المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى: - بيان المعاني - جـ ٤

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الرابع]

- ‌تفسير سورة فصلت عدد 11- 61- 41

- ‌مطلب خلق السموات والأرض وما فيها ولماذا كان في ستة ايام وفي خلق آدم:

- ‌مطلب قول رسول قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رد عليه به حضرة الرسول والأيام النحسات:

- ‌مطلب معنى الهداية وما قيل فيها وشهادة الأعضاء وكلام ذويها:

- ‌مطلب ما للمؤمنين المستقيمين عند الله ومراتب الدعوة إلى الله ودفع الشر بالحسنة:

- ‌مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد الله في حفظ القرآن:

- ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الشورى عدد 12- 62 و 42

- ‌مطلب تسمية مكة أم القرى وقوله ليس كمثله شيء وإقامة الدين وعدم التفرقة فيه ومقاليد السموات:

- ‌مطلب في الاستقامة والمراد بالميزان وآل البيت وعدم أخذ الأجرة على تعليم الدين:

- ‌مطلب بسط الرزق وضيقه والتوبة وشروطها والحديث الجامع ونسبة الخير والشر:

- ‌مطلب أرجى آية في القرآن والقول بالتناسخ والتقمص وفي معجزات القرآن وبيان الفواحش والكبائر:

- ‌مطلب أنواع التوالد وأقسام الوحي ومن كلم الله من رسله ورآه:

- ‌تفسير سورة الزخرف عدد 13- 63 و 43

- ‌مطلب نعمة المطر ونعمة الدواب والأنعام وما يقال عند السفر والرجوع منه:

- ‌مطلب هو ان الدنيا عند الله وأهل الله وتناكر القرينين يوم القيامة والإشارة بأن الخلافة القريش وما نزل في بيت المقدس:

- ‌مطلب الآية المدنية وإهلاك فرعون ونزول عيسى عليه السلام وما نزل في عبد الله بن الزبعرى:

- ‌مطلب في عيسى عليه السلام أيضا وفي الصحبة وماهيتها ووصف الجنة وهل فيها توالد أم لا:

- ‌تفسير سورة الدخان عدد 24- 64- 24

- ‌مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

- ‌مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

- ‌مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

- ‌تفسير سورة الجاثية عدد 15- 65- 45

- ‌مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر:

- ‌تفسير سورة الأحقاف عدد 16- 66- 46

- ‌مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:

- ‌مطلب فيما اختص به أبو بكر ورد عائشة على مروان ومعرفة الراهب:

- ‌مطلب فى قوله (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ) الدنيا وكيفية إهلاك قوم عاد:

- ‌مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

- ‌تفسير سورة الذاريات عدد 17- 67- 51

- ‌مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:

- ‌مطلب في الرزق وأنواعه وحكاية الأصمعي، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام:

- ‌تفسير سورة الغاشية عدد 18- 68- 88

- ‌مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة:

- ‌تفسير سورة الكهف عدد 19- 69- 18

- ‌مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

- ‌مطلب أسماء أهل الكهف وقول في الاستثناء وقول أبو يوسف فيه والملك الصالح في قصة أهل الكهف:

- ‌مطلب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

- ‌مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

- ‌مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:

- ‌مطلب قصة موسى عليه السلام مع الخضر رضي الله عنه:

- ‌مطلب عدم جواز القراءة بما يخالف ما عليه المصاحف والقول في نبوة الخضر وولايته وحياته ومماته:

- ‌مطلب من هو ذو القرنين وسيرته وأعماله والآيات المدنيات:

- ‌مطلب أن ذا القرنين ليس اسمه إسكندر وليس بالمقدوني ولا اليوناني ولا الروماني وإنما هو ذو القرنين:

- ‌تفسير سورة النحل عدد 20- 70- 16

- ‌مطلب جواز أكل لحوم الخيل وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب لا جرم ولفظها وإعرابها وقدم لسان العرب وتبلبل الألسن وذم الكبر:

- ‌مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

- ‌مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

- ‌مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:

- ‌مطلب جواز تذكير اسم الجمع وشبهه وكيفية هضم الطعام وصيرورة اللبن في الضرع والدم في الكبد والطحال وغيرها:

- ‌مطلب في السكر ما هو وما يخرج من النحل من العسل وأقسام الوحي:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن وما قاله ابن عباس لمن سب عليا وما قاله العباس رضي الله عنهم وفي العهود:

- ‌مطلب في الكفر تضية، والكذب والأخذ بالرخصة تارة وبالعزيمة أخرى، والتعويض للهجرة ثالثا

- ‌مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل الله على عباده:

