الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ» المفروضة عليهم «وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ» ما تيسر منه وتسمح به نفوسهم مما خولناهم من النعم في وجوه البر والخير «سِرًّا وَعَلانِيَةً» وليبادروا فيه «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ» عليهم وقد نكّره لهول ما يقع فيه يوم «لا بَيْعٌ فِيهِ» ليبتاع المقصر ويتلافى تقصيره ولا فداء فيه ليفتدي نفسه، يوم لا دية فيه، ولا خلاص من العذاب، وعدم إمكان شراء النفس مما حق عليها بخلاف الدنيا الممكن فيها ذلك «وَلا خِلالٌ» 31 جمع خلة إذ لا ينفع الصاحب صاحبه، ولا قريب قريبه، يوم تنقطع فيه المودة والقرابة:
مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:
هذا وقد نفى الله تعالى في هذه الآية وآية البقرة عدد 256 في ج 3 نفع الخلة، ويراد بها الحاصلة بميل الطبيعة ورعونة النفس، وأثبتها في الآية 66 من الزخرف المارة، لأن المراد بها الخلة الحاصلة بمحبة الله وطاعته، لأنه أثبتها للمتقين وجعل الأولى محض عداء بين المتخالدين لغير الله وعلى سخطه، إذ تكون بلاء خالصا عليهم يوم القيامة، راجع تفسيرها فقيه بحث نفيس جامع مانع نعلم منه أن كل صحبة لغير الله تكون محنة يوم القيامة، قال هرم بن جبان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم. وقال كعب: مكتوب في التوراة لا صحبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤهما من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض، وتصديق ذلك في القرآن قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) الآية 99 من سورة مريم في ج 1 فراجعها أيضا ففيها ما تقرّ به الأعين «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ» أيها الناس ولدوابكم «وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ» فتحملكم وأثقالكم إلى مقاصدكم بأقل زمن وأقل كلفة من البر «وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ» 32 تجرونها حيث شئتم للشفة والسقي والنّضارة وغيرها «وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ» مستمرين على عادتهما من الطلوع والغياب بصورة مطّردة وحالة
دائمة لمنافعكم أيضا، إذ أودع الله فيهما ما أودع من التأثيرات من نضج الثمار وطعمها ولونها وإخراج النبات وأشياء أخرى مما علمه البشر وما لم يعلمه بعد «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» 33 لتنتفعوا بكل منهما، راجع الآية 12 من الإسراء في ج 1 تقف على فوائدها التي اطلع عليها البشر، ولهما فوائد أخرى تعلم فيما بعد، لأن الدنيا لم تكمل بعد، لأنها. لا تخرب إلا بعد كمالها، راجع الآية 44 من سورة يونس المارة «وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» وما لم تسألوه لأنكم لا تعرفون كل النعم التي أنعمها عليكم إلا بعد حدوثها، ومن أين لنا أن نعرف الكثرى والموز والبرتقال والخوخ وغيرها قبل أن نراها، وحتى الآن يوجد ثمار لا نعرفها «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» لأنها كثيرة جدا فلا تطيقوا عدها إجمالا فضلا عن التفصيل «إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» 34 أنعم الله ظلام لنفسه ولغيره، وبعد أن ذكر الله تعالى أحوال الكافرين بنعمه وأمر المؤمنين بإقامة مراسم الطاعة شكرا لها لما فيها من تفضيلهم وتكريمهم على الخلق كافة، وبين لهم أن الشكر والطاعة من النعم العظام والمنن الجسام لمن ثابو عليها، حثا للمؤمنين على المداومة عليها، وتقريعا للكافرين والعصاة المخلّين بهما، ختم الآية بقوله (ظلوم كفار) يريد أن جنس الإنسان مجبول على هاتين الخصلتين، على أن الآية 18 من سورة النحل المارة ختمت بقوله (إن الله لغفور رحيم) ليتعظ هذا الظلوم الكفار بهذه النعم ويرتدع عن غيه ويجنح إلى مغفرة ربه ويتوب من كفره. فانظروا رعاكم الله أيجوز عصيان هذا الإله الخالق لهذه الأشياء ومذللها لكم وجاعل منافعها العظيمة لتأمين راحتكم والتوسع عليكم، فاحمدوا هذا الرب الذي يمهل من عصاه وكفر نعمه ليتوب إليه ويرجع عن غيه رحمة به، ويثيب من أطاعه كرامة له وفضلا ليزيد في طاعته، فبعد هذا كله أيجوز عصيانه؟ كلا ثم كلا. وهذه الآية عامة أيضا لأن المراد بالإنسان جنسه لا خصوص أبي جهل وأضرابه كما ذكر بعض المفسرين، على أنه وأمثاله داخلون في معناها دخولا أوليا «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ» أي اذكر يا محمد لقومك قول جدك الكريم «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً» صيّره وما حوله من الخوف إلى الأمن، وآية البقرة 147 في ج 3 (اللهم اجعل هذا بلدا آمنا)
