الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:
قال تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً» أمرناه أن يتعهدهما ويراعي حقوقهما ويحسن إليهما «وَإِنْ جاهَداكَ» ألحّا عليك أيها الإنسان «لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» بإلهيته، ولا يصح أن يكون إلها إذ لا إله غيري، أنا الملك صاحب الأمر والنهي «فَلا تُطِعْهُما» في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وان الإشراك لا أعظم منه ولا أجلب لغضب الله من معتنقه، «إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» لا إلى غيري بررتم بوالديكم أو عقفتم أو آمنتم أو كفرتم وحينذاك «فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» 8 في الدنيا، فأجازيكم على الخير خيرا منه، وعلى الشر مثله. وقدمنا ما يتعلق في بر الوالدين في الآية 24 من الإسراء في ج 1 وفي الآية 14 من سورة لقمان المارة فراجعهما. وتفسير الجملة الأولى من هذه الآية في الآية 15 من سورة الأحقاف المارة، وذكرنا في آية لقمان ما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وفي آية الأحقاف ما وقع لأبي بكر أيضا فراجعها. وقيل إن هذه الآية نزلت في عياش بن ربيعة المخزومي لما هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء أبو جهل والحارث بن هشام ونزلا عنده في المدينة وقالا له إن من دين محمد صلة الرحم وبر الوالدين، وقد تركت أمك لا تطعم ولا تشرب ولا تأوي بيتا حتى تراك، وهي أشد لك حبا (وذلك لأنهما أخواه لأمه) ، فاستشار عمر فقال يخدعانك، ولئن بقيت لأقسم مالي بيني وبينك، فلم يزالا به حتى أطاعهما، فقال له عمر أما إذ عصيتني فخذ ناقتي، وإن رابك أمرهما فارجع فإنها لا تدرك. رضي الله عنه وأرضاه، إنه لينظر بنور الله، كيف وقد جاء التنزيل يحمل من أقواله، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم لقد كان فيمن قبلكم من الأمم محدّثون فإن يك من أمتي منهم أحد فإنه عمر. وفي رواية: لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن بك في أمتي أحد فإنه عمر. وكلمة محدّثون بالتشديد، وفي رواية: ملهمون. وهذا مما يؤيد أن أن الله تعالى لم يترك هذه الأمة من معنى الوحي وآثار الرسالة، كيف وقد
قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدّد لها أمر دينها.
ولله الحمد، هذا، ولما لم يقنع بقوله ليقضي الله أمرا كان مفعولا وليطلعهم عليه ليصدقوا أن من عباده ممن هو ملهم بما يقع من قضائه، فلما انتهوا به إلى البيداء قال أبو جهل كلتت نافتي فاحملني معك، فنزل، فأخذاه وشدا وثاقه، وجلده كل منهما مئة جلدة، وذهبا به إلى أمه، فقالت له لا تزال بعذاب حتى ترجع عن دين محمد.
هذا وقد جعل بعض المفسرين الآيات الثلاث في حق سعد رضي الله عنه، وان ما جرينا عليه أولى، على أن كلا منها عامة اللفظ والمعنى لا يخصصها عن عمومها هذه الأسباب ولا يقيدها عن إطلاقها، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، ولأن الآية الواحدة قد يكون نزولها لعدة حوادث بسبب انطباق مآلها عليها، ولم نعهد أن ثلاث آيات نزلت في حادثة واحدة أو آيتين، وعليه فالقول بنزول الآيات الثلاث المذكورة في حق سعد رضي الله عنه لم يثبت، والله أعلم. ومرت بقية القصة في الآية 11 من سورة لقمان، وقيل إنها نزلت في سعد بن مالك الزّهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس، لما أسلم قالت له لا آكل ولا أشرب ولا استظل حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعيّر بي، فلم يفعل، وبقيت أياما، ولما أيست منه أكلت وشربت واستظلت، قال تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ» 9 من عبادنا مع الأنبياء والأولياء والشهداء والعارفين. قال تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ» إيمانا مطلقا «فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ» لأجله أو من أجله «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» به من أذية أو إهانة «كَعَذابِ اللَّهِ» أي نزل ما يصيبه منهم منزلة عذاب الله في الآخرة وجزع كما يجزع من عذابه لو حل به، مع أنه لا يعد كل عذاب الدنيا شيئا بالنسبة لجزء من عذاب الآخرة، فلم يصبروا على ما وقع عليهم من عذاب الدنيا، ورجعوا عن دينهم وكفروا بربهم، مع أنه يجب عليهم أن يصبروا عليه مهما كان شديدا، لأنه فان رغبة بما عند الله للصابرين من نعيمه الدائم. وهذه سمة المنافق فإنه إذا أوذي في الله رجع عن دينه، كالذي يعبد الله على حرف، راجع الآية 12 من سورة الحج المشار إليها آنفا، أما المؤمن فإنه يصبر على ما أصابه
طلبا لما عند الله من الثواب «وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ» وغنيمة للمؤمنين من أعدائهم «لَيَقُولُنَّ» لهم أولئك المنافقون «إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ» على عدوكم وكنا مسلمين مثلكم، وإنما أكرهنا على ما وقع منا، فأكذبهم الله بقوله «أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ» 10 من الإيمان الصادق والنفاق المحض وغيره،
بلى هو أعلم منهم بأنفسهم، وهذا استفهام تقريري بمعنى القسم، أي بلى والله هو عالم بذلك، ولهذا أردفه بالقسم. فقال «وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» وثبتوا على إيمانهم حالة البلاء «وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ» 11 الذين تخلوا عنه عند الشدة، أي والله إنه عالم بالفريقين حق العلم لأن اللام في الفعلين موطئة للقسم. نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا مؤمنين بألسنتهم فإذا أصابهم أذى من الكفار واتقوهم على ما يريدونه، فنضحهم الله تعالى، وهذه آخر الآيات المدنيات.
