المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

معجزته وهي الناقة إذ عقروها فعقرهم الله «وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا» منهم مع نبيهم «وَكانُوا يَتَّقُونَ» 18 التعدي عليه وعلى معجزته فأنجيناهم معه جزاء خشيتهم عقاب الله الدنيوي وخوفهم عذابه الأخروي.

‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

واعلم أن معنى الهداية لدى أهل السنة والجماعة هو الدلالة فقط وصلت إلى المطلوب أو لم تصل، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية 53 من سورة الشورى الآنية، لأن الله تعالى أنزل الآيات وأرسل الرسل وأعطاهم العقل وأمرهم بالهداية ومكنهم منها وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذرا لحصول بغيتهم بحصول موجبها ومقتضيها، ولا وجه لقول بعضهم اشتراط التوصل إلى المطلوب أخذا من قوله هديته فاهتدى بمعنى حصول البغية كما تقول ردعته فارتدع لما تقدم، كما لا وجه لاستدلالهم في هذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال بناء على قولهم في قوله تعالى (فَهَدَيْناهُمْ) بكونه دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى) يدل على أنهم أنفسهم آثروه، لأن الإيمان لا يكون إلا بتوفيق الله تعالى، ولأن لفظ (فَاسْتَحَبُّوا) يشعر بأن قدرة الله تعالى هي المؤثرة، وأن لقدرة العبد مدخلا ما، وهو الجزء الاختياري للإنسان الذي يجعل له رغبة ورضا وشوقا ما، في فعل ما يقدم عليه، على أن المحبة مطلقا ليست اختيارية محضة بالاتفاق وإيثار العمى وهو الاستحباب المأخوذ من معنى استحبوا، وهو لا يكون إلا من الأفعال الاختيارية، ومعنى كون المحبة ليست اختيارية انها بعد حصول ما تتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار للشخص في ميل قلبه وارتباط هواه بمن يحبه، فهي نفسها غير اختيارية باعتبار مقدماتها. اختيارية بحسب ما تؤول إليه لأنها لا تكون إلا عن رغبة وميل، ولذلك كلّفنا بمحبة الله تعالى ومحبة رسله صلوات الله عليهم وسلامه. قال تعالى (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) الآية 189 من الأعراف في ج 1 فقد جعل علّة ميلها كونها منه بما يدل على أن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود بجندة ما تعارف منها أتلف. وقد تكون المحبة لأمور أخر كالحسن والإحسان والكمال

ص: 11

ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والانقياد والتعظيم، وهذه هي التي يكلف الإنسان بها، لأنها اختيارية، فتدبر وتفكر وافهم واعرف وفتح عينيك تهدى وترشد.

قال تعالى «وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ» المتوغلون في إنكاره وجحود آياته وتكذيب أنبيائه «إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ» 19 يستوقف أولهم ليلحق آخرهم. فيحبسون حتى إذا تكاملوا سيقوا إلى أرض الموقف «حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ» فروجهم وأيديهم وأرجلهم وجميع جوارحهم لأنها هي التي للامس الحرام بدليل تخصيصها بعد، وإنما كنى الله تعالى عنها بالجلود تحاشيا عن ذكرها وتعليما لعباده الأدب بالمكالمات، وكثير أمثاله في القرآن وشهادتهم «بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» 20 بالدنيا فينطق كل بما وقع منه إذ تكت الألسنة عن النطق: فعلت الجوارح

«وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا» بما كتمناه نحن لئلا تعذبوا «قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» ولا نقدر على المخالفة والكتمان «وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» من لا شيء، فهو قادر على انطاقنا «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» 21 بعد الحساب إذ يضعكم موضع المجازات المترتبة عليكم، كما أرجعكم إليه بعد الموت «وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ» أيها العصاة عند ارتكابكم الفواحش بالحيطان والحجب خيفة من الله ليسترها عليكم الآن، وإنما كنتم تستترون خشية أن يطلع عليكم الناس وما كنتم تظنون «أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ» بأفعالكم القبيحة «وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ» 22 في دنياكم من الخير والشر، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

اجتمع قريشيان وثقفي، أو ثقفيان وقريشي عند البيت كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهما للآخر أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا، وفي رواية قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية. على أن الآية عامة ولا قول في الحديث من حيث الصحة، لأنه جاء برواية الشيخين وناهيك بهما ثقة، وإنما في كونه سببا للنزول وعلى صحة ذلك فإنه لا يخصص حكم الآية، ومثل هذا القول يقال في الحديث المذكور في

ص: 12

الآية 8 المارة آنفا، وقدمنا في الآية 65 من سورة يس في ج 1 ما يتعلق في شهادة الأعضاء من الأحاديث ما به كفاية فراجعها، فإذا كان الله تعالى وكل بالإنسان حفظة يحصون عليه أعماله وأنفاسه، وفضلا عن هذا فإنه يستنطق جوارحه عما يقع منها، فينبغي للمؤمن أن لا يمر عليه حال إلا بملاحظة ربه عز وجل، فإن عليه رقباء منه، قال أبو نواس:

