المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

وينزهونه عما يقول الظالمون مما لا يليق بكبريائه من البهت والافتراء «وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ» من المؤمنين الذين يبرثون الحضرة الإلهية مما عزي إليها فانتبهوا أيها الناس لتقديس الملائكة وقدسوا ذلك الإله القوي البرهان، ولأجل أن تنتبهوا لذلك جاء جل جلاله بأداة التنبيه، فقال عز قوله «أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ» لمن يرجع إليه تائبا منيبا «الرَّحِيمُ» 5 بعباده كلهم ومن رحمته يريد لهم الخير ومن عميم إحسانه شاء أن يبدل سيئات من يخلص إليه التوبة حسنات بعظيم فضله وكبير كرمه وجليل رأفته راجع الآية 70 من سورة الفرقان في ج 1، قال تعالى «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ» لينصروهم ويشفعوا لهم جهلا وعنادا اتركهم الآن يا حبيبي ما عليك منهم «اللَّهُ» ربك ومالك أمرك وأمرهم «حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ» رقيب على أحوالهم محيط بهم وهو الذي يجازيهم على ذلك إذا بقوا مصرّين «وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» 6 تدافع عنهم وتجهد نفسك لأجلهم لأن أمرهم غير مفوض إليك وإنما أنت منذر لهم فقط وإن قولهم هذا ليس بضائرنا، ولله در القائل في هذا المعنى:

ما حطك الواشون عن رتبة

عندي ولا ضرك مغتاب

كأنهم اثنوا ولم يعلموا

عليك عندي بالذي عابوا

«وَكَذلِكَ» مثل ما أوحينا إلى غيرك من الأنبياء ما أنزلناه عليهم من الكتب والصحف والتكلم بلسانهم ولسان أقوامهم لينذروهم بلغاتهم «أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا» بلغتك ولغة قومك «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى» مكة أي أهلها من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه بلغتهم دون حاجة إلى ترجمة، لأن الأنبياء يترجمون الموحى المنزل إليهم بلغة قومهم ليفهموه وأنت لم يحجك ربك إلى الترجمة.

‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

وإنما سميت مكة أمّا لأن الأرض دحيت من تحتها أو لأنها من أشرف البقاع «وَمَنْ حَوْلَها» من البلاد بما يعم منتهى أطرافها الأربع لغاية الشرق والغرب ونهاية الجنوب والشمال، لأن رسالته عامة لجميع أهل الأرض، فلا تقيد هذه الآية

ص: 28

رسالته بمن حوالي مكة من العرب وغيرهم، بل عامة كما ذكرنا، راجع الآية 158 من الأعراف في ج 1 والآية 28 من سورة سبأ المارة وغيرها من الآيات الصريحة القاطعة بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأحاديث الصحيحة شاهدة على عموم رسالته، ولهذا البحث صلة في الآية 4 من سورة السجدة الآتية فراجعها. «وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ» يوم القيامة وسمي به لقوله تعالى (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) الآية 99 من الكهف الآتية، وقوله تعالى (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) الآية 103 من سورة هود المارة وغيرها ولأن فيه اجتماع الأولين والآخرين وأهل الأرض والسماء «لا رَيْبَ فِيهِ» فهو كائن لا شك وفيه يفترق الناس لا محال منهم «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ» للنعيم والسعادة «وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» 7 للعذاب والشقاوة وذلك بعد أن يحاسبوا في الموقف الذي جمعوا فيه «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً» على دين واحد «وَلكِنْ» لم يشأ ذلك ل «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ» بتوفيقه للإيمان «وَالظَّالِمُونَ» الذين خذلهم كما سبق في علمه اختيارهم للكفر يدخلهم في عذابه «ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» 8 يمنعهم من العذاب المقدر عليهم «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ» أم منقطعة مقدرة ببل وهي حرف انتقال من بيان ما قبلها إلى ما بعدها، والاستفهام لإنكار الوقوع، ونفيه على أبلغ وجه وآكده لإنكار الواقع واستقباحه، كما قيل إن المراد بيان اتخاذهم الأولياء ليس بشيء لأنها أصنام لا تقدر على نصرتهم بل على الحقيقة لأن المعنى اتخذوا أصناما من دون الله وهو باطل، لأن الولي من يقدر على نصرة مواليه وهي ممتنعة في الأوثان، وإذا أرادوا أولياء على الحقيقة «فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ» وحده «وَهُوَ «يُحْيِ الْمَوْتى» وإن الأوثان لا تقدر على إحياء شيء «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» 9 والأصنام عاجزة عن كل شيء، وعليه يكون المعنى أن الجدير بأن يتخذوا وليا يقدر على الإحياء والإماتة وعلى كل شيء لا الأوثان العاجزة عن حفظ نفسها. قال تعالى «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ» أيها المؤمنون مع هؤلاء الكافرين من أمر الدين كالتوحيد وإنكار البعث واتخاذ الأوثان آلهة وشركاء مع الله الواحد وجعلهم أولياء لكم من دونه، فلا تكثروا الجدال فيه معهم لأنهم عاتون

