المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبع: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبع:

‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

وليعلم أن هذا الدخان ليس بالدخان الذي هو آية من آيات الساعة، لأن ذلك لم يحضره حضرة الرسول، ولو كان المراد هو لما خاطبه به بقوله تعالى:

(فَارْتَقِبْ) وإنما هو ما ذكرنا والله أعلم، وذلك لمن حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى قومه لا يزالون يتمادون في الإنكار والكذب دعا عليهم فقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف. فأجاب الله دعاءه فأخذتهم سنة قد حصت أي أهلكت كل شيء حتى أكلوا الجيف والجلود وقد أثر فيهم الجوع حتى صار أحدهم يرى الفضاء كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك أنهكهم الجوع، فادع الله لهم يرفع عنهم ما حل بهم وإلا هلكوا. فأنزل الله هذه الآية إلى قوله (عائِدُونَ) .

يؤيد هذا ما رواه البخاري ومسلم عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله ابن مسعود وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصّا عند باب كنده يقصّ ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام، فقام عبد الله وجلس وهو غضبان فقال يا أيها الناس اتقوا الله، من علم منكم شيئا فليقل به ومن لا يعلم شيئا فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول، الله أعلم، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) الآية 88 من سورة ص في ج 1، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى الناس إدبارا، قال اللهم سبعا كسبع يوسف. وفي رواية للبخاري قالوا «رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ» 12 فقيل له إن كشفنا عنهم القحط عادوا فدعا ربه فكشف عنهم وسقوا الغيث، وأطبقت السماء عليهم فشكوا كثرة المطر فلجأوا إليه صلى الله عليه وسلم، فقال اللهم حوالينا ولا علينا فكشف عنهم.

ومع ذلك عادوا إلى إصرارهم وكفرهم فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله تعالى (فَارْتَقِبْ) إلى قوله (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) . هذا، وإطلاق الدخان على ما يراه الجائع

ص: 98

أو على الذي يرى عند تكدر الهواء لا يأباه وصفه بقوله (مُبِينٍ) لأنه مما يتخيل ويتوهم أنه دخان ظاهر، وقد يقره العقل. واعلم بأن إرادة الجدب من هذا الدخان والمجاعة مجاز من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، وهذا هو الصارف عن إرادة الظاهر، لأنه لو كان المراد به الدخان الذي هو من علامات الساعة لما صح قوله تعالى على لسانهم (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) ولم يصح أيضا قوله جل جلاله (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) الآية، إذ لا يكون شيء من ذلك يوم القيامة.

هذا، وما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال (خمس قد مضين أي من علامات الساعة اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان) فهو غير هذا الدخان المقصود في هذه الآية، وعلى فرض صحته فيها وهو بعيد فتكون الآية على ظاهرها وتلزم بأن نقول إن المخاطب بها غيره صلى الله عليه وسلم ممن لم يخلق بعد أو نجبر أن نقول بوقوعها في زمانه صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الواقع، إذ لم يثبت أن هذه العلامة وقعت بزمنه صلى الله عليه وسلم. وعلى كل الحالين فلا يصح تأويلها به والله أعلم. هذا وقد وقع في دير الزور وأطرافها سنة 1931- 1932 غبار في أوقات متفرقة بسبب انقطاع الأمطار ويبس الأرض وارتفع بالجو فأظلم الأفق وصار ذلك الفضاء العظيم ملآن بما يشبه الدخان حتى أنرلنا المصابيح لأنا صرنا بحالة لم ير أحدنا الآخر من كثافة ذلك الغبار ولا نستطيع الخروج إلى الساحات والطرق وضاقت النفوس وأولئك كثير من الأطفال والشيوخ أن يهلكوا لولا أن منّ الله تعالى علينا بكشفه بعد ساعات، بما يدل على أن هذا مثل ذلك، وأن الدخان الذي هو من علامات الساعة لم يقع بعد، وما رواه البغوي بإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الآيات الدخان ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين (على وزن اقرن جزيرة اليمن) تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا.

قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا هذه الآية (المارة) يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر كمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره، فعلى فرض صحة هذا الحديث فهو صريح بأنه يكون آخر الزمان وهو من علامات الساعة ولا ينطبق

ص: 99

بصورته المبينة في هذا الحديث على هذه الآية بمقتضى ما فسرت به وواقع الحال في ذلك الزمن، إذ لم يثبت وقوعه البتة على الصورة المبينة في هذا الحديث، وتلاوة الآية من قبل حضرة الرسول على فرض صحته يكون من قبيل التمثيل، لأن الآية صالحة لذلك مجازا لا حقيقة، وعليه فإن ما جرينا عليه من التفسير هو ما عليه جمهور جهابذة المفسرين ومروى عن قتادة وأبي العالية والنخعي والضحاك ومجاهد ومقاتل واختاره الزجاج والقراء. قال تعالى «أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى» أي كيف يتذكرون ومن أين يتعظون بما أصابهم «وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ» 13 لكل ما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم فهو أعظم واولى من أن يتذكروا به ولم يتذكروا «ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ» ولم يلتفتوا إليه ولم يصغوا لإرشاده «وَقالُوا مُعَلَّمٌ» من قبل الغير يعنون عداما غلاما لبعض ثقيف أعجمي ولم يكتفوا بقولهم معلم بل قالوا «مَجْنُونٌ» 14 أيضا لأنه يغشى عليه كالمجنون، وذلك أنهم يرونه حين ينزل عليه الوحي كالمغمى عليه، قال تعالى «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ» القحط الذي حل بكم إجابة لدعوة نبيكم ومؤخرون العذاب الآخر «قَلِيلًا إِنَّكُمْ» يا أهل مكة «عائِدُونَ» 15 إلى الكفر والجحود لا محالة سواء أمهلناكم أم لا، ولهذا لم نرجئكم كثيرا، فانتظروا «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى» فيكم بالدنيا في بدر وغيرها وفي الأخرى أكبر وأشد لأن يوم بدر مهما كان عظيما لا يبلغ هذا المبلغ الموصوف بالآية ولا يحصل به الانتقام النام من الكفرة، ولكن يوم القيامة بعد الفصل بين الناس «إِنَّا مُنْتَقِمُونَ» 16 منكم الانتقام القاسي وناهيك بالجبار إذا كان هو المنتقم كفانا الله شر انتقامه «وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ» قبل قومك يا سيد الرسل «قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ» 17 على ربه مثل ما أنت كريم عليه، ولما كان إرساله للقبط قوم فرعون ولبني إسرائيل قومه قال موسى لفرعون وملائه «أَنْ أَدُّوا» أعطوا وسلموا «إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ» الذين استعبدتموهم وتخلوا عنهم «إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ» من الله بذلك «أَمِينٌ» 18 على أداء الرسالة إليكم «وَأَنْ لا تَعْلُوا» تترفعوا وتتبختروا وتستكبروا «عَلَى اللَّهِ» الذي أرسلني إليكم، وإن شئتم بيّنة على صدقي «إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ

ص: 100

مُبِينٍ»

19 دليل واضح وبرهان ساطع تقتنعون به إذا لم يتغلب عليكم العناد والمكابرة. فلما سمعوا هذا منه هددوه وتوعدوه بالقتل إن لم يكف عنهم فقال لهم «وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ» 20 تقتلوني رجما بالأحجار أو تؤذوني بكلام قبيح، وإنما قال عذت، لأن الله تعالى أخبره بقوله (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) الآية 35 من سورة القصص في ج 1، راجع تفسيرها

