المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

زوالها، وقد أنعم الله نعما كثيرة لا يحصيها إلا هو «إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ» لعباده إذا نسوا نعمه فتيقظوا وتابوا وقاموا بشكرها «رَحِيمٌ» 18 بهم يعفو عما سلف منهم ومن رحمته التجاوز عن قصورهم وتكثير نعمه عليهم وإمهالهم بالعقوبة ليرجعوا إليه «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ» 19 من أقوالكم وأفعالكم «وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» وتسمونها آلهة «لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً» مما ذكر أبدا «وَهُمْ يُخْلَقُونَ» 20 بصنعكم وبعمل أيديكم التي هي من خلقنا، ولا تكرار هنا لأن الآية الأولى دلت على أنها لا تخلق شيئا، وهذه تدل على أنها نفسها مخلوقة ففيها زيادة في المعنى ونادرة أخرى وهي

«أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ» فكيف يكون الميت إلها، ومن شأن الإله أن يكون حيا يحي ويميت مجيبا لمن دعاه «وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» 21 للحساب والجزاء والعقاب وفي هذه الآية دلالة على أن الله تعالى يبعثها يوم القيامة بخلاف سائر الجمادات، والحكمة من بعثها تكذيب عابديها وتبرؤها منهم إذ يجعلها القدير صالحة للكلام إظهارا لبطلان زعمهم فيها من الشفاعة لهم والتقرب إلى الله بعبادتهم. فيا بني آدم «إِلهُكُمْ» الذي يستحق العبادة ويفعل الخير والشر «إِلهٌ واحِدٌ» هو الله لا إله غيره الذي تجدونه غدا في الآخرة ينعم الطائع بالجنة ويعذّب العاصي بالنار «فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ» هذا الإله العظيم جاحدة وحدانيته «وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ» 22 عن عبادته خاضعون لعبادة الأوثان مائلون لحبها.

‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

«لا جَرَمَ» قال البصريون إن لا من لا جرم ردّ لكلام سابق مثل قوله تعالى (لا أُقْسِمُ) وهو هنا إنكار قلوبهم التوحيد واستكبارهم عنه، وجرم فعل ماض بمعنى ثبت وحق ووجب وعلى هذا قوله:

ولقد طعنت أبا عبيدة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

وان مع ما في حيّزها فاعلة أي ثبت وحق علم الله تعالى بسرهم وعلانيتهم وعدم محبته للمستكبرين المشار إليهم في قوله «أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما

ص: 216

يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ»

23 عن عبادته والإنابة لطاعته والانقياد لأمره، وعليه يكون المعنى أن من حق العالم بالسرّ والعلانية أن لا ينكر وحدانيته ولا يستكبر عن عبادته، ويجوز أن تكون بمعنى كسب وفاعله يعود على ما قبله والجملة بعدها محلها النصب على أنها مفعولة لها، وبه قال الزجاج، وقيل لا عاملة وجرم اسمها باعتباره مصدرا مبنيا على الفتح وخبرها الجملة في أن واسمها وخبرها، فتكون مثل لا بدّ من التبديد وهو التفريق، أي لا من بطلان دعوة الجحود والاستكبار عن عبادة الله، لأن بطلانها أمر ظاهر مقطوع به. قال الفراء هذا هو أصل لا جرم لكنه كثر استعماله فصار بمعنى حقا. ومن العرب من لفظها مثل لفظ لا بد بضم الجيم وسكون الراء وفتح الميم، لأن فعل وفعل اخوان كرشد ورشد وعدم وعدم ذكره الكشاف، وهذه اللفظة تؤيد القول باسميتها، وقال الخليل إن جرم مع لا مركب تركيب خمسة عشر وبعد تركيبها صار معناها معنى فعل، وعليه فإن ان وما بعدها يعدها في تأويل مصدر فاعل لها، وقالوا إن لا جرم يعني عن القسم، تقول لا جرم لآتينك، وعليه تكون الجملة بعدها جواب القسم. وفي عموم هذه الآية يدخل كل متكبر سواء عن عبادة ائمه أو على خلقه.

روى مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر، فقال رجل يا رسول الله إن الرجل يحبّ أن يكون نوبه حسنا ونعله حسنا؟ قال إن الله جميل يحب الجمال. أي ان هذا من النظافة وهي مطلوبة وليست من الكبر المذموم، والكبر بطر الحق أي جعل الحق باطلا وغمط الناس حقهم أي احتقارهم فلم توهم شيئا وغمص بمعنى غمط، لأن كلّا بمعنى انتقص وازدرى، والتكبر والكبر والاستكبار ألفاظ متقاربة يجوز استعمال بعضها مقام بعض مع فرق بالمعنى، والمفهوم من عدم الحب البغض، لأن من لا يحبه الله يبغضه.

