الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»
11 بعد الحياة الثانية للحساب والجزاء على ما وقع منكم في حياتكم الدنيا «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ» ييأس ويتحير «الْمُجْرِمُونَ» 12 إذ تنقطع حجتهم فيسكتون. والإبلاس الحزن المفرط لشدة اليأس، ومنه اشتق إبليس، يقال أبلس إذا يأس من كل خير يريده وإذا تحير في كل أمره وسكت وانقطعت حجته، وأبلست الناقة إذا لم ترع من شدة الضيعة أي كثرة اشتياقها للفحل، وإنما يبلسون في الآخرة لظهور خطأهم وخيبتهم مما كانوا يأملونه من شفاعة أوثانهم، قال تعالى «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ» الدين اختصوا بهم في الدنيا وأصنامهم التي عبدوها من دون الله «شُفَعاءُ» يشفعون لهم كما كانوا يغرونهم ويزعمون صدقهم «وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ» 13 إذ تنبرأ منهم ويتبرءون منها وكان كفرهم بالدنيا بسببها. وهذا مما أوجب حيرتهم ودهشتهم حتى أبلسوا «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ» 14 أهل الجنة وأهل النار بعد الفصل بينهم، إذ يقول الله تعالى (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية 59 من سورة يس في ج 1، أي انفصلوا عن المؤمنين فينفصلوا حالا بحيث لا يبقى مجرم بين المؤمنين، ولا مؤمن بين المجرمين بمجرد هذا الأمر «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ» 15 يسرون فيها سرورا عظيما.
يقال حبره إذا أسره سرورا تهلل منه له وجهه بالبشر وظهر فيه أثره «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا» المنزلة على أنبيائنا «وَلِقاءِ الْآخِرَةِ» وأنكروا البعث بعد الموت «فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ» 16 لا يغيبون عنه أبدا أما المؤمنون العصاة فقد أشار الله إليهم في آيات أخر لأنهم لم يدخلوا في هذين الفريقين أما عدم دخولهم مع المؤمنين إذ قرن إيمانهم بالعمل الصالح وهم ليسوا من أهله، وأما مع الكافرين فلأنهم لم يكذبوا آيات الله ورسله ولم ينكروا البعث، وإنما هم جماعة قصروا عن أعمال الخير وفرطوا باتباع الأهواء فلهم جزاء غير هذا بنسبة كسبهم. وهذه الآية المدنية في هذه السورة.
مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:
قال تعالى «فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ» أي سبحوا الله أيها الناس
ونزهوه في هذا الوقت، ويدخل فيه صلاة المغرب والعشاء المشتملان على التسبيح «وَحِينَ تُصْبِحُونَ» 17 عظموه أيضا ويدخل فيه صلاة الصبح «وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» في هذه الأوقات وغيرها إذ يسبحه فيها من خلقه من نعرف ومن لا نعرف وما لا نعرف ويحمده أيضا، قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الآية 44 من الإسراء في ج 1، «وَعَشِيًّا» يدخل فيه صلاة العصر «وَحِينَ تُظْهِرُونَ» 18 فيدخل فيه صلاة الظهر، انتهت الآية المدنية التي هي آيتان بمثابة ثلاث آيات من حيث العدد. قال ابن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم وقرأها أعني هذه الآية، ونظيرها الآية 130 من سورة طه في ج 1، والآية 78 من سورة الإسراء أيضا. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. وروى مسلم عن سعيد بن أبي وقاص قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائة قال كيف يكتب الف حسنة؟ قال يسبح الله مئة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، ويحط عنه ألف خطيئة، وذلك أن كل حسنة تمحو خطيئة. وروى مسلم عن جورية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها وهي في مسجدها فرجع بعد ما تعال النهار، فقال ما زلت في مجلسك هذا مذ خرجت بعد؟ قالت نعم، فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بكلماتك (أي التي قلتهن في تلك المدة كلها) لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقة ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال سبحان الله وبحمده في كل يوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
وأخرج عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاده.
