الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما سك فهي والسماء قائمتان «بِأَمْرِهِ» لهما بقوله جل قوله كونا كذلك، فكانتا حالا بين الكاف والنون، دون مهلة أو تراخ، راجع الآية 11 من سورة فصلت المارة، «ثُمَّ» أنتم أيها الناس كذلك قائمون بأمره، ذلك وإنه «إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ» المدفونين بها لأجل البعث بنفخة واحدة من بوق إسرافيل عليه السلام «إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» 25 منها أحياء كحالتكم الدنيوية
كاملين غير ناقصين، لأن الله تعالى يعيد للأعرج رجله، وللأقطع يده، وللأعور عينه، حتى القلفة، وهذا من قبيل إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى، كأنه قال قيام السموات والأرض واستمساكها، ودعاؤكم وخروجكم بأمره. قال تعالى «وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ملكا وعبيدا يتصرف بهم كيف يشاء «كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ» 26 منقادون مطيعون له لا لغيره، فالذي لم يطعه فعلا يطعه بالقوة، والذي لم يعظمه قالا يوقره حالا، لأن المراد طاعة الإرادة لا طاعة الأمر بالعبادة «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ» من شيء «ثُمَّ يُعِيدُهُ» كما خلقه بلا واسطة «وَهُوَ» أمر الإعادة «أَهْوَنُ عَلَيْهِ» وأيسر من الإبداء لأنه كان على غير مثال والإعادة على مثال سابق، لهذا فإن اسم التفضيل هنا على غير بابه، أي أن أهون بمعنى هين، إذ لا شيء على الله بأهون من غيره ولا أصعب بأن يحتاج لامر آخر أكثر من الأول، فالعظيم والأعظم والقليل والأقل عنده سواء، لأن أمره لهما واحد لا يعز عليه شيء «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» الذي ليس بعده مثل من الوصف العجيب الشان كالقدرة العامة والحكمة التامة والعظمة البالغة «وَهُوَ الْعَزِيزُ» الغالب على كل شيء «الْحَكِيمُ» 27 في كل شيء العليم بكل شيء.
مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:
«ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ» في بطلان الشرك ثم بين هذا المثل بقوله «هَلْ لَكُمْ» أيها الأحرار المالكون للعبيد والإماء «مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ» من المال والأنعام والأولاد وغيرها هذا استفهام على طريق النفي، أي ليس لعبيدكم شركة معكم فيما رزقناكم، وإذا كان كذلك فكيف تشركون عبيدي وخلقي معي؟ ألا تساوون أيها الحمقاء أنفسكم
بربكم من هذه الحيثية؟ فكما أنكم لا تشركون عبيدكم في ملكم، فأنا لا أشرك أحدا في ملكي «فَأَنْتُمْ فِيهِ» أي الرزق الكائن لكم «سَواءٌ» مع عبيدكم، كلا، بل لكم خاصة. وهذا استفهام إنكاري أي لستم في رزقكم وعبيدكم سواء، إذ ليس لهم التصرف به دون أمركم، ولا يحق لهم أن يعارضوكم في إنفاقه والتصرف فيه، مع أنهم مثلكم في البشرية ومثلكم في الكسب وهم غير مخلوقين لكم، فاذا علمتم هذا عرفتم خطأكم في إشراك خلقي بي فيما هو من خصائصي. وهل «تَخافُونَهُمْ» أي العبيد بأن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم فيها «كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ» أي تخافونهم أن يستبدوا بالتصرف بأموالكم بدون رأيكم مثل خيفتكم ممن هو من نوعكم، أي كما تخافون من الأحرار الذين مثلكم إذا كانوا شركاءكم في المال أن ينفردوا به، أو يخاف أحدكم شريكه في الميراث أن ينفرد به، أي لا حق لهم في أموركم لا في التصرف ولا في القسمة ولا في الإرث إذا متم، فإذا كنتم لا تخافون هذا من مماليككم ولا ترضونه لأنفسكم، فكيف ترضون أن تكون أصنامكم التي هي من صنع أيديكم شريكة لي وتعبدونها من دوني وهي وأنتم من خلقي، قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الآية 96 من سورة الصافات «كَذلِكَ» مثل هذا التفصيل الواضح «نُفَصِّلُ الْآياتِ» ونبينها ونمثلها «لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» 28 هذه الأمثال فيتدبرونها، ويتعظون بها، ويعون مغزاها، وينتبهون لمعناها.
