المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78 - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

«خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ» لما لحقهم من الخوف والفزع والهوان خاضعين «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ» وتعشاهم مذلّة وحقار بخلاف حالتهم في الدنيا، إذ كانوا ضاحكين بهيجين لأنهم لم يحسبوا لهذا اليوم حسابه «ذلِكَ» اليوم الموصوف بما ذكر الذي ظهر لهم عيانا واعترفوا به «الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ» 44 به على لسان رسلهم في الدنيا والذي كانوا يكذبون به. وقد ختمت هذه السورة بمثل ما ختمت به سورة الذاريات فقط. هذا والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

نزلت بمكة بعد سورة المعارج وهي أربعون آية، ومئة وثلاث وسبعون كلمة، وتسعمئة وسبعون حرفا، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به، ولا بما ختمت به، ومثلها في عدد الآي سورة القيامة، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: «عَمَّ» عن أي شيء «يَتَساءَلُونَ» 1 أهل مكة وأصلها (عن) الجارة و (ما) الاستفهامية أدغمت في بعضها وقد أعيد الضمير إلى الكفار مع عدم سبق ذكر لهم استغناء بحضورهم حسا، وقد ذكرنا غير مرة جواز عود الضمير إلى غير مذكور إذا كان مشهورا متعارفا أو معلوما بالقرينة كما هنا، وذلك أن حضرة الرسول دعاهم إلى التوحيد وحذرهم عاقبة الكفر والشرك وهول الآخرة، فصاروا يتساءلون بينهم عن يوم الآخرة الذي عظمه لهم أهو واقع أم لا، وما هو ذلك اليوم المهول، فأنزل الله تعالى هذه السورة وبين تساؤلهم «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ» 2 الخبر الجليل «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» 3 بشأنه وماهيته، مع أنهم لم يعدّدوا له شيئا لهذا بدأهم بأداة الردع والزجر بقوله «كَلَّا» لا حاجة للاختلاف فيه والسؤال عنه، لأنهم لم يصدقوا به، ثم هددهم بقوله «سَيَعْلَمُونَ» 4 ذلك حقا ويرونه بأم أعينهم بما فيه من أهوال وعذاب وكرر الزجر، فقال «ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» 5 كنه ما يتساءلون عنه وكيفيته.

وأعلم أن الله تعالى بدأ هذه السورة بما يضاهي السورة قبلها ويناسب آخرها، ولهذا

ص: 412

ذكرهم بشيء من عجائب قدرته وبدائع صنعه على طريق الاستفهام التقريري ليستدلوا به على ذلك فقال «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً» 6 لتستقروا عليها أيها الناس وتنتفعوا بها «وَالْجِبالَ أَوْتاداً» 7 لها ورواسي لئلا تميد بكم فتقلق راحتكم «وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً» 8 ذكرا وأنثى لتأنسوا بينكم «وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً» 9 لاستكمال راحتكم «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً» 10 لستركم عن الأنظار بظلمة إذا أردتم هربا أو استخفاء لما لا يجوز الاطلاع عليه حفظا لكرامتكم، وهذا من المجاز إذ شبه الليل بالغطاء بجامع الستر في كل

«وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» 11 لتبتغوا فيه من فضل ربكم «وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً» 12 محكمات قويات لا تتأثر على مدى الدهور والأعوام لمنافعكم. وأعلم أن هذه الآية والآيات المبينة في الآية 17 من سورة المؤمنين المارة تدل دلالة صريحة لا تحتمل التأويل على أن السماء بناء، وأنها سبع واحدة فوق الأخرى، ألا فليتنبه الجاحدون «وَجَعَلْنا» في الرابعة من هذه السبع «سِراجاً وَهَّاجاً» 13 وقّادا إذ جعل جل شأنه في الشمس حرارة ونورا، والوهج جامع لهما لإنضاج أثماركم وزروعكم «وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ» الرياح التي تعصر السحاب فتمطره «ماءً ثَجَّاجاً» 14 درّارا بقوة صبّابا «لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا» لكم «وَنَباتاً» 15 لأنعامكم «وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً» 16 ملتفة بعضها على بعض لكثافة أشجارها لتتنزهوا فيها وتفكهوا بأثمارها فانظروا هل تنكرون شيئا من هذه وهل يقدر عليها أو على شيء منها ابتداء إلا الله، ومن يقدر على ابتدائه ألا يقدر على إعادته بعد إتلافه؟ بلى وهو على كل شيء قدير، والقادر على هذا ألا يقدر على إحياء الموتى؟ بلى، إذ بدأ خلقهم ابتداعا على غير مثال، فإحياؤهم على ما كانوا عليه أهون عليه وله المثل الأعلى، ولهذا قال تعالى مؤكدا لهم ذلك «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ» الذي تسألون عنه «كانَ مِيقاتاً» 17 لما وعدناكم به من إثابة المحسن وعقاب المسيء جزاء لكل عمل بما يناسبه، وسيكون هذا اليوم الذي يقع فيه الحساب والثواب والعقاب «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» النفخة الأخيرة «فَتَأْتُونَ أَفْواجاً» 18 زمرا وجماعات لا بالواحد والاثنين، ثائرين من مدافنكم ومحل وجودكم «وَفُتِحَتِ السَّماءُ»