وقال فيهما حديث حسن صحيح. قال تعالى «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ» راجع تفسيرها في الآية 96 من الأنعام المارة، وله صلة في
الآية 28 من آل عمران في ج 3 إن شاء الله «وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» بالمطر «وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ» 19 من قبوركم أحياء مثل خروج النبات من الأرض الميتة. ثم شرع يبين بعض دلائل قدرته على البعث بعد الموت ليتعظ منكروه فقال «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ» أي أصلكم آدم عليه السلام «مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ» أيها الناس من ذلك الأصل الواحد «بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ» 20 في الأرض فتلأونها كثرة
«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» من جنسها «أَزْواجاً» مثلكم «لِتَسْكُنُوا إِلَيْها» وهنّ من أعظم النعم عليكم فلو جعلتهن من غير جنسكم لما حصلت الألفة ولما اطمأن الزوج لزوجته «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» من غير سابق معرفة ولا قرابة، ولولا التجانس لما حصلت تلك المودة والرحمة، ولا يوجد سبب لهذا التعاطف والمودة المفرطة إلا الزوجية المتجانسة، وهذا يطلب في الزوجية التجانس في البيئة أيضا ليتوافقا بالأخلاق والعوائد والآداب لأنها مع هذه تكون أكثر ألفة ومحبة ممن يتخالفان في الطبائع إذ يحتاج إلى التطبع (عند الاختلاف) بغير ما اعتاد عليه الآخر، وقل أن يمكن تغيير الطبع، وقلّ من يقدر على الصبر عند خلافه، وقد أمرت الشريعة بالتكافؤ، ولهذه الغاية ترى حوادث الطلاق كثيرة، فلو تقيد الناس بالتكافؤ لما رأيت رجلا يترك زوجته، وجل مصائب الناس من عدم تمسكهم بشريعتهم «إِنَّ فِي ذلِكَ» المذكور في الآيتين «لَآياتٍ» عظيمات دالات على القادر المبدع المبدئ المعيد «لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» 21 فيها فيؤمنون بمنشئها «وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ» في الكلام واللغات العربية والفارسية والعبرية والحبشية وغيرها كالقبطية والكردبة والبربوية والسريانية والكورية والإفرنسية والإنكليزية والروسية والألمانية والجركسية وغيرها، مما تفرع عنها وتداخل فيها «وَأَلْوانِكُمْ» الأبيض والأسود والأحمر والأشقر والأسمر وما بينهما من الألوان «إِنَّ فِي ذلِكَ» الاختلاف الذي أبدعه المبدع جل جلاله لحكمة التعارف باللون واللغة والشكل والصورة والحلية، مع أنكم من أصل واحد «لَآياتٍ» كافيات للإيمان بالله والاعتراف ببالغ قدرته وعظيم سلطانه، إذ لو اتفقت الأصوات والصور
لوقع اليأس بين الناس، فسبحان من أحسن كل شيء خلقه وجعل ما خلق عبرة وعظة «لِلْعالِمِينَ» 22 بكسر اللام لأنهم أهل التدبر والتفكر بآيات الله، قال تعالى (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) الآية 44 من العنكبوت الآتية، وقرىء بفتح اللام أي أن تلك الآيات واضحات لا تخفى على أحد، والأولى أولى، ولفظ العالمين بالفتح يدخل فيه من يعقل ومن لا يعقل، فالذي لا يعقل لا ترد عليه الآيات ولا يعقلها، لأن من العالم من هو دون البهائم فلا يعقل ولا يفقه أيضا، لذلك فإن القراءة بكسر اللام أحسن. قال تعالى «وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ» في طلب الرزق وهذه الآية تشير إلى أن النوم كما يكون ليلا يكون نهارا وكذلك السعي يكون فيهما، وإن تخصيص أحدهما للنوم والآخر لطلب المعاش لا يمنع من استعمالهما معا في ذلك، وهو من أجل النعم على الخلق، ولا نعمة من نعم الله إلا وهي جليلة، ولكن منها ما هو أجل «إِنَّ فِي ذلِكَ» التقسيم وجعل كل من الليل والنهار صالحين للاستراحة والعمل والعبادة، إذ يخلف أحدهما الآخر عند الحاجة، قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) الآية 62 من الفرقان ج 1، «لَآياتٍ» بالغات في الدلالة على الواحد المعبود بحق «لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» 23 سماع قبول فيعون ما يتلقونه من قبل المرشدين «وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً» بنزول الغيث وخشية مما يترقب من الصواعق والشهب «وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» يبسها فيجعلها تهتز بالنبات وتربو بالماء «إِنَّ فِي ذلِكَ» الإحياء بعد الإماتة للنبات «لَآياتٍ» دالات على إحياء البشر بعد موته «لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» 24 قدرة الله ويستظهرون كمال صنعه وبالغ إبداعه في استنباط الأسباب وكيفية التكوين، إذ لا فرق عند الله بين الإحياءين، كما لا فرق عنده بين الإماتتين، لأن القادر على كل شيء الذي لا يعجزه شيء «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ» تقف وتثبت وتمسك نفسها بلا عمد أو بعمد لا ترى كما مر في الآية 10 من سورة لقمان المارة وله صلة في الآية 5 من سورة الرعد في 3 «وَالْأَرْضُ» على الهواء والماء بلا مرتكز ولا