الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كفره «وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً» من غنى وصحة وأمن وأولاد ورياسة «فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ» من فقر ومرض وخوف وذل «بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» من الخبائث التي جنوها «فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ» 48 لما أسلفناه من النعم قبلها وكان عليه قبل أن يغمط حق النعمة أن يتأمل أن زوالها كان بسبب كفره وأنه إذا تاب وأناب فالله أكرم من أن يرد عليه نعمه لا أن يقابلها بالإعراض والجحود.
مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:
قال تعالى «لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وما فيهما لا لغيره ولا لأحد شركة معه فيهما، فهو وحده يتصرف بهما كيفما شاء وأراد «يَخْلُقُ ما يَشاءُ» لا يحق لأحد الاعتراض عليه، وليس يوجب عليه إجابة طلب أحد من خلقه «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ» 49 فقط «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً» كثيرين بدلالة التنوين، قالوا ولد لأنس بن مالك مئة ولد، وكذلك لعبد الرحمن بن عمر الليثي، وخليفة السعدي، وجعفر بن سليمان الهاشمي، وهذا من الغرائب ولكن ليس على الله بغريب ولا عجيب «وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً» لا يولد له البتة من الذكور والإناث «إِنَّهُ عَلِيمٌ» بما يناسب كلا من خلقه فعطاؤه عن حكمة وتخصيصه عن حكمة ومنعه عن حكمة «قَدِيرٌ» 50 على ما يريده من هذا وغيره. وما قيل إن هذه الآية نزلت في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن منهم لوطا وشعيا لم يرزقا إلا بنات وإبراهيم لم يرزق إلا ذكورا ومحمدا صلى الله عليه وسلم ذكورا وإناثا وعيسى ويحيى لم يولد لهما، لا يتجه، لأن عيسى ويحيى لم يتزوجا، والآية عامة في جميع خلقه، وليس المراد من يزوجهم أن بولد ذكر وأنثى في بطن واحدة توءما كما قاله بعض المفسرين إذ لا دليل على التخصيص بل مجرد إعطائهم ذكورا وإناثا في بطن أو بطون متفرقين لا مجتمعين، كما هو الظاهر، والله أعلم. وقدم الله تعالى الإناث على الذكور في هذه الآية لا لشرفهن ولكن لسياق التنزيل بأنه يفعل ما يشاء هو لا ما يشاءونه فصار تقديمهن أهم والأهم واجب التقديم، تدبر.
قال تعالى «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ
اللَّهُ»
كما يكلم أحدكم صاحبه وما يكلمه جل شأنه «إِلَّا وَحْياً» إلهاما كما روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله فنفث في روعي، أو مناما كما وقع لإبراهيم عليه السلام في ذبح ولده، وكما ألهمت أم موسى بقذفه في البحر، قال صلى الله عليه وسلم رؤيا الأنبياء وحي. وما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كلم ربه ليلة الإسراء كما أشرنا إليه أول سورة الإسراء في ج 1 في بحث الإسراء والمعراج فهو مخصوص به دون سائر الأنبياء إذ ما من عموم إلا وخصص منه البعض، ولرؤيته صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل في الدنيا من خصوصياته أيضا وهي حق ثابت لا مرية فيها، ولم يره بالدنيا بعيني رأسه غيره ولم يكلمه أحد مشافهة مع الرؤية غيره أيضا. وقد ثبت لموسى عليه السلام تكليم الله فقط من غير رؤية، وليعلم أن رؤية الله تعالى وتكليمه جل شأنه لا بوصفان بوصف، ولا يكيفان بكيفية، لأن النطق عاجز عن بيان ذلك، وهذا أنكر من أنكر لسوء ظنه ويقينه، وصدّق من صدق بحسن إيمانه وعقيدته، وهذا نوع من أنواع الوحي. والثاني بيّنه بقوله «أَوْ» يسمع الموحى إليه كلامه المقدس الخالي عن الحرف والصوت المنزه عن الشبيه والمثيل «مِنْ وَراءِ حِجابٍ» يحجب السامع في الدنيا عن الرؤية لا أن يحجب الله عن رؤيته، لأنه جل شأنه لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام ولا يحجبه حجاب، وذلك من غير رؤية كما سمع موسى عليه السلام كلامه من الشجرة وكما سمعت الملائكة كلامه في دعوتهم للسجود لآدم عليهم السلام، راجع الآية 45 من سورة الإسراء في ج 1 في بحث الحجاب، هذا. والنوع الثالث هو المذكور في قوله «أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» من ملائكته الكرام «فَيُوحِيَ» ما يتلقاه منه بِإِذْنِهِ» عز وجل إلى المرسل إليه «ما يَشاءُ» أن بوحيه من الوحي المقدس «إِنَّهُ عَلِيٌّ» عن سمات وصفات خلقه «حَكِيمٌ» 51 صائب المرمى فيما بوحيه من الأمور القولية والفعلية. وسبب نزول هذه الآية على ما نقله الآلوسي رحمه الله في تفسيره روح البيان نقلا عن البحر أن قريشا قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تكلم ربك وتنظر إليه إن كنت صادقا كما كلمه موسى؟ فقال لهم لم ينظر موسى ربه، فنزلت. وهذا أصح مما نقله الإمام علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي في تفسير الخازن المسمى لباب التأويل من أن سبب نزولها هو أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم
ربك إلخ، لأن السورة مكية والآية ليست بمستثناة منها، واليهود لم يجادلوا حضرة الرسول في مكة ولم يقع معهم أخذ ورد إلا بالمدينة، وهذه الآية محمولة على عدم جواز النظر في الدنيا ولا دليل فيها على عدم جواز الرؤية في الآخرة، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث وتقسيم الوحي وجواز رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة في الآية 52 من سورة المزمل، والآية 60 من سورة والنجم، والآية 60 من الإسراء في ج 1، وتطرقنا لها في غيرها من السور وفي الآية 53 من سورة يونس، والآية 36 من سورة يوسف، والآية 103 من سورة الأنعام المارات، وأشرنا إلى المواقع التي تطرقنا فيها لهذا البحث فراجعها. قال تعالى «وَكَذلِكَ» كما أوحينا للرسل من قبلك كتبّا وصحفا «أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» يا خاتم الرسل «رُوحاً مِنْ أَمْرِنا» قرآنا فيه حياة الأرواح في الدنيا والنجاة الطيبة والنعيم الدائم في الآخرة، وما قيل إن المراد بالروح هنا جبريل عليه السلام قيل غير سديد، لأنه لو كان المقصود هو لقال جل شأنه وهو أعلم بما يقول أرسلنا إليك روحا فقط، لأن جبريل هو من أمر الله أيضا فيكون في الكلام تكرار دون حاجة. هذا، وقد اجتمعت له عليه الصلاة والسلام أنواع الوحي كلها، إذ تشرف في بداية رسالته بالرؤيا الصادقة والنفث في الروع أي القلب، ثم بإرسال الملك جبريل عليه السلام إليه، ثم تكليمه ليلة الإسراء، وزاده الله شرفا على سائر الرسل بالرؤيا الدنيوية.
قال تعالى «ما كُنْتَ تَدْرِي» يا سيد الرسل قبل أن شرفناك بالرسالة «مَا الْكِتابُ» القرآن الذي أكرمناك به «وَلَا الْإِيمانُ» بنا على وجه التفصيل الذي علمته بعد ذلك، وليس المراد بالإيمان هنا معناه الحقيقي الذي هو ضدّ الكفر، لأن الأنبياء مجمع على إيمانهم الإجمالي قبل النبوة كما علمت من ذكرهم، وكان صلى الله عليه وسلم كغيره من الأنبياء يوحد الله تعالى قبل النبوة ويبغض الأصنام ويتعبّد على دين إبراهيم عليه السلام كما من قبله يتعبّد على دين من قبله من الأنبياء، بل المراد من الإيمان هنا والله أعلم الإيمان بتفاصيل الشرائع للذكورة في الكتاب المنزل عليه، لأنه في بداية أمره لم يعلم أنّ كتابا ينزل إليه، فكيف يعلم تفصيلات ما فيه، وقد يأتي الإيمان بمعنى الصلاة، قال تعالى (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) الآية 149 من البقرة