الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ» يقال للرجل جمال بالتخفيف وبالتشديد على التكثير، وجميل وللمرأة جميلة وجملاء قال:
فهي جملاء كبدر طالع
…
بذت الخلق جميعا بالجمال
أي أنها زينة وبهاء لصاحبها عدا منافعها «حِينَ تُرِيحُونَ» وقت ما تردونها من المرعى إلى مراجعها «وَحِينَ تَسْرَحُونَ» 6 بها جمال أيضا وقدم الرواح على التسريح لأنها ترجع أجمل مما تغدو فيه تتبختر مشيتها مجتمعة متمتعة من المرعى ملأى بطونها حافلة ضروعها، ويفرح بها عند رجوعها أكثر منه عند ذهابها لأنها تكون خاوية البطون والضروع متفرقة مسرعة يخاف عليها الوحش والضباع والنهب.
قال تعالى «وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ» بدونها «إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ» الشق نصف الشيء، وعليه يكون المعنى لم تبلغوا ذلك البلد الذي تريدونه بغيرها إلا بنقصان نصف قوة أنفسكم «إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» 7 بخلقه إذ سخر لهم هذه الأنعام لاستراحتهم «وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ» خلقها لكم أيضا «لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً» تتباهون بها كالأنعام إلا أنها لا تؤكل ولا يستفاد من درها ووبرها، وفيها من المنافع ما لم تكن في تلك عدا الإبل فإنها جامعة للأمرين، ولذلك عجّبهم الله بها، راجع الآية 17 من الغاشية المارة «وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ» 8 أيها الناس من أدوات الركوب والحمل كالعجلات والسيارات والطائرات والسفن البخارية والقطارات والغواصات مما علمتم ومما لا تعلمون أيضا أنواعا وأجناسا نخلقها لكم بعد لمنافعكم والمزينة أيضا، عدا أصناف الحيوانات البرية والبحرية مما تنتفعون به ومالا، وليس المراد من هذه الآية بيان التحليل والتحريم بل تنبيه العباد على نعمه تعالى عليهم.
مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:
الحكم الشرعي يجوز أكل لحوم الخيل والبغال المتولدة من الخيل، أما المتولدة من الحمر الأهلية فلا، وعليه الشافعي وأحمد وكثير من أهل العلم، وقال مالك وأبو حنيفة ومن نهج نهجهم وهو قول ابن عباس لا يجوز أكل لحوم الخيل، لأن الله تعالى عدّ ما هو للأكل على حدة وما هو للركوب على حدة، ودليل الأكل
هو ما أخرجه البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت:
نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه. وما رويا عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل، وأن القرآن في هذه الآيات تكلم عن الركوب والزينة وسكت عن الأكل فدار الأمر بين التحريم والإباحة فوردت السنة بالإباحة لأكل الخيل وتحريم الحمر الأهلية والبغال منها تبعا لها، لأن الحيوان ينسب إلى أمه، فأخذنا بالسنّة جمعا بين النصين، لأن السنّة مبينة لكتاب الله تعالى وشارحة له، فالأخذ بها جائز، أما ما قيل إنها ناسخة لكتاب الله فلا، راجع بحث الناسخ والمنسوخ في المقدمة وفي الآية 146 من الأنعام المارة، ولبحثه صلة واسعة تأتي إن شاء الله في الآية 106 من البقرة في ج 3. «وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ» الموصل للإيمان به، وهذا على غير الوجوب، إذ لا يجب عليه شيء ولكن بمحض الفضل، وقصده بيان استقامته بالآيات والبراهين، فعليكم أيها الناس اتباعها وسلوكها «وَمِنْها جائِرٌ» معوج مائل عن الاستقامة فلا تسلكوها لأنها مسلك أهل الزيغ والبدع والأهواء والطيش «وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ» 9 إلى الطريق الحق، ولكنه لم يشأ ذلك لأمر اقتضته حكمته، ولو كان لما بقي محل لخلق النار ولا معنى للتفاضل «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ» ينبت لكم «شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ» 10 أنعامكم ودوابكم وكل ما له حاجة في الرعي،
وكذلك «يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ» كالجوز والبرتقال وأنواع المشمش والإجاص والخوخ والكثرى وغيرها، لأنه تعالى ذكر في كتابه أمهات الأشياء وعبر عن البقية بلفظ الثمرات والفاكهة، والأب فيما يخص الحيوان من جميع أجناس وأصناف النباتات «إِنَّ فِي ذلِكَ» الذي ذكر من أجناس الحيوان وأصناف الثمار وأنواع النبات «لَآيَةً» عظيمة دالة على قدرة القادر ووحدانيته «لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» 11 فيها فيعقلون معناها ويفقهون مغزاها «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» في منافعكم أيها الناس «وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ» لمنافعكم أيضا بصرفها كيف يشاء ويختار «إِنَّ فِي ذلِكَ» التسخير الجاري على نظام بديع
