المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

. قالوا والمراد بالعنكبوت النوع الذي ينسج بيته في الهواء لصيد الذباب وغيره، لا النوع الآخر الذي يحفر بيته في الأرض ويخرج بالليل كسائر الهوام وهي من ذوات السموم فيسن قتلها لذلك، لما أخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد من قوله صلى الله عليه وسلم: العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى، فمن وجدها فليقتلها. فإنه حديث ضعيف كما أشار إليه الدميري وهو ليس بحجة، وكذلك ما خرجه الخطيب عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت أنا وأبو بكر العار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن. كما ذكره الجلال السيوطي في الدر المنثور لا يحتج به أيضا، إذ لم تعلم صحته، وكل ما لم تتحقق صحته لا يصلح للاحتجاج لاشتراط القطع بصحة ما يحتج به في الأحكام القولية والعقلية، وعلى فرض صحته فإنه خاص بذلك العنكبوت الذي فعل ما فعل بإلهام من الله عز وجل لا مطلق عنكبوت، وقد نص العلماء على طهارة بيتها لعدم تحقق كون ما تنسج به من غذائها المستحيل في جوفها، والأصل في الأشياء الطهارة على أن الدميري ذكر أنها تخرجه من خارج جلدها لا من جوفها، والله أعلم بحقيقة الحال. ومثله النحل إذ لم يعرف على الضبط أن العسل هل هو من فمه أو من دبره، راجع الآية 69 من سورته المارة، وذكروا أنه يحسن إزالة بيتها من البيوت لما أسنده الثعلبي وابن عطية وغيرهما عن علي كرم الله وجهه أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر، فإن صح هذا عنه فذاك وإلا فإزالته حسنة لما فيها من النظافة المندوبة شرعا في كل شيء. وتاء عنكبوت مثل تاء طالوت وهاروت للمبالغة ويقع على الواحد والجمع والمؤنث والمذكر، راجع الآية 75 من سورة الأنعام المارة ولها بحث في الآيتين 147/ 122 من سورة البقرة في ج 3. قال تعالى «خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» لا باطلا ولا عبثا ولا لعبا بل لحكمة مراعيا بها مصالح خلقه لا شتمالها على ما يتعلق بمعاشهم وشواهد دالة على شؤونه عز وجل التعلقة بذاته وصفاته ومساكن عباده وعبرة للمعتبرين منهم بدليل قوله «إِنَّ فِي ذلِكَ» الخلق البديع والصنع العجيب «لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» 44 وعظة للموقنين، وإنما خص

ص: 483

المؤمنين مع أن عموم الهداية والإرشاد في خلقهما يتحقق للكل، لأنهم هم المنتفعون بعبرها وغير المؤمن يقتصر نفعه فيهما على ظاهر الدنيا وقد يزداد كفرا إذا نسب إليهما التأثير الفعلي الذاتي، أما المؤمن فيزداد إيمانا بنسبة كل ما في الكون إلى خالقه فينتفع في الدنيا والآخرة. قال تعالى «اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ» واستمر على تبليغه وداوم على تلاوته لتزداد تقربا من الله، وذلك أن الكامل يقبل الكمال وهو صلى الله عليه وسلم يترقى في الكمالات إلى يوم القيامة، بل إلى يوم يلاقي ربه في الجنة المعدة لحضرته، فلا يقال إنه غير محتاج إلى دعاء أمته لمخالفته قوله تعالى (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الآية 57 من الأحزاب في ج 3، وأما أمره بدوام تلاوة القرآن لأن في تلاوته تذكرا لما في تضاعيفه من المعاني، وحملا للأمة على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن. الأخلاق ومكارم الآداب، وتذكيرهم بما لهم وعليهم «وَأَقِمِ الصَّلاةَ» أدأب على إقامتها، وجاء هذا الأمر متضمنا أمر أمته بها لأنهم تبع له، وقد خصّها بالذكر لأن ما يختص بالعبد من العبادة ثلاث: الأولى عبادة قلبية وهي الاعتقاد الحق، وعبادة لسانية وهي الذكر الحسن، وبدنية وهي العمل الصالح، فالاعتقاد لا يتكرر لأن من اعتقد شيئا لا يعتقده مرة أخرى بل يستمر اعتقاده، والذكر الحسن والعبادة البدنية يتكرران، وكلها توجد في الصلاة، فمن أقامها فقد أقام العبادات بأنواعها إلى ربه عز وجل. وانظر إلى ما علل به هذه العبادة بقوله الجليل «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ» راجع الآية 32 من الأعراف في ج 1 تجد معنى الفواحش كلها وما يتعلق بها أما المنكر فهو ما لا يعرف في الشرع وينكره العقل، وإنما كانت الصلاة الحقيقية ناهية عن ذلك لتضمنها صنوف العبادة من التكبير والتسبيح والتهليل والقراءة والوقوف بين يدي الإله العظيم والركوع لهيبته والسجود لجلاله والخشوع لمجده والخضوع لكبريائه، فمن كان مراعيا لها محافظا على شروطها وأركانها