أي اجعل مكة شرفها الله من جملة البلاد الآمنة التي يأمن أهلها فيها على أنفسهم وأموالهم «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» 35 أدخل نفسه عليه السلام مع أنه معصوم من عبادتها لزيادة التثبت وإظهار عجزه لربه وإعلاما بأنه لا يقدر أحد علي حفظ نفسه إلا يحفظ الله تعالى، وفيه تعليم للغير بالتبرّي من الاعتماد على النفس، وقد أجاب الله دعاءه لبنيه من صلبه إذ ثبت أن أحدا منهم لم يعبد صنما ما، وكذلك أولادهم الموجودون في زمانهم. واعلم أن عجز هذه الآية يفيد أن من
لم يتبعه على دينه فليس منه، وهو كذلك، ولكن ينفي ما يرد عليه من أن أهل مكة من نسل إسماعيل عليه السلام ابنه قد عبدوا الأوثان وهذا مردود، لأنهم ليسوا في زمن إسماعيل ولا أولاد إسماعيل أيضا، فلا محل لهذا الإيراد، ولا يرد أيضا ما جاء في الحديث الصحيح (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة) لأن المراد بالأمن الذي طلبه إبراهيم أمن أهلها وقد كان، قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية 68 من سورة العنكبوت الآتية أي وهم آمنون، على أنه لو أريد بالأمن عدم خرابها لا يتجه أيضا، لأن الله تعالى قد حفظها من كل من أراد خرابها، أبرهة فمن قبله وحتى الآن محفوظة بحفظ الله، وستبقى كذلك بإذن الله إلى الوقت المقدر لخرابها، إذ لا يبقى لها أهل ولا من يقول الله، وهو من علامات الساعة، فلا تنافي بين الحديث والآية على هذا المعنى أيضا، والأول أولى وأوجه «رَبِّ إِنَّهُنَّ» الأصنام «أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ» وهو يعلم أن المضل في الحقيقة هو الله كما ذكرناه في الآية 112 من الأنعام المارة، لأن هذه الأصنام وإبليس وشياطين الإنس والجن لا تقدر أن تضل من هداه الله، قال تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) الآية 17 من سورة الكهف، ولا سيما الأصنام لأنها جماد لا تعقل حتى تضل غيرها، إلا أنه لما حصل الإضلال بعبادتها أضيف إليها كما أضيف الغرور والفتنة إلى الدنيا، والنزغ والإغواء والتزيين إلى الشيطان، راجع الآية 39 من سورة الحجر المارة وما ترشدك إليه تقف على ما تريده من هذا البحث مفصلا، ثم خصّص عليه السلام دعاءه العام في صدر هذه الآية بقوله «فَمَنْ تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ مِنِّي»
على ديني وعقيدتي «وَمَنْ عَصانِي» فيها «فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» 36 به تقدر على هدايته إذا شئت، وليس في هذه الآية جواز الدعاء للكافرين بالمغفرة والرحمة، لأنها جارية مجرى الخبر، أي أن الكافر إذا تاب وأناب فإنك غفور لأمثاله، رحيم بهم، أو أنها على حد استغفاره لأبيه قبل أن يعلمه الله عدم غفران الشرك، لعلمه أنه قادر على أن ينقله من الكفر إلى الإيمان، وعلى هذا قول عيسى بن مريم عليه السلام في الآية 118 من المائدة في ج 3 (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) إلا أن عيسى ختم كلامه بما لا يدل على المغفرة والرحمة، لأن لفظ العزيز يدل على العظمة والغلبة، ولفظ الحكيم يدل على أن ما يفعله الله موافق للواقع، لأن الحكمة تعذيب العاصي وتكريم الطائع، فبين حتام الآيتين بون شاسع في المعنى، وإن استغفار إبراهيم لأبيه وقع منه بعد أن وعده بالإيمان به، راجع الآية 114 من سورة التوبة في ج 3، لهذا فإن من استدل بهذه الآية على جواز مغفرة الشرك فقد مال، إذ لا دليل له لمخالفته صراحة قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية 48 من النساء في ج 3، وهي مكررة فيها راجع الآية 8 من الشعراء في ج 1 فيما يتعلق في هذا البحث، ومنها تعلم أن عدم غفران الشرك قديم لا خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي» يريد إسماعيل عليه السلام «بِوادٍ» بين جبلين جبل أبي قبيس وجبل جياد ويسمى وادي مكة «غَيْرِ ذِي زَرْعٍ» لأنه رمال لا تنبت «عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» التعرض له ولما فيه والتهاون به «رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ» أي لم أسكنهم فيه إلا ليعبدوك ويوحدوك لأن القصد إظهار ركون الإسكان مع فقدان لوازمه لمحض التقرب والالتجاء إلى جواره، لأنه بلقع خال من كل ما تقتضيه الحياة، ولهذا قال جل قوله «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» تميل حنانا وشوقا إليه ورغبة فيه «وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ» الموجودة في بلادك الأخرى بأن سخّر لهم الناس بجلبها إليهم من بلادهم، وقد أجاب الله دعاءه، فترى في مكة جميع أصناف اللباس والمأكول والمشروب بكثرة كما قال تعالى (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) الآية 57 من سورة