- ‌مطلب يوم الجمعة والآيات المدنيات وكيفية الإرشاد والنصح والمجادلة وما يتعلق فيهما:

- ‌تفسير سورة نوح عدد 21- 71- 77

- ‌مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:

- ‌تفسير سورة ابراهيم عدد 22- 72- 14

- ‌مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:

- ‌مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:

- ‌مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:

- ‌تفسير سورة الأنبياء عدد 23 و 73- 21

- ‌مطلب وصف الكفرة كلام الله والنزل عليه ومعنى اللهو وكلمة لا يفترون:

- ‌مطلب برهان التمانع ومعنى فساد السموات والأرض وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

- ‌مطلب إلقاء إبراهيم في النار وماذا قال لربه وملائكته وفي مدح الشام:

- ‌مطلب أن الجمع ما فوق الاثنين، وأحكام داود وسليمان، والبساط وسيره وما يتعلق بذلك:

- ‌مطلب قصة أيوب عليه السلام ومن تسمى باسمين من الأنبياء عليهم السلام:

- ‌مطلب إخساء عبد الله بن الزبعرى وجماعته، ومن كان كافرا في أصل الخلقة:

- ‌تفسير سورة المؤمنين عدد 24- 74 و 23

- ‌مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم الله على خلقه:

- ‌مطلب هجرة مريم بعيسى عليهما السلام إلى مصر، وأن الذي أمر الله به الأنبياء أمر به المؤمنين، وأن أصول الدين متساوية:

- ‌مطلب توبيخ الكفرة على الطعن بحضرة الرسول مع علمهم بكماله وشرفه وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب إصابة قريش بالقحط ثلاث مرات، واعترافهم بقدرة الله وإصرارهم على عبادة غيره، ومتعلقات برهان التمانع:

- ‌مطلب في التقاطع وعدم الالتفات إلى الأقارب والأحباب والمحبة النافعة وغيرها:

- ‌تفسير سورة السجدة عدد 25 و 75- 32

- ‌مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا

- ‌مطلب الآيات المدنيات، وقيام الليل، والحديث الجامع، وأحاديث لها صلة بهذا البحث:

- ‌تفسير سورة الطور عدد 26- 76- 52

- ‌مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:

- ‌مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:

- ‌تفسير سورة الملك عدد 27- 77- 65

- ‌مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب:

- ‌مطلب تبرؤ الرسول عن علم الغيب وأمر الرسول بسؤال الكفرة:

- ‌تفسير سورة الحاقة عدد 28 و 78- 69

- ‌مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:

- ‌تفسير سورة المعارج عدد 29 و 79 و 70

- ‌مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:

- ‌تفسير سورة النبأ عدد 30- 80- 78

- ‌تفسير سورة النازعات عدد 31- 71- 79

- ‌مطلب المياه كلها من الأرض وذم الهوى وانقسام الخلق إلى قسمين والسؤال عن الساعة:

- ‌تفسير سورة الانفطار عدد 32- 82

- ‌مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:

- ‌تفسير سورة الانشقاق عدد 33- 83 و 84

- ‌تفسير سورة الروم عدد 34- 84- 30

- ‌مطلب قد يكون العاقل أبله في بعض الأمور، وغلب الروم الفرس:

- ‌مطلب مآخذ الصلوات الخمس وفضل التسبيح ودلائل القدرة على البعث:

- ‌مطلب جواز الشوكة إلا لله ومعنى الفطرة للخلق وكل إنسان يولد عليها:

- ‌مطلب ما قاله البلخي للبخاري وحق القريب على قريبه والولي وما شابهه:

- ‌مطلب ظهور الفساد في البر والبحر، والبشارة لحضرة الرسول بالظفر والنصر وعسى أن تكون لامته من بعده:

- ‌مطلب في سماع الموتى وتلقين الميت في قبره وإعادة روحه إليه والأحاديث الواردة بذلك:

- ‌مطلب في أدوار الخلقة والجناس وحقيقة أفعال وفعائل وأنواع الكفر والجهل:

- ‌تفسير سورة العنكبوت عدد 35 و 85 و 29

- ‌مطلب لا بدّ من اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

- ‌مطلب برّ الوالدين وما وقع لسعد بن أبي وقاص مع أمه، وأبي بكر مع ولده، وعياش وأخويه أولاد أسماء بنت محرمة:

- ‌مطلب تعويض الهجرة لسيدنا محمد وهجرة ابراهيم وإسماعيل ولوط عليهم الصلاة والسلام وسببها

- ‌مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر

- ‌مطلب هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة والقراءة أم لا، والنهي عن قراءة الكتب القديمة:

- ‌مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:

- ‌مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

- ‌تفسير سورة المطففين عدد 36- 86- 83

- ‌مطلب التطفيف في الكيل والوزن والذراع، والحكم الشرعي فيها:

- ‌مطلب القراءات السبع، ورؤية الله في الآخرة، والقيام للزائر:

- ‌مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار:

- ‌مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:

- ‌مطلب بقية قصة الهجرة وفضل أبي بكر الصديق وجوار ابن الدغنة له:

- ‌مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

عن كل كلمة منه بلفظها ومعناها من غير أدنى تغيير فيها بل تعرض المحال، لأن إمكان وجود لغة أجنبية تحتوي على الحروف العربية كلها محال، وإن ما اطلعتما عليه من اللغات التركية والإفرنسية والعبرية والسريانية والكردية والهندية والإنجليزية والألمانية لا تحتوي عليها، وغيرها كذلك، وإمكان التعبير عن بعض كلماته لا يكفي، لأنه لا يجوز أن يترك منه حرف واحد. أما ما جاء عن أبي حنيفة فهي عبارة عن حفظ آية طويلة أو ثلاث آيات قصار بمقدار ما تصح به الصلاة للعاجز عن تعليمها بالعربية خشية من ترك الصلاة التي لا تصح بغير القراءة، فذلك ممكن، إذ يوجد في القرآن ما هو ممكن الترجمة بذلك القدر من آيات الدعاء والرجاء، أما كله أو نصفه أو عشره أو معشاره فلا يمكن البتة، لأنه خارج عن طوق البشر، وقدمنا في الآية 195 من سورة الشعراء في ج 1، ما يتعلق بهذا البحث بصورة موضحة فراجعها.

‌مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:

قال تعالى «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً» من الضلال وإرشاد للحق «وَشِفاءٌ» من مرض الشرك والشك الذي يحوك بالقلب وبعض الأمراض لصاحب اليقين القوي الاعتقاد، راجع الآية 80 من سورة الإسراء ج 1، «وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ» به «فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ» ثقل وصمم عن سماعه «وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى» لا يبصرونه لأنهم لا ينظرون إليه عن صدق وحقيقة ولا يسمعونه سماع قبول فيكون ظلمة وشبهة ومرضا عليهم فهو بآن واحد نور لأناس ظلمة لآخرين، لأنهم لا ينتفعون به فيكون عليهم بالضد من غيرهم «أُولئِكَ» الصم العمي عن القرآن «يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» 44 فلم يسمعوا ذلك النداء ولم يعوه، شبه الله تعالى عدم فهمهم بما دعوا إليه بمن ينادى من مسافة بعيدة فإنه إن سمع الصوت لا يفقه المعنى، وهو مثل يقال للذي لا يفهم: أنت تنادي من مكان بعيد، والنداء على الشخص من بعد فيه إهانة له وعدم اكتراث به، ولهذا فإن الكفرة يوم القيامة ينادون بكفرهم وقبح أعمالهم بأشنع أسمائهم من مكان بعيد هوانا بهم وإذلالا لهم، فتعظم السمعة عليهم وتتكاثف المصائب بفضيحتهم على رؤوس الأشهاد. قال تعالى

ص: 21

«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ» من قبل قومه، فمنهم من آمن ومنهم من كفر مثل قومك يا محمد «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ» بتأخير العذاب «لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» في الدنيا وأهلكوا جميعا كسائر الأمم السالفة، ولكن أرجأناهم بمقتضى سابق علمنا ليؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم «وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ» 45 صفة مؤكدة للشك، كما أن قوم موسى كانوا في ريب من كتابهم «مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» 46 فلا يعذب إلا المسيء بحسب إساءته فقط، وحاشاه من الظلم، وقدمنا في الآية 16 من سورة يونس المارة ما يتعلق بعدم جواز نسبة الظلم إلى الله فراجعها، ونظير هذه الآية الآية 15 من سورة الجاثية الآتية، إلا أنها ختمت بغير ما ختمت به هذه. قال تعالى «إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ» عند السؤال عنها، أي إذا سئلت يا سيد الرسل عن زمن القيامة فقل علمها عند الله وحده «وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها» أو عينها، ومن الأولى مؤكدة للتنكير مما يزيد عمومه وإطلاقه، أي مطلق ثمره من جميع أنواعها، وكذلك من قوله «وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ» وأمره وإرادته أي لا يكون شيء من ذلك كما لا يكون غيره بغير علم الله وأنه ما يقع من ذلك على لسان بعض العارفين من الإخبار بوقت الإثمار ووقت تكون الحمل وزمن الوضع وبيان الموضع، هو من إلهام الله تعالى إياهم. أما ما يقوله المنجمون والسحرة والكهنة فمن طريق الحسبان والظن والتوسم، راجع الآية 76 من سورة الحجر المارة تجد هذا البحث مستوفيا «وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي» الذين سميتموهم بالدنيا أحضروهم إليّ الآن لأسألهم عن الذي حدا بهم لهذه الدعوى الباطلة «قالُوا آذَنَّاكَ» أخبرناك يا ربنا وأعلمناك بأنه «ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ» 47 الآن بأن لك شركاء البتة، وذلك لأن الذين اتخذوهم شركاء ينكرون ذلك ويتبرءون منهم عند معاينة العذاب، وقبله في الوقف وهو الحساب. قال تعالى «وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ» من الشركاء «مِنْ قَبْلُ» في الدنيا «وَظَنُّوا» أيقنوا إيقانا لا ريب فيه أنهم «ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ» 48 من العذاب ولا محيد عنه وحاص