جرته إلى طرق الخير ونهته عن كل فاحشة ومنكر، وصارت كأنها تنادي فاعلها: لا تعص ربا هو أهل لما أتيت به، وهو المستحق لأن يعبد ويشكر. روي عن أنس قال: كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه،

ص: 484

فذكر ذلك لرسول الله، فقال إن صلاته ستنهاه يوما، فلم يلبث أن تاب وحسنت توبته واستقام حاله. وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعدا. وقال الحسن وقتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه. وروي عن جابر: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق، قال ستنهاه قراءته، وفي رواية:

انه قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل، فقال إن صلاته لتردعه على كل حال. وعليه فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها. وبما ذكر ينحل الإشكال المشهور وهو إنا نرى كثيرا من المرتكبين الفحشاء والمنكر يصلّون ولا ينتهون لأن منهم من هو غافل عما يراد منه حال قيامه بين يدي ربه لاه عن ذلك، فيكون بالمعنى المار ذكره، ألا ترى أن الله تعالى قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) الآية 90 من سورة النحل المارة والناس لم يتمثلوا ولم ينتهوا، وليس نهي الصلاة بأعظم من نهي الله، تدبر. وقيل إن الأمر والنهي لا يستلزمان الائتمار والانتهاء. وقيل إن النهي لا يستلزم الانتهاء، وهذا توهم باطل وتخيل عاطل، لا يشهد له العقل، ولا يؤيده النقل، وما قيل إن نهي الصلاة عبارة عن الزمن الذي يشغله المصلي فيها لما ورد ان في الصلاة لشغلا ليس بشيء أيضا، وما جاء بالخبر ان في الصلاة لشغلا عن كل ما يلهي عنها وعن كل ما في الدنيا بالنسبة لحالة المصلي لأن منهم من إذا دخل في الصلاة تمخضت ذاته لخالفها بحيث لو ضربته بالسيف لما أحسّ، ومنهم من لا تحسبه في الصلاة، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا لم يتم سجودها ولا ركوعها تلف صلاته كما يلف الثوب الخلق ويرمى بها وجه صاحبها، فتقول له ضيعك الله كما ضيعتني. والقول الفصل ان الصلاة المقبولة عند الله تعالى هي التي تنهى صاحبها، والانتهاء علامة القبولة، وان من يأتي بها ولا ينتهي فلو لم يكن يصلي لكان أشدّ إتيانا للفحشاء وأكثر فعلا للمنكر، والمراد بالصلاة هنا المكتوبة، راجع الآية 5 من سورة المؤمنين المارة، «وَلَذِكْرُ اللَّهِ

ص: 485

أَكْبَرُ»

من جميع الطاعات، وأفضل وأعظم ثوابا وأكثر أجرا، روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون (بتشديد الراء وتخفيفها) يقال فرد الرجل إذا تفقه واعتزل الناس وحده. وقرىء بالتخفيف والتشديد أبلغ وأتم، قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات.

وروى البخاري عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده. وروي أن أعرابيا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معنى (ولذكر الله أكبر) ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه. وروي مرفوعا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما لا شبهة فيه لأن الله يذكر من ذكره قال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) الآية 152 من البقرة في ج 3، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: من ذكرني ذكرته في ملا خير من ملائه. وقال ابن عطاء:

ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له، لأن ذكره بلا علة، وذكركم مشوب بالعلل والأماني، ولأن ذكره لا يفنى، وذكركم لا يبقى، ولن تبقى مع ذكر الله معصية.

وقال سلمان ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل، فقد قال عليه الصلاة والسلام ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها لكم عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال ذكر الله. وأخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي الدرداء بلفظه ومعناه. وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل، قال: ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى، قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع. لأن الله تعالى يقول (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) ، وهذا لأنه لو لم يذكر الله لم يعرف فضل الجهاد، فذكر الله هو السائق للجهاد ولكل عمل صالح. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإيمان عن عزة قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما أي العمل أفضل؟ قال ذكر الله أكبر، وما قعد قوم في