ص: 413

في ذلك اليوم «فَكانَتْ أَبْواباً» 19 وطرقا ومخارج وفجاجا بخلاف حالتها اليوم «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» 20 في عين الناظر إذ تقلع من مقارها فتكون هباء منثورا

«إِنَّ جَهَنَّمَ» التي أعددناها للكافرين بنا «كانَتْ مِرْصاداً» 21 للناس وممرا لهم فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار، وإذ ذاك ترصد من هو من أهلها فتصيده وتوقعه فيها وتترك من هو من أهل الجنة فيعبرها، فهي كالمكان الذي يرصد الراصد فيه لعدوه، وقد شبهها الله بذلك بجامع الانتظار في كل، لأن الراصد ينتظر الصيد أو العدو ليقتله، وجهنم تنتظر أهلها لتحرقهم، وذلك أن الصراط مضروب على متن جهنم، وقد جعل الله فيه رصدا لكل من بمر به، فإذا كان من أهل الجنة تركه وشأنه حتى يصل إليها، وإن كان من أهل النار أمسك به فألقاه فيها، ولهذا قال تعالى «لِلطَّاغِينَ مَآباً» 22 مثوّى يرجعون إليها رجوع إقامة لا يخرجون منها أبدا لقوله تعالى «لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً»

23 سنين كثيرة، والحقب ثمانون سنة كلما نقد حقب تلاه الآخر، فلا تتناهى وإن كثرت بل يبقون فيها دائما لقوله تعالى (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) الآية 20 من سورة السجدة المارة، فراجعها تعلم الآيات الدالة على تخليد الكفرة، وأنه ليس لهم مدة مخصوصة «لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً» نوما والعرب تسمي النوم بردا وهو لغة هذبل لأنه يبرّد سورة العطش، قال الشاعر:

فلو شئت حرمت النساء سواكم

وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

راجع الآية 99 من سورة المؤمنين المارة تعلم ذلك «وَلا شَراباً» 24 لتخفيف حرارة ما هم فيه، قال ابن عباس هو الشراب البارد، وأنشد عليه:

أمانيّ من سعدى حسان كأنما

سقتك بها سعدى على ظمأ بردا

هذا وما قاله مقاتل من أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى فيما يأتي (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) قول عاطل لا ينبغي أن يصدر من مثل مقاتل ولعله مدسوس عليه «إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً» 25 الحميم الصفر المذاب والماء الشديد الغليان، والغسّاق السائل من صديد أهل جهنم وقال ابن عباس وأبو العاليه: الغساق هو الزمهرير الممزّق لشدة برده أحشاء شاربه، والاستثناء منقطع لأنه من غير جنس الشراب

ص: 414

النافع، وهذا الجزاء الذي يجازون به «جَزاءً وِفاقاً» 26 لأعمالهم، وإنما ينالون هذا الجزاء القاصي الذي لا أعظم منه لأنهم يشركون وينكرون البعث أيضا ولا ذنب أعظم من هذين، ولهذا أشار الله عنه بقوله «إِنَّهُمْ كانُوا» في دنياهم «لا يَرْجُونَ حِساباً» 27 على أعمالهم القبيحة «وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» 28 مصدر كذب بلغة اليمن وبلغة غيرهم التكذيب، وبغير التشديد التكثير على أن هذه الأمور الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد لم تختلف فيها أمة كتابية قطعا، ومن أنكرها فليس من أهل الكتاب بل هو كافر لأن جميع الرسل بلغت أممها فيها، واعلم أن القرآن العظيم لا يتصدى لذكر أحدها إلا وأتبعها بذكر الآخرين، قال تعالى «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً» 29 أثبتناه في اللوح المحفوظ فلا سبيل لإنكاره لأنها مدونة فيه وعند الحفظة كما مر في الآية 23 من سورة الإسراء ج 1، وعند ما يستغيثون مما يعاينون من الآلام يقال لهم «فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً» 30 وهذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار، أجارنا الله منها.