القصص في ج 1، «لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» 37 نعمك ويقولون إن الإتيان بها من جملة آياتك ونعمك عليهم، قال سعيد بن جبير: لو قال الله أفئدة الناس لحجت النصارى واليهود والمجوس، ولكنه قال من الناس يريد المسلمين فقط، لأنه سبق في علمه حرماتهم من زيارته لقوله جل قوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الآية
25 من التوبة في ج 3، «رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ» في كل أمورنا وأحوالنا وأفعالنا ونيّاتنا، لا تفاوت عندك بين السر والعلانية، قال تعالى «وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» 38 تصديقا لقولهم ذلك، وقد جمع الضمير لأن الدعاء منه ومن ابنه إسماعيل بدليل ما جاء في الآية 138 من البقرة في ج 3، وهو قوله تعالى حكاية عنهم كما هنا (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) وفي تكرير هذا النداء دلالة على أن كثرة التضرع إلى الله تعالى واللجوء إليه وحصر القصد فيه مطلوب. ثم قال إبراهيم وحده «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» 39 إشارة إلى قوله قبلا (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) الآية 100 من سورة الصافات المارة، فأجاب الله دعاءه فوهب له إسماعيل من هاجر وهو ابن تسع وتسعين سنة، وإسحق من سارة وهو ابن مئة وسبع عشرة سنة، قال تعالى على لسان خليله أيضا «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» اجعل من يقيمها، وذلك أنه علم بإعلام الله إياه أن أناسا يكونون من ذريته لا يقيمونها «رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ» 40 بإثبات الياء ودونها، وقد أجاب الله دعاءه إذ جعل النسوة في ذريته وهم أهل الصلاة
«رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ» إذا تابا وأنابا وأسلما لك، وهذا قبل أن يتبين له أنهما من أصحاب الجحيم، ولأنهما وعداه أن يؤمنا به وبربه. أما استغفاره لنفسه مع علمه أنه معصوم من الذنب فهو بقصد الالتجاء إلى ربه والاتكال عليه، ولما يظن أن ما قاله في جملة (بل فعله كبيرهم) في الآية 63 من الأنبياء الآتية، والآية 89 من سورة الصافّات المارة وهي (إني سقيم) وقوله للجبار عن زوجته هذه أختي يريد بالخلقة والدين- تستوجب الاستغفار، لأنه من الأبرار، وإن حسنات
الأبرار سيئات المقرّبين «وَلِلْمُؤْمِنِينَ» جميعهم اغفر يا رب، وهذا تعميم بعد تخصيص لأنه داخل فيهم دخولا أوليا، وفي هذه الآية بشارة عظيمة لجميع المؤمنين لأن الله تعالى أكرم من أن يردّ دعاء خليله، وستظهر ثمرة هذا الغفران «يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ» 41 أسند القيام إليه مجازا على حدّ قوله (واسأل القرية) أي أهل الحساب، لأن القيام منهم وهذا مما لا يخالف الظاهر، لأن من المعلوم أن القرية لا تسأل والحساب لا يقوم، لأنه معنى، والقيام للأجسام لا للمعاني، قال تعالى «وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» حاشا، بل هو مطلع عليهم ومحص أعمالهم، ولكنه تعالى «إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ» للتقاصّ منهم «لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ» 42 لجهة العلو لما يرون من الهول الذي يدهشهم ويحيرهم، وشخوصها بقاؤها مفتوحة لا تطرف حال كونهم «مُهْطِعِينَ» مسرعين بمشيهم إلى جهة الداعي مهرولين وراءه، لا يعرفون ما هو مصيرهم كالنعم حين يسوقها الجزار إلى المذبح، بخلاف حال الدنيا فإن من يشخص منهم بصره يقف مبهوتا لا يقدر على الحركة، وأهل الآخرة على العكس، فإنهم يمشون مسرعين، وهذا من جملة عجائب أحوال أهل ذلك اليوم «مُقْنِعِي» رافعي «رُؤُسِهِمْ» إلى السماء، وهذا أيضا على خلاف عادة أهل الدنيا، لأن من يتوقع منهم شيئا يخافه يطرق رأسه إلى الأرض «لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ» للنظر على أنفسهم بل يبقى شاخصا من شدة الفزع، وسبب رفعها إلى السماء توقع نزول شيء منها عليهم، إذ ينزل العرش الإلهي محمولا على الملائكة ويوضع في الموقف لفصل القضاء بين الناس، وأما الذين يعتريهم الخوف فيكونون هم «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ» 43 أي قلوبهم خالية فارغة لا تفكر بشيء، ولا تعقل شيئا، أجارنا الله من هول ذلك اليوم. والفؤاد هو الجؤجؤ، قال زهير:
كأن الرحل منها فوق صعل
…
من الظلمات جؤجؤه هواء
يريد قلبه. وقول حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني
…
فأنت مجوّف نخب هواء