الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا.
مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:
قال تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ» آدم عليه السلام بدليل قوله «مِنْ سُلالَةٍ» أي خلاصة «مِنْ طِينٍ» 12 معجون من أنواع تراب الأرض، ولذلك ترى أولاده الأبيض والأحمر والأسود والأصفر وما بينهما، والمؤمن والمنافق والكافر والمرائي والمداهن وما بينهما «ثُمَّ جَعَلْناهُ» أي الإنسان «نُطْفَةً» ماء قليلا نحو النقطة من مائي الرجل والمرأة والمراد نسل آدم، لأنه المخلوق من النطفة لا آدم نفسه «فِي قَرارٍ مَكِينٍ» 13 حصين وهو الرحم لا يتسرب إليه غيرها «ثُمَّ خَلَقْنَا» وسط ذلك الرحم المحرز المصون بتلك «النُّطْفَةَ» فصيرناها «عَلَقَةً» قطعة دم جامد «فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ» المذكورة وصيرناها في مقرها «مُضْغَةً» قطعة لحم صغيرة «فَخَلَقْنَا» تلك «الْمُضْغَةَ» نفسها بأن أحلناها «عِظاماً» وعروقا داخل مقرها المذكور «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» سترناها به، ولذلك قال كسونا لأن اللحم كالكسوة للعظم والعرق، إذ تتداخل به وتمتد لربط المفاصل بصورة محكمة من فعل الحكيم القدير «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ» بسبب نفخ الروح فيه وصيرورته حيوانا سميعا بصيرا ناطقا بعد أن كان جمادا، فهو مباين لحالته الأولى، ولذلك قال تعالى (خَلْقاً آخَرَ) وفي العطف بثم المفيدة للتراخي إعلام بأن ما بين كل حالة وأخرى احتياج إلى الزمن، وهو كذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فو الله الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة (فيما يبدو للناس) حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار (فيما يبدو للناس)
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. واعلم أن جملة فيما يبدو للناس لم تكن في هذا الحديث، وإنما هي في حديث آخر رواه البخاري، ولذلك جعلناها بين قوسين، ورويا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يقضي خلقها، قال يا رب أذكرا أم أنثى أسقي أم سعيد، في الرزق، في الأجل، فيكتب له ذلك في بطن أمه قال تعالى «فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» 14 المبدعين المصورين المقتدرين الموجدين، وقد ذكرنا مراتب الخلق في الآية 64 من سورة المؤمن والآية 14 من سورة الأحقاف المارتين فراجعهما. «ثُمَّ إِنَّكُمْ» أيها الناس «بَعْدَ ذلِكَ» الخلق وخروجكم من الرحم واستيفاء آجالكم في الدنيا «لَمَيِّتُونَ» 15 ومفارقون هذه الأرض التي نشأتم عليها فتدفنون فيها أو فيما فيها «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» بعد انقضاء أجلكم في البرزخ كما هو مقدر أزلا «تُبْعَثُونَ» 16 أحياء كما كنتم في الدنيا فتساقون إلى الوقف وتحشرون فيه فتحاسبون وتجازون على ما عملتموه الخير بأحسن منه والشر بمثله، فعلى العاقل أن يتهيأ للموت لأن أمرا لا تدري متى يغشاك يجب أن تستعد له قبل أن يفاجئك قال تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ» سموات سميت طرائق لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم «وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ» 17 لاهين ولا ساهين عن أقوالهم وأفعالهم، بل كنا ولا نزال متيقظين لحفظ أعمالهم ونحصيها عليهم كما نحفظهم في حياتهم حتى يبلغوا أجلهم وما قدر إليهم في الدنيا ويستوفونه كاملا. قال تعالى «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ» لحاجة البشر وزروعهم وأنعامهم ومنافعهم «فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ» وجعلناه ينابيع عيونا وأنهارا متنوعة، ونظير هذه الآية بالمعنى الآية 22 من الزمر المارة «وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ»
18 كقدرتنا على إنزاله وإسلاكه في الأرض والإعادة أهون من الابتداء لأنه إبداع على غير مثال سابق والإعادة إرجاع الشيء لأصله وهو سهل على كل مبدع «فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها
فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ»
19 شتاء وصيفا رطبا ويابسا «وَشَجَرَةً» أنشأناها لكم أيضا «تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ» جبل بفلسطين ملتف بالأشجار وكل ما هو كذلك يسمى سينا «تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» الزيت لأن ثمرها الزيتون والدهن يعصر منه فكأنها نبتت به «وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ» 20 أدام يصبغ الخبز بصفاره الصافي البديع، قالوا
إن أول شجرة ثبتت في الأرض بعد الطوفان هي الزيتون، وقالوا إنها تعيش ثلاثة آلاف سنة، ويدل على هذا تأخر إعطائها الثمر، والزيتون الموجود الآن بقضاء الزوية يسمّونه الروماني، ويقولون إنهم تلقوه عن أجدادهم الذين لا يعرفون تاريخ زرعه، وإذا أنعم الإنسان النظر فيه يصدق عقلا بأنه من زرع الرومان الذين كانوا في تلك المنطقة لما يرى من كبر أشجاره وتعميرها، ومن موقعه وأرضه والله أعلم.