ص: 22

بمعنى عدل ومال وماد وحاد وهرب، والأنسب بالمقام ما ذكرناه «لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ» لا يمل ولا يضجر من تكرار طلبه بل يظل يسأله مالا وولدا وجاها ورياسة وعافية بصورة دائمة، ولو أعطى أحدكم نهرين لتمنى الثالث «وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ» من شدة وفقر وفاقة أو مرض وذل أو فقد شيء ما «فَيَؤُسٌ» شديد اليأس من روح الله «قَنُوطٌ» 49 كثير التفاؤل بالشر وقطع الرجاء من رحمة الله وفضله، ولقد بولغ هذا الكلام من جهتين من جهة الصيغة، لأن فعولا من صيغ المبالغة، ومن جهة التكرار، وهذه صفة الكافر بالدنيا والآخرة أيضا. قيل نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة، وهي عامة يدخل في عمومها هذان الكافران وغيرهما دخولا أوليا. قال تعالى في وصف هذا الكافر أيضا «وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا» من غنى وعافية ورياسة «مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ» من فقر ومرض وذل

«لَيَقُولَنَّ» بلا حياء ولا أدب «هذا لِي» حقي استحقيته بعملي «وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ» التي تخبرنا بها يا محمد «قائِمَةً» واقعة، يريد أنه ليس موقنا بالبعث، وأن أهل هذه الدنيا يحيون حياة ثانية، ثم أقسم الخبيث فقال «وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي» على فرض صحة قولك «إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى» المنزلة الحسنة بالآخرة أيضا كما هي بالدنيا على فرض وجودها، وهذا قياس مغلوط أشبه بقياس أخيه إبليس الذي أشرنا إليه في الآية 12 من الأعراف في ج 1، لأن نعم الدنيا لا يستدل بها على نعم الآخرة من حيث حيازتها، لأن الدنيا تملك بالمال والآخرة بالأعمال. قال تعالى مقسما ومؤكدا «فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» أمثل هذا القائل أن الأمر ليس كما زعم وأنهم مستحقون الإهانة لا الكرامة «بِما عَمِلُوا» في الدنيا من السوء ثم أقسم ثانيا فقال «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ» 50 شديد لا يطاق في نار جهنم على ما فرط منهم.

قال تعالى «وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى» تباعد بطرا عن شكر المنعم «بِجانِبِهِ» بنفسه تعاظمأ وتكبرا ووضع الجانب مكان النفس، لأن مكان الشيء وجهته لينزل منزلة نفسه، ومنه قول الكتاب في مكاتباتهم إلى جناب وجانب فلان يريدون نفسه وذاته، وعليه قوله تعالى:

ص: 23

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) الآية 46 من سورة الرحمن ج 3 أي ذاته، وقول الشاعر:

ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذنب كالرجل اللعين

وقال أبو عبيد نأى نهض بجانبه وهو عبارة عن التكبر وشموخ الأنف، هذا وقد يعبر عن ذات الشخص بالمقام والمجلس بقصد التعظيم والاحتشام عن التصريح بالاسم ويتركون التصريح لزيادة الاحترام، قال زهير:

فعرض إذا ما جئت بالبان والحمى

وإياك أن تنسى فتذكر زينبا

سيكفيك من ذاك المسمى إشارة

فدعه، مصونا بالجلال محجبا

وليس من هذا قوله تعالى (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) الآية 36 من سورة النساء ج 3، وقوله تعالى (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) الآية 56 من سورة الزمر المارة كما ستطلع عليه في تفسيرها إن شاء الله «وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ» 51 كثير مستمر كناية عن الإقبال على الدعاء بكليته والإلحاق به والابتهال صباح مساء، والعرض من وصف الأجسام وهو أقصر الامتدادين والطول أطولهما، ويفهم عرفا من العريض العظم والاتساع، يقال بالقلم العريض أي الكبير الذي يقرأ عن بعد، وإن صيغة المبالغة وتنوين التنكير فيه يشعران بذلك. ويستلزم وصف الدعاء بالعرض وصفه بالطول أيضا، هذا وقد تضمنت هذه الآيات نوعين من طغيان الإنسان الأول شدة حرصه على جمع الدنيا وشدّة جزعه على الفقد، والتعريض بتظليم ربه، تعالى عن ذلك، في قوله هنا لي مديحا فيه سوء اعتقاده بالمعاد المستجلب لتلك المساوى كلها، والثاني بين طيشه المتولد عنه إعجابه بنفسه واستكباره عند وجود النعمة واستكانته عند فقدها، وقد ضمّن ذلك ذمّه بشغله بالنعمة عن المنعم بالحالتين أما في الأولى فظاهر، وأما في الثانية فلأن التضرع جزعا على الفقد ليس رجوعا إلى المنعم، بل تأسفا على الفقد المشغل عن المنعم كل الإشغال، تدبر، قال تعالى أيها الناس «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ» هذا القرآن «مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» كما ذكرت لكم «ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ» لقولكم إنه ليس من عنده، أخبروني «مَنْ أَضَلُّ» منكم بتجارئكم على هذا القول، وقد وضع محل هذه الجملة «مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ» خلاف «بَعِيدٍ» 52 عن الحق وهو أبلغ إذ تفيد لا أضل منكم أبدا، لأنكم في

ص: 24

خلاف بعيد غاية البعد عن الحق السوي، قال تعالى «سَنُرِيهِمْ آياتِنا» عند حلول الوقت المقدر لخذلانهم «فِي الْآفاقِ» نواحي الأرض شرقا وغربا، ومن جميع جهاتها، وأفاق السماء نواحيها وجوانبها أيضا، والأفق القطر وما تراه من اتصال السماء بالأرض يسمى أفقا أيضا، وفسر بعض المفسرين هذه الآية بما أجراه الله تعالى على يد نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفائه الكرام رضي الله عنهم ومن حذا حذوهم وتبع خططهم من فتوحات البلاد والقرى والاستيلاء على الأراضي الدالة على قوة الإسلام ومتانة شكيمة المسلمين للمؤمنين الذين اخترقوا البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وافتتحوها وكانوا واسطة هداية أهلها، وعلى وهن الباطل وتفرق جنده وتشتيت أهله وخذلان الكفرة وإذلالهم، وذلك استدلالا من معنى السين في (سنريهم) لدلالتها على الاستقبال أي أنّا سنري أصحابك وأمتك بعدك آياتنا الدالة على قدرتنا بمحق الباطل وإظهار الحق من بعدك، كما أريناكه في حياتك، وعليه يكون الخطاب في الآية عاما للكافرين والمؤمنين الموجودين زمن صاحب الرسالة فمن بعدهم، ولا مانع من ذلك «وَفِي أَنْفُسِهِمْ» نريهم آياتنا أيضا بإنزال البلاء على الكافرين من قحط أو خوف وقتل وأصر وجلاء كما أراهم في بدر وما بعدها من المواقع وزمن الفتح وبعده، وبمقابل هذا للمسلمين رخاء وظفر وعز وغنيمة، وفي هذه الآية على التفسير الأول إشارة إلى فتح مكة عنوة لما فيها من معنى لتهديد في لفظ سنريهم والوعيد وهو من الإخبار بالعيب وإن مكة شرفها الله لم تفتح عنوة على يد أحد قبله قط، وعلى التفسير الثاني إلى فتح بلاد العرب خاصة استشعارا من قوله (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) والبلاد الأخرى عامة وإلى أن ذلك كله كائن لا محالة لإخبار الله تعالى به، وهذا وإن كان فتحا بالنسبة إلى الأرض والبلاد فهو آية بالنسبة إلى الأنفس، ونفس الإنسان فيها آيات كثيرة لم يحط بها البشر، ومن قرأ علم التشريح ووقف على ماهيته وشاهد تراكيب الإنسان عرف مغزى قول علي كرم الله وجهه:

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

ومن العجيب أن بعض العلماء بالطب مع وقوفهم على علم التشريح ينكرون الإله مع أن المنكر يجب أن يؤمن لما يرى من صنع المبدع في هذا الوجود،

ص: 25