ص: 486

بيت من بيوت الله تعالى يدرسون كتاب الله ويتعاطونه بينهم إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها وكانوا أضياف الله تعالى ما داموا فيه حتى يفيضوا في حديث غيره، وما سلك رجل طريقا يلتمس فيه العلم إلا سهل الله تعالى له طريقا إلى الجنة. وما قيل إن المراد بذكر الله هنا الصلاة، وأن المراد بذكر الله أكبر ذكره في الصلاة ليس بشىء، وهو عدول عن الظاهر عبثا. «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ» 45 فيما بينكم وبينه، وبينكم وبين أنفسكم، وبين الخلق في صركم وجهركم مما هو خالص لوجهه وما هو مشوب بغيره، لا يخفى عليه شيء، فيثيبكم على الخير ويعاقبكم على الشر إن شاء هذا ولما أمره تعالى بالهجرة عند نزول هذه السورة وعلم أنه سيواجه في هجرته أهل الكتاب وأنهم يجادلونه في كتابه وأصول دينه لأنهم قوم معاندون، شرع يعلمه كيف يكون معهم، فقال تعالى جل قوله «وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ» من اليهود والنصارى إذ لا يوجد غيرهما أهل كتاب، وما عداهما وثنيون مشركون كافرون بأصول الأديان، لأن ذوي الأدبان التي كانت عند بعثة الرسول ستة: الإسلام والنصرانية واليهودية والصابئة والمجوس والمشركون، راجع الآية 16 من سورة الحج في ج 3، الخطاب لحضرة الرسول وأصحابه تبعا له أي أنكم قادمون بهجرتكم هذه إلى بلدة فيها أهل كتاب مجبولون على حب الجدال لما وقر عندهم مما في الكتب المنزلة على أنبيائهم، ويزعمون أنهم أدرى من غيرهم فيها، فإذا جاءوك ليجادلوك فقابل خشونتهم بلينك، وغلاظتهم بلطفك، وجفاهم بعطفك، وأمسك بادرة الغضب بجبال الكظم، واجعل إقبالك عليهم بدل صدهم عنك، ووصلك بمقابل هجرهم إياك، وعطاءك تجاه منعهم لك، وتقرب منهم كلما تباعدوا عنك. وهذا معنى قوله تعالى «إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» قال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية 34 من سورة فصلت المارة، أي لا تجادلهم إلا في هذه الصورة، وادفع مشاغبتهم بالنصح، وسورتهم بالإناءة، ولغطهم بالإرشاد راجع الآية 125 من سورة النحل المارة، واعمل بما بيناه هناك وعضّ عليه بالنواجذ ثم استثنى من المجادلين نوعا خاصا وهم المذكورون بقوله «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» وهم المجاوزون الحدّ في العناد والاعتداء الذين لم يلتفتوا إلى النصح، ولم ينفع

ص: 487

فيهم الرفق، فاستعمل معهم الفلسفة. وما قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية 30 من سورة التوبة في ج 3، ولا مجادلة أشد من السيف، فهو قيل لا يعتد به ولا ينظر إليه، إذ لا يتجه على ما نحن فيه، لأن المراد بالجدال المناظرة وكونها على الوجه الأحسن هو الواجب الذي لا يجوز غيره في مبادئ الدعوة للرشد، قال في مجمع البيان الصحيح إنها غير منسوخة. وقال بعض الأجلة إن المجادلة بالحسنى أوائل الدعوة مطلوبة، لأنها تتقدم المجادلة بالعنف، والمجادلة بالشدة تتقدم القتال، فلا يلزم النسخ ولا عدم القتال بالكلية.

وأما كون النهي المستفاد من لا في (ولا تجادلوا) المحتج به صاحب هذا القيل من كونه يدل على عموم الأزمان فيلزم النسخ فلا يتم ما ذكره من السبب، ويدفعه أن من يقاتل كمانع الجزية داخل في المستثنى، فلا نسخ وإنما هو تخصيص بمتصل وكون ذلك يقتضي مشروعية القتال في مكة ليس بصحيح، لأنه مسكوت عنه، تأمل. وقرأ ابن عباس الا بالتخفيف على أنه حرف تنبيه وأداة عرض دالة على الطلب بلين ورفق، أي جادلوهم بالتي هي أحسن. وعلى هذه القراءة لا يرد ما أورده مدعي النسخ البتة «وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا» من القرآن «وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ» وآمنا بما أنزل إليكم من التوراة والإنجيل والزبور من قبل الله لا التي بأيديكم كلها، لأنكم حرّفتم وبدلتم بعضها قصدا، وبعضها قد غيرت معناها الترجمة، وهذا القول نوع من المجادلة بالأحسن، أخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرءون كتبهم بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) الآية 136 من البقرة ج 3، زاد في رواية: فإن كان باطلا لم تصدقوهم، وإن كان حقا لم تكذبوهم، ولأن التصديق والتكذيب ليسا نقيضين، إذ يجوز ارتفاعهما بالشك. وليعلم أن هذا الحديث الشريف صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية لا مقارنا لها، لأنها نزلت بمكة، وهذا القول بالمدينة، وقدمنا في الآية 17 من سورة السجدة المارة أن الأحاديث قد تذكر لمناسبة بعض الآيات سواء كان بعد نزولها أو قبله، مما يدل على معناها، وقولوا لهم أيضا «وَإِلهُنا

ص: 488