لا يتغير على كر الدهور «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» 12 فوائد تسخيرها ويستدلون بها على مراده منها «وَما ذَرَأَ» خلق وبرأ «لَكُمْ فِي الْأَرْضِ» من حيوان ونبات ومعادن ومياه «مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ» وأشكاله وهيئته وكيفيته وكميته وماهيته وطعمه وريحه «إِنَّ فِي ذلِكَ» الاختلاف مع اتحاد الأصل في الغالب وكونها كلها من الماء خلقه ومقرتا «لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ» 13 فيها فيعتبرون ويتعظون ويعترفون بكمال القدرة لله تعالى، وفي هذه الآية دلالة على عقم قول المنجمين إن هذه الكواكب هي نفسها الفعالة المتصرفة في شئون العالم السفلي، لأنه تعالى يقول مسخرة مذللة مقهورة بأمره لمنافع خلقه، وقد أسهبنا البحث بهذا في الآيتين 110/ 112 من سورة الصافات المارة فراجعها وما تشير إليها من المواضع ففيها كفاية. وبعد أن ذكر الله تعالى بعض النعم الموجودة في السماء والأرض أتبعها بما هو في الماء فقال «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا» مع أنه مالح ليعلم خلقه أنه قادر على إخراج الضد من الضد «وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» كاللؤلؤ والمرجان واليسر وغيرها «وَتَرَى» أيها الإنسان «الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ» جواري في البحر بسرعة مقبلة ومدبرة بشدة مع أن الريح واحدة والمخر الشق لأن السفينة تشق الماء شقا حالة جريها فيه «وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» الربح في تجارتكم والتنقل للاعتبار والزيارة وحمل الأثقال ولتفكروا كيف تبلغ بكم المواقع التي تقصدونها بسيرها «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 14 هذه النعم وتقوموا بحقها من توحيد الله وطاعته وتمجيده وتعظيمه، لأن الركوب في البحر من أعظم النعم لما فيه من قطع المسافات البعيدة في زمن قصير بالنسبة للسير بالبر ولعدم الاحتياج للحل والترحال والحركة مع الاستراحة والسكون، وما أحسن ما قيل فيه:
وإنا لفي الدنيا كركب سفينة
…
نظن وقوفا والزمان بنا يسري
واستدل بهذه الآية على جواز ركوب البحر للتجارة بلا كراهة، وإليه ذهب الكثير، وأخرج عبد الرزاق بن عمر أنه كان يكره ركوب البحر إلا لثلاث:
غاز أو حاج أو معتمر. وجاء في رواية أخرى: لا يركب البحر إلا غاز أو
حاج أو معتمر، مصدر بالنهي وممنطق بالحصر. قال تعالى «وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» لأنه تعالى لما خلقها خلقها طائفة عائمة، فصارت تمور وتتحرك بالهواء، فأثقلها بالجبال راجع الآية 9 من سورة لقمان والآية 19 من سورة الحجر المارتين والآية 2 من سورة الرعد في ج 3، «وَأَنْهاراً» جعل فيها للشرب والسقي وغيرها «وَسُبُلًا» طرقا وفجاجا تسلكونها بأسفاركم في السهل والجبل «لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» 15 إلى المكان الذي تريدونه فلا تضلون قصدكم ولا يصعب عليكم بلوغه «وَعَلاماتٍ»
جعل فيها أيضا لتستدلون بها على المواقع كالجبال والوديان والروابي والأنهار والأشجار والعيون في تنقلاتكم النهارية «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» 16 في الليل كالثريا وسهيل والجدي وبنات نعش والفرقدين والبلدة والقلادة والنثرة والعبور والميزان، فإنها ترشدكم على القبلة والشمال والشرق والغرب تهتدون بها إلى قصدكم بمعرفة الجهات الطالعة منها والسائرة إليها. ولما ذكر الله تعالى من عجائب صنعه وغرائب إبداعه وعظيم حكمته مما هو مخلوق له وكل شيء مخلوق له قال على سبيل الإنكار لتاركي عبادته مع هذه النعم التي غمرهم بها «أَفَمَنْ يَخْلُقُ» أيها الناس مثل هذه المخلوقات العظيمة «كَمَنْ لا يَخْلُقُ» شيئا مثل أوثانكم وتساوون هذا الخلاف الجليل بها مع أنها عاجزة عن حفظ نفسها «أَفَلا تَذَكَّرُونَ» 17 أن مخلوقاته كلها بما فيها أوثانكم التي لا تخلق ولا ترزق لا تستحق للعبادة، فكيف تعبدونها وتتركون عبادة الحق القادر على كل شيء.
هذا، وقد عبر الله تعالى عن الأوثان بلفظ من الدالة على من يعقل مع أنها جمادات وينبغي أن يعبر عنها بلفظ ما الموضوعة لما لا يعقل لأنهم لما سموها آلهة أجريت مجرى من يعقل على زعمهم، فخاطبهم جل جلاله على قدر عقولهم فيها وفي الآية الآتية بعد «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» يا بني آدم لأنها كثيرة منها ظاهرة ومنها خفية، ومنها ما أنتم متيقظون لها وما أنتم غافلون عنها لا تعرفون قدرها، لأن المعافى الآمن لا يعرف نعمتهما إلا عند طروء الخوف والمرض، والسميع البصير لا يعرف نعمتهما إلا عند فقدهما، وكذلك بقية الأعضاء والمأكولات والمشروبات والملبوسات والمركوبات والأموال والأولاد والنساء والسكن لا يعلم قدرها إلا عند