ولوثوقه بعهد ربه أنهم لا يتمكنون من أذاه كرّ عليهم فقال «وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ» 21 أيها القبط وخلوني واتركوا لي بني إسرائيل قومي إذ أيس منهم وعلم بإعلام الله إياه أن القبط لا يؤمنون «فَدَعا رَبَّهُ» قائلا في دعائه «أَنَّ هؤُلاءِ» القبط قوم فرعون «قَوْمٌ مُجْرِمُونَ» 22 لا يهتدون إلى الرشاد لكثرة إجرامهم، فاهلكهم يا رب وأنجز لي وعدك فيهم، فأجابه بقوله «فَأَسْرِ بِعِبادِي» بني إسرائيل خاصة «لَيْلًا» وهذا إعلام بتلبية طلبه بإهلاك القبط وإنجاء بني إسرائيل «إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ 23 من فرعون وقومه، فخرج بهم إلى البحر فدخله وقومه، ثم تبعه فرعون وقومه فدخلوه وراءهم حتى صاروا جميعا فيه، قال تعالى «وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً» ساكنا على حالته حتى يكمل خروج قومك منه ويكمل دخول آل فرعون «إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ» 24 كلهم جميعا لا محالة وأنت وقومك كلهم ناجون فلا تستعجل، فامتثل أمر ربه، ولما تم خروج بني إسرائيل وتكامل دخول القبط أمره ربه أن يأمر البحر ينطبق عليهم، فأمره فانطبق عليهم، فلم ينج منهم أحد، كما لم يغرق من بني إسرائيل أحد، ثم نعى الله تعالى حال المغرقين بعد أن اطمأن موسى وقومه فقال «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» 25 تدفق بين البساتين «وَزُرُوعٍ» متنوعة تركوها «وَمَقامٍ كَرِيمٍ» 26 محل قعود مزخرف عظيم بناؤه كانوا ينعمون به وليس بمقام واحد بل مقامات كثيرة بدليل التنكير «وَنَعْمَةٍ» جليلة وهي نعم كثيرة أيضا عظيمة «كانُوا فِيها فاكِهِينَ» 27 ناعمين أشرين بطرين، لأنهم لم يقدروها ولم يشكروها، لذلك حرموا منها «كَذلِكَ» مثل هذا الفعل الفظيع أفعل بأعدائي فيذهبوا هدرا «وَأَوْرَثْناها» تلك البساتين والأنهار والقصور وغيرها

ص: 101

«قَوْماً آخَرِينَ» 28 هم بنو إسرائيل إذ عادوا إلى مصر بعد ذلك واحتلوا محالهم «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ» إذ لا عمل صالح لهم يصعد إلى السماء أو يعمل في الأرض لتفقداه فتبكيان على فقده بخلاف المؤمنين فإنهما تبكيان عليهم لأن لهم فيها عملا صالحا قارا وصاعدا، وذلك لأن السماء تبكي على فقد عبد كان لتسبيحه وتكبيره وتهليله وقراءته فيها دوي كدوي النحل، وإن الأرض تبكي على فقد عبد كان يعمرها بالقيام والركوع والسجود والقعود للصلاة والاعتكاف والذكر وللإصلاح بين الناس قال النابغة:

بكى حارث الجولان من فقد ربه

وحوران منه جاشع متضائل

وقال جرير:

لما أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشع

وقال الفرزدق يرثي عمر بن عبد العزيز:

الشمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

أي لا تعجب كيف طلعت في زمن حقها أن لا تطلع أو تطلع كاسفة. والقمر منصوب بواو المعية ونجوم منصوب بكاسفة، وقرأ بعضهم برفع النجوم والقمر على أنهما فاعل تبكي، والأول أولى تدبر. ونقل صاحب الكشاف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مؤمن يموت في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض.

«وَما كانُوا مُنْظَرِينَ» 29 لو أنهم طلبوا الانتظار حين نزول العذاب ولم نمهلهم، لأنه وقع في وقته المقدر، وهو لا يتقدم ولا يتأخر «وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ» 30 هو قتل أبنائهم واستحياء نسائهم للخدمة والاسترقاق، ولا هوان يضاهيه، ولا مهانة تساويه، وتلك الحقارة عليهم

«مِنْ فِرْعَوْنَ» وقومه وملائه «إِنَّهُ كانَ عالِياً» على ما في أرض مصر وتوابعها أجمع متكبرا عليهم متجبرا يفعل فيهم ما يشاء، عاتيا «مِنَ الْمُسْرِفِينَ» 31 في أنواع الظلم، إذ تجاوز حده حتى انه ادعى الربوبية «وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ» 32 لأنا قدرنا أن يكون منهم أنبياء وأولياء وملوك وأمراء وأناس صالحون لزمانهم «وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ» بعد إنجائهم من الفرق الذي هو الآية الكبرى بحقهم