ثم طفق يذكر ما للمتقين عنده فقال «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً» 31 ونجاة من العذاب والهوان والخوف بما أسلفوه من تصديقهم الرسل واعترافهم بالتوحيد والبعث وتفرعاتها، لهذا فإن لهم جزاء أعمالهم هذه «حَدائِقَ وَأَعْناباً» 32 خص الأعناب مع أنها داخلة في الحدائق إشعارا بتفضيلها على غيرها، لأنها من المدّخرة المغذية ويؤذن بذلك التنكير «وَكَواعِبَ أَتْراباً» 33 لهم أيضا في الجنة، أي جواري مستويات في السن، ويقال للبنت كاعب إذا ظهر ثديها وارتفع ارتفاع الكعب، وهذا في إطلاق الجزء على الكل «وَكَأْساً دِهاقاً» 34 مملوءة مترعة «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً» 35 فلا يكذب بعضهم بعضا ولا يكذب بعضهم على بعض كما هو الحال في شربة خمر الدنيا، والكذاب يأتي بمعنى الكذب وقد يخفف وعليه قول الأعشى:

فصدقتها وكذبتها

والمرء ينفعه كذابه

وهو شائع بمعنى التكذيب، راجع الآية 23 من سورة الطور المارة تجد معنى اللغو وما يتعلق به. واعلم أن أهل الجنة جعلنا الله منهم يعطون ذلك العطاء

ص: 415

«جَزاءً مِنْ رَبِّكَ» يا سيد الرسل على أعمالهم الصالحة فضلا منه «عَطاءً حِساباً» 36 كثيرا كافيا مصدر حسب أقيم مقام الوصف لعطاء ثم أبدل من لفظ ربك «رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» بالكسر صفة للرّب الذي هو بدل من ربك، وإذا قرىء رب السموات بالرفع يقرأ أيضا بالرفع على أنه خبر له باعتباره مبتدأ والكل جائز «لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً» 37 بطلب الشفاعة وغيرها، بل هو إذا شاء يأذن بها «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ» صفّا «وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا» والروح هو جبريل عليه السلام ويطلق على نوع من الملائكة مشرقين مقربين وعلى ملك ما خلق الله تعالى بعد العرش أعظم منه وعلى خلق آخر، والله أعلم بمراده به، ولهذا فإن اليهود سألت الرسول بواسطة قريش عنه، حتى إذا قال هذا قالوا غيره كما أشرنا إليه في الآية 85 من الإسراء في ج 1، وقد أفحمهم بقوله (قل الروح من أمر ربي) فهو صادق على الكل، راجع الآية 8 من سورة الكهف المارة.

وأعلم أن هؤلاء الملائكة الكرام على ما هم عليه من الإجلال والتعظيم «لا يَتَكَلَّمُونَ» حال اصطفافهم وغيره إجلالا وتعظيما لهيبة ذي الجلال والعظمة «إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ» بالكلام منهم، وكذلك الأنبياء فمن دونهم «وَقالَ صَواباً» 38 في دنياه وعمل بما قال «ذلِكَ» الواضح فيه أحوال أهل النار وأهل الجنة هو «الْيَوْمُ الْحَقُّ» يوم النبأ العظيم الذي يتساءل عنه الكفرة «فَمَنْ شاءَ» أن يأمن من هوله ويفوز بنعيمه «اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً» 39 يأوي إليه منه فلك طرق طاعته وتقرب بإيمانه وتصديقهِ نَّا أَنْذَرْناكُمْ»

أيها الكفّارَذاباً»

مهولا فظيعا وستجدونهَ رِيباً»

ما بينكم وبينه إلا الموت وهو أقرب شيء لكم إذ يأتيكم على غرة ثم تبعثون إلى ربكمَ وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ»

محضرا من خير أو شر مثبتا في صحيفته ومشاهدا بأم عينه، راجع الآية 30 من سورة آل عمران ج 3 تجد تفصيل هذاَ يَقُولُ الْكافِرُ»

بعد الحساب ومشاهدة العذاب الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً»

40 لم أخلق في الدنيا ولم أو هذه الأهوال.

ولا يقال هنا وضع الظاهر موضع المضمر، لأن المرء عام والكافر خاص، قال عبد الله بن عمر: إذا كان يوم القيامة مدّت الأرض مدّ الأديم وحشر الدواب

ص: 416