المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

قال تعالى «وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ» قريشا قوم محمد «بِالْعَذابِ» القحط ليرجعوا إلى الله وهو أشد عذاب الدنيا «فَمَا اسْتَكانُوا» ما خضعوا ولا لجأوا «لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ» 76 إليه ليكشفه عنهم بل أصروا على كفرهم.

وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مكة في الحرم الشريف فألقى عليه بعض المشركين سلى جزور، فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فأصابهم القحط، فقال أبو سفيان تزعم يا محمد أنك بعثت رحمة للعالمين، فقال بلى، فقال أنشدك الله والرحم، فإن قومك أكلت القد والعظام وأنهكهم الضر، فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا فأنزل الله هذه الآية استشهادا على عدم خضوعهم وعلى دوامهم على حالتهم لقوله تعالى (وَما يَتَضَرَّعُونَ) وهذا القحط غير القحط الذي وقع بمكة بعد الهجرة كما ذكره السيد برهان الدين الحلبي في سيرته، وهذا غير الجوع الذي أصابهم بسبب منع ثمامة بن أثال الحنفي الميرة عنهم حينما جاءت به سرية محمد بن مسلمة التي بعثها صلى الله عليه وسلم إلى بني بكر بن كلاب، فأسلم بعد أن امتنع ثلاثة أيام، ثم خرج معتمرا فلما قدم بطن مكة لبّى، وهو أول من دخلها ملبيا. ومن هنا قال الحنفي:

ومنا الذي لبّى بمكّة معلنا

برغم أبى سفيان بالأشهر الحرم

فأخذته قريش وأتبوه على تغيير دينه، فقال لهم اتبعت خير دين، دين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم. ثم قال والله لا يصلكم حبة من اليمامة حتى يأذن رسول الله، ثم منع الميرة عن أهل مكة. فكتبت قريش إلى رسول الله وهو في المدينة تستغيث به مما أصابها من الجوع، فأذن لثمامة أن يمتاروا، وهذه الحادثة قبل الفتح، وعلى هذا يكون القحط أصاب قريشا ثلاث مرات والله أعلم. قال تعالى «حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ» فيما يستقبل من الزمن وهو إنزال السيف فيهم وأمر الرسول بقتالهم وقسرهم وإجلائهم «إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» 77 آيسون خائبون متحيّرون. وفي هذه الآية دلالة على قرب الهجرة وفتح الباب

ص: 360

الذي سيكون بعدها، إذ أشار الله عنها ثلاث مرات، وسيأتي الإذن بها في ذكرها رابعا كما ستعلمه بعد. قال تعالى «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ» لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا ولكنكم «قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» 78 الله على نعمه ولم تصرفوها لما خلقت لها ولم تقدروها حق قدرها ولم تؤدوا شكرها لخالقها، وإذ نفى عنهم قليل الشكر، فالكثير منتف من باب أولى. ولفظ ما يدل على أنهم يشكرون شكرا لا يذكر لقلته «وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ» خلقكم وبثكم «فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» 79 يوم القيامة للحساب والجزاء «وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ» لا لغيره «اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ» في الزيادة والنقص، والظلمة والضياء، والحر والقر، ونعمة الاستراحة في الأول وطلب العمل في الثاني «أَفَلا تَعْقِلُونَ» 80 صنائع الله ومنافعه التي أسداها إليكم فتستدلوا بها على عظمته، وتشكروه حق شكره، وتؤمنوا بالله ورسوله «بَلْ قالُوا» وهذا انتقال ثمن، أي قال هؤلاء الكفرة مع توالي نعمنا عليهم «مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ» 81 وهو أي قول الأقدمين «قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ» 82 بعد ذلك، استفهام إنكار وتعجب معرضين عن التفكر والتدبر جانحين عن الاتعاظ والاعتبار قائلين كيف يكون هذا؟ وإنما «لَقَدْ وُعِدْنا» بالحياة بعد الموت «نَحْنُ» من قبلك يا محمد «وَآباؤُنا» من قبل وعدوا من قبل أمثالك «هذا» الوعد نفسه «مِنْ قَبْلُ» أن توعدنا أنت، وإذ لم نقف له على حقيقة فنقول لك «إِنْ هذا» الوعد ما هو بالوعد الحق وما هو «إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» 83 وخرافاتهم الواهية لا غير، ومن هنا يقال في ضرب المثل حديث خرافة. ونظير هذه الآية الآية 67 من سورة النمل في ج 1. وخرافة هذا قيل إنه استهوته الجن سنين فلما تركته صار يحدث قومه بما رأى من عجائبهم بما لا تصدقه عقولهم، ولهذا صاروا كلما سمعوا شيئا لا يعقلونه يقولون حديث خرافة. هذا وبالنظر لظاهر الآية قد يفهم أنه جاء لآبائهم رسل وردوا عليهم بما ردوا به على محمد مع أنه لم يأتهم رسول ما بعد إسماعيل الذي لم يره آباؤهم، وإنما قالوا ما قالوا بالنسبة لما سمعوه من أخبار الأمم الماضية المكررة