قال تعالى بعد أن عدد هذه الصفات العشر التي ينبغي أن يتحلّى بها الإنسان وبيّن أحوال خلقه ومآلهم وعودهم إلى خالقهم وأفهمهم بأنه كما كان أصل الإنسان من الماء فكذلك الأشجار أصلها من الماء، وبين ما أودعه في السموات والأرض من منافع إليه، ذكر ما خلقه أيضا لأجله فقال «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها» إذ نخرج لكم منها لبنا خالصا، راجع الآية 66 من سورة النحل المارة وقد بين فيها سبب تذكير الضمير هناك وتأنيثه هنا «وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ» جليلة من ثماد ودثار وظلال ولباس وزينة ورياش «وَمِنْها تَأْكُلُونَ» 21 وتشربون أيضا، وقد حذف الشرب لدلالة الأكل عليهَ عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ»
32 برا وبحرا، وتقدم أيضا في الآية 6 من سورة النحل ما يتعلق بهذا فراجعه، كما بينّا ما يتعلق بالسماوات في الآية 45 من سورة الذاريات المارة، وسيأتي لها بحث في الآية 12 من سورة النبأ الآتية والآية 25 من سورة النازعات والآية 5 من سورة والشمس الآتيتين وفيها ما يرشدك إلى المواضع الأخرى. قال تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ» 13 عقابه، تأكلون رزقه وتعبدون غيره «فَقالَ الْمَلَأُ» أشراف قومه لأن أكثر ما يصيب الضعفاء
بذنوب الأكابر لأنهم القادة والسادة وإليهم الأمر والنهي طلبا لما عندهم من المال والجاه، ثم فسر الملأ بقوله «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا» نوح وقومه الذين يدعونكم إلى عبادة ربهم «إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ» بدعوته لتكون الرياسة له عليكم وتكونوا أتباعا له «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ» أن يرسل أحدا لدعوة خلقة إلى عبادته كما يزعم نوح «لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً» يدعونهم إليه لا بشرا مثلنا «ما سَمِعْنا بِهذا» الذي يدعو إليه نوح «فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ» 24 ولم ينقل لنا عنهم أحد شيئا من هذا «إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ» فلا تسمعوا قوله أيها الناس اتركوه وشأنه «فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ» 25 موته أو إلى أن يتبين لكم حاله عند صحوه من جنونه فإذا أصر على قوله قتلناه، فلما سمع هذا منهم ويس من إيمانهم دعا ربه بإهلاكهم، فأهلكهم كما قدمنا في القصة الواردة في الآية 26 من سورة نوح المارة. وفيها ما يرشدك إلى توضيحها في الآية 35 من سورة هود، وقال تعالى حاكيا عن نبيه بما معناه بالآية 37 من سورة الفرقان في ج 1 «قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ 26 فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا» على مرأى منا «وَوَحْيِنا» بكيفية صنع السفينة «فَإِذا جاءَ أَمْرُنا» بعذاب قومك غرقا «وَفارَ التَّنُّورُ» تقدم بيانه ومكانه وكيفية الغرق ومدته ومكان السفينة ومرساها في الآية المذكورة في سورة هود فما بعدها «فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ» من أصناف الحيوان «زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ» ومن آمن بك احملهم معك «إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ» فلا تحمله معك وهم زوجته واعلة وابنه كنعان كما مر أيضا هناك «وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا» من قومك «إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» 27 جميعا حيث حق القول عليهم مر تفسير مثلها في الآية 37 من سورة هود أيضا «فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» 28 أنفسهم بكفرهم وعصيانهم «وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ» 29 لأنا ضيوفك فهيئ لنا مكانا، من خيراتك، وكثر لنا نسلنا
فيه نكثر من عبادتك، وإنما وصفه بالأخيرية لأن المضيف يكرم أضيافه ويحتاط بأمرهم، ولكن لا يقدر أن يكلأهم في سائر أحوالهم ويدفع عنهم المكاره في تقلّباتهم مثل الإله القادر على ذلك وغيره «إِنَّ فِي ذلِكَ» إنجاء نوح ومن معه وإغراق قومه وابنه وزوجته «لَآياتٍ» عظيمات دالات على كمال القدرة وموجبات العظة والعبرة «وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ» 30 الناس ومختبريهم وممتحنيهم بإرسال الرسل لتنظر هل يسمعون لهم او يعرضون عنهم، وهذا بالنسبة للخلق، وأما الخالق فهو عالم بذلك قبل كونه. وإن هنا مخففة من الثقيلة، واللام فيها بعدها اللام الفارقة بين النافية والمخففة، وما قيل إنها نافية فليس بشيء، لأن النافية لا يليها اللام والجملة حالية
«ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ» 31 هم قوم عاد «فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ» هود عليه السلام فقال لهم «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ» 32 الله ولا تخافون أن يهلككم كما أهلك قوم نوح قبلكم «وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ» وحضورهم لدينا بالموقف العظيم وجحدوا الحساب والعقاب «وَأَتْرَفْناهُمْ» نعّمناهم ووسعنا عليهم «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» وبلغناهم آجالهم وما قدر لهم فيها، ومقول القول «ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ» 33 منه حذف من الثاني بدلالة الأول يريدون أن الرسل لا تكون من البشر بل من الملائكة كما قال من قبلهم إذ تشابهت قلوبهم، فكل ما نطق به الأوائل تدرج إلى الأواخر فتكلموا به، ولهذا قالوا الكفر ملّة واحدة، أي من حيث الأصول، وقال أيضا بعضهم لبعض «وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ» 34 مكانتكم وسطوتكم، وهذا هو المانع الحقيقي لهم ولغيرهم من الإيمان بالله ورسله، أعماهم الله أنفوا من الانقياد إلى من هو مثلهم في الأصل وقد شرفه الله بالرسالة وعبدوا أعجز منهم لأجل الدنيا، ولو اهتدوا بهدى أنبيائهم لربحوا الدنيا والآخرة، لأن الأنبياء لا يريدون الرياسة التي هي من شأنهم، ولم يقصدوا بدعوتهم التفوق عليهم،
وقال أيضا بعضهم لبعض غافلين عن كيفية إيجادهم «أَيَعِدُكُمْ» هذا الرسول
«أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ» 35 من قبوركم أحياء كما كنتم في الدنيا «هَيْهاتَ هَيْهاتَ» أي بعد بعدا بعيدا «لِما تُوعَدُونَ» 36 من البعث بعد الموت وإكسابكم حياة ثانية، خذلهم الله نسوا خلقهم من العدم على طريقة الإبداع وجحدوا إعادتهم لحالتهم الأولى وقالوا عتوا وعنادا «إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» لا حياة بعدها أبدا «نَمُوتُ وَنَحْيا» أي أيعقل أن نموت ثم نحيا؟ كلا لا صحة لهذا، والمعنى على ما ذكره المفسرون نحيا ونموت على أن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا ولا تعقيبا، للعلم بأن الإحياء أولا ثم الإماتة، وأرى أن الأول أولى لقولهم «وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ» 37 بعد موتنا أبدا «إِنْ هُوَ» وقالوا أيضا ما هذا الذي يدعوكم إلى هذه الدعوة المبتدعة «إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» بقوله بوجود حياة أخرى «وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ» 38 بمصدقين اختلاقه وافتراءه ولا نسمع لقوله، ولما أيس منهم دعى عليهم «قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ» 39 فأجاب الله دعاءه «قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ» 40 على تكذيبهم لك «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ» من السيد جبريل عليه السلام فتصدعت لهولها قلوبهم فأهلكوا جميعا، قال الشاعر:
صاح الزمان بآل برمك صيحة
…
خروا لشدتها على الأذقان
قال تعالى «فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً» بتخفيف الثاء أي يابسين كالأوراق والعيدان التي يجرفها السيل وبالتشديد أيضا، قال امرئ القيس:
كأن ذرى رأس المجيمر غدوة
…
من السيل والغثّاء فلكة مغزل
والمجيمر جبل من جبال بني أسد «فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» 41 أي هلاكا، من المصادر المنصوبة بأفعال لا ينطق بها ولا تكتب ولا يستعمل إظهارها. «ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ» 42 أيضا وأرسلنا إليهم رسلا فكذبوهم، وهذه كالتسلية لحضرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لئلا يضيق صدره من تكذيب قومه ليتأسى بمن قبله وقبلهم، وكل من هذه القرون أهلكت بأجلها المعين لها في علم الله المقدر على تكذيبهم لرسلهم أيضا، لقوله تعالى «ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها» المقدر