ص: 102

وإغراق أعدائهم بآن واحد وإنزال المن والسلوى عليهم وإظلالهم بالغمام وتفجير الماء من الصخرة في التيه وغيرها «ما فِيهِ بَلؤُا» اختبار وامتحان «مُبِينٌ» 33 ظاهر لننظر كيف يعملون، ونظهر لمن بعدهم ذلك، ونري من عاصرهم إياه، وإلا فنحن عالمون بما يقع منهم قيل خلقهم، راجع قصتهم مفصلة في الآية 52 فما بعدها من سورة الشعراء في ج 1، قال تعالى بعد أن قص على حبيبه ما جرى لموسى مع قومه «إِنَّ هؤُلاءِ» قومك يا سيد الرسل «لَيَقُولُونَ» 34 لك عند ما تخبرهم بالبعث بعد الموت «إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» 35 بعدها مرة ثانية ويقولون لك لفرط «جهلهم فَأْتُوا بِآبائِنا» الذين ماتوا قبلنا «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» 36 أنا نحيا بعد الموت، قال تعالى «أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ» ملك اليمن، قالوا إن المراد به أسعد بن مليك المكنّى بأبي كرب، وكانت ملوك اليمن تلقب بلفظ تبع، كما أن ملوك الحبشة تلقب بالنجاشي والروم بقيصر والفرس بكسرى والقبط بفرعون والترك بخاقان والعرب بالخليفة، وسمي تبعا لكثرة أتباعه بالنسبة إلى غيره في ذلك الزمن عدا قوم الملك حمير لأن الملك كان فيهم، يقول الله تبارك وتعالى يا أكرم الرسل إن قومك المتطاولين عليك ليسوا بأحسن من قوم تبع لا في العمل، ولا أقوى منهم في الشدة، ولا أكثر منهم في الأموال والأولاد والعدد والعدد، فلماذا يتطاولون عليك؟ قالوا وكان تبّع سار بقومه وجيوشه نحو المشرق وحيّر الحيّرة وبنى سمرقند وعاد إلى المدينة حيث ترك ابنا له فيها عند ذهابه، وعلم أن أهلها قتلوه غيلة وصار يقاتلهم لأجله، وصمم على استئصالهم وتخريب بلدتهم، وصار أهلها يقاتلونه نهارا ويقرونه ليلا، فقال إن هؤلاء لكرام، ثم جاءه حبران عالمان من بني قريظة وقالا له أيها الملك لا تفعل ما صممت عليه وإن أبيت أن تسمع قولنا حيل بينك وبين ما تريد، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة، قال ولم؟ قالا إن هذه المدينة مهاجر نبيّ يخرج من قريش اسمه محمد، وسيكون في منزلك الآن قتال بين أصحابه وعدوهم، قال ومن يقاتله وهو نبي؟ قالا قومه، فانكف عن قتالهم وعدل عن استئصالهم وتخريب بلدتهم، وترك دم ابنه حرمة لما قالوه، وقفل إلى اليمن وأخذ الحبرين مع نفر

ص: 103

من اليهود معه بغاية الإكرام، فصادفه بالطريق نفر من هذيل وقالوا له ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة، قال ما هو؟ قالوا له مكة وأرادوا بذلك إهلاكه لأن مكة لا يقصدها أحد بسوء إلا أهلكه الله كما هو متعارف بينهم، فاستدعى الحبرين واستشارهما في ذلك، فقالا له لا تفعل، لأن هؤلاء لم يريدوا نصحك وإنما أرادوا قتلك لأن هذا البيت لا يناوئه أحد إلا هلك فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك وأكرمه واصنع عنده ما يصنعه أهله، فقال أفعل وأخذ النفر من هذيل وقطع أيديهم وسمر أعينهم ثم صلبهم ودخل مكة فنزل الشعب الطامح ونحر فيه ستة آلاف بدنه وكسا البيت بالوصائل وهي برود تصنع باليمن وهو أول من كساه كما أن أول من سمي تبعا أول ملوك اليمن، وأقام فيه ستة أيام، وطاف وحلق، وانصرف، فلما دنا من اليمن حال من فيها من قومه بينه وبين دخوله، لأنه ترك دينهم، فخطب فيهم ودعاهم إلى الإيمان بالله وحده وهو خير من دينهم، لأنهم عبدة أوثان، فطلبوا منه أن يتحاكموا إلى النار التي هي أسفل جبل عندهم ومن شأنها أن تحرق الظالم ولا تضر المظلوم، فوافقهم على ذلك، فخرجوا بأوثانهم وما يتقربون به إليها في دينهم، وخرج هو والحبران وما معهما من الكتب في أعناقهما، وقعد الفريقان عند مخرج النار، فخرجت وغشيتهم، فأكلت الأوثان وما قربوه لها معها، والرجال