قال تعالى «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ» المتكبرين «ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ» على نبيكم «قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» 24 كما قالوا في الآية 5 من سورة الفرقان في ج 1، وإنما قالوا وفاهوا بهذا «لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ» لم ينقص منها شيء لأن ثواب ما فعلوه من صلة رحم وإقراء ضيف وغيره وما أصابهم من

ص: 217

البلاء في الدنيا كافأهم الله عليه فيها من الرزق والأولاد والعافية وغيرها، فلا يكفر الله بها شيئا من أوزارهم لإعطائه لهم بدلها بالدنيا فتبقى أعمالهم السيئة ثابتة عليهم تامة «وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ» أي ويحملون مع أوزارهم بعض أوزار أتباعهم، لأن الرؤساء عليهم وزرهم وشيء من أوزار أتباعهم. أخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. «بِغَيْرِ عِلْمٍ» أي يضلونهم من حيث لا يعلمون أن طريقهم الذي يدعون إليه ضلالة، وفيه تنبيه على أن كيدهم لا يروج على من له لب «أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ» 25 أي بئس شيئا يزرونه ويرتكبونه من الإثم فعلهم المذكور «قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من الأمم السابقة بأنبيائها كما مكر قومك بك يا سيد الرسل، وقد قص الله عليه مكر قوم إبراهيم وهود وصالح بأنبيائهم وهم عرب مثل قومك، وبهذا يبطل قول من قال إن أصل لسان الناس السريانية، وان تبلبل الألسن كان بعد نمرود، فإذا كان لهذا القول صحة فيكون قبل عاد وثمود وقبل صالح وهود، لأن قومهما كانوا عربا، ولأن أهل اليمن كانوا عربا، لأن جرهم منهم، وكان قبلهم طسم وجديس يتكلمون بالعربية بما يدل عن أن لسان العرب كان قديما، لأن الله أرسل هودا وصالحا وهما من ذرية نوح عليه السلام قبل إبراهيم وهما عربيان، ولم يرسل للعرب من ذرية إبراهيم غيرهما وشعيب عربي أيضا وأرسل إليهم إسماعيل عليه السلام قبله وقد تعلم العربية من جرهم، ومن ذريته محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين. ومما يدل على قدم لسان العرب قوله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) الآية 31 من الأحزاب في ج 3، وهذه الآية عامة في كل ما كر كايد مبطل يحاول إلحاق الضرر بالغير. قال تعالى «فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ» أي جاء أمره باستئصال واقتلاع أساطين بنيانهم وأصوله، لأن القواعد أس البناء «فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ» جاء الظرف تأكيدا لأن الخرور لا يكون إلا من فوق، والأحسن أن يقال يحتمل أنهم عند سقوطه لم يكونوا تحته، فلما قال من فوقهم

ص: 218

علم يقينا أنهم تحته فخر عليهم فأهلكوا جميعا «وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» 26 وهم في مأمن منه معتمدون على قوة بنيانهم. قال المفسرون المراد بهذا نمروذ بن كنعان حين بنى الصرح ببابل المارّ ذكره في الآية 34 من سورة القصص في ج 1 بطول خمسة آلاف ذراع ارتفاعا بالهواء، وعرض ثلاثة آلاف ذراع، فأهب الله تعالى عليه الريح فسقط عليهم وهلكوا، واقتدى به أخوه فرعون إذ أمر وزيره هامان ببناء صرح له راجع الآية 36 من سورة المؤمن المارة، قالوا وقد تبلبلت الألسن من الفزع فتكلم الناس بثلاث وسبعين لغة، وعاش بعد ذلك مدة ثم أهلكه الله ببعوضة على ما هو المشهور نقلا عن ابن عباس ومقاتل وكعب، «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ» فلا يقتصر على عذابهم الدنيوي هذا بل يذلّهم في الآخرة ويهبننهم أيضا «وَيَقُولُ» لهم بمعرض التوبيخ «أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ» تخاصمون المؤمنين على قراءة فتح النون، وعلى كسرها يكون المعنى تخاصمون الحضرة الإلهية «فِيهِمْ» في الدنيا، والمشاقة وجود كل من الخصمين في شق أي طرف غير شق صاحبه، والمعنى هاتوهم ليدفعوا عنكم العذاب كما كنتم تزعمون، فيكتون ويخرسون «قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» أي أنبياؤهم وصلحاؤهم الذين كانوا معهم في الدنيا يدعونهم إلى الإيمان وكانوا يعرضون عنهم، ومقول القول «إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ» 27 وهذا شماتة بهم وزيادة في هوانهم ثم بين هؤلاء الكافرين بقوله «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ» استسلموا وأخبتوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق والاستهزاء، وقالوا معتذرين «ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ» في الدنيا، جحدوا كفرهم وخبثهم من شدة الخوف وعظم الهول

ولما رأوه من الإهانة، فقال لهم الذين أوتوا العلم «بَلى» كنتم تعملون الأسواء كلها في دنياكم فلا تنكروا «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» 28 فيحق عليهم القول وتقول لهم الملائكة «فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» 29 عن اتباع الرسل والإيمان بهم جهنم. وذكر الأبواب في الآية دليل على تفاوت منازل أهل النار في العذاب، وذكر الخلود لزيادة همهم وغمهم وحزنهم بقطع أملهم

ص: 219