المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

قال تعالى «وَ» اذكر يا محمد لقومك بعد قصة أهل الكهف وأصحاب الجنة وحال البعث ومنكريه «إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ» وهذا السجود للتحية والتكريم لا للعبادة، لأن سجودها خاص بالمعبود العظيم وحده، وكان اسمه عليه اللعنة بالسريانية عزازيل، وبالعربية الحارث، فلمّا عصى سمي إبليس لأنه أبلس وأيس من رحمة الله وغيرت صورته إلى السمرة والزرقة بعد البياض والصفرة والحمرة. وهذا الخبيث الذي لم يتمثل أمر ربه «كانَ مِنَ الْجِنِّ» وهذا كلام مستأنف كأنه قيل لم لم يسجد مع الملائكة، فقيل لأن أصله من الجن لا من الملائكة إذ لو كان منهم لما تخلف عن أمر ربه لأنهم لا يعصون الله فيما يأمرهم طرفة عين ولا يغفلون عن ذكره، فثبت أنه من الجن بنص هذه الآية التي لا تقبل التأويل. واعلم أن قبيلة إبليس انقرضت ولم يبق منها غيره فهو أصل الجن والشياطين، كما أن آدم أصل البشر، أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: قاتل الله أقواما زعموا أن إبليس من الملائكة والله تعالى يقول كان من الجن. وأخرج عنه ابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة أنه قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين وانه الأصل الجن كما أن آدم أصل البشر فهو في الجن كنوح عليه السلام في الإنس من غير تشبيه، لأن نوحا أبو البشر الثاني بسبب إهلاك من قبله من ذرية آدم، وإبليس أبو الجن الثاني بسبب انقراض الجن قبله من ذرية أبيهم الجان. ومن هذا يعلم أن ما قيل إنه من الملائكة لا يستند إلى دليل صحيح، وهو قيل مخالف لصراحة القرآن، وإن من قال أنه منهم عده من أقربهم إلى الله، وهذا يقدح في عصمة الملائكة الذين لا خلاف في عصمتهم، راجع الآية 158 من الصافات المارة وما ترشدك إليه فقيه ما تريده، ولهذا فإن الاستثناء في هذه الآية منقطع على حد قوله تعالى (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) الآية 58 من الزخرف المارة على العكس في المعنى أي في المستثنى والمستثنى منه، ومثله في قوله تعالى (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) الآية 63 من سورة مريم في ج 1، لأن المستثنى فيها ليس

ص: 185

من جنس المستثنى منه. أما إطلاق لفظ الجن على الملائكة في قوله تعالى (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) الآية 158 من سورة الصافات المارة على قول من قال إن المراد بالجنة فيها الملائكة، لأن العرب تقول إن الملائكة بنات الله، لأنه مأخوذ من الاجتنان وهو الستر، ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه، فتدخل الملائكة في هذا اللفظ من هذه الحيثية فقط، وعليه يجوز إطلاق لفظ الجن على كل الملائكة على هذا المعنى، وإلا فالجنّ جنس والملك جنس آخر مخالف، وقد أثبت الله في قوله الآتي أنه له ذرية بنص لا يقبل التأويل ولا يحتمله، وأنت خبير بأن الملائكة لا يتوالدون فلا ذرية لهم، وأنهم خلقوا من نور الله، والجن من ناره بنص القرآن، فلا مشابهة بينهم في أصل الخلقة، تدبر «فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» بعدم الامتثال تكبرا لزعمه أنه أفضل منه، راجع هذا البحث في الآية 12 من سورة الأعراف في ج 1، «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ» يا بني آدم «أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي» بعد أن خالف أمري وطرد من رحمتي «وَهُمْ» إبليس وذريته «لَكُمْ عَدُوٌّ» أيها الناس ثابت العداوة مع أبيكم آدم بالنص القطعي، فإذا كنتم إليه ولذريته ظلمتم أنفسكم بدل أن ترحموها، والله تعالى يقول «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ» المتخذين أعداءهم أولياء «بَدَلًا» 50 من الله تعالى، قيل إن إبليس يوسوس للعبد بترك الصلاة ويوسوس له فيها أيضا ليقطعها عليه، وله من نوع الذرية خمس:

(1)

الأعر يحبب للناس الزنى (2) ووتير يجزّعهم على المصائب (3) ومسوط يلقي في قلوبهم الأراجيف (4) وداسم يأكل ويشرب مع من لم يسم الله تعالى (5) وذو بنور الذي يرغب الناس للدخول في الأسواق. وقد أخرج ما بمعناه ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن مجاهد، وروى مسلم عن عثمان ابن أبي العاص قال: قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها عليّ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال له جثرب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا، قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. وروى مسلم عن جابر قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا،

ص: 186

ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت. قال الأعمش أراه قال فيلتزمه أي يضمه إلى صدره تحيذا لفعله، عليه وعلى ذريته الكافرة اللعنة والغضب. وروى ابن زيد أن الله تعالى قال لإبليس إني لا أخلق لآدم ذرية إلا ذرأت لك مثلها، فليس يولد لآدم ولدا إلا ولد معه شيطان يقرن به، ولا علينا أن نعلم كيفية توالده، لأن كثيرا من الأشياء لم يطلع الله عليها خلقه، والقصد وجوب الاعتقاد بحصول الذرية له، سواء أكان ذلك كالبشر أم كالحيوان أو كالطير أو الحوت أو الحشرات وغيرها. قال تعالى «ما أَشْهَدْتُهُمْ» أي إبليس وجنوده وذريتهم «خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ» أي ما أطلعتهم على ذلك، لأني خلقتها قبل خلقهم، فافردوني أيها الناس بالعبادة كما انفردت بالخلق، وإياكم أن تشركوا في ذلك غيري فتظلموا أنفسكم «وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» 51 أعوانا أستعين بهم على خلقهما أو خلق شيء مما فيهما وعليهما فكيف تتخذونهم أولياء من دوني أيها الكفرة «وَ» اذكر يا محمد لقومك حالة أولئك المتخذين شريكا معي «يَوْمَ يَقُولُ» لهم يوم القيامة «نادُوا شُرَكائِيَ» الذين عبدتموهم في الدنيا «الَّذِينَ زَعَمْتُمْ» أنهم شركائي وأنهم يشفعون لكم في الآخرة هذه «فَدَعَوْهُمْ» واستغاثوا بهم هلم انقذونا مما نحن فيه واشفعوا لنا كما وعدتمونا في الدنيا «فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ» لأنهم إن كانوا من الملائكة أو عزيز وعيسى وعلي عليهم السلام أو غيرهم من البشر فإنهم يتبرءون منهم ويستعيذون بالله من عبادتهم ويتضرعون إلى الله بالعفو عنهم من هذه النسبة الباطلة، وإن كانوا من الأصنام فهي حجارة أو خشب أو غيرها من الجماد الذي لا يسمع ولا يتكلم، ثم يحال بينهم وبين ما يعبدون لقوله تعالى «وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ» وبين أوثانهم «مَوْبِقاً» 52 مهلكا، قال ابن عباس هو واد في النار يجتمعون فيه في جهنم «وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا» أيقنوا وتحققوا «أَنَّهُمْ مُواقِعُوها» مدفعون إليها وداخلون فيها وذلك بعد أن أراهم عجز أوثانهم وتبرأ الأولين وإهلاك الآخرين في الموقف بعد الحساب والقضاء «وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً» 53 لأنهم بعد أن أوقعوا فيها أحاطت بهم من