قال تعالى «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» من أهل مكة «لِلَّذِينَ آمَنُوا» بمحمد «اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ» أي إذا كان الصارف لكم عنا خوفكم عقاب الله الذي يهددكم به محمد فارجعوا عن دينه إلى دينكم ونحن نتحمل عنكم ما يهددكم به، فأكذبهم الله بقوله «وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ» هذا نفي مؤكد بالباء الواقعة في خبر ما التي هي بمعنى ليس جيء بها لتاكيد نفي الاستمرار وبمن الداخلة على شيء لتأكيد الاستغراق ثم قرر ذلك بقوله «إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» 12 بأنّ المقيدة للتحقيق والتأكيد واللام الموكدة لها، ونظير هذه الآية في المعنى الآية 25 من سورة النحل المارة، كما أن نظير الآيتين 10/ 11 المارتين الآية 166 فما بعدها من سورة آل عمران في ج 3، قال تعالى «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ» أوزارهم الباهظة «وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ» أيضا، لأن هؤلاء المضلين عليهم عقابان، عقابا لافترافهم الكفر، وعقابا لحمل غيرهم عليه، راجع الآية 25 من سورة النحل المارة «وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ» سؤال توبيخ وتبكيت «عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ» 13 من الأكاذيب والأباطيل ويغرون غيرهم بها كقولهم هذا، روى مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال: من سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن
ينقص من أوزارهم شيء. والسنة السيئة هي المبتدعة التي لم يرد عن النهي عنها حديث صحيح، كما أن السنة الحسنة الواردة في الحديث الآخر الذي ذكرناه في آية النحل المذكورة هي غير التي منها حضرة الرسول، وتنطبق على هذين الحديثين البدع، فما كان منها سيئا دخل في السنة السيئة، وما كان منها حسنا دخل في السنة الحسنة.
قال تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ» يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان «أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً» لم يقل تسعمئة وخمسين عاما، لأن الاستثناء يدل على التحقيق، وغيره يدل على التقريب، ولأن التعبير بها أقل كلمات من غيرها، ولأن عقد الألف يدل على التكثير وهو أعظم للكلام. قال ابن عباس بعث على رأس الأربعين، ودعا قومه ألفا إلا خمسين، وعاش بعد الطوفان ستين، فعمره ألف وخمسون سنة. وقال وهب عاش ألفا وأربعمائة سنة. وجاء في التوراة آخر الإصحاح التاسع أنه عاش مع قومه ستمئة سنة، وبعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، والله أعلم. وهذه الآية كتسلية لحضرة الرسول يعلمه فيها أن من الأنبياء قبلك صبروا على البلاء كثيرا وإنك أولى بالصبر لأنك من أولي العزم، وإن أمتك مهما قابلتك به، فإنها أحسن من غيرها من حيث النتيجة، لأنا جعلناك خير نبي أرسل، فأرسلناك إلى خير أمة، فاصبر عليهم فإنك مهما جاملتهم وتحملت منهم لا يكون مثل صبر نوح على قومه في طول مدته، وإنا بعد صبره هذا أعلمناه بأنهم لم يؤمنوا، وألقمناه الدعاء عليهم، فدعا «فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ» إجابة لدعوته التي صادقت الوقت المقدر لعذابهم «وَهُمْ ظالِمُونَ» 14 لأنفسهم لعدم إجابتهم دعوة نبيهم للإيمان وإصرارهم على الكفر، أما نوح «فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ» الذين آمنوا معه من الغرق «وَجَعَلْناها» تلك الفعلة التي فعلناها بهم أو السفينة التي أنجينا بها المؤمنين «آيَةً لِلْعالَمِينَ» 15 أجمع إذ يتناقلون أخبارها جيلا بعد جيل منذ زمنها إلى يوم القيامة. راجع تفصيل القصة في الآية 44 من نورة هود المارة. وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ» وحده وذروا الكواكب والأصنام التي هي من مخلوقاته وصنع أيديكم «ذلِكُمْ» الذي أرشدكم إليه وأنصحكم به «خَيْرٌ لَكُمْ» من الإشراك