ص: 361

سيرهم لديهم، لأن شأنهم في الأخذ والرّد شأنهم. قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرسل على طريق الاستفهام لقومك «لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها» من الخلائق والنبات والمعادن والمياه «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» 84 وتدعون العلم؟ فإنهم لا شك «سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ» لهم بعد إقرارهم هذا «أَفَلا تَذَكَّرُونَ» 85 أنكم من جملة من عليها، وإنكم مملوكون لله، وأنه قادر على إبادتها كما خلقها، فتعلمون أنه قادر على إعادتكم بعد موتكم فتتعظون وتؤمنون

«قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» 86 فإنهم مضطرون وملجئون بأن «سَيَقُولُونَ لِلَّهِ» مربوبة ومملوكة «قُلْ» لهم بعد اعترافهم «أَفَلا تَتَّقُونَ» 87 خالقها أن يسلط عليكم من فيها من الملائكة وما فيها من الصواعق والبرق والبرد، فيهلككم دفعة واحدة، لعبادتكم غيره، أفلا تستدلون بأن من يقدر على خلق ذلك يقدر على إعادة الأموات أحياء «قُلْ» يا أكمل الرسل لقومك على طريق التعجيز ثالثا «مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ» في السموات والأرض من نام وغيره «وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ» يؤمن كل أحد من خوفه ولا يقدر أحد أن يؤمن من أخافه ولا يخيف من آمنه، وهو يغيث من استجار به، ويكشف ضره إن شاء «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» 88 أحدا يقدر على مثل هذا، فاذكروه لنا أيها الناس، وانهم حتما «سَيَقُولُونَ» ان هذه الخصوصية «لِلَّهِ» وحده فقط «قُلْ» لهم إذا كنتم تعترفون بذلك كله «فَأَنَّى تُسْحَرُونَ» 89 وتخدعون وكيف تنصرفون عن الحق إلى الباطل، وما ذلك إلا لأنكم لا تنتفعون بحواسكم إذ لا تحسنون استعمالها والوقوف على ما تدل عليه، ولا تعلمون إلا مظاهر الأشياء.

وقرىء في الآيتين الأخيرتين (الله) بلا حرف الجر وهي قراءة على الظاهر، وباللام على المعني، وكلاهما جائز، فلو قيل لك من صاحب هذه الدار فقلت زيد كان جوابا عن لفظ السؤال، ولو قلت لزيد كان على المعنى، لأن معنى من صاحب هذه الدار لمن هي فيصح المعنى، وقد أنشد الزجاج على الأول:

وقال السائلون لمن حضرتم

فقال المخبرون لهم وزير

وأنشد صاحب المطالع للثاني:

ص: 362

إذا قيل من رب المزالف والقرى

ورب الجياد الجرد قلت لخالد

وتشير هذه الآيات الثلاث لتقريعهم وتوبيخهم على عبادة غير الله المالك لهذه الأشياء المتصرف بها القادر على كل شيء، وتنبيه على أن الفاعل لتلك قادر على إحيائهم بعد موتهم، وأن إنكارهم وجحودهم ما هو إلا محض عناد وعتو بعد اعترافهم بأن الله تعالى الخالق المالك للسموات والأرض ومن فيهما وعليهما وتحتها وفوقهما.