ص: 187

كل جانب فلا محيص لهم غير الاحتراق فيها. قال تعالى «وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» ليتعظوا فلم ينجع بهم «وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» 54 في الباطل، وقيل إن هذه الآية نزلت في النّضر بن الحارث، وقيل في أبي بن خلف، لأنهما أكثر الكفرة جدالا في القرآن، والآية عامة فيهما وفي غيرهما ممن عمل ويعمل عملهما إلى يوم القيامة، وفي كل من يجادل في آيات الله بالباطل. روى البخاري ومسلم عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا، فقال ألا تصليان؟ فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا (أي لما تريده منا) فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته يقول وهو مول يضرب فخذه بيده (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) . وهذا الحديث لا يعني أن الآية نزلت في ذلك، وإنما ذكرها حضرة الرسول بمناسبة ما قاله علي تعجبا من سرعة جوابه وعدم موافقته له على القيام إلى الصلاة، وفيه إيماء إلى عدم قبول قوله، ولهذا ضرب فخذه. قال تعالى «وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ» مما هم عليه «إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ» هلاك الاستئصال «أَوْ» انتظار لأن «يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا» 55 عيانا مقابلا لهم يشاهدونه بأعينهم، وهو جمع قبيل، وإذ ذاك لم يقبل منهم الإيمان، لأن الحالة حالة يأس وبأس، راجع الآية 158 من سورة الأنعام المارة، أي انهم لا يؤمنون بأحد هذين الشيئين، وذلك ليس من شأن العاقل، إذ عليه أن يؤمن بمجرد وضوح الدلائل على الإيمان، وقرىء قبلا بضم القاف والباء، وبكسر القاف وفتح الباء، والمعنى ضروب من أنواع العذاب وبفتحتين مستقبلا، وهو ما يجوز فيه ثلاث لغات كالعمر والقصر والدهر والولد والرغم والشط والسقط والفتك

والشرب والفم والضر والزعم والوجد والقلب والضب والطب والقطب والحرض. قال تعالى «وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» الأمم بعقاب العاصي وثواب الطائع «وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا» أنبياءهم «بِالْباطِلِ» مثل قولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وقولهم (لو شاء الله لقلنا مثل هذا)(ولو شاء الله لأنزل ملائكة)

ص: 188

(ولولا أنزل هذا القرآن على رجل) الآية، وأشباه هذه الآيات كقولهم ساحر وكاهن وشاعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين واختلاق وافتراء إلى غير ذلك «لِيُدْحِضُوا» يزيلوا ويبطلوا ويمحقوا «بِهِ» بجدالهم هذا «الْحَقَّ» الذي جاءهم من عندنا على أيدي رسلهم «وَاتَّخَذُوا» أولئك الكفرة «آياتِي» التي أنزلتها إليهم بواسطة رسلى «وَما أُنْذِرُوا» به منها وما فيها من التهديد والوعيد والتقريع والتوبيخ والتبكيت «هُزُواً» 56 سخرية بضم الزاي وإسكانها «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ» يريد القرآن خاصة بدليل تذكير الضمير فيما يأتي «فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ» من الكفر والعصيان، أي لا أظلم من هذا أبدا «إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ» أي الذين ذكروا فأعرضوا «أَكِنَّةً» أغطية كثيفة «أَنْ يَفْقَهُوهُ» لئلا يعوه ويفهموه «وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» لئلا يسمعوه ويعقلوه «وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى» الذي تريده لهم يا سيد الرسل «فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً» 57 لسابق سقائهم وإحقاق الكلمة عليهم، لأن هذه الآية خاصة في أقوام منهم علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون أبدا «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ» على كفرهم، ولكن من مقتضى رحمته تأخيره، ولذلك جاء الإضراب بعده بقوله «بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ» لتعذيبهم في الدنيا كما لهم موعد لعذابهم في الآخرة لا خلف فيه «لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا» 58 منجى وملجأ قال الأعشى:

وقد أخالس رب الدار غفلته

وقد يحاذر مني ثم مائيل

ينجو. قال تعالى «وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا» أعاد الضمير لأهلها، والمراد بهم هنا الذين يعلمونهم أكثر أهل مكة وهم قوم نوح فما بعده، لأن القرى لا تهلك إلا بهلاك أهلها، وإلا فما داموا فيها فهي عامرة بهم، وكان سبب إهلاكهم الظلم «وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» 59 أجلا فاجأناهم به، والمراد به هلاك الاستئصال عقابا لهم على ظلمهم لأن غيره يحصل لكل الأمم، أي وكذلك قومك يا محمد إن لم يؤمنوا فيحل بهم ما حل بهم.

ص: 189