ص: 29

معاندون «فَحُكْمُهُ» أي حكم ما اختلف فيه مفوض «إِلَى اللَّهِ» وحده وهو الذي يحاسبهم عليه ويجازيهم يوم يعاقب فيه المبطلون والظالمون ويثاب فيه المحقون والمهتدون «ذلِكُمُ» الحاكم العدل الذي يقضي بينكم بالحق في ذلك اليوم العصيب هو «اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» 10 أرجع في كل ما يهمني كيف لا وهو

«فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وشافيا عن بعضهما، راجع قوله تعالى (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) الآية 31 من سورة الحج في ج 3 «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً» قال جل قوله من أنفسكم لأنه خلق حواء من آدم وهي أصل في الزوجات كما قال (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) يريد به آدم، لأنه أصل البشر والمعنى أنه استق حواء من آدم كما استق السماء من الأرض، راجع الآية 27 من سورة الحج وأول آية من النساء في ج 3 والآية 189 من الأعراف في ج 1 «وَمِنَ الْأَنْعامِ» خلق لكم «أَزْواجاً» أصنافا راجع الآية 143 من سورة الأنعام المارة «يَذْرَؤُكُمْ» يخلقكم ويكثركم، لأن ذرّ وذرأ بمعنى كثر وخلق «فِيهِ» أي التزويج المستفاد مما ذكر قبله «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» أبدا فلا يشبه ذاته المقدسة شيء أصلا، ويطلق الشيء على جميع المكونات عرضا كان أو جوهرا، والله تعالى منزه عن ذلك، ولا كاسمه اسم، قال تعالى (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) الآية 66 من سورة مريم في ج 1، والمحال كل المحال أن تكون الذات القديمة مثل المحدثة أو يكون لها صفة حادثة أيضا، وهذا لا يتوقف على تحقيق مثله في الخارج فعلا، بل يكفي تقرير المثل بالقوة فقط لأن ذاته لا يماثلها ذات في الوجود بوجه ما، وكنى بالمثل عن الذات، لأن المماثلة إذا كانت منتفية عمن يكون مثله وعلى صفته، فلأن تكون منتفية عمن يكون كذاته من باب أولى، وتقدم جواز إطلاق الشيء على الله تعالى في الآية 19 من سورة الأنعام المارة، وإقامة المثل مقام النفس شائع في كلام العرب، يقولون مثلك لا يبخل، وهو أبلغ من قولهم أنت لا تبخل، لأنه إذا نفي عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى، قال القائل:

جلّ المهيمن أن تدرى حقيقته

من لا له مثل لا تضرب له مثلا

لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسدّه فقد نفوه عنه، قال أوس بن حجر:

ص: 30

ليس كمثل الفتى زهير

خلق يوازيه في الفضائل

وقال الآخر:

سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم

ما ان كمثلهم في الناس من أحد

أما قوله تعالى: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) فهو الوصف الأعلى الذي ليس لغيره جلّ شأنه، كما سيأتي في الآية 60 من سورة النحل والآية 27 من سورة الروم الآتيتين إن شاء الله، ويجوز عقيدة إطلاق الشيء على الله تعالى، قال في بدء الأمالي:

نسمي الله شيئا لا كالاشيا

وذاتا عن جهات الست خالي

«وَهُوَ السَّمِيعُ» لأقوالنا خفيها وجليها لفظها ورمزها «الْبَصِيرُ» 11 بأعمالنا كلها «لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» مفاتحها بيده، وهي وما فيهما ملكه يتصرف فيهما كيف يشاء. وتقدم البحث في هذا في الآية 63 من سورة الزمر بصورة مفصلة فراجعها، «يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ» يضيق على من يشاء بحسب الحكمة «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» 12 ومن مقتصى علمه إعطاء كل ما يستحقه «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً» أي أن الذين الذي شرعه لك ربك يا محمد ليس بشيء جديد، وإنما هو الذي شرعه لمن قبلك من الأنبياء، وقد تطابقت الشرائع على صحته وأجمعت على دعوة أممهم إليه من حيث أصوله الراسخة، لأن الكل مرسلون من قبله على نمط واحد ووتيرة واحدة، فكلهم يدعون إلى توحيد الله وعبادته والاعتراف بأنبيائه، وبالبعث بعد الموت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. «وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» يا أكرم الرسل من القرآن فيه ما أوحينا به لمن قبلك «وَما» أي الذي «وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى» من قبلك عبارة عن أمرنا لهم «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ» وأمروا أممكم بالاستقامة فيه وواظبوا عليه وشيدوا أركانه يحفظه من الزيغ وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 194 من سورة الشعراء المارة في ج 1، وإنما ذكر تعالى هؤلاء الأنبياء دون غيرهم لأنهم من أولي العزم، ولأنهم أكثر الناس أتباعا، ولأنهم أصحاب الشرائع المعظمة، وقد ذكرهم الله تعالى في الآية 7 من سورة الأحزاب مجتمعين أيضا، لأنهم خمسة لا سادس لهم على القول الصحيح،

ص: 31

وإن شأنهم في قدم النبوة أعلى من غيرهم وشهرتهم في الكون أكثر من غيرهم، ولأن جهادهم في استمالة قلوب الكفرة وأهل الزيغ بلغ الغاية القصوى، ولهذا فإن كلّا من الأمم متفقة على نبوتهم وحبهم عدا قسم من اليهود المنكرين نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وتقدم البحث في هذا أيضا في الآية 57 من سورة المؤمن المارة واعلم ممأنه لم يرسل نبي إلا وله شرع أمر بإقامته، وإن الدين عند الله هو دين الإسلام، دين إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء، وخاصة فيما لم يقع فيه اختلاف قط، وهي الأصول الثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد، وتوابع هذه الأصول ثلاثة أيضا: الإيمان بالكتب السماوية وبالقضاء والقدر والطاعة للرسل.

«وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» لأن إقامته مع الاختلاف تؤدي إلى التفرقة وهي مذمومة في غير أمر الدّين فكيف به، هذا أمر الله عباده بإقامة الدين والاجتماع عليه، وتقدم بحث هذا أيضا في الآية 159 من سورة الأنعام المارة فراجعها. وأعلم أن ليس المراد من إقامة الدين هنا الشرائع الأخرى، لقوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) الآية 48 من سورة المائدة، لذلك فإن ما يعود المرسل الأول يكون بمقتضى شرائعهم، وما يعود لنبينا محمد وأمته يكون بحسب ما أنزل الله عليه وشرعه على لسانه لأن شريعته ناسخة لما قبلها وباقية إلى الأبد وصالحة لكل زمان، ولهذا ختم بها جميع الشرائع كما ختم بصاحبها باب النبوة، إذ بلغت الكمال اللائق، ولا يصلح الكون إلا بتطبيقها، فعلى أولي الأمر السهر عليها والعمل بها ليتم لهم الأمر ويستتب الأمن، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) الآية 3 من سورة المائدة في ج 3، وقال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) الآية 85 من آل عمران في ج 3، فيا أيها الناس أرضوا بما رضيه الله لكم، واعملوا به، لأن العمل بغيره لا يقبله الله وتكون عاقبته الخسران «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» من رفض عبادة الأوثان ولم يعظم عليهم رفض عبادة الرحمن، لهذا فإنهم ليسوا بأهل لأن يختارهم الله لإقامة دينه «اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ» من عباده الصالحين لذلك الدين القويم «وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ

ص: 32