قال تعالى «بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ» هذا إضراب عن قولهم أن الإخبار بإيجاد البعث من أساطير الأولين، أي إننا يا سيد الرسل لم نأتهم بما فاهوا به، وإنما أتيناهم بالصدق وأخبرناهم بما أخبرناهم بالحق «وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» 90 في جحودهم ونسبة الولد والصاحبة والشريك، ولهذا أكد فريتهم هذه بقوله «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ» فكيف ينسبون إليه الملائكة بأنها بناته كما نسب اليهود والنصارى بنوة عزيز والمسيح إليه من تلقاء أنفسهم أيضا، تعالى عن ذلك، ثم أكد الجهة الأخرى بقوله «وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ» آخر قط فهو المتفرد بتدبير ملكه المبرأ عن المعين، فكيف ينسبون له الشريك؟ وقد قال إنما هو إله واحد، وقال وأمتكم واحدة، ونهى عن التفرق في الدين، ونهى عن الاختلاف فيما جاءت به الرسل، لأن طريقتهم واحدة، وأصل الدين الذي أمروا باتباعه واحد، والمرسل والشارع الحقيقي هو الواحد واحد، راجع الآية 52 المارة والآية 59 من سورة الأنعام المارة وما ترشدك إليه والآية 59 من سورة الأنبياء المارة أيضا، ثم علل ذلك بقوله جل قوله «إِذاً» لو كان كما يزعمون من وجود الشريك «لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ» ليختص به منفردا عن الآخر ولا يشركه فيه، ولا يرضى الانقياد لغيره، ولامتاز ملك كل منهما عن الآخر ومنعه من الاستيلاء عليه «وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ» في الخلق والقدرة والعظمة وغالبه عليها ليكون أكبر منه ولبسط سلطانه عليه كما يفعل ملوك الدنيا، وإذ لم ير شيئا من ذلك ولا أثر للتمايز والتغالب والتعاظم في الملك مما يقع لملوك الدنيا. فاعلموا أيها الناس أنما هو إله واحد بيده ملكوت كل شيء في السماء والأرض، راجع الآية 22 من الأنبياء المارة في برهان التمانع، ثم نزّه ذاته الطاهرة عن تقولاتهم هذه كلها بقوله

ص: 363

«سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» 91 الحضرة الإلهية المقدسة مما هو من شأن البشر. وهذه الآية في معرض الجواب لمن حاجّ حضرة الرسول من المشركين، فلا محل للقول بأن (إذا) لا تدخل إلا على كلام مشتمل على الجواب والجزاء، لأن قوله لذهب وقع جزاء وجوابا ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل، لأن الشرط محذوف تقديره ولو كان معه آلهة، وإنما حذف لدلالة قوله (وما كان معه من إله) تأمل. ثم وصف الله نفسه المقدسة عن تفوهاتهم بقوله «عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» 92 وتبرأ عما لا يليق به، ويا خاتم الرسل «قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي» في حياتي الدنيا «ما يُوعَدُونَ» 93 به من العذاب الذي ستنزله عليهم يا «رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» 94 منهم فتعذبني بعذابهم، أي إذا أردت أن توقع بهم عذابك فنجني من بينهم كما نجيت أنبياءك ومن آمن بهم من بين أقوامهم الكافرين، وهذا إظهار للعبودية، لأن النبي له أن يسأل ربه ما علم أنه يفعله ويستغيث به مما علم أنه لا يفعله تواضعا، قال تعالى مجيبا لنبيّه «وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ» 95 وهو جواب أيضا على إنكارهم موعد نزول العذاب وضحكم منه

