموسى وفي هذه الآية دليل أيضا على أن البلاء يعم لأن الله تعالى أغرق معهم أطفالهم وحيواناتهم، قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) الآية 25 من الأنفال في ج 3، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية 44 من سورة يونس فراجعه. ثم بين السبب في طلب إهلاكهم جميعا بقوله «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ» يا سيدي على ما هم عليه من الكفر «يُضِلُّوا عِبادَكَ» بسوقهم إلى الضلال، قال ابن عباس:

كان الرجل منهم يأخذ ابنه إلى نوح عليه السلام ويحدره من اتباعه ويقول له إن أبي حذرني اتباعه وها أبي أحذرك منه فاحذره، فأوص ولدك من بعدك بعدم اتباعه، ولهذا قال عليه السلام «وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» 27 عريقا في الكفر، إذ تلقاه عن أبيه كما تلقاه أبوه عن جده، ولشدة إصراره عليه بوصي به ولده من بعده. ثم انه عليه السلام لما رأى دعوته هذه قد أجيبت بإلهام من الله تعالى له وظن أن ذلك ناشىء من عدم قيامه بالدعوة الإلهية كما ينبغي من إدمان الصبر وتحمل الأذى استغفر ربه عز وجل وقال «رَبِّ اغْفِرْ لِي» ما وقع مني من التقصير في خدمتك ودعوة عبادك واستعجالي عليهم بالدعاء، وهذا على الاحتمال وهضما للنفس، وإلا فهو عليه السلام مبرا من التقصير وحاشاه أن يوصف بالاستعجال بعد صبره عليهم ألف سنة تقريبا، ولكن الأنبياء يخافون ربهم بقدر قربهم منه، والعبد كلما قرب من ربه عظمت هيبته في صدره وازداد خوفا منه وبدأ بطلب المغفرة لنفسه أولا، لأنها أولى بالتقديم، وهكذا كان محمدا صلى الله عليه وسلم يبدأ بنفسه بالدعاء ثم يثني بالمتصلين به لأنهم أحق من غيرهم، فقال «وَلِوالِدَيَّ» أبيه لمك بن متوشلح وأمه شمناء بنت انوش، قالوا وكان بينه وبين آدم عليه السلام عشرة آباء كلهم مؤمنون، ثم عمم بدعائه فقال «وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً» قيد بالمؤمن

ص: 270