الذين كانوا يحملون القرابين، وخرج الحبران يتلوان التوراة، ونكصت النار حتى رجعت إلى المحل الذي خرجت منه فأعلن تبع إيمانه بالله وأصر قومه على الكفر، فذمهم الله «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الكافرة وأخبر عن مصيرهم بقوله جل قوله «أَهْلَكْناهُمْ» بكفرهم وعدم انقيادهم للإيمان كما أهلكنا قوم تبع هؤلاء بسبب عنادهم. قالوا وكان هذان ومن معهم أصل اليهود في اليمن، وان تبعا آمن بمحمد حسب إخبارهما له عنه قبل مبعثه وولادته، وكان بينه وبين مبعثه سبعمئة سنة، ومما نسب لتبع هذا قوله:

وكسونا البيت الذي حرم الله

حلاء معصيا وبرودا

وأقمنا به من الشهر عشرا

وجعلنا لنا به إقليدا

وخرجنا منه نؤم سهيلا

قد رفعنا لواءنا معقودا

ص: 104

هذا وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن سهيل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم. وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا، ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لا تقولوا في تبع إلا خيرا فإنه قد حج البيت وآمن بما جاء به عيسى بن مريم. وهذا يدل على أنه بعد مبعث عيسى عليه السلام، والأول أصح لأن الحبرين لم يذكرا عن عيسى شيئا، ولعله آمن بما جاء به موسى لأن الحبرين من أتباعه، والحادثة هذه قبل الميلاد بمئة وثلاثين سنة تقريبا، أو أنه عاش لمبعث عيسى عليهم السلام، قالوا وإن الحبرين أخبراه لا يدرك محمدا صلى الله عليه وسلم فأوصى الأوس والخزرج أن يقيموا بالمدينة وأن يؤازروه إذا خرج وهم أحياء، وأن يوصوا من بعدهم بمؤازرته، وقال رحمه الله أيضا:

حدثت بأن رسول المليك

يخرج حقا بأرض الحرم

ولو مدّ دهري إلى دهره

كنت وزيرا له وابن عم

قالوا وكتب كتابا بإيمانه وأودعه لديهم على أن يعطيه لحضرة الرسول العربي من يبلغ زمانه منهم. قال تعالى «وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ» 38 لأنه إذا لم يكن بعث ولا حساب يترتب عليه الثواب والعقاب، فيكون خلق الخلق لمجرد الفناء لعبا بل عبثا، وهذا دليل قاطع على البعث.

ولبحثه صلة في الآية 16 من سورة المؤمنين الآتية، فراجعه. «ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ» الجد الصحيح القاطع «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» 39 ذلك ولهذا قال المؤمنون (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا) الكون وما فيه (باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) الآية 191 من آل عمران في ج 3، قال تعالى مهددا لهم ولأمثالهم من الكفرة «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ» بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل والمؤمن والكافر «مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ» 40 قومك فمن قبلهم ومن بعدهم

«يَوْمَ لا يُغْنِي» فيه «مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً» من الأشياء أي لا تنفع القرابة والصداقة والخلّة والسيادة من أي ولي كان «وَلا هُمْ» الموالي والرؤساء «يُنْصَرُونَ» 41 أيضا فلا يقدرون على نصرة أنفسهم، ولا دفع العذاب عنهم،

ص: 105