ونظير هذه الآية الآية 74 من سورة النحل المارة فراجعها. واعلم أن التمثيل لتصوير المعاني المعقولة تصويرة المحسوسة إبراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس ليكون غاية في الإيضاح والبيان، وفي هذه الآية إشارة إلى صحة أصل الشركة بين الناس لافتقارهم بعضهم لبعض، هذا ولما كان إعراضهم مستمر انتقل عن مجادلة إرشادهم إلى الحق لاستحالة قبولهم له فقال عز قوله «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم بشركهم ذلك «أَهْواءَهُمْ» في ضروب الإشراك «بِغَيْرِ عِلْمٍ» جاهلين ما يجب عليهم معرفته ولكن يا قوم «فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ» استفهام على طريق الإبعاد والتعجب أي لا أحد يقدر على هدايته «وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ» 29 أي أن الذين يخذلهم الله لا أحد يمنعهم منه أو يحول بينهم وبين عذابه إذا حل بهم
«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ» الذي أنت عليه يا سيد الرسل لا تمل عنه ولا تلتفت إلى غيره وتوجه إليه بكلك لا بوجهك فقط، لأن هذا من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهو ضرب من ضروب علم المعاني الذي يزيد الكلام رونقا وبهجة حال كونك «حَنِيفاً» مائلا عن كل دين يخالفه فهو دين الحق لكونه «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» أي خلقته في عالم الذر والرحم والدنيا، ولهذا قال «لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ» الذي خلق الناس عليه، فلا ينبغي أن يغير أو يبدّل، ولهذا أمر الله تعالى رسوله ليقتدي به أصحابه المؤمنون به بتعديل وتسوية الوجه والمراد منه الكل للإقبال على الدين والاهتمام بشأنه والمحافظة على أركانه وشروطه، لأنه هو أصل الأديان التي جبل الله خلقه الطائعين على التمسك فيه، روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، ثم قال، قرأوا إن شئتم (فطرة الله) الآية، زاد البخاري فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسنه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء (أي مستوبة لم يذهب من بدنها شيء) هل تحسون بها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا (فطرة الله) الآية، والمراد بالفطرة العهد الذي أخذه الله على البشر حين خاطبهم بقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) الآية 172 من الأعراف في ج 1، فكل مولود بالعالم جار على ذلك الإقرار، وإن عبد غير الله في بداية أمره فإنه يرجع إلى عهد ربه الأزلي فيسبق عليه الكتاب فيتوب ويموت على الإيمان، راجع الآية 104 من سورة الأنبياء المارة، والآية 30 من الأعراف ج 1. واعلم أن لا عبرة في الإيمان الفطري في أحكام الدنيا، بل العبرة في الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم فأبواه يهودانه إلخ، فمع وجود الإيمان الفطري محكوم له بحكم أبويه الكافرين، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم. أي حولتهم عنه، على أنهم لو تركوا وشأنهم لا بد وأن يعتقوا هذا الدين الإسلامي المستحسن في العقول السليمة والأطباع المستقيمة المتهيئة لقبول الحسن ولم يعدلوا عنه ما سلموا من أفات التقليد التي ينزلون بها عن هذه الفطرة التي جبلت عليها خلقته والحجة المستقيمة إلى ما يتلقونه
ممّن يتعاهدهم، وإلا فلا تغيير لما وضعه الله «ذلِكَ» الدين القويم والفطرة المستقيمة هو «الدِّينُ الْقَيِّمُ» البالغ مستوى العدالة «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» 30 حقيقته فيزيغون عنه والأقل يعلم شيئا منه ويعرض عنه،
فلا تنظر يا سيد الرسل إلى هؤلاء وقم به أنت وأصحابك حال كونكم «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ» خاضعين له راجعين إليه «وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» المفروضة عليكم في أوقاتها فهي أسّه وعماده وملاك شعاء «وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» 31 به غيره «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ» بدل من المشركين بإعادة الجار وقرىء فارقوا، وهذه الآية تقيّد آية الأنعام 159 المارة لأنها تفيد التبعيض وتلك تفيد العموم، وقدمنا ما يتعلق بمثل هذا الخطاب في الآية 64 من سورة الزمر المارة، وهؤلاء لم يتفقوا على التفريق في الدين بل تعدّوه «وَكانُوا شِيَعاً» فرقا مختلفة فيه كل طائفة تشايع غيرها وإمامها الذي أضلها، ومع أنهم كلهم على ضلال في ذلك فإنهم «بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» 32 راضون به يحسبونه حقا لعدم تدبرهم وتفكرهم في حقيقته، راجع الآية 13 من الشورى المارة تجد ما يتعلق ببحث التفرق.
قال تعالى «وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ» بالدعاء والتضرع حالة كونهم خاشعين مقبلين راجعين إليه «ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ» 33 معه غيره في العبادة والدعاء ويظن هؤلاء الكفرة العتاة أنما تنشر عليهم شيئا من رحمتنا «لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ» من النعم جزاء لفضلنا عليهم كلا بل قل لهم يا سيد الرسل إن الله لم يهملكم ولم يعطكم لتكفروا به «فَتَمَتَّعُوا» بكفركم «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» 34 عاقبة ذلك، وفي هذه الجملة التفات من الغيبة إلى الخطاب وتهديد ووعيد بسوء العاقبة، قال تعالى «أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً» وهذا التفات من الخطاب إلى الغيبة ففيه إيذان بالإعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم ليطلعوا عليها «فَهُوَ يَتَكَلَّمُ» أي ذلك البرهان المعبر عنه بسلطان «بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ» 35 وما هنا مصدرية، أي لم ننزل سلطانا بإشراكهم وإنما اختلقوه من أنفسهم «وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً» من غيث أو صحة أو ولد أو رزق، أي مطلق نعمة، كما أن