المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. واعلموا أيها الناس أن خلقكم وبعثكم عندنا كشيء واحد لا يصعب علي شيء من ذلك والإيجاد والإعدام عندنا سواء لا يتخلف شيء عن أمرنا طرفة عين، فانظروا أيها الناس واعلموا أن لا كلمة على الخلاق فيما يخلق ويفني.

قال تعالى «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا» في الدنيا «لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» عظيمة وحسنى جليلة ونعما جسمية «وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ» في الإحسان إليهم وأعظم أجرا إذا صبروا على ما أصابهم في الدنيا «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» 41 ما أعد الله لهم في الآخرة على صبرهم لزادوا في اجتهادهم على العبادة وفي صبرهم على أذى الكافرين وغيرهم. نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا إلى الحبشة بسبب أذى المشركين إليهم، وفيها دليل على أن الهجرة إذا لم تكن خالصة لوجه الله للتمكن من القيام بأوامره وعبادته كما ينبغي كانت كالانتقال من بلد لآخر للتجارة أو الزيارة لا مزيّة لها ولا شرف فيها ولا ثواب، يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى إلخ. ثم وصفهم الله بقوله «الَّذِينَ صَبَرُوا» على ظلم المشركين وأذاهم في سبيل الله «وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» 42 في أمورهم كلها. واعلم أن الصبر والتوكل مبدأ السلوك إلى الله تعالى ومنتهاه، لأن الصبر قهر النفس وحبسها على أعمال البر واحتمال الأذى من الخلق وعلى الشهوات المباحات وعلى المصائب وعن المحرمات والتوكل انقطاع عن الخلق، فبهذا المنتهى والأول المبتدأ.

‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

وهذه الآية الثانية التي يعرض الله تعالى بها لرسوله بالهجرة، والأولى 20 من سورة المؤمن المارة. قال تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا» يا أهل مكة إن لم ترشدكم عقولكم إلى التصديق بهذا الذي قصصناه عليكم «أَهْلَ الذِّكْرِ» الذين أنزل عليهم قبلكم من اليهود والنصارى،

ص: 224

وقولوا لهم هل أرسل الله نبيا إلا رجلا فيما سبق من الأمم إلى الأمم «إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» 43 أمرهم الله أن يسألوا أهل الكتابين لأنهم يعتقدون ذلك لعلمهم بما أنزل الله في كتبهم من هذا. نزلت هذه الآية في كفار مكة القائلين الله أعظم وأجل أن يرسل رجلا إلى الناس ولو أراد لأرسل ملكا. فرد الله عليهم زعمهم واستشهد على بطلانه بأهل الكتابين لأنهم لا يعلمون «بِالْبَيِّناتِ» المعجزات «وَالزُّبُرِ» الكتب المنزلة مثلهم، أي اسألوهم عن هذا كما سألتموهم قبلا عن حقيقة محمد وكلفوكم أن تسألوه عن الروح وأصحاب الكهف وذى القرنين، وقد أجابكم كما ذكروه لكم ومع هذا كله لم تصدقوا نذرعا بقولكم كيف يكون بشرا رسولا، عتوا وعنادا لا غير. قال تعالى «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ» القرآن وسمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للعاقل يذكره بأمر دينه ودنياه، وإنما أنزلناه عليك يا سيد الرسل «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» 44 فيه فيؤمنون، والمراد من التبيين في هذه الآية بيان ما أجمل في القرآن من المتشابه، أما الحكم منه فهو مبين مفسّر لا يحتاج إلى التبيين، وقد استدل بعضهم في هذه الآية على أنه متى تعارض الحديث مع القرآن وجب الأخذ بالحديث، لأن الرسول هو المبين للقرآن بنص هذه الآية وبنص قوله (ما ينطق عن الهوى) لأن القرآن مجمل والحديث مبين له، والمبين مقدم على المجمل، ولأن المنزل عليه لا يتكلم في نفسه بل بوحي من ربه. وهذا الاستدلال بغير محله، لأن القرآن منه محكم ومنه متشابه، فالمحكم مبين لا يحتاج إلى البيان ويجب الأخذ بظاهره دون حاجة إلى تأويل أو تفسير أو قياس أو استحسان، سواء أخالف الحديث أم لا، لأن الحديث الذي نراه مخالفا لبعض القرآن لا يعمل به، ولعله موضوع لمعنى لا نعرفه، أو أنه مكذوب على حضرة الرسول، والمتشابه هو المجمل فيطلب بيانه من الحديث وأهل العلم. قال تعالى (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) لا يتبدل حكمها ولا يتغير معناها من بدء الكون إلى آخره (وأخر متشابهات) إلى أن قال (لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وهم الأنبياء فمن دونهم ممن هو على آثارهم في العلم والعمل، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية 7 من آل عمران في ج 3

ص: 225

بصورة مسهبة إن شاء الله. واعلم أن القائل بهذا قائل بأن الحديث ينسخ القرآن وهو قول لا وجه له، كيف وقد قال تعالى (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) الآية 66 من سورة يونس المارة، والنسخ بالسنية تبديل فكيف يجوز أن يقال به فضلا عن أن جهابذة الأصوليين لم يعترفوا به، وما قيل بجوازه فهو قيل ضعيف مستنده حديث الترمذي وغيره (لا وصية لوارث) بأنه نسخ آية (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) الآية 186 من سورة البقرة ج 3، مع أن هذه الآية مخصصة بآية المواريث الآتية في سورة النساء كما سيأتي بحثها إن شاء الله، وقد ألمعنا إلى بطلانه في المقدمة في بحث النسخ، وسيأتي توضيحه في الآية 106 من سورة البقرة ج 3 عند قوله تعالى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) إلخ، واعلم أنه لا يجوز بوجه من الوجوه أن يؤخذ بالحديث إذا عارض ظاهر القرآن، وهو دليل على عدم صحته، لأنه لا يتصور أن بصدر من حضرة الرسول قول يخالف ظاهر كلام الله، كيف وهو الذي لا ينطق عن هوى وعليه أنزل القرآن وهو دليله وحجته وبرهانه. قال تعالى «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا» المنكرات «السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ» كما خسفها بمن قبلهم «أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» 45 كما أهلك من قبلهم فجأة حال غفلتهم من نزول العذاب «أَوْ يَأْخُذَهُمْ» على غرة «فِي تَقَلُّبِهِمْ» في الأرض عند أسفارهم بها ذاهبين أو آئبين «فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ» 46 الله ولا فائتيه ولا قادرين على الهرب منه «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ» بأن يريهم إهلاك أناس أمامهم فيخافوا من وقوعه بهم أو يحدثه بهم تدريجا فيعذبهم فيهلكوا بين الخوف والعذاب أول بأول بصورة تدريجية حتى يقضى على آخرهم

«فَإِنَّ رَبَّكُمْ» أيها الناس القادر على تسليط أنواع العذاب والهلاك عليكم «لَرَؤُفٌ» كثير الشفقة عليكم «رَحِيمٌ» 47 بكم لا يعجل عقوبتكم بل يمهلكم لترجعوا إليه وتتوبوا مما أذنبتم به إليه.

وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما تنفطر منه القلوب وترتعد منه الفرائض.

والمكر المشار إليه هو أن قريشا لما عجزت عن صد دعوة الرسول صارت تحيك الدسائس لتخلص منه، وصاروا يعقدون الاجتماعات في دار الندوة ويتذاكرون

ص: 226