ولكن يا سيد الرسل «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» بالخصلة التي هي أرفق وأوفق، وذلك بأن تصبر على أذاهم وتعرض عن معاداتهم وتصفح عن طلب تعذيبهم الآن، ومفعول ادفع «السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ» 96 به ألوهيتنا وينعتون نبوّتنا، وهذه الآية ليست منسوخة بآية السيف الآتية بعد كما قاله بعض المفسرين، لأن المداراة مطلوبة في مثل هذا، ومحثوث عليها في كل الأحوال، ما لم تثلم بالدين، لا سيما إذا كان هناك أمل مرتقب بقبولهم النصح ورجوعهم عن الغي، أي اجعل يا محمد جواب إساءتهم لك إحسانا، ولا يهمنّك شأنهم. ولما أن أشار الله تعالى لنبيه بأن يقابل إساءتهم بالإحسان وهو بمثابة النهي عن مقابلة السيئة بالسيئة، أتبعه بما يقوي لبّه، وزيادة على ذلك الالتجاء إليه بقوله عزّ قوله «وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ» 97 نزعاتهم ووساوسهم، لأنهم يحثون الناس على السيئات والهمز الدفع والتحريك كالهز والأز، ومنه مهماز الرائض، أي أن الشيطان يهمز

ص: 364

الناس على فعل الشر كما تهمز الراضة الدواب حثالها على الشيء. وقيل أيضا يا سيد الرسل «وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ» 98 أمرا من أموري كي لا تساق نفسي إلا إلى الخير كما خلقت له، وهذا إخبار من الله بأن يكف عن قومه ويصبر على أذاهم ويديم لهم النصح حتى حين الوقت المقدر لإيمان من يؤمن وإصرار من يصر.

ثم أخبره بما يكون مصيرهم فقال «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» 99 إلى الدنيا وقد جمع الضمير لما هو شائع لدى العرب أن يخاطبوا الواحد بلفظ الجمع تعظيما وتبجيلا كيف والمخاطب هو رب المخاطبين. وعلى هذا قوله:

ألا فارحموني يا آل محمد

فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل

وقول الآخر:

وإن شئت حرمت النساء سواكم

وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

النقاخ الماء البارد، والبرد النوم. ثم علل طلبه بقوله «لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ» الفرصة بالدنيا وضيعتها فأعدني يا رب إلى المحل الذي تركته في الدنيا لأتدارك ما فات مني، وهيهات، قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى ان رجع ليعمل بطاعة الله، فرحم الله امرأ عمل في دنياه ما يتمناه الكافر إذا نزل به العذاب. قال تعالى «كَلَّا» لا سبيل لك للرجوع. وكلا أداة زجر وردع، راجع بحثها مفصلا في الآية 14 من سورة الشعراء في ج 1، وهذه الكلمة التي يطلب فيها الرجعة «إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها» لا محالة، وكل كافر سيقولها في ذلك الوقت بسبب استيلاء الحسرة والندم على أمثالهم، ولكنهم لا يجابون، لأن الوقت ليس بوقت إجابة، ولو أجابهم لما بقي للنار نصيب من أحد، لأن كل أهلها يقولها، وكيف يرجعون إلى الدنيا «وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ» حاجز حائل بينهم وبين الرجوع، باق مستقر «إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» 100 من قبورهم، وليس معنى الغاية أنهم يرجعون إلى الدنيا بعد البعث، وإنما هو إقناط كلي للعلم أنه لا رجعة بعد الموت إلى الدنيا، وإنما مصيرهم بعده إلى الآخرة «فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ» تقدم ما فيه في الآية 67 من سورة الزمر المارة.

ص: 365