بالله وعبادة غيره «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» 16 الخير من الشر والنفع من الضر، وقال لهم يا قوم «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً» يدخل فيها كل معبود بغير حق حيوانا أو جمادا ملكا أو إنسا، أما الأصنام فتختص بما يعمله البشر من فضة وذهب وحديد وغيرها «وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً» كذبا محضا تصنعونه وتسمّونه إلها افتراء على الله وبهتا منكم، يا قوم «إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً» ولا يستطيعون أن يدفعوا عنكم ضرا ولا يجلبوا لكم نفعا، فاتركوها «فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ» فهو القادر على رزقكم ورزق جميع خلقه الحسّاسة والنامية، لاحتياج كل إلى الماء والهواء وهما رزق ليعجز البشر عن إطلاقه إذا أمسكه الله «وَاعْبُدُوهُ» وحده لا تشركوا به شيئا فإنه لا يقبل الشركة «وَاشْكُرُوا لَهُ» ما خولكم به من النعم العظيمة لأنكم «إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» 17 في الآخرة لا إلى أوثانكم وهو الذي يجازي المحسن ويعاقب المسيء، هذا ما أصدقكم به لخيركم «وَإِنْ تُكَذِّبُوا» ما أقوله لكم «فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ» رسلهم كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، فأهلكهم الله بتكذيبهم، وإني أخاف عليكم إن أصررتم على تكذبي أن يصيبكم ما أصابهم «وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» 18 الواضح إلى قومه وعلى الله الهداية ومنه التوفيق وله الإهلاك والانتقام قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا» هؤلاء الناس «كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ» من النطفة ومن لا شيء ثم يميته ويفنيه «ثُمَّ يُعِيدُهُ» في الآخرة كما بدأه دون كلفة أو إعياء «إِنَّ ذلِكَ» الإبداء والإعادة والإماتة والإحياء «عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» 19 لأنه ما بين الكاف والنون من قوله كن، راجع الآية 27 من سورة الروم المارة «قُلْ» يا أكرم الرسل لهؤلاء المنكرين قدرتنا الجاحدين كتابنا المكذبين لك «سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ» يوم القيامة على نمط الأولى إذ لم يتعذر عليه الأحداث إبداء حتى تنعذر عليه الإعادة أخيرا «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» 20 وذلك من جملة مقدوراته يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
«يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ» بسبب وبلا سبب إذا شاء «وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ» كذلك لا يسأل عما يفعل «وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ» 21 جميعكم أولكم
وآخركم فله مصير الخلائق وإليه الأمر كله فيهم «وَما أَنْتُمْ» أيها الناس له بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا» يعجزه أيضا من «فِي السَّماءِ» لأن الكل بقبضته لا يستطيع أن يفلت منهم أحد، وفي هذا حذف الموصول مع بقاء الصلة وهو غير جائز عند البصريين، وقد أجازه غيرهم واستشهد له في الشعر على المذهبين بقول حسان رضي الله عنه وهو:
أمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
فقد حذف من عجز البيت وأبقيت صلته، إذا فلا محل للاعتراض على هذا على أن الاعتراض قد يكون إذا كان القرآن مستقى من العربية لا إذا كانت العربية متشربة من القرآن، ويكون المعنى على التفسير الذي جرينا عليه في هذه الآية لا يعجز الله أحد في الأرض من الإنس أو الجن ولا يعجزه أحد في السماء من الملائكة عوامهم وخواصهم، ومن رأى أن حذف الموصول غير جائز قال ولا في السماء لو كنتم أيها الناس فيها على فرض المحال أي الاستبعاد، إذ لا محال على الله بل بالنسبة إلينا محال هو كما ترى، قال تعالى «وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» 22 يتولى أمركم أو يمنعكم من عذابه «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ» المنزلة على رسله «وَلِقائِهِ» جحدوا البعث بعد الموت الذي فيه لقاء الله وماتوا على ذلك «أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي» فلا تنالهم البتة ولا يشموا ريحها «أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» 23 لا تستطيعه قواهم ولو كانت حديدا. واعلم أن هذه الآيات من قوله تعالى أو لم يروا هنا، جاءت معترضة بين قصة ابراهيم عليه السلام في تذكيره أهل مكة بمناسبة ختام ما ينزل عليهم من القرآن، إذ ينتهي المكي بانتهاء هذه السورة والتي بعدها فقط، لأن الخطاب فيها لسيد المخاطبين الذين أعمه أمرهم وأزعجه تماديهم في الطغيان وآسفه عدم تأثرهم من الآيات التي تذوب لها صم الحجارة وآساه اهانتهم له ولأصحابه واذاهم المترادف، ولم يبق له بعد هذا إلا هجرهم. قال تعالى فيما يقصه عن سيدنا ابراهيم «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ» تجاه نعمه لهم وإرشاده إياهم وتحذيرهم بطش ربهم «إِلَّا أَنْ قالُوا» بعضهم لبعض عند ختام مذاكرتهم بشأنه كما تقدم في الآية 65 من سورة الأنبياء