الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَجْحَدُونَ»
28 ويكذبون رسلنا الذين جاءوهم بها ويسخرون بهم «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» بعد قذفهم بالنار وعدم النظر إلى طلباتهم الواهية «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا» في الدنيا عن الدين القويم وأوقعانا في هذا العذاب الأليم «مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا» في هذه النار انتقاما منهم «لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ» 29 فيها فيتالا عذابا أكبر من عذابنا، لأنهما هما اللذان أوقعانا فيه، فلا يلتفت إلى قولهم لأن أولئك لهم مكان خاص في النار أيضا مع أمثالهم.
مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» بأفعالهم وأقوالهم على إيمانهم «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ» بالرحمة من الله عند الموت وفي القبر وزمن البعث تؤنسهم وتقول لهم «أَلَّا تَخافُوا» من هذه الأهوال التي ترونها في المواقع الثلاثة «وَلا تَحْزَنُوا» على ما فاتكم من الدنيا فإن الله تعالى أبدلكم خيرا منها وآمنكم من كل هم وغم وعناء، والحزن غم يلحق الإنسان من توقع مكروه أو خوف فوات محبوب أو حصول ضار، «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» 30 بها على لسان رسلكم في الدنيا والآن
«نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ»
وأنصاركم ومتولوا أمركم كما كنا لكم «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ»
اليوم «فِي الْآخِرَةِ»
كذلك لا نقارقكم أبدا حتى تدخلوا مقركم في الجنة «وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ»
من أكل وشرب ولبس وظلال وترف وصحبة ونساء وغيرها «وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ»
31 تطلبون وتتمنون من كل ما يخطر ببالكم وهذا أعم من الأول «نُزُلًا» هذا الذي ذكر كله بمقام ما يقدم للضيف أول نزوله من شراب وقهوة، فما بالك بما يقدم له بعد، وناهيك برب المنزل «نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ» 32 بالنازلين كثير المغفرة لما وقع منهم كيف وهو أكرم الأكرمين ممطر الألطاف والكرامة على عصاته، فكيف بأضيافه ومطيعيه «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ» أيا كان من عباده المخلصين وأمر بطاعته ونهى عن معصيته، وهذا عام في كل مؤمن يدعو الناس عامة طائعهم وعاصيهم برّهم وفاجرهم إلى عبادة الله ويدخل فيه الأنبياء بالدرجة
الأولى ثم الأمثل فالأمثل، ولا وجه لتخصيصها بالرسل عليهم السلام كما قاله بعض المفسرين، لأن إجراءها على عمومها أوفق للفظ وأنسب بالمعنى وأحسن بالمقصد «وَعَمِلَ صالِحاً» بإخلاص وحسن نية «وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» 33 المذعنين المنقادين لله تعالى قلبا وقالبا. واعلم أن للدعوة إلى الله مراتب: الأولى دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالآيات والمعجزات والحجج والبراهين المقرونة بالتحدي وبالسيف إذا لم ينجع ذلك. الثانية دعوة العلماء بالحجج والبراهين وطرق الإرشاد والنصح وضرب الأمثال فقط، ولا شك أن العلماء أقسام: علماء بالله، وعلماء بصفاته، وعلماء بأحكامه، وقد يجمع الكل بواحد إذا كان من العارفين:
وليس على الله بمتنكر
…
أن يجمع العالم في واحد
وكل من هؤلاء مكلف بإرشاد الناس إلى طرق الهداية، أوتوا من قوة في النطق وفي الدلائل الشرعية. الثالثة دعوة المجاهدين، وهذه لا تكون إلا بالسيف لأنهم مأمورون من قبل ولي الأمر يقتال الكفار حتى يؤمنوا، وفقال الخارجين عن الطريقة الإسلامية حتى يذعنوا، فإذا آمن الأولون وأذعن الآخرون وجب عليهم الكف عن قتالهم، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الرابعة دعوة المؤذنين إلى الصلاة، فينبغي لمن سمع الصوت أن يجيب الداعي، ولهذا فما روي عن عائشة أن هذه الآية نزلت في المؤمنين خاصة، مع أنها عامة لا يخصصها رواية عائشة رضي الله عنها على فرض صحة نزولها فيما قالت، لأنها مطلقة في كل من يدعو إلى الله ويحث الناس على سلوك طريقة السوي لا يقيدها قيد أبدا. هذا، وعلي من يتصدى للإرشاد أن يكون بمقتضى الآية 135 من سورة النحل الآتية «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» في الآثار والأعمال والأحكام، بل بينهما برن شاسع، فيا أيها الإنسان الكامل «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» بالإحسان إلى من أساء إليك والصبر على أذاه والتأني عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند القدرة، فهذه هي الحالة التي وصفها الله بالأحسن، وشتان بين من تحلى بالخصال الممدوحة، ومن تقمص بالخلال المذمومة، والآية عامة في كل فعل حسن وسيئ قليلا كان أو كثيرا، خطيرا كان أو حقيرا، فعلى العاقل أن يحسن لمن أساء إليه، ويصل من