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما يخفى عليه يغيب

ويكفيك قوله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) الآية 42 من سورة إبراهيم الآتية، ولا يستغرب نطق الأعضاء بما وقع منها بقدرة الله تعالى، بعد أن نرى الأسطوانة تتكلم بما وقع عليها، والشريط السينمائي ينطق بما تكلم عليه على اختلافه، وهما من صنع البشر، فما بالك بما هو من صنع الله خالق البشر، إذا لا يتطرق أحدكم بالظن في ذلك فيهلك، وقد قال تعالى «وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ» أوقعكم في الردى، أي الهلاك، وفي هذه الإشارة الدالة على البعد إيذان بغاية بعد منزلة ظنهم في الشر والسوء «فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ» 23 بسبب ظنكم ذلك، لأن الله تعالى أنعم عليكم في هذه الجوارح لتستعملوها فيما خلقت لها فتنالوا سعادة الدارين، فإذا حرفتموها لغير ما خلقت لها كانت سببا لشقائكم فيها، لأن استعمالكم إياها في طرق الخير يؤدي إلى إدراك ما تهتدون به إليه من اليقين ومعرفة رب العالمين الموصلة للسعادة الأبدية، وصرفها لغير ذلك يؤدي إلى كفران النعمة الموصل إلى الشقاء الأبدي، قال بعد أن حكم عليهم بشهادة أنفسهم وأعضائهم «فَإِنْ يَصْبِرُوا» على ما صاروا إليه من العذاب أو لا يصبروا «فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ» لأن صبرهم ليس فيه مظنة الفرج حتى يأملوا الانتفاع به فصبرهم وفجرهم بحقهم سواء، والآية هذه على حد قوله تعالى (أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) الآية 20 من سورة إبراهيم الآتية، وقوله تعالى (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) الآية 16 من سورة الطور الآتية «وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا» يطلبوا العتبى والرضاء «فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ» 24

ص: 13

أيضا، إذ لا سبيل للرضاء حتى يكونوا من المسترضين ولا محل له «وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ» هيأنا لهم أخدانا من نظرائهم الشياطين (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» من زخارف الدنيا المحيطة بهم «وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» الصادر ممّا بالعذاب «فِي» جملته «أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ» 25 دنياهم وآخرتهم كغيرهم من الأمم الظالمة «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» من أهل مكة «لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ» الذي يتلوه عليكم محمد «وَالْغَوْا فِيهِ» قولوا عند قراءته قولا لا رقوع له كي يتشوش القارئ ويلتبس على السامع «لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» 26 في لغوكم على تلاوة محمد، فلا تتركون مجالا للسامع أن يفهمه كما هو، وذلك أن المشركين علموا عذوبة ألفاظ القرآن وكمال معانيه وجزالة جمله، وعرفوا أن من أحبط به علما وعقله مال إليه، فخافوا على أنفسهم وغيرهم من الانخراط في الدين المنزل عليه وقبول ما جاءهم به، فلذلك صار بعضهم يوحي إلى بعض بأن كل من يسمع محمدا يقرأ فليكثر من اللغو ورفع الصوت ليختلط عليه الأمر وعلى السامع أيضا، فلا يعقله تماما خشية تسرب قوله إلى الناس فيؤمنوا به، فأنزل الله هذه الآية ينعى عليهم بها سوء صنيعهم، راجع الآية 115 من الأعراف في ج 1، ثم هددهم بقوله «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» أظهر مكان الإضمار إشعارا بعظم عقابهم المشار بكونه «عَذاباً شَدِيداً» على فعلهم هذا «وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ» 27 تهديدا مؤكدا بالقسم، أي وعزتي وجلالي لأعاقبتهم على سيئاتهم هذه بأسوأ منها ولا نكافئنهم على أعمالهم الحسنة من صلة رحم وإقراء ضيف وإغاثة ملهوف وغيرها، لأنهم كانوا يفعلونها لنشر الصيت رياء وسمعة وتفاخرا، ولا نثيبنهم على الأحسن من أعمالهم مما هي خالية من تلك الشوائب، لأنا كافيناهم عليها في الدنيا من صحة وسعة رزق وجاه وغيرها، بل نجازيهم ونعاقبهم على أفعالهم السيئة بأعظم العقوبات وأسوئها، وعلى الأسوإ أكثر من السيء «ذلِكَ» التشديد عليهم بالجزاء «جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ» المحاربين له في الدنيا هو «النَّارُ» التي لا يقاس عذابها بعذاب «لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ» الإقامة الدائمة «جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا

ص: 14